روسيا راعية الإنسان والإنسانية ومبراس حقوق الإنسان وملجئ الخائفين المظلومين المستضعفين في الأرض من أفغانستان إلى أوكرانيا مروراً بدمشق والقرم، روسيا التي لم تزل صفحات التاريخ القريب تذكرنا بإنسانيتها والتزاماتها بالقانون الإنساني الدولي والشرعية الدولية لحقوق الإنسان، مستمرة بتسطير إثمها في ذاكرة الأجيال جيلاً بعد جيل وبمداد القلب وماء العيون، ومازال القلم يقطر دماً في التأريخ لإنسانيتها في غروزني، وسوريا.
ولم تزل ذاكرتنا حاضرة متقدة وهي توثق مواقف روسيا العلمانية المتسامحة المنفتحة على كل الأيدولوجيات الثقافية والدينية، ولم ينسى العالم بعد صورة بطريك الروسي وهو يبارك أول فوج من القوات الروسية المتوجهة إلى سوريا ليعلن للعالم أنها حرب روسية صليبية بامتياز، طبعاً هذا يندرج ضمن سياق الدفاع عن علمانية سوريا.
الخبث الروسي يكمن في دعوة المدنيين والمعارضين لترك أحيائهم ومدنهم ورفع الرايات البيضاء، وتسليم تلك المناطق لنظام دمشق بعد كل ما قدموه من دماء للخلاص من نظام دمشق
روسيا تلك الدولة المارقة المنفلتة من عقال كل القيم والأخلاق باسم الإنسانية تعلن هدنة في حلب ليس من أجل الإنسان بل من أجل الاستسلام المذل، وتغلق مقر منظمة العفو الدولية بسبب عدم دفع الإيجار. روسيا راعية القانون الدولي الملتزمة دائماً وأبداً بمحاربة المنظمات الإرهابية المصنفة حسب مصالحها العدوانية، مستمرة في كفاحها الطويل من أجل تعزيز مبدأ حقوق الإنسان، والتزامها الواضح الذي لا تشوبه شائبة في ملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم من أجل لذلك ولأجل ذلك، استدعت غواصاتها النووية ومضاداتها الجوية وحاملة طائراتها البحرية لمحاربة الإرهاب وتعزيز حق الشعوب في تقرير مصيرها من أفغانستان إلى أوكرانيا.
وتستعد روسيا للحرب بإعلان هدنة جدية في حلب بعد أن أعلنت وفاة الهدنة السابقة التي أعلنتها موسكو من طرف واحد ثم إعادة إحياءها، ولم تعلن وفاتها بشكل رسمي واليوم تعلن هدنة جديدة “عشر ساعات”. في الأثناء تستغل روسيا الوقت من أجل تقوية ذراعها العسكرية في سوريا بوصول أساطيلها البحرية إلى الساحل السوري الذي بات من حق روسيا أن تنشر قواتها فيه بعد أن وقع فلاديمير بوتين القانون الخاص بالمصادقة على اتفاقية نشر قوات جوية حربية روسية في الأراضي السورية بشكل دائم.
أشارت التقارير وصول حاملة الطائرات الروسية “الأميرال كوزنيتسوف” إلى الساحل السوري ترافقها ثلاث غواصات، بعد أن وصلت الفرقاطة “الاميرال غريغوروفيتش” المحملة بصواريخ “كاليبر” المجنحة إلى سواحل سوريا، فيما أفادت المعلومات إلى تعزيز الروس ذراعهم الجوي في سوريا بطائرات “سوخوي 25″ المتخصصة بمهمات الدعم الجوي القريب، بالإضافة إلى الـ”ميغ 35” المتعددة المهام كطائرة مقاتلة جوا وداعمة للعمليات الأرضية، ما يشير إلى انخراط روسي أكبر في ساحات المواجهة السورية المستعرة، إضافة إلى منظومة “أس-300″ وأس-400” للدفاع الجوي .
برغم أنه سبق لموسكو وأن أعلنت هدنات كللت جميعها بالفشل بما فيها الهدنة التي تم اعتمادها بالتعاون مع الشريك الأمريكي في أيلول/سبتمبر التي لم تصمد أكثر من أسبوعا كان نتيجتها أن تبادل الطرفان الأمريكي والروسي الاتهامات في أفشال الهدنة المزعومة، فكانت الحجة الاميركية أن الروس لم يلتزموا بالسماح لقوافل الإغاثة الإنسانية الدخول إلى أحياء حلب المحاصرة، فيما اعتبرت موسكو أن الأمريكيين لم يفوا بوعودهم التي قطعوها للروس وهي تحديد مواقع الجهاديين في حلب وفصلها عن فصائل المعارضة المعتدلة، إذ استثنيت من الاتفاق الروسي الأمريكي، جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة الإسلامية.
هدنة الساعات العشر الجديدة التي أعلنتها موسكو من طرف واحد
لا يراهن أحد على جدية روسيا وإنما هي مناورة جديدة تقدم عليها موسكو في سبيل استكمال حشدها العسكري قبالة سواحل سوريا، وتمتص حدة الانتقادات اللاذعة التي تشنها منظمات حقوقية دولية والمجتمع الدولي على خلفية اتهام موسكو بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم التطهير العرقي في سوريا، من ضمنها استهداف قوافل المساعدات الإنسانية الأممية شمال حلب.
