- ملخص تنفيذي – معركة حلب المرتقبة: جديتها وإمكانية استفادة النظام السوري
- إشاعات المعركة: تتصاعد الأخبار عن هجوم مرتقب من هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى ضد مواقع النظام السوري في حلب، لكن مصادر عدة تؤكد عدم وجود خطة ملموسة لشن هجوم في المستقبل القريب.
- النزوح والتحضيرات: نزوح كبير للسكان في المناطق القريبة من خطوط التماس مثل سرمين وكفر نوران، وسط تحذيرات عسكرية وتحركات عتاد ثقيل من هيئة تحرير الشام.
- غياب الدعم التركي: تركيا لم تقدم أي دعم عسكري أو لوجستي للفصائل المعارضة، وأوصت الهيئة بعدم شن أي هجوم في الوقت الحالي، مع اقتصار دعمها على الجانب الإنساني.
- توقيت مناسب للمعركة: بعض الأصوات ترى أن انشغال حزب الله في لبنان يتيح فرصة ذهبية للفصائل لشن هجوم على النظام، خاصة مع تطور قدرات المعارضة في العمليات الخاصة.
- النظام يسعى للاستفادة: يرى البعض أن النظام السوري قد يستفيد من أي تصعيد في الشمال لنقل معركته بعيدًا عن إسرائيل، ما يمكن أن يبرر له التخلي عن أجزاء من الأراضي السورية مقابل الحفاظ على حكمه.
- تحركات هيئة تحرير الشام : تحركات الهيئة غير واضحة وقد تكون استعراضًا للتخلص من الضغوط الشعبية، أو ابتزازًا لترك
- عدم تغير النفوذ : لا يتوقع حدوث تغييرات كبيرة في
يعتبر الحديث عن معركة مرتقبة ضد مواقع قوات نظام الأسد سيد الموقف في الشمال السوري، لكن ضبابية كبيرة تدور حول أسباب هذه المعركة، والمعطيات السياسية والميدانية التي تدفع بها للأمام أو تمنع اندلاعها.
منذ أيام عدة يعيش سكان الشمال السوري على وقع أخبار متتالية ضخها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام تفيد بعزم الهيئة وفصائل مسلحة أخرى شن عملية عسكرية ضد مواقع قوات نظام الأسد على جبهات حلب تحديداً، يرافقها أمل كبير من المهجرين المبعدين عن بيوتهم، الآملين في تحريرها، وخوف ونزوح لسكان القرى القريبة من خطوط التماس.
تعززت صدقيّة تلك الأخبار بعد نزوح سكان عدة مناطق قريبة من خطوط التماس شرقي إدلب وغربي حلب، أبرزها مدينة سرمين التي نزح عنها قرابة الـ70% من سكانها بحسب تقديرات محلية، فضلاً عن بلدات أخرى من أبرزها النيرب وكفر نوران.
حركة النزوح عن تلك المناطق جاءت بعد تحذيرات أطلقها عسكريون في هيئة تحرير الشام لسكان تلك القرى بحسب عدة مصادر محلية، بالإضافة لنقل عتاد عسكري ثقيل إلى محاور القتال، ورفع هيئة تحرير الشام جاهزية الجناح العسكري فيها بالكامل، وهو ما انتقل للعامة بطبيعة الحال على صورة استعداد لمعركة مرتقبة.
الهيئة لا ترد ومصادر خاصة “تم إلغاء العملية”
حاول موقع تلفزيون سوريا التواصل مع غرفة العمليات العسكرية “الفتح المبين” التي تديرها هيئة تحرير الشام وتشارك فيها عدة فصائل أخرى من أبرزها الجبهة الوطنية للتحرير المقربة من تركيا وجيش العزة وفصيل أنصار التوحيد الجهادي، وسؤالها عن حقيقة تلك الأخبار لكن دون تلقي أي رد منذ ثلاثة أيام.
