المناطق التي يستهدفها هجوم فصائل المعارضة في ريف مدينة حلب تعرف منذ سنوات بأنها ذات أهمية كبيرة بالنسبة لإيران عسكريا، وهو ما عكسته السنوات التي سبقت عام 2020 عندما زج “الحرس الثوري” بالكثير من الميليشيات هناك على الأرض أو على صعيد الحادثة التي أسفرت، الخميس، عن مقتل جنرال كبير يدعى، كيومارس بورهاشمي.
وتشير المعطيات على الأرض، بحسب ما قال صحفيون أن الهجوم ما يزال مستمرا ويأخذ شكل التقدم من محورين، الأول باتجاه أحياء حلب ثاني أكبر المدن السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، والثاني باتجاه مدينة سراقب بريف إدلب، الواقعة على الأوتوستراد الدولي المعروف برمز “إم فور”.
الفصائل المهاجمة أعلنت، صباح الجمعة، السيطرة الكاملة على ريف حلب من الجهة الغربية، وقالت إنها تقدمت جنوبا وسيطرت على خان طومان، بالإضافة إلى منطقة البحوث العلمية في حي حلب الجديدة.
وأعلنت فصائل المعارضة في الشمال السوري سيطرتها أيضا على بلدة الحاضر الواقعة في ريف حلب الجنوبي، وهذه البلدة كانت خسرتها في ٢٠١٥ وظهر فيها قائد فيلق القدس حينها، قاسم سليماني، وزعيم حركة النجباء العراقية، أكرم الكعبي. وبالسيطرة على هذه البلدة تكون فصائل المعارضة قد كسرت الحدود التي كانت عليها في 2019.
كما قالت أيضا، قبل يومين، إن عمليتها العسكرية تستهدف إبعاد خطر قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية بالتحديد عن المناطق التي تخضع لسيطرتها في شمال غربي البلاد، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عن تداعيات ما يحصل على جانب ميليشيات إيران هناك.
ولم يصدر أي تعليق حتى ساعة نشر هذا التقرير من جانب تركيا وهي التي تدعم فصائلا عسكرية تشارك في الهجوم، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي كانت أبرمت مع أنقرة خلال السنوات الماضية عدة تفاهمات، منها ما هو ثنائي وآخر ثلاثي بالشراكة مع إيران ضمن مسار مجموعة “أستانة”.
ويوضح الخبير في الشؤون السورية في مؤسسة القرن، آرون لوند أن هذا النوع من الهجمات من قبل المعارضة أمر نادر الحدوث، في حرب لم تشهد سوى القليل من التحركات العسكرية في السنوات الأربع الماضية.
ويتوقع لوند في حديثه لموقع “الحرة” أن “تستجيب روسيا والحكومة السورية بقوة، ولكن الدور الأكثر أهمية قد يكون لتركيا”.
وسيكون من المهم محاولة فهم مستوى المشاركة التركية في هذا الهجوم، أو معرفة ما إذا كانت تركيا تتحرك لدعم المعارضة ومنع الهجمات المضادة المدعومة من روسيا، بحسب الخبير في مؤسسة القرن.
ومن ناحية يضيف أن “تركيا لديها أسباب لزيادة الضغوط الآن، ربما لكسر عملية التطبيع المتوقفة مع دمشق أو بناء النفوذ على الروس قبل عودة ترامب إلى منصبه في الولايات المتحدة”.
كما يميل الجانب التركي إلى تجنب الضغط غير الضروري على علاقتها مع موسكو، ومن المرجح أن تشعر بالقلق من أن اندلاع القتال بالقرب من حلب قد يرسل موجات جديدة من اللاجئين نحو الحدود التركية، بحسب ذات المتحدث.
“عوامل و5 متغيّرات”.. ما وراء تغير خرائط السيطرة في شمال سوريا
الهجوم الذي أطلقته فصائل المعارضة ضد النظام السوري في ريفي حلب وإدلب يغيّر لأول مرة منذ شهر مارس 2020 خرائط السيطرة في شمال غرب البلاد، بعدما ثبتها اتفاق تم التوصل إليه بموجب لقاء مباشر بين الرئيسين التركي، رجب طيب إردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين.
-
ماذا يعني الهجوم لإيران؟
ولا يعتبر الجنرال الإيراني كيومارس بورهاشمي اسما عاديا في “الحرس الثوري”، بل وصفه الأخير بأنه “كبير المستشارين الإيرانيين” في مدينة حلب. ولم تعرف ظروف مقتله سواء على خطوط الجبهات أو في جبهات خلفية، جراء القصف.
