تمهيد:
تشهد كل من محافظة إدلب وريف حلب الغربي، شمال غربي سوريا، منذ أواخر شهر شباط 2024، موجة احتجاجات شعبية ضد هيئة تحرير الشام وسياساتها. وتتنوع مطالب المحتجين بين تحسين الأوضاع المعيشية، وإطلاق سراح المعتقلين، وتشكيل مجلس أعلى لإدارة المنطقة، وتنحي زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني.
الجهات الفاعلة:
- هيئة تحرير الشام: الفصيل المهيمن في إدلب وذراعه المدني المتمثل بحكومة الإنقاذ وذراعه الأمني جهاز الأمن العام مع انخراط الذراع العسكري لهيئة تحرير الشام مؤخراً في مواجهة وقمع الاحتجاجات.
- المعارضة: تضم مجموعات مختلفة من المعارضين لهيئة تحرير الشام.
- المجتمع المدني: يضم الناشطين والصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان.
- الدول الإقليمية والدولية: لها مصالح مختلفة في سوريا، وقد تلعب دورًا في تحديد مسار الأحداث.
الشرارة الأولى:
- بدأت الاحتجاجات في مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، في 25 شباط 2024، احتجاجًا على سوء الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار.
- سرعان ما انتقلت الاحتجاجات إلى باقي مدن وبلدات إدلب، مثل مدينة إدلب وجسر الشغور ومعرة النعمان وبنش و باقي البلدات ريف إدلب بالإضافة إلى ريف حلب الغربي.
دوافع الاحتجاجات:
- الأزمة المعيشية: يعاني سكان إدلب وباقي البلدات الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام من ظروف اقتصادية صعبة، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتدهور قيمة العملة المحلية، وتدني الأجور، وارتفاع الأسعار بشكل كبير.
- إغلاق الحياة العامة واحتكار الاقتصاد وجميع النشاطات المالية حيث تتحكم هيئة تحرير الشام من خلال بعض المتنفذين من أعضائها والمحسوبين على المكتب الاقتصادي فيها بكل النشاط الاقتصادي والتجاري والمالي في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
- القمع الأمني: تتهم هيئة تحرير الشام بممارسة القمع الأمني ضد المعارضين لها، واعتقال الناشطين والصحفيين، وتضييق الخناق على الحريات العامة.
- ملف العملاء: أثارت حملة اعتقالات واسعة نفذتها الهيئة ضد المتهمين بـ”التعاون مع النظام” استياءً واسعًا، خاصة بعد انتشار أنباء عن تعرض المعتقلين للتعذيب.
ردود أفعال هيئة تحرير الشام و الانتهاكات ضد المدنيين :
لجأت هيئة تحرير الشام إلى الحل الأمني و قمع المتظاهرين و المحتجين، في استنساخ لكل التكتيكات التي قام بها نظام الأسد في بداية الثورة السورية في مواجهة الاحتجاجات و التظاهرات السلمية، و نتج عن ذلك جملة من الانتهاكات تتمثل بما يلي :
- الاعتقالات التعسفية: قامت هيئة تحرير الشام باعتقال عشرات الناشطين والصحفيين والمحتجين على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات والتظاهرات.
- الاستخدام المفرط للقوة: واجهت قوات الأمن التابعة للهيئة المحتجين و المتظاهرين بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع و دهس المحتجين و المتظاهرين ، مما أدى إلى إصابة العديد بجروح.
- القيود على حرية التعبير: فرضت الهيئة قيودًا على حرية التعبير، ومنعت وسائل الإعلام من تغطية الاحتجاجات.
نتائج الانتهاكات التي ارتكبتها هيئة تحرير الشام :
- زيادة التوتر والغضب الشعبي: أدت الانتهاكات إلى زيادة التوتر والغضب الشعبي في إدلب، مما دفع إلى المزيد من الاحتجاجات والمظاهرات و المزيد من العنف .
- انقسامات داخلية: أدت الانتهاكات إلى انقسامات داخلية في هيئة تحرير الشام، بين مؤيد ومعارض لسياساتها.
- انقسامات مجتمعية : أدت الانتهاكات إلى انقسامات في صفوف المدنيين في إدلب بين مؤيد للاحتجاجات و معارض لها بحجة تضرر حياة المدنيين اليومية من الاحتجاجات و الاعتصامات.
- فقدان الشرعية: قد تؤدي الانتهاكات في نهاية الأمر إلى فقدان هيئة تحرير الشام لشرعيتها في نظر السكان، مما قد يضعف قدرتها على الحكم.
