أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس قراراً يسمح بتعليق العقوبات المفروضة على سوريا بما يتيح تقديم المساعدات للمتضررين من الزلزال المدمر الذي طال سوريا وتركيا، ونص القرار الأميركي الجديد على مدة استثناء تستمر لـ 180 يوماً (6 أشهر)، بما يتيح للدول ومنظمات الإغاثة تقديم مساعداتها للمتضررين في كافة المناطق المتضررة السورية.
وقال النائب الأول لوزير الخزانة الأميركي، والي أدييمو:”بينما يجتمع الحلفاء الدوليون والشركاء في مجال العمل الإنساني لمساعدة المتضررين، أود أن أوضح أن العقوبات الأميركية على سوريا لن تقف في طريق جهود إنقاذ حياة الشعب السوري، وبينما توفّر برامج العقوبات الأميركية بالفعل إعفاءات ملحوظة للمنظمات الإنسانية والإغاثية، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية اليوم ترخيصاً عاماً شاملاً لتعزيز جهود الإغاثة من الزلزال حتى تتمكن الجهات الإنسانية والإغاثية من التركيز على ما هو أهم، وهو إنقاذ المتضررين وإعادة بناء مساكنهم”.
وأوضح قرار الخزانة الأميركية بأن الترخيص المؤقت لا يشمل استيراد النفط ذي المنشأ السوري، ولا يشمل التعامل مع الأشخاص الذين فرضت عليهم عقوبات في سوريا، وهم مسؤولون ورجال أعمال، إضافة إلى مؤسساتهم ومصالحهم، إذ ستبقى العقوبات سارية بحق هؤلاء الأشخاص إضافة لاستمرار حظر استيراد النفط من سوريا.
يأتي هذا القرار بعد الجدل الذي حصل عالمياً في أعقاب هذا الزلزال الكبير والذي ذهب ضحيته حتى الآن أكثر من 22 ألف قتيل، منهم حوالي خمسة آلاف في سوريا وحدها (في محصلة غير نهائية)، إذ حمّل الكثيرون العقوبات مسؤولية إعاقة جهود الإغاثة، بينما رأى خبراء أن تقاسم النفوذ على أرض الواقع في سوريا يعتبر السبب الرئيسي لإعاقة جهود المساعدات بعيداً عن التسييس، على الرغم من أن جميع الأطراف تزعم تبنيها هذا المبدأ.
ما الذي سمح به القرار؟
قرار الخزانة الأميركية سمح للشركات والأفراد الأميركيين ودول العالم أن تحول الأموال والمنتجات إلى سوريا بما يخدم أغراض إغاثة الزلزال حتى تاريخ 8 أغسطس 2023، وهذا يمكن أن يشمل استخدام المصارف السورية لتحويل الأموال، ومنها مصرف سوريا المركزي؛ إذ لم يشر القرار بوضوح لاستمرار شموله بالعقوبات خلال هذه الفترة. كما سيشمل القرار السماح باستيراد الوقود لما يخدم أغراض الإغاثة، وكذلك المنتجات الغذائية والطبية ومنتجات البناء وإصلاح البنية التحتية.
بيان وزارة الخزانة بيّن أنّ برامج العقوبات الأميركية لا تستهدف أصلاً المساعدة الإنسانية المشروعة، بما فيها جهود الإغاثة في حالات الكوارث، مشيراً إلى أنّه لطالما كان لدى الحكومة الأميركية العديد من التراخيص العامة المعمول بها بموجب النظام الموحد للدراسات الاستراتيجية والذي يسمح بمعظم الأنشطة لدعم المساعدة الإنسانية، من قبل الأمم المتحدة أو الحكومة الأميركية أو المنظمات غير الحكومية التي تشارك في دعم بعض الأنشطة غير الهادفة للربح، ومنها في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
ويشرح البيان أنّ هذا التفويض الجديد يشمل التراخيص الإنسانية الواسعة السارية بالفعل بموجب النظام الموحد للأبحاث العلمية (SySR) للمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية (International Organizations) والحكومة الأميركية.
والسؤال الذي طرحه الكثيرون خلال الجدل الذي شهدته الأيام القليلة الماضية حول دور العقوبات، وفيما إذا كانت تسمح بوضوح بتقديم المساعدات الطبية والغذائية، فقد أكد خبراء الاقتصاد ومنهم أسعد العشي في صفحته على فيسبوك أن العقوبات الأميركية لم تشمل يوماً المساعدات الغذائية والطبية ولم تفرض على الشعب السوري نفسه، ولكن ما كان يجعل الشعب السوري يشعر بالعقوبات بشكل مبالغ فيه أكثر من المعاقبين بها من المسؤولين أنفسهم هو “الامتثال المفرط”، والذي هو مصطلح نبهت إليه الأمم المتحدة نفسها، والذي يعني أن البنوك العالمية والحكومات تمتثل بشكل مفرط لقرار العقوبات المطبق عالمياً لتضع هامشاً بينها وبين أي احتمال للخطأ، وهو ما يضع الشعب ضحية. لدرجة أن الأمم المتحدة أصدرت مذكرة تنبه فيها من هذا الخطأ وتؤكد أن هذا الامتثال المفرط يضر بحقوق الإنسان. ومما جاء فيها: “الإفراط في الامتثال هو شكل من أشكال التجنب المفرط للمخاطر. وقد ينطوي على حظر جميع المعاملات المالية مع دولة أو كيان أو فرد خاضع للعقوبات حتى عندما يتم التصريح ببعض المعاملات بموجب استثناءات إنسانية أو تقع خارج نطاق العقوبات. وقد يتخذ أيضاً شكل ردع المعاملات المصرح بها عن طريق طلب وثائق أو شهادات مرهقة، أو فرض معدلات أعلى أو رسوم إضافية، أو فرض تأخيرات طويلة غير مشجعة. كما يحدث الإفراط في الامتثال أيضاً عندما تقرر البنوك تجميد الأصول غير المستهدفة بالعقوبات، أو حرمان الأفراد من إمكانية فتح أو الاحتفاظ بحسابات بنكية أو الانخراط في معاملات لمجرد أنهم من مواطني بلد خاضع للعقوبات، حتى عندما يكون الأفراد من اللاجئين من ذلك البلد”.
هل يشكل نقطة تحول؟
هل يشكل الزلزال نقطة تحول يفرق فيها العالم بوضوح بين نص العقوبات والامتثال المفرط المتعلق بها؟ ستثبت فترة التجربة لستة أشهر كيف تسير الأمور، حيث تسعى كل الأطراف السورية لاستخدام ما يسمى “دبلوماسية الكوارث” لإعادة إبراز دورها، بينما يأمل السوريون بأن تكون منبهاً للوضع المزري الذي وصل إليه حال البلد.
وقد بدأت الأموال العالمية تتوارد إلى سوريا خلال اليومين الماضيين عبر مؤسسات الأمم المتحدة وبرامج ومنظمات تتعامل معها بعض الدول على الأرض، إضافة للحكومة السورية التي اعتبرتها بعض الدول هي المرجع المعتمد.
وغرّد الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي، جان إيجلاند: “بفضل حكومة الولايات المتحدة، سيوفر ذلك، [أي رفع العقوبات]، تخفيفاً للعقوبات على الزلزال الذي ضرب سوريا، ما سيتيح جميع تحويلاتنا المالية. نحن بحاجة إلى أن تزيل جميع الدول الحواجز أمام المساعدات الإنسانية لسوريا الآن حتى يحصل الناس على الدعم الذي يحتاجون إليه بشكل عاجل”.