وكذلك الأمر بالنسبة لخان طومان المدينة التي سيطرت عليها فصائل المعارضة، صباح الأحد، وكانت ميليشيات إيران كرست كامل ترسانتها العسكرية للسيطرة عليها في 2020 ولمرة واحدة في عام 2016.
كما كرست أنشطتها العسكرية بين عامي 2013 و2015 للسيطرة على مناطق استراتيجية أخرى، تتوزع على ريفي حلب الغربي والجنوبي، وبيد ميليشيات أبرزها “حركة النجباء”.
على الصعيد الرسمي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الخميس، إن “حلب وإدلب وريفاهما جزء من مناطق خفض التصعيد بموجب اتفاقية أستانا”، وإن “عملية الجماعات المسلحة خرق للاتفاق”.
واعتبر المسؤول الإيراني أن التحركات الأخيرة “تأتي ضمن مخطط أميركي إسرائيلي لزعزعة استقرار المنطقة”، على حد وصفه، وفي المقابل كان لافتا خلال الساعات الماضية حالة توجس أبدتها ميليشيات تتبع لـ”الحرس الثوري” وتنشط في العراق، بينها “كتائب سيد الشهداء”.
وبعدما حذّر أمين عام هذه الكتائب، أبو آلاء الولائي على “إكس” من محاولات مشابهة لتوسعة رقعة الأحداث، قال: “يجب العمل بكل الوسائل لتجفيف منابع نشوئها”.
ويوضح الباحث السوري في شؤون جماعات ما دون الدولة، عمار فرهود أن حزب الله والميليشيات التابعة لـ”الحرس الثوري” كانت تولي منذ زمن أهمية كبيرة للمناطق التي تهاجمها وتسيطر عليها فصائل المعارضة الآن.
ويشير في حديثه لموقع “الحرة” إلى قاعدتين تحظيان بأهمية كبيرة بالنسبة لإيران في محيط حلب. الأولى هي بلدتي نبل والزهراء والثانية جبل عزان الذي يعتبر بمثابة المفتاح الجنوبي لأحياء حلب المدينة، على حد تعبيره.
منذ عام 2015 كانت منطقة جبل عزان ذات نفوذ إيران، وبعد هذا العام قادت الميليشيات التي تتبع للأخيرة المعارك هناك ضد فصائل المعارضة. ووثق ذلك وقائع عسكرية كثيرة، كان في صلبها حزب الله اللبناني.
ويقول فرهود إن وجود
“إيران وميليشياتها بينها حزب الله كان منذ سنوات لحماية مصالح طهران الاستراتيجية هناك”.
ويضيف أن “خسارة المناطق المذكورة (القواعد) ستسفر عن خسارة مدينة حلب”، ويرى أن هذا السيناريو لن يكون بالأمر السهل، وهو ما نتذكره في المواجهات الكبيرة التي حصلت، منذ 2014 وحتى اليوم.
وكما يتابع الباحث الأول في مؤسسة “كور غلوبال” المختص في الشأن السوري، عروة عجوب فإن “معركة الفصائل المسلحة واحدة”، ويوضح أن هذه الجهات “لا تميز بين الإيراني والنظام السوري وإيران. الكل بالنسبة لها عدو”.
ويوضح عجوب في حديثه لموقع “الحرة” أن “مقتل المستشار الإيراني جزء من المعركة وهدف مشروع تم رصده والتعامل معه بشكل ما”.
-
فصائل المعارضة السورية تطلق عملية “ردع العدوان” العسكرية
أعلنت إدارة العمليات العسكرية في إدلب، الأربعاء، عن بدء عملية عسكرية تحمل اسم “ردع العدوان” بعد استهداف النظام السوري والميليشيات الإيرانية مناطق مدنية متفرقة في شمال غرب سوريا.
ما وراء الانهيار السريع؟
وهذه المرة الأولى منذ 2020 التي تتغير فيها خرائط السيطرة في شمال غرب سوريا.
ويحكم هذه المناطق التي تشمل محافظة إدلب وأجواء من محافظة حلب واللاذقية اتفاق كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان أبرمه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية.
وبحسب ما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر تركية أمنية، الخميس، فإن هجوم الفصائل الآن في ريف حلب وإدلب يستهدف العودة إلى حدود عام 2019.
ويعني ما سبق استعادة السيطرة على الكثير من القرى والبلدات والمدن الواقعة في محيط الطرقات الدولية.
اللافت أن تقدم فصائل المعارضة يأتي بصورة متسارعة، وفي غضون 36 ساعة فقط وصلت إلى مشارف حي حلب الجديدة الواقع في الجهة الغربية من المدينة. وبينما لا تعرف الحدود التي ستصل إليها الجماعات المسلحة لم يتخذ النظام السوري موقفا فاعلا على الأرض حتى الآن.