من جانب آخر تواصل موقع تلفزيون سوريا مع ثلاثة مصادر مختلفة اثنان منها في الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام والثالث في الجبهة الوطنية للتحرير، وأكدت المصادر الثلاثة أن “لا معركة مرتقبة ضد مواقع قوات نظام الأسد ضمن المدى المنظور”، كما أضافت المصادر أن تحرير الشام تلقت وعوداً من دول غربية بدعمها في حال مهاجمة مواقع قوات نظام الأسد وضرب القواعد الروسية في ظل المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وبحسب المصادر فإن تحرير الشام رفعت مقترحاً للجانب التركي الذي لم يبدِ أي معارضة أو موافقة على الفكرة، كما أنه أبلغ الهيئة أنه لن يقدم أي نوع من أنواع الدعم العسكري أو اللوجستي وأن قواعده المنتشرة في المنطقة لن تقدم أي إسناد عسكري للفصائل، كما أن تركيا لن تشارك في أي عملية حظر للطيران السوري أو الروسي في المنطقة، وأن دورها سيقتصر على الجانب الإنساني الذي يتمثل في استقبال الجرحى في مستشفياتها، كما أفاد أحد المصادر فقط بأن الجانب التركي عاود التواصل مع الهيئة وطلب منها العزوف عن فكرتها في الوقت الراهن، وهو ما لم تؤكده بقية المصادر.
لماذا المعركة الآن؟
منذ تنفيذ إسرائيل عملية الاغتيال الجماعي لعناصر من حزب الله عبر ما بات يعرف بعملية “البيجر”، وما تلاها، من قتل لزعيم الحزب، وكبار القادة فيه، ومن ثم بدء التوغل في الأراضي اللبنانية، تعالت الأصوات في الشمال السوري مطالبة فصائل المعارضة بشن عمليات عسكرية باتجاه مواقع سيطرة قوات نظام الأسد، على اعتبار أن هذا التوقيت هو الأنسب، بسبب انشغال حزب الله وسائر الميليشيات الإيرانية في المواجهة الحالية في لبنان، خاصة أن تلك الميليشيات تعتبر رأس حربة في الصراع السوري وفي أي عملية عسكرية لقوات نظام الأسد.
ويرى رشيد حوراني الباحث في مركز جسور للدراسات أن فصائل المعارضة تحاول اقتناص فرصة ذهبية تتمثل بانكشاف حزب الله على ضربات الجيش الإسرائيلي، لأن ذلك يستدعي انسحاب مقاتليه من سوريا بشكل عام ومن جبهات الشمال بشكل خاص، وهو ما لا تريده روسيا، وتحاول التشويش عليه بادعائها تدريب أوكرانيا مقاتلين من هيئة تحرير الشام.
وبحسب حوراني فإن شن المعارضة عملية عسكرية في الوقت الحالي هو لضمان أقل الخسائر التي قد تنجم من تدخل الطيران الروسي، مستنداً في رؤيته إلى دخول قادة الجيش التركي إلى إدلب أول أمس.
ويرى حوراني أن فصائل المعارضة قادرة على تحقيق ذلك في ضوء تطور قدراتها في المرحلة السابقة، فهي تطور من قدراتها العسكرية والقتالية منذ اتفاق آذار 2020 بين روسيا وتركيا، وأبرز مظاهر هذا التطور هو تصدي فصائل المعارضة وإفشال معظم عمليات التسلل التي قامت بها قوات نظام الأسد على خطوط التماس، بل ونجاح فصائل المعارضة في شن عمليات خلف الخطوط ضد نقاط النظام على محاور التماس معه في حماة وحلب واللاذقية، حيث أثبتت تلك العمليات امتلاك الفصائل مهارات القوات الخاصة في تلك العمليات كتنفيذ العملية خلال الليل، واستطلاع مسرح العمليات وجمع المعلومات بشكل جيد، وتنظيم مجموعات الاقتحام والمساندة والانسحاب، من دون وقوع خسائر بشرية في معظم تلك العمليات وهو أمر يدل على تدريب عال لمقاتلي الفصائل، وضعف واضح في قوات النظام.
