- ملخص تنفيذي موجز:
أزمة اللاجئين السوريين في لبنان: ظروف معيشية وأمنية صعبة، مع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية. - التأثيرات الأخيرة: تصاعد الصراع الإسرائيلي زاد النزوح الداخلي بين اللاجئين وضغط على الموارد.
- خيارات العودة: العودة إلى سوريا محفوفة بمخاطر أمنية، رغم دعوات النظام بالعفو.
- الدعم الإنساني: نقص التمويل يحد من استجابة المنظمات للاحتياجات الأساسية للاجئين.
- التأثيرات المستقبلية: تتطلب الأزمة حلولًا سياسية شاملة لتخفيف الضغط على لبنان وضمان عودة آمنة.
في ظل الأوضاع الحالية، يبدو أن السلطات اللبنانية منشغلة تمامًا بتداعيات الحرب الإسرائيلية على البلاد، فيما تتراجع أهمية الأزمات الأخرى، وأهمها ملف اللاجئين السوريين، إلى الهامش.
على الرغم من جسامة التحديات الراهنة، فإن مأساة اللاجئين السوريين تتفاقم، حيث باتوا عالقين بين خيارات محدودة وصعبة. فقد وجد هؤلاء اللاجئون أنفسهم في معضلة مزدوجة؛ إما العودة إلى سوريا تحت تهديد الاعتقال أو التجنيد الإجباري في صفوف النظام، أو الاستمرار في لبنان تحت خطر التصعيد العسكري الإسرائيلي.
أوضاع اللاجئين السوريين تحت نيران الحرب.
منذ اندلاع الحرب، تزايدت معاناة آلاف الأسر السورية اللاجئة في لبنان بعد اضطرارها إلى النزوح من مناطق مثل الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، لتجد نفسها في ظروف معيشية قاسية. يعيش هؤلاء اللاجئون في أماكن عامة ومواقف سيارات، في ظل غياب الخدمات الأساسية ومحدودية المناطق الآمنة، وسط تعامل السلطات اللبنانية معهم على أنهم ملف ثانوي مقارنةً بتحديات النازحين اللبنانيين.
وأفادت الناطقة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، دلال حرب، بأن هناك
أكثر من 45,000 لاجئ سوري نزحوا داخل لبنان منذ بداية تشرين الأول 2023، بينهم 34,000 نزحوا في أواخر أيلول.
وأوضحت أن اللاجئين المقيمين في المناطق الأكثر تضررًا من التصعيد العسكري بحاجة ماسّة إلى أماكن إيواء آمنة ومواد إغاثية مثل الفرشات والبطانيات والمصابيح الشمسية، إضافة إلى خدمات طبية ومساعدات نقدية وخدمات الحماية، بما في ذلك حماية الأطفال والنساء ودعمهم النفسي والاجتماعي.
ورغم جهود المفوضية لتوفير المساعدات، إلا أن التحديات المالية تقف عائقًا أمام تلبية جميع الاحتياجات الإنسانية المتزايدة. وقد أطلقت المفوضية نداءً لجمع 425.7 مليون دولار لتقديم المساعدات لأكثر من مليون شخص، نصيب المفوضية منها يقدر بـ111 مليون دولار فقط.
النزوح العكسيّ بين سوريا ولبنان.
حتى منتصف تشرين الأول 2023، بلغ عدد السوريين الذين اضطروا للعودة إلى سوريا من لبنان حوالي 254 ألف شخص، حسب إحصاءات المكتب التنفيذي للنظام السوري في دمشق. هذا النزوح العكسي يعكس واقعًا جديدًا، حيث بات اللاجئون السوريون الذين فروا إلى لبنان بحثًا عن الأمان يرون في بلدهم ملاذًا نسبيًا، رغم هشاشة الأمن فيه. ومع هذا، فإن هذه العودة ليست طوعية تمامًا، بل هي اضطرارية في ظل التهديدات التي يواجهونها في لبنان.
الاعتقال والتجنيد الإجباري
مع نهاية أيلول الماضي، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حالات اعتقال وإخفاء قسري لما لا يقل عن 17 شخصًا من العائدين إلى سوريا من لبنان، بينهم خمسة حالات في إدلب وأربعة في السويداء. ووفقًا للشبكة، يتعرض العائدون للاعتقال عند نقاط تفتيش مؤقتة أو بعد استدعائهم بذريعة “تسوية أوضاعهم”. من بين هذه الحالات، تم اعتقال شاب عند معبر الدبوسية الحدودي في حمص دون السماح له بالتواصل مع عائلته.
وفي سبتمبر الماضي، صدر مرسوم عفو رئاسي يشمل المتخلفين عن الخدمة العسكرية حتى تاريخ 22 سبتمبر 2024، إلا أن الشباب السوريين في لبنان لا يثقون في هذا العفو خوفًا من القبض عليهم عند عودتهم.
مخاطر العودة إلى مناطق النظام
يشير المراقبون إلى أن العائدين إلى مناطق النظام في سوريا يواجهون خطرين رئيسيين؛ يتمثل الأول في الاعتقال أو التجنيد الإجباري، وهو أمر يقلق الشباب السوريين العائدين. أما الثاني فيكمن في استغلال النظام لوضع اللاجئين العائدين من أجل تحسين صورته الدولية وجذب الدعم. وقد خصصت الولايات المتحدة مبلغ 160 مليون دولار لدعم النازحين في لبنان وأولئك العائدين إلى سوريا، وهو ما يسعى النظام السوري لاستغلاله لدعم صورته أمام المجتمع الدولي.
اللاجئون بين التصعيد الإسرائيلي وخطر القصف في سوريا
أما اللاجئون الذين عادوا إلى الشمال السوري فيواجهون خطر القصف اليومي الذي تشنه القوات الروسية على مناطق المعارضة. ففي حادثة حديثة، قتل 10 مدنيين وأصيب نحو 30 آخرين في غارة روسية قرب مدينة إدلب. هذا التصعيد المستمر يعمّق معاناة اللاجئين ويضعهم أمام كارثة إنسانية متوقعة، حيث تتركز الضربات الجوية على مناطق تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
مأساة لاجئي لبنان بين انعدام الأمن الغذائي والتشرد
في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل، يعيش اللاجئون السوريون في لبنان ظروفًا قاسية، إذ يعاني 80% منهم من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه 30% منهم خطر التشرد، وفق تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة تعكس مدى تداخل الأزمات الإقليمية والدولية، وتبرز معاناة اللاجئين السوريين في لبنان الذي لم يعد ملاذًا آمنًا، وفي سوريا التي لا تزال تعيش أجواء الصراع.
تعكس الأوضاع الحالية هشاشة الحدود والأمن بين لبنان وسوريا، إذ تتزايد حدة التوترات وتتعقد أزمة اللاجئين السوريين. في وقت يجد اللاجئون أنفسهم مجددًا في وضع مشابه لما عاناه السوريون خلال السنوات الماضية. ومن الواضح أن الحاجة ماسة إلى تدخل دولي لحماية حقوق اللاجئين وتخفيف معاناتهم، سواء داخل لبنان أو في الشمال السوري، حيث يعيشون بين خطرين لا يمكن تجنبهما.
تضع هذه الأزمة الإنسانية المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، حيث تتطلب الأزمة استجابةً عاجلة وشاملة من أجل حماية اللاجئين وإيجاد حلول طويلة الأمد تضمن سلامتهم وكرامتهم.