عدلت الأردن من “الورقة” التي قدمتها في 2021 للحل في سوريا، مع تسارع خطوات التطبيع العربي الأخيرة وتغيير الواقع في سوريا والإقليم، ووصلت إلى نسخة جديدة لما بات يعرف بالمبادرة الأردنية ، استعملت فيها عبارة “الحكومة السورية” بدل “النظام السوري”، وحددت بدقة الخطوات المطلوبة من دمشق والعواصم الأخرى، بحيث تعرض تصورا للحل وفق مقاربة “خطوة مقابل خطوة”، وفقا لما سربته مجلة “المجلة” السعودية.
وتبدأ “المبادرة الأردنية”، وهو الاسم الجديد بدل “الورقة”، بعرض نقاط محددة للوضع الراهن. وتقول إنه “بعد 12 سنة، لا أفق لحل الأزمة، ولا استراتيجية متكاملة للتوصل إلى حل سياسي، مع تفاقم معاناة الشعب السوري”، حيث إن هناك “6.7 مليون لاجئ و6.8 مليون نازح داخل سوريا و15.3 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية، و90 في المئة تحت خط الفقر”.
وتشير “المبادرة” إلى أن سنوات من “عدم الاستقرار أدت إلى تزايد تهريب المخدرات عبر حدود سوريا وعودة تنظيمات إرهابية إلى الظهور وتزايد النفوذ الإيراني وعودة عدد قليل جدا من اللاجئين والنازحين وتضاؤل الدعم العالمي للاجئين والدول المضيفة”.
وتؤكد إن “المطلوب”، هو “إيجاد حل شامل، إنساني وسياسي، بناء على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254″، و”كلنا متفقون”، أي الأطراف الخارجية المعنية، على خمس نقاط، هي “لا حل عسكريا لإنهاء الأزمة. تغيير النظام ليس هدفا فعالا. قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 هو أفضل السبل للمضي قدما. الوضع الراهن يتسبب في معاناة إضافية للسوريين ويقوي الخصوم. تراجع التدخل أو تأخيره سيؤدي إلى نتائج قد يتعذر تغييرها”.
بداية يقترح معدو “المبادرة” دعم مبادرة “خطوة مقابل خطوة، التي اقترحها المبعوث الأممي غير بيدرسون، للتوصل إلى حل سياسي بناء على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 وحشد الدعم لمبادرة جديدة بين شركاء عرب إقليميين ودوليين لديهم طرق تفكير متشابهة، والتوافق على آلية لانخراط الحكومة السورية على أساس “طلبات”، و”عروض”، والسعي للحصول على موافقة روسيا على هذه المقاربة.
وتسرد “المبادرة” ثلاثة مستويات للعمل، ضمن “الطلبات” و”العروض”؛ سياسيا، “الهدف الشامل هو الوصول إلى حل سياسي يحفظ وحدة وسلامة وسيادة سوريا، ويعالج تدريجيا جميع عواقب الأزمة، ويعيد إلى سوريا أمنها واستقرارها ومكانتها الإقليمية”، ووضع تصور لانخراط مباشر لعدد من الدول العربية مع الحكومة السورية، مع تأكيد أن “هذه المقاربة التي يقودها العرب يجب أن تكون تدريجية، تركز أولا على التخفيف من معاناة السوريين. وعليها أيضا أن تحدد الخطوات التي ستدعم جهود مكافحة الإرهاب، وتحد من تزايد التأثير الإيراني وتوقف التدهور الذي يؤذي مصالحنا المشتركة”.
أمنيا وعسكريا، تطلب “المبادرة”، تطبيق وقف لإطلاق النار على جميع الأراضي السورية و”معالجة مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ومعالجة مسألة الوجود الإيراني ومخاوف الدول المجاورة (بما في ذلك تهريب المخدرات)”.
إنسانيا، تستهدف المبادرة “تبدلا تدريجيا في سلوك الحكومة السورية مقابل حوافز تُحدَّد بتأنٍ لمصلحة الشعب السوري ولتمكين بيئة مواتية لعودة طوعية للنازحين واللاجئين”، بحيث تكون الأمم المتحدة مسؤولة عن إيصال كل الدعم الإنساني”. هنا، يمكن التداول لاحقا في إمكانية إدراج الاتفاقية ضمن قرار صادر عن للأمم المتحدة.
