في الأول من يناير 2024، فقدت سوريا أحد أبرز رموز المعارضة، رياض الترك، الذي توفي عن عمر يناهز 94 عامًا، بعد حياة قضاها في النضال ضد النظام الديكتاتوري للبعث في سوريا.
البدايات والانخراط في العمل السياسي
رياض الترك، الذي وُلد في حمص السورية في عام 1930، نشأ في عائلة فقيرة وفقد والده في سن مبكرة، مما أدى إلى نشأته كيتيم في دار للأيتام. بدأ الترك مشواره السياسي في أيام الجامعة، حيث انضم إلى الحزب الشيوعي السوري.
تعرض الترك للاعتقال لأول مرة في عام 1952، حيث تعرض للتعذيب الشديد. ورغم أنه أُطلق سراحه بعد خمسة أشهر، إلا أنه لم يتوقف عن النشاط السياسي. في عام 1960، تم اعتقاله مرة أخرى وتعرض للتعذيب مرة أخرى. بعد أن أُطلق سراحه بعد عامين، اضطر إلى مغادرة سوريا بسبب تهديدات النظام السوري.
المواجهة مع النظام السوري
عاد الترك إلى سوريا في عام 1965، واستأنف نشاطه السياسي المعارض للنظام السوري. رفض الانضمام إلى الجبهة الوطنية التقدمية، التي أُسست بالتعاون بين حزب البعث وبعض الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، وأسس بدلاً من ذلك الحزب الشيوعي السوري المنشق (المكتب السياسي).
في عام 1980، تم اعتقال الترك مرة أخرى، وحُكم عليه بالسجن لمدة 18 عامًا. خلال فترة سجنه، تعرض للتعذيب الشديد، بما في ذلك الضرب والصعق بالكهرباء والتعليق. كما تعرض لإساءات نفسية، مثل العزل الانفرادي والتهديد بالقتل.
ومع ذلك، تمكن الترك من الصمود في وجه التعذيب، وظل يدعو إلى إسقاط النظام السوري. تم الإفراج عنه في عام 1998، بعد تدخل الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك.
المعارضة المستمرة
بعد الإفراج عنه، واصل الترك معارضته للنظام السوري، ودعا إلى الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية من خلال التوافق السلمي. في عام 2001، ألقى محاضرة في دمشق دعا فيها إلى “الانتقال السلمي إلى الديمقراطية”، وإلى “بناء دولة علمانية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان”. تم اعتقال الترك بعد هذه المحاضرة، لكنه أُطلق سراحه بعد فترة وجيزة.
في عام 2005، تنحى الترك عن منصبه كأمين عام للحزب الشيوعي السوري المنشق. وفي عام 2011، دعا إلى إسقاط نظام الأسد في أعقاب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا. واصل الترك معارضته للنظام السوري حتى وفاته في عام 2022.
الدفاع عن حقوق الإنسان
لم يقتصر نضال الترك على المعارضة السياسية للنظام السوري، بل ساهم أيضًا في الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا. كان من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في سوريا، وعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام السوري.
في عام 1986، أسس الترك المنظمة السورية لحقوق الإنسان، وهي أول منظمة حقوقية مستقلة في سوريا. عملت المنظمة على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام السوري، ونشرها على المستوى الدولي.
في عام 1992، حصل الترك على جائزة “سخاروف” لحرية الفكر، التي يمنحها البرلمان الأوروبي لشخصيات بارزة في مجال حقوق الإنسان.
رياض الترك، الذي كان رمزًا للمعارضة السورية، سيظل صوته يرن في أذهان السوريين الذين ناضلوا من أجل الحرية والديمقراطية. سيبقى ذكره خالدًا في قلوب السوريين الذين ناضلوا من أجل الحرية والديمقراطية.
الشجاعة والتحدي: حياة رياض الترك
“ليس لدي خوف… أنا أعيش أكثر من المتوقع… كان يجب أن أموت تحت التعذيب في عام 1959 والآن أصبحت في الثانية والثمانين من عمري. إذا قتلوني، سيكون أفضل لأنني سأموت شهيدًا بدلاً من أن أصبح لاجئًا بعد عبور الحدود”. هذه الكلمات البطولية قيلت بواسطة رياض الترك، خلال فيلم وثائقي بعنوان “ابن العم”. ومع ذلك، تدهورت حالته الصحية واحتياجه للعناية الطبية، مما أدى إلى كسر “القاعدة” وعبور الحدود من سوريا إلى تركيا ومن ثم إلى باريس، حيث تعيش ابنته خزامى.
النقد الحاد: رياض الترك يتحدث عن المعارضة السورية
في العام 2020، استضاف برنامج “المشهد” الحواري الذي تبثه قناة “BBC عربي”، والذي تقدمه الصحافية جيزيل خوري، رياض الترك بعد انتقاله إلى فرنسا. خلال المقابلة التلفزيونية، أشار إلى الإفلاس الذي تعيشه المعارضة السورية حاليًا، والتي فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي، وهو إسقاط النظام الذي يستبد به.