وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يرفع الكرت الأحمر في وجه المناورات السياسية التي يقوم بها وزير الخارجية الروسي في “فيينا ” حين قال بوضوح أن الخيار العسكري مازال على الطاولة وأن الدعم للمعارضة السورية “المعتدلة” مازال مستمر.
بهذه العبارات المقتضبة أراد القول بأن المملكة العربية السعودية منفتحة على الحل السياسي في سوريا , بشرط أن يفضي لرحيل “بشار الأسد ” كونه شخص ارتكب جرائم حرب وغير مرغوب فيه من قبل الشعب السوري , وأن موافقة السعودية على حضور اجتماعات “فيينا ” لم يكن من أجل “الحوار ” على الطريقة الروسية , بل من أجل مفاوضات تكون نتيجتها رحيل الأسد , وأن السعودية لا يمكن أن تنخدع بالدعوات الدبلوماسية الروسية ودعوات الحوار التي من شأنها إطالة أمد الصراع في سوريا وتمنح نظام الأسد مزيداً من الوقت لإنجاز مهمته في القضاء على الثورة السورية بدعم طائرات حليفه الروسي , والمليشيات الإيرانية .
في هذه الأثناء كان وزير الخارجية الروسي “لافروف ” يتحدث في مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره الأمريكي “جون كيري” ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة “ستيفان دي مستورا” . من “فيينا “.
أكثر ما لفتني في حديث “لافروف” مقدمته التي بدأها بالقول أمام المؤتمرين في اجتماع فيينا حول سوريا , أنهم بدأوا اجتماعاتهم بالوقوف لحظات صمت على ضحايا الأعداء الآثم الذي وقع على المدنيين الباريسيين .
بينما كانت طائرات العدوان الروسي تدك مدن وقرى سوريا على رؤوس ساكنيها في سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها الطائرات الروسية ضد المناطق الحاضنة للثوار السوريين في إعادة لمشهد تدمير “كروزني “وتجاهل الوزير “لافروف ” عن عمد مقصود الحديث عن الاتهامات التي توجه لبلاده من قبل المنظمات الحقوقية الدولية والحكومات الغربية بأن الطائرات الروسية لا تستهدف تنظيم الدولة “داعش” بل أكثر من تسعين بالمئة من غاراتهم كانت على مواقع المعارضة السورية “المعتدلة” .
ولم يكلف الوزير “لافروف” نفسه أن يفند التقارير ومقاطع الفيديو التي أثبتت أن الطائرات الروسية استخدمت القنابل “الفوسفورية” في ريف محافظة ادلب .وكما جرت عليه عادة المسؤولين الروس , كرر لافروف كلمات ممجونه خاليه من اي معنى ,لاتكل روسيا من تكرارها على مسامع العالم , لا يحق لأحد تحديد من سيحكم أو شكل الحكم في سوريا لغير السوريين , لكنه في الوقت ذاته قرر أن الدولة السورية المستقبلية ستكون دولة “علمانية ” وحدد مسار الحل السياسي وجدوله الزمني ولم يستبعد أحد وفصل القول بأن الحكومة السورية العتيدة ستضم كل أطياف الشعب السوري , وهذا لا ينكره أحد , لكن استخدام هذا المصطلح بشكل مستمر من قبل الروس , ينضوي على خبث سياسي تريد روسيا من وراءه تمرير “حكم الأقليات ” والإفلات من العقاب , وذلك بأن استخدام الوزير لافروف عبارة “المصالحة” الوطنية في نفس المؤتمر الصحفي سابق الذكر .
ثم كيف نصدق السيد لافروف عندما يتحدث عن حرية الشعب السوري في اختيار قيادته ونظامه , ومازالت الطائرات الروسية تصب نيران حممها على المعارضة السورية دعماً للطرف الآخر الحليف “بشار الأسد” .
وكيف لعاقل أن يتقبل مشروعية ومصداقية النظام الروسي , وهم يمنحون أنفسهم حق تحديد من هي المعارضة السورية ويوزعون شهادات الوطنية على السوريين الذين يقبلون إملاءاتهم , ويتوعدون بالثبور وعواقب الأمور من يرفض , وتهددهم بالقصف الجوي بقرار من مجلس الأمن الدولي .؟قد يبدو واضحاً جلياً لا يحتاج تفسيراً, أن روسيا فرضت شروطهم على طاولة “فيينا” وأثبتت صحة التسريبات التي تناقلتها وكالات إعلام عن الورقة الروسية للحل في سوريا ومدتها بالتحديد”18 شهراً” رغم أن الروس قد نفوا هذا التسريب .
أعتقد جازماً أن روسيا و بعد أن حققت خرق في جبهة ريف حلب ومطار “كويرس ” بالتعاون مع المليشيات الإيرانية , لصالح حليفهم “بشار الأسد” قد منحوا نظام الأسد مزيداً من الوقت لسحق المعارضة السورية واكتساح مناطق المعارضة لفرض شروطه على طاولة “الحوار “الروسية .
أما حديث السيد لافروف عن تشكيل هيئة حكومية وليس هيئة حكم , هو مراوغة سياسية تهدف بالأساس لتجاوز نقطة الحديث عن رحيل حليفه الاسد.
ربما كان الوزير “كيري ” أكثر وضوحاً عندما أعاد التذكير في كيفية اندلاع العنف في سوريا وأن الأسد هو سبب كل ما حدث .
لكن يظل هذا كلام إنشائي وخطابات إعلامية لا تجد ما يدعمها على أرض الواقع , فكل ما تقوم به الإدارة الأمريكية اليوم في سوريا , دعم المليشيات الكردية الراغبة في الحكم الذاتي والمتهم بجرائم التطهير العرقي ,تشكيل ما يطلق عليه جيش سوريا “الديمقراطية” التي الصقت بهذا المكون المسخ الذي يضم فصائل أقليات عنصرية وبعضها حارب مع نظام الأسد وتحالف معه , مما يثير المزيد من علامات الاستفهام حول حقيقة الموقف الأمريكي .
وزير الخارجية الأميركي جون كيري أكد خلال المؤتمر الصحفي عقب انتهاء الحوار على ضرورة أن يرافق العملية السياسية وقف لإطلاق النار، وقال إن ذلك سيساعد على انهاء سفك الدماء بالسرعة الممكنة، وسيساعد بسرعة على تحديد من يريد أن يتم اعتباره إرهابيا ومن لا يريد ذلك. ولكن السؤال الحائر دوماً ماذا فعلتم من أجل تحقيق هذه الغاية النبيلة في عباراتها المطاطة في تطبيقها .؟
باختصار مكثف ما تم في “فيينا ” ما هو إلا التفاف على مقررات جنيف واحد وفي نفس المقام التملص من مطالب الثورة السورية بعنوانها الرئيس “خلع نظام الأسد” وتمييع الموضوع من ثورة شعبية إلى محاربة الإرهاب والمتطرفين دون إجراءات ملموسة لدعم المعارضة السورية التي تقاتل تنظيم الدولة بما تمتلك من سلاح.