كما لم تستخدم روسيا ثقلها الجوي الكبير، كالسلوك الذي سبق وأن اتبعته في عدة عمليات عسكرية جرت في المنطقة.
وإضافة إلى كون مناطق ريف حلب الغربي والجنوبي تحظى بنفوذ لحزب الله تنتشر هناك أيضا ميليشيات من “الحرس الثوري”، على رأسها “فاطميون” و”زينبيون”، بحسب الباحث السوري، فرهود.
ويشرح أن مناطق النفوذ الاستراتيجي القديم للحزب اللبناني وإيراني هناك “هي امتداد طبيعي لمعامل الدفاع التي يتم فيها بعض حالات التصنيع واستهدفتها إسرائيل عدة مرات”.
- ويعتقد فرهود أن سبب الانهيارات السريعة على الأرض يعود لأمرين.
الأول أن ميليشيات إيران فقدت الثقة بقدرتها القتالية ولديها حالة معنوية منخفضة بعد هزيمة حزب الله، وبعتبر الباحث السوري أن هذه الجماعة اللبنانية “كانت البروكر النفسي والمعنوي لبقية الميليشيات. انكساره دمر المعنويات”.
كما يذهب سبب الانهيار السريع باتجاه مسار آخر يتعلق بالحاضنة السورية المتعاونة مع حزب الله وميليشيات إيران، بحسب فرهود موضحا أن “إسقاط سردية حزب الله جعل ثقة الحاضنة السورية ضعيفة، ولذلك لا نرى أي مقاومة كبيرة”.
ويقول أيضا إن “هزيمة حزب الله ضد إسرائيل بمثابة عدوى انتقلت إلى كافة ميليشيات إيران في المنطقة، وبينها سوريا”.
-
حدود سوريا ولبنان.. عين إسرائيل على الأنفاق وتحذير من “اللعب بالنار”
بالتهديد الذي وجهه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرئيس النظام السوري، بشار الأسد تكون إسرائيل زادت جرعة التركيز العسكري على سوريا على نحو أكبر، وفتحت بوابات جديدة للتصعيد، وهو ما ترجمته فورا بضربات جوية استهدفت معبرين حدوديين رسميين، ليلة الأربعاء.
“استغلال ظرف إقليمي”
الهجوم الحالي لفصائل المعارضة يأتي بعد ترويج لمعلومات استمر نشرها أكثر من شهر، وتفيد بأن الجهات المسيطرة على إدلب بينها “هيئة تحرير الشام” بصدد إطلاق عمل عسكري ضد النظام السوري.
وكانت أسباب العمل العسكري الذي ورد في تلك المعلومات ترتبط على نحو محدد بتضعضع حزب الله عسكريا، وهو الجماعة التي انخرطت في القتال بسوريا بعد عام 2012 وانتشر مقاتلوها في عدة مناطق، بينها ريف حلب الغربي والجنوبي.
ويعتقد الباحث عجوب أن
“المعركة الحاصلة الآن جاءت كنوع من استغلال الظرف الإقليمي”.
ويشير الباحث في هذا الصدد إلى مسارين الأول يتعلق بتلقي حزب الله لعدة ضربات دفعته مجبرا للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، على خلاف ما كان يؤكد عليه أمينه العام الراحل، حسن نصر الله.
ويتعلق المسار الثاني إيران، إذ يقول عجوب إن ميليشياتها لم تقدم أي دور في حماية مناطق ريف حلب الغربي خلال الساعات الماضية لسبب قد يكون متعلقا بـ”قرار الأسد بالابتعاد عن محور المقاومة، وهو ما كان له تداعيات كبيرة”.
- وتعتبر حلب عاصمة سوريا الصناعية والمدينة الكبرى الثانية بعد دمشق.
ولا يستبعد عجوب أن حالة “استغلال الظرف” تتعدى حدود الإقليم وصولا إلى روسيا المنشغلة في أوكرانيا، ويعتقد أيضا أن ما يحصل في شمال غرب سوريا قد يكون محاولات استباقية مع قدوم دونالد ترامب.
ويوضح: “يكمن أحد تفسيرات الهجوم بأن تركيا تريد استغلال الفراغ الحاصل في أميركا بالسماح للمعارضة بتغيير خارطة الصراع. لا يمكن أن يحصل هجوم بهذا الشكل الكبير دون موافقة ومعرفة من الجانب التركي”.
ويتصور عجوب أن “الأيام المقبلة ستكون حساسة جدا على مناطق شمال وشمال غرب سوريا”.
ضياء عودة . الخرو