المعركة تنقذ الأسد وهو يطلبها
وفي شهر أيلول الفائت، علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة أن ضباطاً في النظام نقلوا رسالة من اللواء كفاح ملحم رئيس “مكتب الأمن الوطني” إلى القيادي في “حزب الله” “الحاج أبو علي ياسر” تفيد بوجود مؤشرات استخبارية تدّل على نية الفصائل والتنظيمات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام استغلال الأوضاع في المنطقة وشن هجمات باتجاه مواقع جيش النظام.
وجرى إيصال هذه الرسالة في إطار اجتماع جرى بين ضباط “الأمن الوطني” والقيادي في “حزب الله” لمطالبته بإغلاق مكتب تجنيد افتتحه “الحزب” بالقرب من مقام السيدة زينب بريف دمشق بهدف استقطاب متطوعين سوريين للقتال إلى جانبه في لبنان.
أما محمد الحسن الباحث في شؤون الميليشيات الإيرانية في سوريا، فيرى أن شمال غربي سوريا قد لا يبقى هادئاً لفترة أطول، إذ تحاول فصائل المعارضة السورية التي تدرك ذلك استغلال الأوضاع الراهنة في المنطقة وانشغال الميليشيات المدعومة من طهران بالحرب بين حزب الله وإسرائيل لخلق واقع جديد، عبر مواجهة تنفرد فيها بمقارعة قوات النظام السوري وبعض الميليشيات المحلية أو المدعومة من قبل روسيا كالفرقة 25 مهام خاصة فقط، في حين يسعى النظام السوري لإشعال هذه الجبهة للبقاء بعيداً عن أي معركة ضد إسرائيل قد يدفعه إليها حلفاؤه المدعومون من إيران.
وبحسب الحسن، فإنّ النظام السوري وصل مؤخراً إلى نقطة حرجة في العلاقة مع إيران وميليشياتها الموجودة على امتداد مناطق نفوذه كونه يمنع تنفيذ أي عمليات انتقامية ضد إسرائيل من الأراضي السورية لا سيما أنّ موقفه في “النأي بالنفس” عن تلك الحرب إعلامياً وميدانياً بات واقعاً يزعج المحور الإيراني ويشير إليه بإصبع التخوين.
ويذهب الحسن إلى أبعد من ذلك بالقول إن تلك العملية قد تبرر لنظام الأسد تخليه عن جزءٍ من الأراضي السورية لإسرائيل، فالأخيرة تعتزم تأمين بعض الخواصر الرخوة في حدودها في هضبة الجولان ومنطقة جبل الشيخ، والأسد لن يواجه إسرائيل كي لا يلاقي مصير حليفه نصر الله، لكنه محرج للغاية، وستخدمه المعارضة في حال شنت أي هجوم فهو سينقل كامل جيشه نحو الشمال ليبرر تخليه عن جزء من الأراضي السورية مقابل بقاء الأسد في كرسي الحكم.
بالعودة للموقف العسكري في شمال غربي سوريا، فإنّ الميليشيات الإيرانية لم تخلِ أياً من قواعدها أو مواقع انتشارها في الجبهة المقابلة للمنطقة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، كما أنّ قيام ميليشيا حزب الله بسحب جزء من قواتها لن ينعكس بشكل إيجابي لصالح المعارضة، بحسب الباحث الحسن.
واعتبر الحسن أنّ القدرات العسكرية لفصائل المعارضة الطامحة بتوسعة رقعة سيطرتها لم تتطور خلال السنوات السابقة للمستوى الذي يؤهلها التفوق على جيش النظام السوري المدعوم من القوات الجوية الروسية، إضافة إلى مسألة التسليح التي تعتمد بشكل أساسي على الجانب التركي في إمداد الفصائل بالذخائر الثقيلة والمتوسطة الكفيلة باستمرارية المعركة لأسابيع أو شهور.
ولفت الباحث إلى أنّ الفصائل تتفوق بشكل ملحوظ على قوات نظام الأسد والميليشيات المساندة له في حرب المدن والشوارع والمواجهات القريبة، الأمر الذي قد يعطيها أفضلية في بعض الساحات، إلا أنها ستكون في موقف أقل ثباتاً في ساحات المواجهة المفتوحة كالمناطق الريفية، التي تمثل أكثر من 80 بالمئة من امتداد خطوط التماس.
