“وضع المرأة أثناء النزاع أفضل مما كان عليه الحال من قبل، بالرغم من الحرب… خلال المُظاهرات السلمية عام 2011، أصبح صوت المرأة مُساوياً لصوت الرجل وكانت الثورة فُرصة للمُطالبة بالمزيد من حقوق المرأة” تقول غالية الرحَّال، ناشطة حقوق إنسان سورية ومديرة شبكة من مراكز تمكين المرأة في شمال سوريا.
كانت غالية إحدى أوائل المُشاركات في المُظاهرات عام 2011 والمُطالِبات بالمزيد من حقوق المرأة، ثُم أدركت بسرعة أن للمرأة السورية دور تلعبه فيما سيكون عليه مُستقبل سوريا. أسَسَّت غالية عام 2013 مع نساء سوريات أول مركز لتمكين المرأة في شمال سوريا، تم تأسيس سبعة مراكز منذ ذلك الحين منها ثلاثة مراكز أطفال في شمال سوريا بالإضافة إلى إصدار مجلة تتناول قضايا المرأة.
تسعى المراكز من أجل دعم النساء وتمكينهن سياسياً واقتصادياً، وهي تُقدم التدريب المهني في عدة مجالات مثل الإسعاف الأولي وبناء القدرات لتعزيز دور المرأة الأمني، وتسوية النزاعات والحوكمة بالإضافة إلى مجالات أُخرى.
“غالبية النساء اللواتي ندعمهن يُصبحن مُنخرطات في دعم نساء أُخريات عندما يشعرن بأنهن أصبحن متمكنات” تقول غالية.
نساء يَقُدنَ جهود بناء السلام
إلى جانب عملها في المراكز تُشارك غالية مع 29 شخصية سياسية بارزة وممثلين عن المُجتمع المدني من داخل وخارج سوريا ضمن “مجموعة النساء السوريات في غازي عينتاب” وهي مبادرة أُطلِقَت عام 2018 بتمويل من الاتحاد الأوروبي لترعى التماسك والحوار بين جهات سورية مُختلفة. تشمل المجموعة ممثلين عن فريق المفاوضات في الحوارات السورية الداخلية بقيادة الأمم المتحدة والعاملين في المجالس المحلية في سوريا والنشيطين في مجال العمل الشعبي مثل غالية. وتَضَّع المجموعة قضايا النوع الاجتماعي والمرأة ضمن أولويات أجندة المُفاوضات السياسية في سوريا.
كما عملت “مجموعة النساء السوريات في غازي عينتاب” على وضع مجموعة من التوصيات الصلبة من أجل تعزيز مُشاركة المرأة في العملية السياسية ووجودها على طاولة المُفاوضات وعلى الأرض ضمن المؤسسات المحلية.
وكانت آخر مُبادرة لدعم المجموعة المبادرة الأولى المُشتركة لكندا والاتحاد الأوروبي في غازي عينتاب في كانون ثاني/يناير 2019 من خلال لقاءان تدريبيان مكثفان حول السياسة والقيادة والتركيز على تحديث الدستور. ينخرط الاتحاد الأوروبي منذ بدء الأزمة من خلال المُبادرات المشابهة لهذه في دعم النساء السوريات لكي يلعبن دوراً أكثر تفاعلاً في العملية السياسية والحياة السياسية على المستويان الوطني المحلي.
“باستطاعة المرأة أن تكون أفضل عاملاُ في عوامل التغيير؛ تمكين المرأة يُعطي السلام فُرصةً أعظم للنجاح” قالت فيدريكا موغريني الممثلة العليا لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي عندما التقت نساء سوريات ويمنيات يمثلن منظمات المجتمع المدني للحوار السامي حول “تعزيز دور المرأة في العملية السلمية” في كانون أول/ ديسمبر الماضي في بروكسل.
وشدَدَّت موغريني “ليس للاتحاد الأوروبي أجندة غير أجندة تحقيق السلام، سوف نستمر في بذل قُصارى جُهودنا لنكون إلى جانب المواطنين والمرأة في الصراع، وعندما ينتهي الصراع يتحول دعمنا من أجل تمكين المرأة في العملية السلمية إلى دعم لمُشاركتهن في العمليات السياسية في بلادهن”.
وتنخرط الممثلة العليا بفعالية مع النساء السوريات اللواتي يَعمَّلنَ من أجل تغيير الحياة العامة والمساهمة في بناء السلام في بلادهن، حيث قامت مرتان بدعوة مجموعة من الوفود من المجلس الاستشاري للمرأة إلى بروكسل لمناقشة آرائهن حول المستقبل في سوريا.
المجلس الاستشاري النسائي
يشير قرار مجلس الأمن الأممي 2254 خارطة الطريق من أجل عملية السلام في سورية إلى عملية سياسية شاملة و بقيادة السوريين، كما “يشجع مشاركة النساء الهادفة في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تسهيلها في سوريا”.
فقد تمّ تطوير آلية لتسهيل مشاركة النساء السوريات و المجتمع المدني في المحادثات السورية-السورية. إن المجلس الاستشاري النسائي هو مجموعة من ممثلات مستقلات عن المجتمع المدني، مهمتهنّ إثارة المسائل غير الواردة في جدول الأعمال، تطوير مواقف إزاء السياسات، تقديم توصيات للمساعدة في محادثات السلام، اقتراح وجهات نظر تأخذ مسائل “الجندر” في عين الاعتبار. في حين أن المجتمع المدني و المنظمات النسائية ليسا طرفين رسميين في المفاوضات في هذه المرحلة من العملية السياسية، إلا أن شمل مجموعات تمثل مصالح المرأة أمر حاسم لبناء مصداقية أي انتقال و شرعيته. يساهم الاتحاد الأوروبي مالياً من أجل عمل تلك المجموعات، إضافة إلى تنظيم فعاليات من أجل تلك المجموعات بغية تأمين المشورة حول مسائل السياسات بشأن سوريا.
