87459874ميسرة بكور // صحيفة السياسة الكويتية
لا يبدو أن إدارة بوتين تحتاج مزيداً من الذرائع كي تزيد من حجم تواجدها العسكري في سورية، منذ إعلان تركيا إسقاط طائراتها الحربية الطائرة الروسية من طراز سوخوي -24 التي اخترقت مجالها الجوي، إذ بدأنا نسمع في هذه الأيام أحاديث من هنا وهناك، مفادها أن روسيا تستغل حادث اسقاط الطائرة الروسية بهدف زيادة قدراتها العسكرية العاملة في سورية دعماً لنظام الأسد، فلم تكد تمضي ساعات قليلة حتى أعلن وزير الدفاع الروسي عن نشر وتشغيل منظومة صواريخ «اس 400» ومن ثم إرسال أكبر طرازاتها البحرية والمعروف باسم «موسكو» تحت مبرر تقديم الحماية لطائراتها في سورية ضد أي اعتداء.
لتكشف لنا صحيفة «التايمز» البريطانية، عن الخطط الروسية لبناء قاعدة عسكرية ثانية «الشعيرات» قرب مدينة حمص، وأكدت أنها جزء من الجهود التي تبذلها روسيا لزيادة تورطها في سورية، من خلال إرسال طائرات إضافية، وقوات عسكرية لحمايتهم ودعمهم. لا يخفى على متابع أن روسيا ومنذ انطلاق الثورة السورية في مارس 2011 وقفت ضدها بكل ما تمتلكه من إمكانيات سياسة «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي حيث استخدمت حق النقض أربع مرات ضد صدور قرارات تدين جرائم النظام السوري وعطلت صدور بيانات عن المجلس . من الناحية العسكرية كانت روسيا قد زودت جيش النظام بالأسلحة وحمت دمشق ديبلوماسياً من المحاولات الغربية لفرض عقوبات على الأسد في الأمم المتحدة. لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد لعب الروس دور العراب في صفقة إنقاذ النظام السوري من العقوبات الأميركية التي كادت تؤدي لقصف مواقع ميليشيات الأسد نتيجة تخطيه خطوط أوباما الحمراء .
كما أن موسكو خالفت جميع دول العالم التي حضرت واتفقت على بيان «جنيف واحد» وفسرته تفسيراً مخالفاً لما تم التوافق عليه . ومن ثم عقدت موسكو «واحد» وموسكو «اثنين«بهدف تشكيل معارضة مفصلة على مقاس نظام الأسد وتقبل بالإملاءات الروسية . ومازالت تلعب على وتر الطائفية وحقوق الأقليات وتمييع بيان «جنيف واحد»، ومحاولة جعل بيان فيينا الموسع أساسا لأي حل سياسي في سورية .بكل وضوح روسيا تريد التملص من تبعات بيان جنيف «واحد» وإعادة تأهيل الأسد واعتباره جزءاً من التسوية السياسية ، وهو أمر ينسف أي حل سياسي . باختصار مكثف النظام السوري وجنرالات حربه هم أصل المشكلة ولا يمكن أن يكون له دور في حاضر ومستقبل سورية. ويمكن الإشارة إلى أن بعض خبراء معهد الاستشراق اعتبر أن توسع روسيا في نشر تواجدها العسكري في سورية وفي مناطق أخرى رغم أزمتها الاقتصادية يهدف إلى فرض موسكو في معادلة التسوية مع الغرب .
بدأت روسيا عدواناً جديداً على سورية في 30 سبتمبر الماضي بشن غارات جوية استهدفت عددا من المناطق والبلدات السورية والتي تسيطر عليها فصائل من المعارضة السورية،في عدوان مباشر على الثورة السورية دعماً لحليفها الذي كان يسير بشكل متسارع إلى الهاوية . محاولة تقديم ترياق الحياة له لعلها تتمكن من إعادة الحياة لنظام يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وقع ضربات الثوار . اليوم وبعد مرور شهرين على العدوان الروسي لم تتمكن من فعل أي شيء في هذا السياق وكل ما فعلته أن ارتكبت طائراتها الغازية عدداً من المجازر خلفت ما يزيد عن 1500 قتيل وتدمير 17 مرفقاً حيوياً من مستشفيات ومدارس وصوامع حبوب وأفران ومراكز ضخ المياه» أخرها كان قصف مجموعة من الشاحنات التي كانت تنقل مواد إغاثية للأهالي من الحدود التركية إلى الداخل السوري اثنتان من تلك الشاحنات تعمل مع الأمم المتحدة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد, جرائم «حرب» بل تعداه إلى جرائم التطهير العرقي وذلك بأن تسببت طائراتها بتهجير أكثر من «150ألف» مواطن سوري في ريف اللاذقية، وجرائم التطهير العرقي في هذا المقام تكمن في تهجير سكان ثلاثين قرية بالكامل من أصل ثلاث وثلاثين قرية في جبل التركمان في ريف اللاذقية معظمهم من الأقلية التركمانية، بهدف تفريغ تلك المنطقة من سكانها الأصليين، تمهيداً للمرحلة الثانية من خطتها إنشاء دويلة علوية في الساحل السوري تحفظ مصالحها.
