ما هو مشروع المجلس العسكري؟
يقود المرحلة الانتقالية بدون نظام الأسد، ويعيد الأمن للبلاد بعد إخراج المليشيات الأجنبية المتطرفة الإيرانية والجهادية.
من هو مناف طلاس؟واحد من أرفع القادة العسكريين الذين انشقّوا عن النظام السوري وأعلنوا دعمهم للثورة السورية.
انعكست التحركات الإقليمية الأخيرة على الساحة السورية الداخلية، حيث كسر العميد المنشق عن النظام مناف طلاس صمته الطويل، وأعلن عن تحركات جدية لتشكيل مجلس عسكري يوفر منصة “وطنية” للعمل المشترك، للوصول إلى حل سياسي دائم.
ويأتي ظهور طلاس، أبرز الضباط المنشقين عن نظام الأسد في العام 2012، في وقت قامت الدول العربية بالتطبيع مع بشار الأسد وإعادته إلى الجامعة العربية برعاية سعودية، وأيضاً مع تقدم كندا وهولندا بشكوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد النظام لارتكابه جرائم حرب، في أول قضية أمام أعلى محكمة للأمم المتحدة.
كما كان لافتاً أن ذلك يأتي بعد أيام من انعقاد أكبر مؤتمر لمنظمات المجتمع المدني السورية في فرنسا، تحت اسم مبادرة “مدنية”، والتي دعت لممارسة “الأحقية السياسية”، وهي الخطوة التي رحب بها العميد المنشق خلال حديثه.
ماذا يطرح طلاس؟
و”المجلس العسكري” هو تجمع لضباط منشقين عن النظام كان يجري الحديث منذ سنوات بأن العميد المنشق طلاس قام بتأسيسه، ورغم أنه لم يذكر أنه دخل في مواجهة عسكرية مع جيش الأسد، لكن أعضاءه موجودون بشكل فردي داخل مناطق متفرقة في سوريا.
ويهدف المشروع إلى “حماية المرحلة الانتقالية بدون نظام الأسد، وإعادة الأمن للبلاد بعد إخراج المليشيات الأجنبية المتطرفة الإيرانية والجهادية الإسلامية”.
وأكد طلاس في حديث لصحيفة “القدس العربي”، نشر يوم 9 يونيو 2023، رفضه جميع المسارات التي “تحاول الالتفاف على قضيتنا السورية”، وفق تعبيره، وتحدث عن مشروع “المجلس العسكري”، معتبراً أنه “انبثق من إرادة السوريين، ولم يلق الطرح تأثيراً في الوسط الثوري، بسبب كثرة الطروحات التي قدمت للحل دون جدوى في تنفيذها”.
كما لفت أيضاً لوجود دعم قوي للمجلس العسكري وقال إن “الدعم الداخلي والخارجي موجود دائماً، وخاصة من ناحية تقبل المشروع والحاجة إليه، وكونه مشروعاً لا بد منه في مسار المرحلة الانتقالية، لكن ظروف عمله وبرامجه بقيت سرية خلال السنوات الماضية بسبب طبيعتها”.
وشدد في هذا السياق على أن “المجلس يركز حالياً على إعادة ترتيب آلية العمل، بحيث تساهم القوى الوطنية السورية بشكل أكبر من السابق في دعم المشروع، وإطلاق حركة التحرر الوطني التي تحتاج لزج كل القوى الوطنية السورية فيها، سواء العسكرية أو المدنية، وكذلك تساهم الدول المهتمة بأدوات تنفيذ القرار 2254 في هذا الدعم”.
قطــر
وأوضح العميد المنشق أنه لا ينوي طرح نموذج “الحكم العسكري” بديلاً عن نظام الأسد، موضحاً أنه “لم تنجح كل تجارب الحكم العسكري في دول العالم الثالث، وخير مثال ما حصل في سوريا”، وشدد على أن “الهدف هو بناء جيش متخصص كما في كل دول العالم المتحضر، وجمع السلاح غير المنضبط وحصره بيد المؤسسة العسكرية الوطنية، والمحافظة على السلم الأهلي، وحماية الاستقرار في المرحلة الانتقالية، لتحقيق تطلعات الشعب السوري”.
وفي هذا السياق، يشير الصحفي السوري ياسر بدوي، المقرب من المجلس العسكري، إلى أن “هناك جدية كاملة من القائمين على المشروع، وهناك حرص شديد للتواصل مع القوى السياسية الوطنية، ولم نرَ أي طروحات للاستيلاء على السلطة، بل فقط العمل في المرحلة الانتقالية ضمن هيئة حكم يترأسها مدني”.
واعتبر أن “التدخلات الدولية المختلفة تستدعي وجود جيش محترف في سوريا، يعيد السيطرة على البلاد للاحتكام إلى حياة سياسية مدنية قائمة على التداول السلمي للسلطة”، مضيفاً أن “المليشيات المختلفة الإيرانية لا بد لطردها من جيش قوي، وأيضاً الفصائل الوطنية تحتاج إلى مؤسسة عسكرية منظمة للتعامل معها”.
