تنطلق، غداً الاثنين في مدينة جنيف السويسرية، أعمال الجولة الثانية للهيئة المصغرة من اللجنة الدستورية، التي بدأت أولى أعمالها في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي برعاية الأمم المتحدة، بعد مخاض عسير وسلسلة مماطلات لمدة عامين منذ إقرارها في سوتشي، انتهت بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن تشكيلها، إثر جهود مكوكية لمبعوثه الخاص إلى سورية غير بيدرسن.
وبحسب معلومات حصل عليها “العربي الجديد” من مصادر داخل قائمة المعارضة للجنة الدستورية، فإن الموضوع الرئيسي الذي سيُناقش خلال هذه الجولة هو ما يتعلق بالسلطة التشريعية والبنود الدستورية المرتبطة بها، لجهة شكلها وآلية عملها، وكل ما يمت إلى ذلك بصلة.
وأضاف المصدر: “علمنا أن النظام سيحاول إعادة طرح نقاش موضوع الرؤية العامة للدستور، بعد فشله في تضييع الوقت بنقاش القواعد الإجرائية ومحددات عمل اللجنة في الجولة السابقة، كون هذا الملف قد فرغنا منه، ومراده من ذلك كعادته، الإغراق بالتفاصيل وإهدار الوقت لإخراج الجولة بلا نتائج حقيقية، ونحن نعول على الأمم المتحدة في ضبط إيقاع الجلسات من حيث إلزام الجميع بالمواضيع المطروحة للنقاش والمداولة”.
وعن أولوية المعارضة في نقاش المسائل الأكثر إلحاحاً وأولوية ضمن الدستور، أشار المصدر إلى أن “من أهم المواضيع التي نركز عليها هو شكل نظام الحكم أو النظام السياسي للبلاد (رئاسي، شبه رئاسي، برلماني) أو غيره، كما أننا نولي اهتماماً لمناقشة المبادئ فوق الدستورية التي تتضمن الملامح العامة للدستور”.
العريضي: “رؤيتنا كمعارضة ضمّناها في دراسات أعدتها الهيئة العليا منذ وقت سابق، وتحتاج إلى صفحات للحديث عنها، وأهمها عدم تركيز السلطات بيد أحد، والاستناد إلى المبادئ الـ12 منطلقا للدستور والحل السياسي”
وحول التصويت على أي من القرارات أو البنود التي سيتم مناقشتها، ومن ثم اعتمادها خلال اجتماعات الهيئة المصغرة، وفيما إذا كانت ستعتمد في حال أقرتها الهيئة المصغرة (45 عضواً بمعدل 15 عن كل قائمة)، أم أنها ستنتظر تصويت الهيئة الموسعة (150 عضواً) عليها، أشار المصدر إلى أنه “لا يمكن اعتماد أي بند أو قرار من دون تصويت الهيئة الموسعة بأغلبية 113 صوتاً من أصل 150، وفي حال تم الاتفاق على أي موضوع ضمن أعمال الهيئة الموسعة سيتداعى الأعضاء الـ150 للاجتماع والتصويت، علماً أنه سُمح في هذه الجولة لكل قائمة باصطحاب خمسة أعضاء كمستشارين معهم إلى جنيف، زيادة على الأعضاء الـ15 في كل لائحة”.
وحول برنامج المعارضة ورؤيتها لهذه الجولة، قال يحيى العريضي، المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات وأحد أعضاء قائمة المعارضة الخمسين، والذي يحضر مع القائمة المصغرة للمعارضة في هذه الجولة بصفته مستشاراً، إن “رؤيتنا كمعارضة ضمّناها في دراسات أعدتها الهيئة العليا منذ وقت سابق، وتحتاج إلى صفحات للحديث عنها، وأهمها عدم تركيز السلطات بيد أحد، والاستناد إلى المبادئ الـ12 منطلقا للدستور والحل السياسي”.
وأشار العريضي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الأوراق الأولية التي تم الاتفاق عليها لتكون محتوى وجدول أعمال هذه الدورة، هي مأخوذة كمضامين من المداخلات التي تم تقديمها في الدورة الماضية؛ وبشكل أساسي مضامين دستورية، هذا في حال كانت هناك أي جدية ممن أتى مغصوباً أساساً، ورأى أن مهمته التعطيل إن استطاع”، وذلك في إشارة إلى قائمة النظام للجنة الدستورية.