وتكمن المناورة الروسية في رمي الكرة بملعب المجتمع الدولي وإغراق وسائل الإعلام في نقاش الهدنة والنوايا الحسنة للروس في تجنيب المدنيين السوريين مخاطر التواجد في مناطق المنظمات التي تعتبرها موسكو منظمات إرهابية، والخبث الروسي يكمن في دعوة المدنيين والمعارضين لترك أحيائهم ومدنهم ورفع الرايات البيضاء، وتسليم تلك المناطق لنظام دمشق بعد كل ما قدموه من دماء للخلاص من نظام دمشق الذي تخوض موسكو حرباً بالوكالة عن نظام الأسد وبالأصالة عن نفسها دفاعاً عن مصالحها وطموحاتها الإمبراطورية.
تحاول روسيا من خلال هذه المناورة الخادعة الكاذبة “هدنة حلب” أن تظهر بمظهر المحترم للقانون الإنساني من خلال فتح ممرات إنسانية لانسحاب المقاتلين والمدنيين من مناطق الصراع وتظهر أنها تحترم القانون الدولي وهي طالما رددت على لسان وزير خارجيتها أنها القوة الوحيدة العاملة في سوريا بشكل قانوني وبدعوة من الحكومة الشرعية في دمشق. وأن موسكو استجابت لطلبات واشنطن والمنظمات الإنسانية بإعلان هدن مدتها 48 إلى 72 ساعة، ولكن، والمشكلة كلها تكمن في “لكن” أن الهدن كانت تؤدي دوماً إلى إعادة تموضع المسلحين وحصولهم على تعزيزات إضافية تعزز سيطرتهم.
ويخرج علينا وزير خارجية روسيا لافروف أكثر المدافعين عن نظام الأسد في مزاد يقول فيه نحن التزمنا بتعهداتنا، وننتظر أن تلتزم أميركة وحلفاؤها بالتزاماتهم، بفصل قوات المعارضة السورية المعتدلة عن تلك المصنفة إرهابية وتحديد مناطق تواجدها .ولتأكيد على ما ذهبنا إليه، يقول تشوركين “عليهم إقناعنا بأن لديهم رغبة صريحة في فصل المعارضين المتعاونين مع التحالف الأميركي عن جبهة النصرة، ثم القضاء على النصرة وجعل المعارضين جزءا من العملية السياسية” لافتاً إلى أن تنظيم “جبهة النصرة” مستمر في الحصول على الأسلحة من الغرب، والولايات المتحدة تتجاهل هذه الحقيقة.
وأوضح أنه إذا لم يحدث ذلك فسيثير الأمر شبهات لدى موسكو بأن كل هذه التحركات هي من أجل إنقاذ “جبهة النصرة” من الضربة، موضحاً أن تطبيق الاتفاق الروسي الأميركي يفتح طريقا للحل السياسي في سوريا، وأن لهذا الاتفاق أعداء كثيرين كانوا يسعون لتقويضه منذ البداية “وهناك انطباع أن موقفهم غير البناء هو الذي تغلّب”.
هل بقي شيء نقوله في مضمار المراوغة الروسية الرخيصة المتاجرة بدماء السوريين بمزاد رخيص ظاهره إنساني وباطنه نار تحت الجمر سرعان ما تتحول لغول يفترس السوريين
في غمار تحطيبه دون شمعة أو قنديل يستضيء به لافروف وتشوركين، أن الهدنة ليست إنسانية بمفهومها المتعارف علية دولياً في مثل هذه الحالة، وإنما هي دعوة للاستسلام لنظام الأسد ودعوة صريحة لمليششيات أيرا بأن يستأسروا مقاتلي المعارضة ويقولون لهم تعالوا وضعوا القيود في أيدينا وحول أعناقنا ونرجو منكم أن تسامحوننا كوننا وقفناً بصدق ضد مشروعكم العدواني الإلغلائي الإحلالي التوسعي.
لم أتي بهذا الكلام من بنيات أفكاري أو من مخيلتي بل أحيلكم لما قالته وزارة الدفاع الروسية التي طلب بشكل مباشر من قيادات الجماعات المسلحة في المدينة بطلب وقف جميع الأعمال القتالية والخروج من حلب عبر ممرين، أحدهما باتجاه مدينة إدلب والآخر نحو الحدود السورية التركية.
هل بقي شيء نقوله في مضمار المراوغة الروسية الرخيصة المتاجرة بدماء وأرواح ملايين السوريين بمزاد رخيص ظاهره إنساني وباطنه نار تحت الجمر سرعان ما تتحول لغول يفترس المعارضين السوريين المعتدلين منهم والمتشددين، في حال لم يتوقف المجتمع الدولي على التخفي وراء إصبعهم أو الاستمرار في دفن رؤوسهم في الرمال حتى تقرع طائرات موسكو أسقف منازلهم وتلتهمهم كما فعلت في القرم وسوريا وتحاول فعله شرق أوكرانيا