إلى ما بعد الصمود
تُجبَّر المرأة في مناطق النزاع أحياناً على أن تكون ركيزة معاناة المُجتمع، فهي تتخذ عدد من الأدوار مثل رب الأسرة وعامل الصمود وباني السلام والمدافع عن حقوق الإنسان.
أسماء ذات السابعة والعشرين سنة مثل الكثير من النساء السوريات هي الأم والأب لولديها، لكنها تُريد أن تكون أكثر من ذلك. لقد فَقَدَّت زوجها وأبوها وأخوها في الحرب في سوريا واجتازت الحدود وهي حامل بابنها الثاني. “أردت أن أجد طريقة لفعل شيء ما. لم أكن أريد أن أبقى بدون دور فعّال” تقول أسماء.
قررت أسماء أن تستكمل دراستها في الأردن لسببين: أرادت أن تُحسن الظروف المعيشية لعائلتها وأن توفر مُستقبلاً أفضل لولديها، كما أنها تُريد أن تُساعد الآخرين في مواجهة الظُلم.
نجحت أسماء في امتحانات المدرسة الثانوية وحصلت على منحة دراسية لدراسة القانون. “اخترت الحقوق لأنني أكره الظلم. رأيت الكثير من الأشياء الفظيعة ولم أستطع فعل أي شيء حيالها. ربما إذا درست الحقوق فسأكون قادرة على مساعدة الأشخاص الذين مروا بنفس الآلام.”
لقد استطاعت آلاف الفتيات والنساء السوريات مثل أسماء من التعلم في المدارس والجامعات بتمويل من الاتحاد الأوروبي، حيث يكمن تحسين تعليم وتطوير مهارات النساء السوريات لتمكينهن ولقيامهن بدور قيادي في المُجتمع في صميم دعم الاتحاد الأوروبي للسوريين.
يُساهم الاتحاد الأوروبي في مساعدة النساء في سوريا وفي المنطقة من أجل تحسين تعليمهن وظروف حياتهن، ومناصرة السلام واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك إطلاق سراح المُعتقلين والعدالة الانتقالية وتشريعات متوازنة للنوع الاجتماعي في سوريا.
تحويل الدموع إلى عَمَل
لقد دفعت المرأة السورية ولا تزال تدفع ثمناً باهظاً في الأزمة، إلا أنه بالرغم من الخسارة والمعاناة اختار الكثير منهن أن يعملن لا أن يستسلمن لقدرهن. نورة إحدى هؤلاء النساء، حيث لقيت الحُب أثناء المُشاركة في المُظاهرات السلمية في شوارع دوما.
زارت نورة باسل في السجن بصفتها محاميته كل أسبوع لمدة أربع سنوات، إلا أن تمّ نقل باسل في أحد الأيام إلى سجن آخر دون أن تعرف نورة إلى أين.
تقول نورة “من خلال عملي في الميدان، أدركت أن جميع العائلات السورية تقريبًا لها أشخاص مفقودين، من كل الجهات.
عندما جئت إلى لبنان، أدركت أنني لا أستطيع إيقاف عملي في الميدان وأنني بحاجة للبقاء على اتصال مع ضحايا الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري وعائلاتهم.”
منذ اختفاء زوجها ركزَّت نورة خبراتها القانونية على تقديم المساعدة القانونية والإرشاد والمُناصرة لقضية المُعتقلين حيث قامت مع نساء أُخريات فقدن أشخاص كذلك بتأسيس “عائلات من أجل الحرية” وهي منظمة تُساعد عائلات ذوي ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وتطالب بالعدالة والمساءلة.
“سوف نستمر بالمطالبة في سوريا وفي أوروبا وفي أي مكان نكون فيه لأنه من حقنا أن نعرف مصير هؤلاء الذين نحبهم لرؤيتهم من جديد،” تقول فدوى محمد، نشيطة ومُؤَسِسَة مُساعدة لمنظمة عائلات من أجل الحرية، نجت من الاعتقال لكنها تعيش دون معرفة مصير ابنها وزوجها.
كَرَّسَت فدوى حياتها منذ اعتقال أفراد عائلتها لإعطاء صوت لأهالي المُعتقلين، والإصرار على معرفة أين ابنها وآلاف الشباب والنساء الذين فُقِدوا في سوريا.
وَعَدَت فدوى بالقيام بحفل كبير تدعو إليه الجميع عندما “يعود الشباب إلى البيت”كما تقول.
يقوم الاتحاد الأوروبي من خلال برنامج تنفذه اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بدعم العائلات التي عانت اختفاء أعزاء عليها مثل نورة و فدوى. ويعمل البرنامج على زيادة معرفة وقدرات هذه العائلات لتكون أكثر جاهزية من أجل الانخراط في عملية البحث عن أقربائهم المختفين وتطوير عملية تشاركية لجمع البيانات بين العائلات وتمهيد الطريق لجهود تستند إلى سيادة القانون في المستقبل للبحث عن الأشخاص المفقودين وخلق ظروف تمكن الأشخاص من العودة إلى بيوتهم.