وتحدد “المبادرة” ثلاث مراحل للعمل دون ذكر جدول زمني عام أو لكل مرحلة من المراحل الثلاث، التي تشمل المدى “القريب”، و”المتوسط”، و”البعيد”.
يتم التمهيد للمرحلة الأولى بـ”خطوات بناء الثقة”، بما يتوافق مع الفقرة رقم 10 من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 التي “تؤكد على ضرورة أن تقوم جميع الأطراف في سوريا بخطوات بناء الثقة للمساهمة في إنماء العملية السياسية وفي وقف دائم لإطلاق النار، وتدعو جميع الدول لاستعمال نفوذها لدى الحكومة السورية والمعارضة السورية للتقدم في عملية السلم وخطوات بناء الثقة ولوقف إطلاق النار”. وتقول “المبادرة” إن “خطوات بناء الثقة يجب أن تردم الفجوة في الثقة وتشجع على سلوك إيجابي تدريجي من قبل الحكومة السورية، لقاء حوافز من المجتمع الدولي على شكل خطوات مقابلة”، مع ضرورة قيام الأمم المتحدة بلعب دور في هذه المرحلة.
وتفصّل “المبادرة”، الأمور الخاصة بالملف الإنساني، إذ “تطلب” من دمشق أن تمنح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات المعنية في الأمم المتحدة حق الوصول إلى جميع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتسهيل المساعدات الإنسانية عبر كل الأشكال، أي عبر الحدود وعبر الخطوط ومشاريع التعافي المبكر مع مشاريع تجريبية في الجنوب السوري (قرب حدود الأردن)، وتسهيل وصول الهيئات الإنسانية والتنموية الدولية والمحلية والشركاء المنفذين للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، والتوصل إلى اتفاق مع الهيئات التابعة للأمم المتحدة حول آلية تسمح للمانحين بالتأكد من أن المساعدات تصل إلى المستفيدين النهائيين المستهدَفين، وتسهيل حصول المقيمين في مخيمات النازحين على المساعدات الإنسانية عبر هيئات الأمم المتحدة الموجودة في سوريا.
وفي المقابل، فإن المعروض من أصحاب “المبادرة”، الاستثمار في مشاريع التعافي المبكر في المناطق المحتاجة في سوريا، بما يشمل قطاعات المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والسكن كما هو مبين في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2642، وزيادة المساعدات الإنسانية لسوريا، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة النظام الوسري ومناطق الجنوب السوري ضمنا، وتنسق الهيئات التابعة للأمم المتحدة مع الحكومة السورية بشأن المشاريع وإيصال المساعدات داخل سوريا، إضافة إلى استحداث قناة آمنة تسمح للهيئات الإنسانية والمدنيين بتحويل الأموال إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية لتسهيل المساعدات الإنسانية ومعاملات التحويلات، وابتكار آلية إنسانية محددة تسمح بتصدير أشياء إلى سوريا للاستخدام المدني مثل أدوية معينة ومعدات للمستشفيات وإمدادات زراعية ولوازم صيدلانية (ممنوعة حاليا لأنها تُعتبر متعددة الاستخدام).
ويتضمن الجدول، الذي يقع ضمن المرحلة الأولى قريبة الأمد، تقديم دمشق معلومات مفصلة إلى مكتب الأمم المتحدة عن المستفيدين من العفو الرئاسي الذي أصدره بشار الأسد العام الماضي، أي أعداد الذين أفرج عنهم وعملية الإفادة من العفو، إضافة إلى الإفراج عن “الأفراد المعتقلين بشكل تعسفي” على نطاق واسع كجزء من العفو ، والى الاتفاق على إطلاق سراح المعتقلين بشكل تدريجي، بما في ذلك وضع جدول لإطلاق مجموعات من بضع مئات من المحتجزين والتعاون مع “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” لمعرفة أماكن ومصائر المفقودين والمخطوفين.
