محمد أمين ــ غازي عنتاب
لقي عدد من متزعمي وقادة “داعش” حتفهم شمال غربي سورية بعد تقويض سلطة هذا التنظيم في البلاد على مدى سنوات، وهو ما يؤكد فشل عمليات التمويه والتخفي التي ينفذها التنظيم في منطقة جغرافية ضيقة، تعاني أوضاعاً أمنية واقتصادية هشة، وتكتظ بملايين السكان، جلهم من النازحين.
وأعلن تنظيم “داعش” في تسجيل صوتي، الخميس الماضي، مقتل زعيمه المدعو “أبو الحسين القرشي”، في اشتباكات مع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، فيما نفت الأخيرة مسؤوليتها.
وقال المتحدث باسم “داعش” أبو حذيفة الأنصاري، في تسجيل نشرته حسابات مرتبطة بالتنظيم، إن القرشي قتل في إحدى بلدات ريف إدلب “إثر محاولة أسره، فاشتبك معهم بسلاحه” من دون أن يحدد التسجيل وقت مقتله.
وأضاف أن عناصر “تحرير الشام” اعتقلوا المتحدث السابق باسم التنظيم “أبو عمر المهاجر”، مع مجموعة أخرى من عناصر التنظيم، معلناً، في التسجيل ذاته، تعيين المدعو أبو حفص الهاشمي القرشي خلفاً للقرشي، ليكون الزعيم الخامس للتنظيم.
عباس شريفة: الشمال السوري يعتبر قاعدة دعم لوجستي للتنظيم
ولم يحدد “داعش” متى قُتل زعيمه وفي أي منطقة، ولكن يُعتقد أن القرشي قتل بداية مايو/ أيار الماضي، خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية، بالاشتراك مع مجموعات أمنية من “الجيش الوطني السوري” المعارض، في ناحية جنديرس بمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي.
ثالث زعيم لـ”داعش” يقتل شمال غربي سورية
ويعد القرشي ثالث زعيم لتنظيم “داعش” يلقى حتفه شمال غربي سورية، إذ قتل الأول أبو بكر البغدادي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في عملية لقوات أميركية، والتي قتلت بعملية مشابهة خليفته أبو إبراهيم القرشي في فبراير/ شباط 2022. وكلاهما قتل شمال غربي سورية في مناطق تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” أو لها نفوذ أمني فيها.
وكان التنظيم أعلن في 2022 مقتل زعيمه الثالث أبو الحسن الهاشمي القرشي من دون أن يحدد مكان أو تاريخ مقتله، لكن الجيش الأميركي قال إنه قُتل على يد “الجيش السوري الحر” في درعا جنوبي سورية، منتصف أكتوبر من ذاك العام.
والملاحظة أن القادة الأربعة فجّروا أنفسهم بعبوات خشية وقوعهم في الأسر، لمنع كشفهم لأسرار التنظيم الذي كان سيطر على أجزاء واسعة من سورية والعراق، معلناً ما سماها “الدولة الإسلامية في العراق والشام” منتصف عام 2014، وتنصيب أبو بكر البغدادي “خليفة” عليها. لكن التنظيم بدأ يتقهقر بدءاً من 2016، حتى قُوّضت سلطته مطلع 2019 مع سقوط بلدة الباغوز آخر معاقله شرقي سورية. ومنذ ذلك الحين يشن هجمات في البادية السورية ومحيطها من خلال خلايا تنشط بين وقت وآخر.
أسباب تخفي قادة “داعش” شمال غربي سورية
5487
وأوضح أن التنظيم “جهز مجموعات وخلايا سرية للعمل في الشمال السوري ضد هيئة تحرير الشام، والجيش الوطني، وللعمل في الداخل التركي”، لافتاً إلى أن المنطقة “تعاني أوضاعاً أمنية هشة، ما يمنع الأجهزة الأمنية من كشفهم”.
وأشار شريفة إلى أن الشمال السوري “يعتبر قاعدة دعم لوجستي للتنظيم، فشبكات ومكاتب الحوالات المالية التي لا تخضع للمراقبة تسمح للتنظيم بتلقي الحوالات والدعم”، مضيفاً: يُعتبر الشمال الغربي من سورية سوقاً سوداء للسلاح، وبالتالي يحتاج التنظيم لشراء السلاح منه. وبرأي شريفة فإن قادة “داعش” يحاولون التخفي في شمال سورية “لأنه منطقة عمليات روسية، وهو ما يعني للتنظيم الابتعاد عن عيون الرصد الأميركية”.
ياسين جمول: قيادة هيئة تحرير الشام تستثمر وجود قادة من داعش في مناطق سيطرتها
وقتل في شمال غربي سورية خلال السنوات الماضية عدد من قادة الصف الأول في “داعش” وتنظيمات تدور في فلكه، أبرزهم ماهر العقال الذي لقي مصرعه بضربة من طائرة مسيّرة أميركية أثناء تنقله بدراجة نارية بالقرب من ناحية جنديرس التابعة لمنطقة عفرين في ريف حلب شمالي سورية.
وقام التحالف الدولي، بقيادة أميركا، بعدة عمليات إنزال في الشمال السوري لاستهداف رؤوس في التنظيم، آخرها في إبريل/ نيسان الماضي. وقالت القيادة المركزية الأميركية، في حينه، إن مروحية استهدفت قيادياً بارزاً في “داعش” شمال سورية، مشيرة، في بيان، إلى أنه كان مسؤولاً “عن التخطيط لهجمات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا”.
وكان التحالف الدولي نفذ، منتصف العام الماضي، عملية إنزال في ريف جرابلس شمال شرقي حلب، واعتقل شخصاً، أكد في بيان حينها، أنه “صانع قنابل يتمتع بالخبرة وأصبح أحد كبار قادة التنظيم في سورية”.
قادة “داعش” في مناطق “الهيئة”
ورأى الباحث ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “قادة تنظيم داعش ليسوا في أي مكان من الشمال السوري، بل هم في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام”.
وعن أسباب وجود هؤلاء القادة في شمال غرب سورية، أوضح أنها “مع الأسف منطقة مضطربة”، مضيفاً أن تنظيمات الغلوّ لا تنشط إلا في مناطق النزاع والاضطراب، فهذه الأجواء الأكثر مناسبة لنموّهم وانتشارهم.
وأشار إلى أن مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” شمال غربي سورية “أكثر المناطق أمناً لهم (قادة داعش)”. وتابع: “داعش” و”النصرة” كانوا بالأمس معاً وخرجوا من رحم واحدة، وقادة “داعش” يستفيدون من عدم رضا الحاضنة الجهادية للتحولات البراغماتية الكثيرة لأبو محمد الجولاني (زعيم “تحرير الشام”)، لتأمين من يناصرهم حتى من داخل “الهيئة”.
وأعرب جمول عن اعتقاده أن “قيادة هيئة تحرير الشام تعلم بوجود قادة من داعش في مناطق سيطرتها، وهي تستثمر في ذلك”، مضيفاً: لا يُنشر مقتل أحد منهم إلا لتحقيق مكسب، مع أن مكانه مكشوف لها من قبل.