الحريري وشهيّب في عداد الوفد اللبناني (حسين بيضون)شاشة كاملة
يتوجه لبنان الرسمي إلى مؤتمر بروكسل 3 المخصص للّاجئين، ويبدأ اليوم الثلاثاء ويستمر حتى الخميس المقبل، منقسماً على نفسه، ومن دون خطة واضحة، في تكرار للطريقة التي تعاطى فيها مع هذا الموضوع منذ بداية القضية السورية، التي أدت إلى تفاقم الأزمة بين من رفض آنذاك إقامة مخيمات للّاجئين في لبنان بحجة “رفض التوطين”، وكأن السوريين يستميتون من أجل الحصول على الجنسية اللبنانية، وبين من أيّدها. وكانت النتيجة عجز لبنان طيلة السنوات الماضية عن إدارة هذا الملف وضبطه. ومن ثم، لم يقدم للمجتمع الدولي يوماً خطة واضحة للحصول على مساعدات كافية. واليوم أيضاً، يشارك المسؤولون في مؤتمر الاتحاد الأوروبي بعنوان “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، على وقع تحول المناسبة إلى أزمة داخلية تم حلّها كالعادة لمصلحة حلفاء النظام السوري في بيروت، مع إدخال ما يسمى في لبنان “وزير النازحين” صالح الغريب الموالي بالكامل للنظام السوري، في الوفد المتجه إلى العاصمة البلجيكية، مع أنه لم يكن في عداد الوفد ما اعتبره حلفاء دمشق وطهران وحزب الله بمثابة استهداف غربي لفريقهم الذي يهيمن على معظم المؤسسات في لبنان.
وبعد مؤتمر بروكسل 1 (4 و5 إبريل/ نيسان 2017) وبروكسل 2 (6 إبريل 2018)، يستمر غياب أي استراتيجية لبنانية واضحة في ملف اللاجئين في بروكسل 3. مع العلم أن لبنان سمع سابقاً ملاحظات دولية حول طريقة إدارته لهذا الملف، وخصوصاً أنه حاول مراراً إلقاء المسؤولية على المجتمع الدولي، الذي لم يلتزم بالوعود التي قطعها في المرات السابقة، وفي المؤتمرات التي خُصّصت للاجئين، لكن الردّ دوماً كان مرتبطاً بما حققه لبنان أصلاً في هذا الموضوع، وخصوصاً أن الأردن وتركيا على سبيل المثال، وضعا خططاً واستراتيجيات واضحة، دفعت المجتمع الدولي إلى التعامل معهما وفقها، ومن ثم الالتزام بالتعهدات التي قدمت.
وكما حصل في المؤتمرين السابقين، تُشكك اليوم مصادر مطّلعة بـ”إمكانية تجاوب المجتمع الدولي مع لبنان، ذلك أن الطرف الأول لا يرتاب من سوء إدارة الجانب اللبناني للملف فحسب، بل أيضاً من الخلافات اللبنانية ــ اللبنانية، التي أدت سابقاً إلى تكبيل مؤسسات الدولية، من المجلس النيابي، إلى الفراغ الرئاسي، وصولاً إلى العقوبات التي رافقت عملية تأليف الحكومة، والتي امتدت إلى نحو تسعة أشهر”.
“
لبنان سمع سابقاً ملاحظات دولية حول طريقة إدارته لهذا الملف“
وما يغضب الجانب الدولي أيضاً ويدفع إلى عدم تجاوبه مع مطالب لبنان، لا يقتصر فقط على طريقة إدارة الملف، وعطفاً المخاوف الدولية الدائمة من سوء الإدارة في لبنان والفساد، التي باتت جزءاً من طريقة تعامل المجتمع الدولي مع لبنان، بدليل مخرجات مؤتمر “سيدر” التي ربطت التمويل بـ”إصلاحات” اقتصادية ليبرالية واضحة ومحاربة الفساد، وتحسين الإدارة، بل أيضاً بما يسميه البعض “محاولات الابتزاز اللبنانية للمجتمع الدولي”، التي عادة ما ينتهجها وزير الخارجية جبران باسيل، في سياق حديثه عن هذا الملف بمصطلحات ومنطق يوصفان بأنهما عنصريان فاقعان. ويحاول باسيل ربما تقليد السياسة التركية السابقة قبل سنوات، التي نجحت من خلالها تركيا في الضغط على أوروبا، وتوقيع اتفاق ضخم معها بمبالغ مالية هائلة في صيف 2015، في مقابل تكفل أنقرة بوقف حركة اللجوء من آسيا إلى أوروبا، لكن المصادر تشدّد بوضوح على أن “لبنان ليس تركيا، لا بالمعطيات الجغرافية، ولا بالوزن السياسي الإقليمي والدولي، ولا أيضاً بطريقة إدارته للملف”.
وما زاد من تعقيد الأمور محاولات لبنان المتكررة التماهي مع السياسات الروسية في هذا الملف، عبر “الخطة الروسية”، التي أُدرجت في البيان الوزاري، واعتبرها المجتمع الدولي بمثابة رسالة سلبية ضده، تحديداً الولايات المتحدة وأوروبا، والعالم العربي، وخصوصاً أن الموقف الدولي من هذه الخطة مرتبط أساساً بالحل السياسي في سورية كمدخل لعودة اللاجئين، وهو محط خلاف رئيسي مع روسيا التي ترغب بإعادتهم من دون انتظار الحل السياسي.