تقول “المبادرة” إنه يجب “حضّ جميع الأطراف السورية وتركيا على التعاون للإفراج عن المعتقلين، بمن فيهم المعتقلون من العسكريين والأمنيين العاملين في الجيش السوري والحكومة السورية”، وأن تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات التابعة للأمم المتحدة ذات العلاقة الدعم والمساعدة للمفرج عنهم لتسهيل إعادة دمجهم ضمن مجتمعاتهم، وأن تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهيئات الأمم المتحدة المعنية بالتعاون مع النظام السوري.
و تقول “المبادرة” إن المطلوب من النظام أن يضع خطة تفصيلية لتسهيل العودة الطوعية للاجئين تحت إشراف الأمم المتحدة، ومنح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وهيئات الأمم المتحدة المعنية إمكانية الوصول إلى العائلات، والإقرار بتفويض المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “المراقبة بعد العودة، وإصدار بشار الأسد مرسوما يضمن سلامة وأمن العائدين والإقرار بحق العائدين، من اللاجئين والنازحين، إلى أراضيهم وأملاكهم وتسهيل إصدار بطاقات هوية لهم وسائر المستندات المدنية وتسهيل عملية المطالبات الإدارية للعائدين وتسهيل عودة النازحين إلى بيوتهم.
وفي المقابل، يقوم المانحون وهيئات الأمم المتحدة المعنية وبالتنسيق مع النظام السوري بالاستثمار في المناطق التي يتوقع أن يعود إليها اللاجئون لتحسين صمود المجتمعات وسبل العيش، وتصميم مشروع تجريبي لعودة اللاجئين والنازحين بدءا من الجنوب السوري. (يجري الحديث عن ألف شخص ضمن فئة عمرية لا تشمل التجنيد الإجباري ومن غير الملاحقين أمنيا).
ومن “الحوافز” الأخرى أن تدعم الدول العربية النظام السوري في المحافظة على المرافق والخدمات العامة في المناطق التي يتوقع أن يعود إليها اللاجئون والنازحون، وأن تنسق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات الإنسانية مع النظام حول عودة اللاجئين.
كما ستسهل الدول التي لديها قنصليات وسفارات سورية، عمل العلاقات القنصلية مع سوريا والسماح بفتح قنصليات جديدة لخدمة السوريين في الخارج، وتقديم آليات لـ”مشاريع صيانة المرافق” للأغراض الإنسانية مثل محطات الكهرباء والسدود، التي تقع حاليا تحت بند العقوبات الغربية.
وعند اتمام المرحلة الأولى بـ”نجاح”، يبدأ تطبيق المرحلة الثانية، المتعلقة بالبعدين الأمني والعسكري، وتشمل الخطوات التي يجب أن يتم الاتفاق عليها بين الدول المعنية، إقدام النظام على أمور تشمل “الموافقة على وقف شامل لإطلاق النار في كافة الأراضي السورية، ووقف جميع العمليات العسكرية التي لها علاقة بالصراع المسلح، باستثناء عمليات التدريب القتالي، وإعلان تجميد التجنيد العسكري لمدة سنة على الأقل وتخفيض عدد الحواجز الأمنية في مناطق مدنية يتفق عليها”.
كما تشمل هذه المرحلة “خطوات لمعالجة الوجود الإيراني في سوريا بما في ذلك:
إخراج قادة “الحرس الثوري الإيراني” وقواتهم.
انسحاب جميع العناصر العسكرية والأمنية غير السورية من المناطق الحدودية مع الدول المجاورة.
منع الميليشيات الموالية لإيران من استخدام سوريا مركزا لإطلاق هجمات عبر طائرات من دون طيار (درون) ولهجمات عابرة للحدود.
تخفيض العتاد العسكري الإيراني في سوريا من حيث المواقع الجغرافية ونوعية الأسلحة”.
كما تشمل: “معالجة المخاوف الأمنية للدول المجاورة فيما يتعلق بأمن الحدود، بالإضافة إلى تفكيك شبكات تهريب المخدرات”، و”التعاون للتغلب على الإرهاب ومعالجة مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر مشاركة المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية وصلاتهم بشبكات التجنيد الدولية وشبكات التمويل”.
