- ملخص
- تصعيد عسكري شامل: غارات إسرائيلية تستهدف مواقع إيرانية وسورية، هجمات تركية ضد الأكراد،
- أزمة إنسانية خانقة: تراجع المساعدات لنحو 17 مليون سوري، وعودة اللاجئين بسبب الأوضاع المتدهورة في لبنان.
- الأسد يركز على البقاء: يعتمد على إيران وحزب الله لكنه يحاول تعزيز علاقاته مع روسيا والدول العربية لاستعادة شرعيته.
- تعنت سياسي: يرفض تقديم تنازلات في قضايا اللاجئين أو الأمن، ويستغل المفاوضات لتحقيق مكاسب مالية وسياسية دون التزام حقيقي.
- مشهد معقد: التطبيع مع الأسد يواجه عقبات كبيرة، مع استمرار تدهور الوضع الداخلي وزيادة التعقيدات الإقليمية.
وسط الأضواء المسلطة على الحرب في غزة والتصعيد في لبنان، تبدو سوريا وكأنها خارج دائرة الاهتمام الدولي، على الرغم من تفاقم الأوضاع الميدانية والإنسانية فيها. البلاد تغرق في دوامة عنف متصاعدة، لا تحمل معها سوى المزيد من الدمار والفوضى، في مشهد يشير إلى أن الحرب لم تنتهِ، بل دخلت مرحلة أشد تعقيداً.
-
بلد مُنهك وساحات مشتعلة
كل زاوية من سوريا أصبحت ضحية للصراعات المتشابكة. الغارات الإسرائيلية باتت شبه يومية، مستهدفة مواقع تابعة لإيران وحزب الله وحتى للجيش السوري نفسه، مع امتداد الهجمات إلى عمق العاصمة دمشق. في سبتمبر الماضي، دُمر مصنع عسكري مهم في معقل الطائفة العلوية، كان يستخدم لإنتاج معدات علمية وعسكرية تديرها إيران وسوريا وحزب الله.
في شرق البلاد، تشن الميليشيات المدعومة من طهران هجمات متكررة على المواقع العسكرية الأميركية، مما أدى إلى ردود فعل عنيفة من الولايات المتحدة، زادت الوضع تعقيداً. من جهة أخرى، كثفت تركيا عملياتها العسكرية ضد المقاتلين الأكراد في الشمال الشرقي، خاصة بعد الهجوم الذي استهدف منشأة دفاعية تركية في أنقرة الشهر الماضي. وفي الشمال الغربي، صعّد النظام السوري، بدعم روسي، قصفه لمعقل الثوار في إدلب، في خطوة يُعتقد أنها تمهيد لحملة برية موسعة.
وفي الوقت نفسه، يظهر تنظيم “داعش” مجدداً من صحراء البادية، ما يعيد إشعال المخاوف من موجة جديدة من الإرهاب. كل هذه التطورات العسكرية تترافق مع أزمة إنسانية خانقة، حيث تراجعت المساعدات الدولية الموجهة لنحو 17 مليون سوري. ومع تصاعد الأوضاع في لبنان، تدفقت موجات جديدة من اللاجئين السوريين واللبنانيين نحو سوريا، ليضاف هذا العبء إلى كاهل بلد منهك بالفعل.
-
الأسد.. سياسة البقاء بأي ثمن
بين أركان هذا الخراب، يواصل بشار الأسد إمساك زمام السلطة. بفضل الدعم الإيراني وتدخل حزب الله، تمكن الأسد من الحفاظ على عرشه خلال سنوات الحرب الطويلة. لكن الواقع اليوم مختلف، إذ بات النظام السوري في موقف ضعيف، مكشوفاً أمام الضغوط الإقليمية والدولية.
بالرغم من ذلك، يظل الأسد متمسكاً بخطته الأساسية: البقاء في السلطة مهما كلف الأمر. في هذا السياق، سمح للميليشيات الإيرانية باستخدام الأراضي السورية كقاعدة لإطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل، على الرغم من أن جيشه في حالة من الضعف لا تمكنه من الدخول في مواجهة مفتوحة مع تل أبيب. الأجهزة الأمنية السورية نفسها مخترقة من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، مما يجعل النظام في حالة دائمة من القلق والترقب.