وكان أعضاء قائمة النظام للجنة الدستورية قد حاولوا أثناء الجولة السابقة، ولا سيما خلال اجتماعات الهيئة الموسعة، تعطيل الجلسات والأعمال بتصرفات مختلفة، سواء من خلال التطرق إلى مواضيع غير دستورية أدت إلى نقاشات لا تمت إلى أعمال اللجنة بصلة، أو بتضييع الوقت باعتراضهم على ساعات عمل اللجنة في كل اجتماع، وأدى ذلك إلى انسحاب أعضاء قائمة النظام من جلستين، قبل عودتهم تحت ضغط الروس والأمم المتحدة.
وفي تصريحات لوكالة “الأناضول” التركية، قال رياض الحسن، عضو القائمة الموسعة للجنة الدستورية عن المعارضة، والذي يحضر أيضاً في هذه الجولة بصفته مستشاراً، إن “المعارضة، وتحضيراً لهذه الجولة، كان لديها ثماني مجموعات عمل أتمت أوراقها وعرضت في اجتماعات (هيئة التفاوض) لإقرارها بشكل نهائي، على أن تكون هي الأساس الذي تتقدم به الهيئة المصغرة في الجولة”، موضحاً أن تلك الأوراق تشمل “المبادئ العامة، والدولة، والسلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية واللامركزية، بالإضافة إلى الإدارة والحقوق والحريات ومعالجة الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطة، وكل هذه المواضيع ستكون جاهزة وحاضرة، وأقرتها هيئة التفاوض”.
وتابع الحسن حول مطالبهم كمعارضة في هذه الجولة، بالقول: “سنطلب الدخول فوراً بالمضامين الدستورية، وبدء مناقشة المواد الدستورية بشكل مباشر، ونكون انتهينا من العرض السابق بتفريغ الأفكار الدستورية، والآن لدينا أوراق دستورية جاهزة، عرض بعضها في الجولة الماضية أثناء المفاوضات، وسنكمل عرض هذه الأوراق في الجولة الحالية”، مشدداً على أن هذه الجولة “ستكون للدخول في المواد والبنود الدستورية بشكل مباشر”.
وتُعتبر الجولة السابقة محطة لاختبار النوايا لجهة القوائم الثلاث، ولا سيما النظام والمعارضة، بالإضافة إلى إقرار مبادئ العمل وتثبيت القواعد الإجرائية لعمل اللجنة، بالإضافة إلى طرح وجهات النظر، حين استمع المبعوث الأممي غير بيدرسن لرؤية كل عضو من الأعضاء الـ150 للجنة الدستورية، عن هدفه ونظرته من خلال المشاركة في صياغة دستور جديد للبلاد أو إجراء تعديل دستوري، وذلك خلال اجتماعات الهيئة الموسعة.
ودارت النقاشات خلال أعمال الهيئة المصغرة على مواضيع، منها سيادة القانون وعلاقته بحرية المواطنين، وقانونية التوقيف وعدالة المحاكم، وحيادية الدولة، وإجراء مقارنة ومراجعة لكافة التجارب الدستورية السورية السابقة، وكذلك ركزت النقاشات على ما يتعلق بالمبادئ الـ12 الأساسية والحية، التي أُقرت في الجولة الثامنة من جنيف، خلال فترة عمل المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا، والتي وافق عليها النظام خلال مؤتمر سوتشي، وتمّ تحديد ما يجب تضمينه في مشروع الدستور الجديد وفرزه جانباً.
يذكر أن المبادئ الـ12 تعد أهم المرجعيات الأساسية لعمل اللجنة الدستورية، إضافة إلى التجارب الدستورية السورية السابقة، من أجل الوصول إلى صياغة دستور جديد للبلاد.
وفي 23 سبتمبر/أيلول من العام الحالي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن تشكيل اللجنة الدستورية، بعد حوالي 18 شهراً من ولادة فكرتها خلال مؤتمر سوتشي، أو ما عرف بـ”مؤتمر الحوار الوطني السوري”، وعقدت الهيئة الموسعة منها اجتماعاتها الأولى في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل إحالة نقاش الملفات والبنود الدستورية إلى هيئة مصغرة من 45 عضواً.
وكانت واضحة محاولة النظام تعمده تعطيل عمل اللجنة من خلال الإغراق بالتفاصيل والدخول في نقاشات جانبية، لكن يبدو أن الضغط الروسي والأممي كان واضحاً على النظام لاستمراره في إكمال هذه المحطة الدستورية، التي يشير إليها مراقبون سياسيون على أنها إذا ما تمت بشكلها الصحيح، فإن من شأنها الإطاحة بالنظام القائم، وعلى رأسه بشار الأسد.