أما أحمد خطاب (اسم مستعار) وهو صحفي يعمل في إدلب، فيعتبر أن كل ما تقوم به هيئة تحرير الشام لا يتعدى الدعاية الإعلامية، فتحرير الشام تريد التخلص من الضغط الشعبي المطالب بفتح الجبهات وشن عمليات عسكرية لاستراجع المناطق التي خسرتها المعارضة في أواخر 2019 ومطلع 2020، ذلك الضغط الذي ازداد مع اندلاع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل.
ويرى خطاب أن أقصى ما يمكن لتحرير الشام فعله هو مسرحية لحفظ ماء الوجه لا تتعدى التقدم إلى قرية أو نقطة صغيرة والسيطرة عليها ومن ثم الانسحاب منها، فهيئة تحرير الشام تدرك تماماً فشل أي عمل عسكري غير مدعوم دولياً، فهي لن تعرض إدلب التي تستعرض فيها تطور المؤسسات ومناطق استثماراتها ونقاط جذب المستثمرين إلى ساحة حرب تغير عليها الطائرات الروسية فتهدم ما بنته الهيئة خلال سنوات.
كما أن اختيار حلب تحديداً كوجهة للعملية العسكرية له أسباب خاصة بحسب خطاب، تتمثل بمحاولة هيئة تحرير الشام ابتزاز تركيا، من أجل الحصول على حصة من عائدات معبر أبو الزندين قرب الباب، فالمعبر الذي يربط مناطق سيطرة نظام الأسد بمناطق سيطرة المعارضة يؤثر سلباً بشكل كبير على معبر سراقب الذي تحاول هيئة تحرير الشام افتتاحه منذ مدة، كما أنها أرسلت أذرعاً تابعة لها إلى منطقة الباب لتعطيل افتتاح المعبر ونجحت في ذلك حتى الآن.
وعن آلية الابتزاز يقول خطاب: تخضع حلب لاتفاق تركي روسي، ونشر دعاية حول عملية عسكرية باتجاه حلب هو تهديد لتركيا بتخريب الاتفاق، من أجل إجبار تركيا على ترضية الهيئة ومنحها حصة من عائدات المعبر الواقع خارج مناطق نفوذها.
أما النقيب جمال (اسم مستعار) وهو قيادي في الجيش الوطني فيرى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين دعاية هيئة تحرير الشام حول نية شن عملية عسكرية باتجاه حلب وبين العلاقة المتدهورة بين الجبهة الشامية وتركيا على خلفية إصرار تركيا على حل فصيل صقور الشمال وانضمام الأخير إلى صفوف الجبهة الشامية، حيث يقول النقيب إن ضغط الجانب التركي على الشامية دفع الأخيرة إلى التلويح بالخروج من مظلة الجيش الوطني والانضمام لهيئة تحرير الشام، التي تمنع وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة ومن خلفها أطراف تركية وجودها شمالي حلب.
فتكون دعاية المعركة المرتقبة بوابة شرعية لدخول الجبهة الشامية تحت عباءة هيئة تحرير الشام بصورة مبررة أمام حاضنة الشامية وأمام المجتمع المحلي في مناطق نفوذها وذلك عبر ما يمكن تسميته “تنسيق الجهود العسكرية للمعركة المرتقبة” فتدخل الشامية بصورة شرعية إلى “غرفة عمليات الفتح المبين” التي تديرها هيئة تحرير الشام، وهو ما أكد النقيب جمال أنه جرى تداوله في بعض الجلسات عن إمكانية مشاركة الشامية في تلك العملية إلى جانب تحرير الشام من شمالي حلب وهو ما يتطلب تنسيقاً للجهود العسكرية بطبيعة الحال.
وتشير جميع المعطيات السياسية والميدانية إلى أن لا تغير في خريطة توزع النفوذ والسيطرة في شمال غربي سوريا على المستوى المنظور، إلا أن تحركات هيئة تحرير الشام الحالية ما زالت غير معلومة الأهداف، ويحذر الباحث الحسن من مغبة إعطاء هيئة تحرير الشام الذريعة لنظام بشار الأسد لتسليم جزء من التراب السوري لإسرائيل.