- التدخل الخارجي: قد تُشجع الانتهاكات الدول الإقليمية والدولية على التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا ، بحجة أن تصاعد وتيرة الاحتجاجات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة ، واتخاذ الانتهاكات ذريعة للتحكم في مسار الأحداث .
و هنا يتبادل إلى الذهن السؤال عما يمكن فعله في مواجهة الانتهاكات المتزايدة من هيئة تحرير الشام في حق المتظاهرين و المحتجين
ويكون الجواب في الإجراءات و التحركات التالية :
- توثيق الانتهاكات: يجب على الناشطين والصحفيين توثيق الانتهاكات بشكل دقيق ونشره على نطاق واسع .
- الضغط على هيئة تحرير الشام: يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الضغط على هيئة تحرير الشام لوقف انتهاكاتها واحترام حقوق الإنسان .
- المساعدة القانونية: يجب على نقابات المحامين في حلب و إدلب و منظمات المجتمع المدني و المنظمات الحقوقية تقديم المساعدة القانونية للضحايا .
- التظاهرات السلمية: يجب على المحتجين الاستمرار في التظاهرات السلمية للتعبير عن مطالبهم .
ردود الأفعال من باقي الجهات الفاعلة :
- المعارضة: أدانت القمع واعتبرته انتهاكًا لحرية التعبير و لحقوق الإنسان و أيدت مطالب المحتجين و المتظاهرين .
- المجتمع الدولي: دعا إلى حل سلمي للاحتجاجات واحترام حقوق الإنسان .
التحديات التي تواجه جميع الأطراف الفاعلة :
تمثل الاحتجاجات في إدلب تحديًا كبيرًا لجميع الأطراف الفاعلة في سوريا و تتلخص هذه التحديات بما يلي :
- الوصول إلى حل سلمي: من الصعب التوصل إلى حل سلمي للأزمة بسبب الخلافات العميقة بين هيئة تحرير الشام والمعارضة ، و في ظل تعنت هيئة تحرير الشام كسلطة أمر واقع واصرارها على استخدام الحل الأمني و اللجوء إلى القمع و العنف .
- تفاقم الأزمة الإنسانية: تواجه إدلب أزمة إنسانية حادة، وقد تؤدي الاحتجاجات إلى تفاقمها في ظل الانغلاق الحاصل لدى جميع الأطراف الفاعلة .
- الحفاظ على وحدة سوريا: تسعى بعض الدول إلى تقسيم سوريا، وقد تستغل الاحتجاجات لتحقيق أهدافها.
مستقبل الاحتجاجات :
من الصعب التكهن بمستقبل الاحتجاجات في إدلب ، إلا أنه يمكن التفكير ببعض الاحتمالات و توجيه بعض التوصيات للأطراف الفاعلة في ما يجري :
١ – احتمالات و سيناريوهات المستقبل :
- استمرار الضغوط: من المرجح أن تستمر الاحتجاجات إذا لم تُلبى مطالب المحتجين، خاصة مع تزايد الضغوط المعيشية.
- الحوار: هناك دعوات لفتح حوار بين هيئة تحرير الشام والمعارضة للوصول إلى حلول توافقية.
- التدخل الخارجي: قد تلعب الدول الإقليمية والدولية دورًا في تحديد مسار الأحداث في إدلب.
٢- التوصيات للجهات الفاعلة في الاحتجاجات:
- التوحد: يجب على جميع الجهات الفاعلة في الاحتجاجات التوحد حول مطالب مشتركة .
- التنسيق: يجب على الجهات الفاعلة في الاحتجاجات التنسيق فيما بينها لتنظيم الفعاليات والاحتجاجات .
- اللاعنف : يجب على المحتجين الالتزام بالمقاومة السلمية وتجنب العنف.
- الحوار: يجب على الجهات الفاعلة في الاحتجاجات أن تكون مستعدة للحوار مع هيئة تحرير الشام للوصول إلى حلول سلمية لتجنيب المنطقة الانتظار نحو المزيد من العنف.
الدعم الدولي: يجب على الجهات الفاعلة في الاحتجاجات السعي للحصول على دعم من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.
- الخلاصــــــــة
إن احتجاجات إدلب تعكس تعقيد الوضع في شمال غرب سوريا، حيث تتداخل العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. على الرغم من التحديات الكبيرة، إلا أن التوحد والتنسيق بين المحتجين، والالتزام باللاعنف، والحوار الجاد يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة نحو تحقيق تغييرات حقيقية ومستدامة. تبقى النساء جزءاً لا يتجزأ من هذه العملية، ودورهن الفعال يمكن أن يكون حاسماً في تشكيل مستقبل أكثر عدالة وحرية للجميع.