جدل واسع
ولطالما أثار اسم طلاس خلال السنوات الماضية الكثير من الجدل، إذ شكل انشقاقه مفاجأة كبيرة حينها، فهو ابن وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس، رفيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد طيلة حكمه، وأحد أبرز الشخصيات التي ساهمت في توريث نجله بشار للسلطة، الذي كان العميد المنشق صديقاً له منذ الطفولة.
وكان طلاس أيضاً قائداً للواء “104” المتمركز في دوما وحرستا التابع للحرس الجمهوري، والذي كان يقوده بشار الأسد قبل أن يصبح رئيساً، وأعلن في يوليو 2012 انشقاقه لرفضه أوامر الأسد قصف المدن، وبعد تعاطفه مع المتظاهرين، حسبما كشف في تصريحات صحفية سابقة.
وفي أول ظهور له بعد انشقاقه على قناة “العربية”، دعا السوريين إلى “التوحّد لبناء سورية الحرة والديمقراطية، للمحافظة على النسيج الاجتماعي للبلاد”.
كما كان طلاس من أوائل الشخصيات التي حذرت من استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد شعبه، في مقابلة صحفية مع شبكة “bbc” البريطانية في سبتمبر 2012، داعياً المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته في حماية السوريين، واصفاً “الثورة السورية بأنها كالفرنسية وبأن الجميع يتآمر عليها”.
ونصح العميد المنشق خلال مقابلة له مع “تلفزيون دبي”، في ديسمبر 2012، الجيش الحر الذي كان يقاتل الأسد، قبل ظهور الفصائل الإسلامية منتصف العام 2013، “بعدم الدخول في معارك كبرى مع النظام، والتركيز على حرب العصابات في حال لم يحصل على دعم عسكري قوي، وأيضاً إعادة هيكلته ليصبح جيشاً وطنياً خالصاً”.
كيف يتحرك؟
ينظر إلى طلاس منذ انشقاقه على أنه شخصية قيادية محتملة في المعارضة، ومقبولة دولياً وإقليمياً لنفوذها داخل المؤسسة العسكرية السورية يمكن التعويل عليها لإعادة هيكلتها على أسس وطنية.
وحظي انشقاقه بترحيب إقليمي ودولي، كما زار كلاً من تركيا والسعودية والأردن وروسيا ما بين 2012 و2015، لطرح خارطة طريق للخروج من الأزمة، تشمل تشكيل حكومة بدون الأسد تضم عناصر من المعارضة والنظام ممن لم يتورطوا بجرائم حرب.
لكن يبدو أن جهود طلاس لم تؤت أكلها حينها، لينسحب من المشهد تماماً ويقيم في باريس، بعيداً عن الأضواء الإعلامية والسياسية والعسكرية طيلة السنوات الماضية.
وعلل العميد المنشق سبب غيابه طيلة الفترة السابقة بالقول: “نأينا عن تصدّر المشاهد. وعدم مشاركتنا في العديد من الكيانات الرسمية وسواها في المشهد السوري لا يعني أبداً ابتعادنا عن قضيتنا، ولا يعني كذلك بالمطلق تخلّينا عن المسؤولية حيال قضيتنا السورية العادلة”.
ولكن يبدو أن الرغبة الإقليمية والدولية لحل الأزمة السورية بعد أن تصاعدت خطورتها، نتيجة قيام نظام الأسد وحليفه حزب الله اللبناني بحرب تصدير المخدرات إلى الدول المجاورة، وتوقعات فشل “مقاربة خطوة بخطوة” العربية مع الأسد، شجعت طلاس وأطرافاً أخرى على البدء بتنفيذ مشروع المجلس.
السعودية
كما تحدث مصدر مطلع على الترتيبات بخصوص المجلس العسكري لـ”الخليج أونلاين” أنه يحظى بدعم وقبول “سعودي وفرنسي”، وذلك قبيل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود لباريس مؤخراً، مشيراً إلى أن المشروع كان من المفترض “مناقشته خلال اللقاء بين الرئيس إيمانويل ماكرون والأمير محمد بن سلمان”، الذي عقد يوم الجمعة 16 يونيو الجاري.
وكان بيان لقصر “الإليزيه” حول المباحثات بين الزعيمين أشار إلى أنه تم التطرق لـ”الأزمة السورية”، دون مزيد من التفاصيل.
وفي هذا السياق يقول ياسر بدوي لـ”الخليج أونلاين”: إن “هناك تواصلاً قوياً بين المجلس والسعودية والخليج عموماً”، موضحاً أن “السياسة السعودية والعربية تريد حلاً للأزمة السورية، حيث لا يمكن أن يكون التطبيع مع الأسد ودعوته للقمة العربية دون تحقيق حل سياسي لها”.
وأضاف أنه “في حال وجود حل يلوح بالأفق من السعودية والدول الفاعلة حول إنشاء هيئة حكم انتقالي، لا بد لهم من قيادة عسكرية تساعدهم في تطبيقه، ووجود مجلس عسكري مؤقت يضمن الأمن في البلاد وحماية اللاجئين، قبل تحوله لجيش منظم يحقق السلم الأهلي، لتكون هناك نواة بلد حقيقي”.