حضرت “الأزمة السورية” في كلمات الرؤساء والقادة العرب في القمة العربية بمدينة جدة السعودية، كونها كانت أبرز عناوين “قمة بن سلمان”، إلا أن العبارات الدبلوماسية لدغدغة المشاعر وإضفاء طابع التلاحم والتكاتف، لم تكن كافية لتغطي الخلافات والاختلافات في الرؤى العربية المتعددة للحل السياسي في سوريا. الحل الذي تجاهله بشار الأسد تماماً، بل وحذّر من التدخل في الشؤون الداخلية.
وفي حين رحب بعض المشاركين في القمة بعودة بشار الأسد شخصياً، وبعضهم الآخر رحّب بـ “عودة سوريا”، أظهرت خطابات الرؤساء والزعماء العرب في القمة الـ 32 التي عكف ولي العهد السعودي على نجاح انعقادها؛ أظهرت تعدد مسارات الحل في سوريا بحسب ما ترتضيه كل دولة، ففي حين دعت مصر والكويت لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 بشأن الانتقال السياسي في سوريا، طالب الأردن بتطبيق مبادرته، في حين قالت الكويت إن الحل في سوريا سيكون مزيجاً بين القرار 2254 وبياني جدة وعمان.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الوحيد الذي ذكر قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بشأن الانتقال السياسي في سوريا، وقال في كلمته: “عودة سوريا إلى الجامعة العربية تعدّ بمثابة التفعيل العملي للدور العربي وبدء مسيرة عربية لتسوية الأزمة السورية استناداً للمرجعية الدولية للحلّ وقرار مجلس الأمن 2254”.
وكذلك ذكر ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح القرار 2254 للحل في سوريا، وقال: “تجدد دولة الكويت تأييدها لقرار مجلس جامعة الدول العربية رقم (8914) وترحيبها كذلك بالبيان الصادر في أعقاب اجتماع جدة والبيان الصادر عن اجتماع عمان وكلنا أمل في أن تكون عودة سوريا إلى بيت العرب منطلقا لانتهاء الأزمة ومعاناة الشعب السوري الشقيق.. وفي هذا الشأن تؤكد دولة الكويت موقفها المبدئي الثابت الداعي إلى الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا وسلامة أراضيها ورفض أي تدخل في شؤونها الداخلية وموقفنا المستمر منذ بداية الأحداث بتقديم الدعم الإنساني لكافة أطياف الشعب السوري.. متطلعين في هذا الصدد إلى التزام الحكومة السورية بما تضمنه بيانا جدة وعمان وقرار مجلس الأمن رقم (2254) وبما يضمن عودة سوريا لممارسة دورها الطبيعي المؤثر في محيطها العربي والإقليمي والدولي”.
أما العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي تجنّب الترحيب ببشار الأسد شخصياً، واكتفى بالترحيب بـ “عودة سوريا”؛ قال في كلمته: “لقد حذرنا مرارا من استمرار الأزمة السورية دون حل، فقد دفع الشعب السوري الشقيق ثمنها غاليا، وانعكست آثارها علينا جميعا، ونرحب اليوم بعودة سوريا إلى الجامعة العربية كخطوة مهمة نأمل أن تسهم في جهود إنهاء الأزمة”.
وأضاف العاهل الأردني: “نؤكد هنا على أهمية تعزيز المسار السياسي الذي انطلق من اجتماع عمان، وبنى على المبادرة الأردنية والجهود السعودية والعربية لإنهاء الأزمة ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية، لكي يعود اللاجئون إلى وطنهم”.
أما دولة قطر صاحبة الموقف الثابت من سوريا والداعم لتطلعات شعبها والمطالب بإيجاد حل وفق القرارات الأممية، فغادر أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مدينة جدة قبل انتهاء اجتماع القمة، وكشف “مسؤول عربي” لوكالة رويترز أن الأمير القطري غادر القمة العربية قبل بدء كلمة رئيس النظام السوري بشار الأسد.
بشار الأسد: لا يحق لكم التدخل
وكان من اللافت للملاحظة أن بشار الأسد تجنّب التطرق في حديثه لأي مسار من مسارات الحل السياسي في سوريا، سواء تلك الدولية أو العربية الجديدة والمستحدثة مثل المبادرة الأردنية وبيان جدة، بل راح صاحب الرصيد الإجرامي الأكبر في العصر الحديث يحاضر في “الرؤى والاستراتيجيات واستباق الأحداث ومعالجة التصدعات في العالم المضطرب”.
وقال بشار الأسد في كلمته: “الأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها، فهي قادرة على تدبير شؤونها وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلدانها ونساعدها عند الطلب حصراً”.
ربما هذا الموقف لبشار الأسد لم يكن ما ينتظره الأردن الذي وصل به الحال لشن غارات داخل سوريا على عصابات المخدرات والذي يستضيف 1.3 مليون لاجئ ومقيم سوري، في حين تتساهل الرياض مع النظام السوري لأنها قررت التطبيع معه مجاناً على غرار الاستراتيجية الإماراتية، بل حتى أنها دخلت في سباق مع أبو ظبي وأنقرة تجاه الأسد.
وبشّر الأسد بعالم متعدد الأقطاب تماشياً مع الرؤية السعودية التي تحاول مناكفة الولايات المتحدة وقررت ضمن هذا السياق التطبيع مع إيران بوساطة صينية. لكن حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فجأة صباح اليوم في السعودية وإلقاء كلمة في القمة العربية، فسّره مراقبون بأنه كان خطوة لازمة للحفاظ على العصا من المنتصف قدر المستطاع في “العالم المضطرب” الذي خاطب فيه بشار الأسد في القمة.
“المجتمعات النامية”
أعلن بشار الأسد في كلمته عن أقصى ما يمكن أن يقدمه وسط هذه المسارات للحل، وطرح شعار “التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية”، بمعنى أن المجتمعات العربية “النامية” غير مؤهلة للتغيير والديمقراطية، وهذه النبرة الاستعلائية التي كررها الأسد مراراً منذ توليه السلطة، في حين قاتل الشعب السوري على مدار 12 عاماً ليقول إنه يستحق أفضل من هذا “النظام النامي الدموي”.
حضر بشار الأسد القمة العربية بعد حفلة التطبيع، ليتسلم مكافأته ويقدم خلاصة منهجه وتجربته في الحكم: اقتلوا هذه المجتمعات المتخلفة إذا فكرت بما هو أبعد، وهجروها لتحافظوا على مجتمع متجانس، وزجوا بمن تطوله يدكم في الزنزانات، وقسموا أرضها بين 4 دول وجيوش، ودمروا اقتصادها، وصدروا الموت لكل الإقليم.