ويضم الوفد اللبناني الذي يشارك في مؤتمر بروكسل، إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان ووزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب، ووزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب. ولعلّ تركيبة الوفد كانت كافية لتأكيد مخاوف المجتمع الدولي من طريقة إدارة لبنان للملف، وخصوصاً أن الوفد يتوجه إلى المؤتمر بخلفيات متضاربة، وغير موحدة. وتبدو تركيبة غريبة، فبعدما كانت مقتصرة على شهيّب المحسوب على الحزب التقدمي الاشتراكي (رئيسه النائب السابق وليد جنبلاط)، وقيومجيان المحسوب على القوات اللبنانية، تم ضمّ الغريب المحسوب على “التيار الوطني الحر”.
وسبق تأليف الوفد أزمة داخلية حقيقية، على خلفية عدم ضم الغريب للوفد، وهو ما اعتبرته قوى “8 آذار”، محاولة من فريق “14 آذار” للتفرد بالقرار، قبل أن يحسم الحريري الخلاف بضم الغريب، بعد اتصالات جرت بينه وبين وزير الخارجية، رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل. وأشارت مصادر حكومية إلى أن “تأليف الوفد استند إلى الدعوات التي أرسلت من الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن الوزراء المدعوّين على تماسّ مباشر مع هذا الملف، ولن يحضروا الاجتماع بصفتهم الحزبية بل بصفتهم الوزارية، ووفق ما هو متفق عليه في البيان الوزاري، وفي الحكومة، وتحت سقف السياسة التي تحددها الحكومة”.
لكن أزمة عدم ضم الغريب وما تلاها، تخفي حقيقة الموقف اللبناني في ظلّ عدم قدرة الحكومة على العمل وفقاً لأجندة محددة، والمُشكّلة بحسب منطق المحاصصة ولم تثبت بعد أنها فريق عمل موحد. وكشفت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن “فريق 8 آذار تخوّف عملياً من شكل الوفد، وخصوصاً اتهامه القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، بالتماهي مع الموقف العربي والدولي المتعلق باللاجئين، الذي يتم تسميته في لبنان بملف النازحين، تهرباً من الالتزامات الدولية المتعلقة بصفة اللجوء”.
“
جرى ضمّ الغريب في اللحظات الأخيرة إلى الوفد اللبناني“
لكن على الرغم من التباعد في مقاربة الأزمة بين أفرقاء الحكومة في لبنان، إلا أن ضمّ الغريب إلى الوفد، كرّس التوافق بين الحريري وباسيل، خصوصاً أن الحريري بدا في الأشهر الماضية ميالاً بوضوح إلى الخطة الروسية، وإلى موقف “8 آذار” من ملف اللاجئين، بعدما كرّر من مجلس النواب قبل تأليف الحكومة تأييد الجميع للخطة الروسية، وبعدما تمت الإشارة بوضوح إليها في البيان الوزاري. وتجلّى ذلك بتسليم الحريري وزارة الدولة لشؤون النازحين إلى “التيار الوطني الحر” لتخفيف وطأة تحمل المسؤولية في هذا الملف شعبياً ودولياً.
لكن الخلاف أيضاً يمتد إلى مسألة التنسيق مع النظام السوري، اذ يضغط فريق “8 آذار” للتواصل والتنسيق مع الجانب السوري، فيما يرى الحريري أن الالتزام بالخطة الروسية كاف، وخصوصاً أن موسكو قادرة على إدارة هذا الملف بفعل سيطرتها واقعياً على سورية، عسكرياً وسياسياً، إضافة إلى أنها على تواصل ومشاورات مباشرة مع المجتمع الدولي، الذي يرفض أصلاً أي تنسيق مع النظام السوري.
وكان لبنان استبق المؤتمر بإجراء مشاورات مكثفة مع مديري ومسؤولي المؤسسات اللبنانية ومندوبي المؤسسات الإقليمية والدولية والمجتمع المدني، بهدف وضع استراتيجية واضحة تقدم للمؤتمر، لكنها لم تنجز. ولفتت مصادر مواكبة لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الموقف اللبناني لن يخرج عن المواقف التقليدية التي رددها دوماً والمتعلقة بعدم قدرة لبنان على التحمّل، وعن ضرورة عودة اللاجئين، وأخرى متعلقة بالتركيبة اللبنانية الديمغرافية والطائفية وتأثير اللاجئين عليها، في إطار المعزوفة الممجوجة للتوطين، وهي المواقف التي لا تساعد ولا تخدم لبنان”.
وفي المعلومات أيضاً، سيطلب لبنان استناداً إلى هذا الخطاب نحو 3 مليارات دولار، منها مليار دولار للبنية التحتية والتعليم وغيرها من المرافق التي يقول إنها “باتت مهترئة نتيجة عبء اللجوء”، فيما المجتمع الدولي يدرك بالاستناد إلى مؤتمر “سيدر” وإلى الواقع اللبناني، أنها “نتيجة ترهل الإدارة والحكم في لبنان، وطبعاً الفساد، والأزمات السياسية المتلاحقة”.