يواجه العديد من السوريين الذين فروا من الحرب انتهاكاتٍ وتجاوزاتٍ جسيمةً لحقوق الإنسان عند عودتهم إلى سوريا، حسب تقرير صدر اليوم عن مفوضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان.
الانتهاكات والتجاوزات الموثّقة ارتكبتها الحكومة وسلطات الأمر الواقع والجماعات المسلحة الأخرى في جميع أنحاء البلاد، كما يذكر التقرير. ومنها الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي والمبني على النوع الاجتماعي، والإخفاء القسري، والاختطاف.
كما تعرّض أشخاص لانتزاع أموالهم وممتلكاتهم، ومصادرة أملاكهم، وحرمانهم من بطاقات الهوية وغيرها من الوثائق. وبينما يواجه السكان السوريون بمجملهم مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان، “يبدو أن العائدين معرضون لهذه المخاطر أكثر من غيرهم”، حسب ما يؤكّد التقرير.
“يرسم هذا التقرير صورة مقلقة للغاية عن معاناة العائدين، لا سيما النساء منهم، في ظلّ تصاعد عمليات ترحيل السوريين من بلدان أخرى. ويثير وضع هؤلاء العائدين تساؤلات جدية حول التزام الدول بالإجراءات القانونية الواجبة وعدم الإعادة القسرية”، قال مفوض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك.
ومضى تورك قائلاً: “يجب الامتناع عن وصم من يرغبون في العودة واستئناف حياتهم في سوريا، والكفّ عن ممارسة التمييز ضدهم أو تعريضهم لأي نوع من العنف أو إساءة المعاملة عند عودتهم إلى وطنهم”. وأضاف المفوض السامي: “كما تجب معاملة من يبقون في البلدان المضيفة وفق أحكام القانون الدولي، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية. ويجب احترام حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء. وينبغي أن تكون العودة طوعية مع توفير شروط العودة الآمنة والكريمة والمستدامة”.
وقد روى أحد العائدين أنّ قوات الأمن التابعة للسلطات المحلية اعتقلته بعنف بمجرد عودته إلى سوريا واقتادته إلى مكان مجهول، حيث ظل معصوب العينين لمدة يومين، كما تعرض للضرب المبرح مراراً وتكراراً.
ووصفت إحدى العائدات كيف احتجزتها قوات الأمن الحكومية مع ابنتيها مدة أسبوع، أثناء محاولتهنّ مغادرة سوريا للمرة الثانية. وقالت إن عائلتها اضطرت لدفع رشوة قدرها 300 دولار أميركي لتسريع إطلاق سراحهنّ. “تم استجوابي يوميًا وسؤالي عن أسباب سفري إلى لبنان”، قالت المرأة لمعدي التقرير.
النساء العائدات يواجهن قيوداً تمييزية تُفرَض تحديداً على الحقّ في التنقل بحرية واستقلالية، يوضح التقرير. كما يوثق حالاتٍ أجبرت فيها النساء على العودة إلى سوريا من قبل أفراد الأسرة الذكور بهدف تقييم ظروف العودة الآمنة والمستدامة لبقية أفراد الأسرة.
وجاء في التقرير أنّ المصاعب الاقتصادية، وسوء المعاملة، والخطاب العدائي، المتزايد ضد اللاجئين، والمداهمات والاعتقالات الجماعية في بعض البلدان المضيفة أجبرت الكثيرين على العودة إلى سوريا. فقد أعلنت تركيا في أيار/مايو 2022 ما أسمته “إعادة توطين” مليون لاجئ سوري في سوريا، مع ورود تقارير عن تشديد القيود وتصاعد عمليات الترحيل القسري.
في لبنان، وعقب أشهر من التوترات المتزايدة والعداء تجاه اللاجئين السوريين، شنت قوات الأمن اللبنانية أكثر من 70 مداهمة استهدفت اللاجئين السوريين في المخيمات والمناطق السكنية في جميع أنحاء البلاد في ربيع العام 2023. ما لا يقل عن 1455 سوريّاً تم اعتقالهم، وتم ترحيل 712 منهم.
“هناك أسباب منطقية للاعتقاد بأن الظروف العامة في سوريا لا تسمح بعودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين السوريين إلى وطنهم”، يقول التقرير. كما يشير إلى أن معظم الذين تمت مقابلتهم أفادوا بأنهم قرروا الفرار من جديد، على الرغم من احتمال أن يواجهوا في الخارج ظروفاً اقتصادية صعبة ومضايقات.
يدعو التقرير جميع أطراف النزاع إلى احترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بالكامل.
كما يحثّ الحكومة السورية وجميع أطراف النزاع الأخرى على منح هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وغير الحكومية إمكانية الدخول إلى البلاد من دون أي عوائق بهدف رصد أوضاع السوريين العائدين إلى ديارهم.