في المقابل، يتعهد معدو “المبادرة الأردنية” والشركاء فيها، بدعوة جميع الأطراف السورية، بمن فيها تلك المسيطرة على شمال شرقي سوريا، إلى الالتزام بوقف إطلاق النار المعلن على كامل الأراضي السورية.
ووقف إطلاق النار هذا يمكن إعلانه عبر قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإعادة إحياء عمل المنظمات العامة السورية والخدمة المدنية شمالي سوريا، على أن تتّبع المدارس في شمال سوريا المناهج السورية، و”وضع قنوات للتنسيق بين قوات النظام الهيئات الأمنية ونظرائها في الدول المجاورة لضمان أمن الحدود والتغلب على التهديدات العابرة للحدود (أي الإرهاب وتهريب المخدرات)”.
وتقول “المبادرة”: “على كل الأطراف المعنية، خصوصا تلك التي لديها وجود عسكري في سوريا، احترام وقف إطلاق النار المعلن، بما في ذلك وقف التحركات الجوية فوق سوريا، باستثناء عمليات التدريب القتالي، والتنسيق مع النظام السوري لمعالجة مسألة احتجاز مقاتلي داعش وأسرهم في مخيم الهول وفي مخيمات اعتقال أخرى في سوريا، وتمويل مشاريع لاستقرار المناطق المحررة من داعش الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، والعمل على المحافظة على سلطة الحكومة السورية في المناطق الخارجة عن سيطرتها داخل سوريا”.
المرحلة الثالثة وهي مرحلة المصالحة والإصلاح وتشمل بعدين، يتعلق الأول بالوضع الداخلي؛ إذ تسرد “المبادرة” الخطوات المتوقعة من النظام، وتشمل “اعتماد إصلاحات منظمة لضمان حوكمة جيدة ولمنع الاضطهاد، والانخراط في المصالحة مع المعارضة السابقة (داخل سوريا) ومختلف مكونات المجتمع السوري، والاتفاق على صيغة أصيلة للحكم (الحوكمة) التي تؤدي إلى حكم أكثر شمولا في سوريا، والتعاون في تحرّي انتهاكات حقوق الإنسان ووضع تدابير للمساءلة، والموافقة على إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، وإيفاء سوريا بالتزاماتها ضمن معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية عبر التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية”.
في المقابل، تتضمن “الحوافز” تطبيق “تخفيف تدريجي للعقوبات على سوريا، بدءا بتسهيل تجارة السلع عبر أطراف ثالثة، ورفع العقوبات عن المرافق العامة السورية بما فيها المصرف المركزي والهيئات الحكومية والمسؤولين”، وأن “تجذب مجموعة الدول العربية سوريا إلى مستوى سياسي مشترك عبر دعوة مسؤولين رسميين في قطاعات سورية إلى اجتماعات ومناقشات إقليمية”.
وتتضمن “المبادرة” أن تسهل مجموعة الدول العربية التجارة مع سوريا للسلع المعفاة من العقوبات التي فرضتها أميركا والاتحاد الأوروبي، وتحديدا الغذاء والدواء، إضافة إلى تسهيل حوار بين الأطراف السورية في شمال شرقي سوريا والحكومة السورية، ودرس إمكانية رفع بند سوريا من أجندة المحافل والهيئات الدولية في حال تعاونت الحكومة السورية للإيفاء بالتزاماتها تجاه تلك الهيئات والمجتمع الدولي.
في المرحلة الثالثة، فإن “المدى البعيد”، هو الأكثر تعقيدا لأنه يخص دور القوى الأجنبية. إذ إن “المطلوب” عسكريا وأمنيا، هو إعلان انتهاء جميع العمليات العسكرية المتعلقة بالنزاع المسلح في سوريا، باستثناء عمليات التدريب القتالي ضد جهات تحددها الأمم المتحدة، إضافة إلى “سحب جميع الممتلكات الإيرانية العسكرية والأمنية من سوريا، وانسحاب حزب الله والميليشيات الشيعية من سوريا والتزام المساهمة الإيجابية والفعالة في الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي”.
وفي المقابل، تضع “المبادرة” “حافزا” لدمشق وحلفائها يتضمن “انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من جميع الأراضي السورية التي دخلوها بعد 2011 بما في ذلك مناطق شمال