هذا الاستهداف المتعمد من قبل الطائرات الروسية الغازية للمرافق الحيوية السورية التابعة للمعارضة والاستهداف الممنهج واسع النطاق لأفراد المكون التركماني في جبل «التركمان» وارتكابها لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان تعتبر من أخطر الجرائم كونها ترتقي إلى 1ـ جرائم حرب بحسب المادة/8/ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 2ـ جريمة الإبادة الجماعية حسب نص المادة/6/ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والمادة/2/ من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية 3 ـ جرائم ضد الإنسانية بموجب المادة/7/ من نظام روما الأساسي . مع تصاعد الخلاف الروسي التركي على خلفية إسقاط الطائرة الروسية، أتهم الرئيس الروسي بوتين، تركيا بالتعاون مع تنظيم الدولة «داعش» وشراء النفط منها،الأمر الذي نفته تركيا حتى وصل الأمر بأن قال الرئيس التركي أردوغان أنه مستعد للاستقالة في حال أثبتت روسيا صحة مزاعمها، ولكنه أضاف في سؤال هل سيستقيل بوتين في حال ثبت أنه يكذب؟ ليأتي الجواب من وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات جديدة على عشرة كيانات ورجال أعمال روس وسوريين – بينهم مسؤولون حكوميون – بسبب دعمهم لبشار الأسد، وتسهيل عمليات شراء النفط من تنظيم الدولة الإسلامية لصالح النظام السوري.
وها هي ألمانيا وعلى لسان سوسن شبلي، نائبة المتحدث باسم الخارجية الألمانية تؤكد إن لديها وثائق تثبت شراء النظام السوري الكمية الكبرى من نفط تنظيم «داعش» الإرهابي. جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقدته شبلي، في العاصمة الألمانية برلين، الثلاثاء، تطرقت فيه إلى مزاعم روسيّة بشأن «شراء تركيا النفط من التنظيم»، موضحة أن بلادها «لا تمتلك معلومات أو وثائق بهذا الصدد». من جانبه قال ستيفن سايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، في المؤتمر ذاته: «يجب عدم اتهام أي طرف بشراء النفط من داعش، دون وجود أدلة ووثائق». من هنا يمكنننا القول إلى حد بعيد جداً أن أطماع روسيا في سورية أكثر بكثير مما كان يعتقده البعض من تأمين مصالحها في المياه الدافئة على اعتبار أن سورية أخر قواعد روسيا في البحر المتوسط.
رغم أن الكثيرين يتجاهلون حقيقة أن روسيا لها قاعدة ذات أهمية قصوى لإحتواؤها قاعدة بحرية في المياه الدافئة، وهي مقر أسطول البحر الأسود الروسي في «شبه جزيرة القرم « بعد احتلالها يمكن أن تعوضها عن قاعدة طرطوس . من هذا المنظور يبدو أن روسيا تريد تحسين مواقعها التفاوضية مع المجتمع الدولي على رأسها «الناتو» . ونعتقد إن نرجسية السيد «بوتين « الذي لا يريد أن يعترف بأخطائه ويكابر مستعد إلى الذهاب إلى أبعد حد في تطرفه وتعصبه لقراراته غير المبالية بإعداد القتلى والخسائر التي تتكبدها روسيا في كل صعيد من «اقتصاد وعداوات «، أو المغامرة في انفجار الوضع الداخلي في روسيا خصوصا في الجمهوريات الإسلامية ضمن الاتحاد الروسي.