تجاهل الأسد إلى حد كبير قضية غزة، وهو أمر لافت، يعكس براغماتية سياسية واضحة. حتى في الوقت الذي وجه فيه انتقادات خجولة لإسرائيل، بدا واضحاً أنه لم يغفر لحركة حماس دعمها للثورة السورية. هذا الصمت يعكس حساباته التي ترتكز على تجنب صدام مفتوح مع إسرائيل قد يعصف ببقايا نظامه.
-
رهان على التوازنات الإقليمية
في خضم كل ذلك، يحاول الأسد استغلال التحولات الإقليمية لصالحه. يشعر بخزي كبير نتيجة اعتماده على إيران وحزب الله، وهي علاقة كانت في الماضي مصدر قوة، لكنها اليوم باتت عبئاً سياسياً. مع ذلك، يرى في ضعف إيران فرصة لتعزيز علاقته مع روسيا، التي يعتبرها ركيزة لاستعادة جزء من قوته السياسية والإقليمية.
روسيا بدورها تلعب دوراً رئيسياً في إعادة دمج الأسد في المشهد العربي. خلال الأشهر الماضية، استفاد الأسد من مبادرات قادتها موسكو والرياض لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ما أتاح له حضور مؤتمر الرياض الأخير لإقامة دولة فلسطينية. كان هذا الحضور فرصة للأسد للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أنهى عزلته الدبلوماسية عام 2023.
-
التطبيع مع الأسد.. خطوة محفوفة بالمخاطر
تسعى بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وهنغاريا واليونان، للتخلي عن سياسة العزلة تجاه الأسد. هذه الدول تطمح لإيجاد حل لمشكلة اللاجئين السوريين من خلال إعادة جزء منهم إلى بلدهم. لكنها تواجه معضلة كبيرة، إذ لا يبدو النظام السوري مستعداً لتقديم أي تنازلات حقيقية.
يرى الأسد في هذه المفاوضات مجرد وسيلة لجذب الدعم المالي والسياسي دون الالتزام بشروط الدول الأخرى. بالنسبة له، قضايا مثل ضمان الأمن وعودة اللاجئين ووقف تجارة المخدرات ليست سوى أدوات ضغط تُستخدم لإطالة أمد التفاوض، بينما يستمر في تحسين وضعه الداخلي دون تقديم تنازلات جوهرية.
-
معضلة أنقرة وصفقة لبنان
تركيا، التي أبدت اهتماماً بالتطبيع مع الأسد، تواجه عقبة كبيرة تتمثل في شرط الأسد الأساسي لسحب قواتها من شمال سوريا. هذا المطلب يصطدم بمصالح أنقرة الاستراتيجية، ما يجعل التطبيع معقداً ومؤجلاً.
على صعيد آخر، قد تكون الأزمة اللبنانية فرصة للأسد لتعزيز دوره الإقليمي. إذا نجحت روسيا في صياغة صفقة إقليمية لإنهاء الأزمة اللبنانية، فقد يجد الأسد مساحة للمناورة. لكن حتى في هذا السيناريو، من المستبعد أن يقطع علاقته مع إيران.
-
الثبات أم الانهيار؟
الأسد معروف بتجنب تقديم التنازلات، إذ يعتبرها علامة ضعف. هذه العقلية جعلته يتمسك بموقفه، منتظراً تغير الظروف لصالحه. يرى أن الوقت لا يزال في صالحه، وأن الصمود هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يحافظ به على نظامه.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبقى مصير سوريا مرهوناً بمزيج من التحولات الإقليمية والضغوط الدولية. وبينما يواصل الأسد اللعب على خيوط التوازنات الدولية، يظل ملايين السوريين في الداخل والخارج عالقين في دائرة من المعاناة التي يبدو أن لا نهاية لها في الأفق القريب.
(ترجمات)
المصدر: The Financial Times