على المدى الطويل، من المرجح أن يؤدي التدفق المتزايد للأسلحة إلى تفاقم التوترات في المنطقة، ويحفز الدول العربية على تعزيز ترساناتها، ويعرّض للخطر أي قوات أمريكية وشريكة لها تواجه وكلاء طهران.
في إطار الترتيبات الناشئة بين روسيا وإيران لتبادل الأسلحة، تلقت روسيا مئات الطائرات الإيرانية بدون طيار لقصف المدن الأوكرانية والبنية التحتية المدنية، بينما تستعد إيران على ما يبدو للحصول على الطائرة المقاتلة الروسية المتطورة من طراز “سو-35”. فضلاً عن ذلك، أفادت بعض التقارير أن موسكو نقلت أسلحة أمريكية وغربية أخرى تم الاستيلاء عليها إلى طهران. وأشار البيت الأبيض إلى أن إيران قد تحصل أيضاً على “معدات عسكرية متقدمة” وأسلحة أخرى، مثل المروحيات وأنظمة الدفاع الجوي. وفي الواقع، ادّعى أحد أعضاء البرلمان الإيراني في كانون الثاني/يناير أن إيران قد طلبت مسبقاً هذه الأنظمة وهي مجرد تنتظر تسليمها إليها.
وتُعتبر إضافة طائرة واحدة من الطائرات المقاتلة الروسية الرائدة المتعددة المهام، فضلاً عن التعاون في التدريب العسكري وتطوير الأسلحة، خطوة مهمة في تعميق العلاقة الأمنية بين موسكو وطهران، كما أنها تمثل تغييراً عن النهج الماضي: ففي السنوات الأخيرة، عملت موسكو بعناية على التوفيق بين مبيعاتها من الأسلحة إلى إيران وعلاقاتها العسكرية والدبلوماسية الأخرى في المنطقة. وكانت الصفقة الأكثر بروزاً في العقد الماضي هي استحواذ إيران على نظام الدفاع الجوي الروسي “إس 300” في عام 2016. وكانت المرة الأخيرة التي زوّدت فيها روسيا إيران بطائرات مقاتلة هي في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، عندما قامت بتسليم ستة طائرات فقط من طائراتها الهجومية الأرضية من طراز “سو 25”. وكانت عمليات النقل بعيدة كل البعد عن السنوات الأخيرة من الحرب الباردة، عندما باع الاتحاد السوفيتي أعداداً كبيرة من الطائرات المقاتلة والقاذفات والدبابات والغواصات وأنظمة الدفاع الجوي لإيران.
وعلى المدى القريب، قد لا يسبب خط إمداد الأسلحة الجديد من روسيا إلى إيران تغيراً كبيراً في توازن القوى العام في الشرق الأوسط. وأحد أسباب ذلك هو أن الخسائر الهائلة التي تحلّ بالمعدات الروسية في الحرب الدائرة في أوكرانيا قد تدفع موسكو على الأرجح إلى تقليص صادراتها من الأسلحة. والأهم من ذلك، تكمن القوة العسكرية الأساسية لإيران في قدراتها غير المتماثلة، أي استخدامها للمنصات المسيّرة، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية، وشبكة معقدة من الوكلاء الإقليميين. وحتى إدخال طائرات “سو-35” واستخدامها يستدعي قيام إيران بتشكيل فرقة طيارين وتدريبها لتشغيل الطائرات، بالإضافة إلى إنشاء خط إمداد لصيانة الطائرات لكي تستمر في القيام بمهامها. إن العقوبات المفروضة على صناعة الدفاع الروسية واستنزاف موسكو في ساحة المعركة في أوكرانيا ستجعل بنية الصيانة صعبة بشكل خاص، حيث سيكون الحصول على قطع غيار للمنصات الروسية حافلاً بالتحديات. لذلك من المحتمل أن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تتمكن إيران من دمج طائرات “سو-35” في قدراتها الأوسع نطاقاً لإظهار قوتها.
بيد أن التبعات الأكبر والأكثر أهمية لهذه الشحنات هي تلك المترتبة على المدى الطويل، وتحديداً قدرة إيران على إجراء هندسة عكسية لمكونات هذه المنصات وتكرارها وإنتاجها بكميات كبيرة، مما سيضيف المزيد من القدرات العسكرية التقليدية إلى ترسانات إيران ووكلائها. وتمتلك إيران صناعة أسلحة متطورة وقد نجحت تاريخياً في إجراء هندسة عكسية للكثير من المنصات، من بينها الطائرات المقاتلة والصواريخ وقطع غيار الطائرات. فبعد الاستيلاء على طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار من طراز “سانتينال آر كيو-170” في عام 2011، كشفت إيران عام 2014 عن نسخ معدّلة منها، مسلحة وغير مسلحة، تمت هندستها عكسياً. وفي عام 2018، حلّقت إحدى تلك النسخ من سوريا إلى المجال الجوي الإسرائيلي حيث تم إسقاطها. كما صنعت إيران نسخاً محلية متعددة من صاروخ “بي جي إم-71 تو” الأمريكي المضاد للدبابات، ومنها صاروخ “توفان” ومتغيراته، والتي نقلتها منذ ذلك الحين إلى وكلائها في سوريا واليمن. سيتعين على خصوم إيران الرئيسيين – الولايات المتحدة وإسرائيل – التخطيط ليس فقط لتحقيق التوازن مع جيش إيراني يتمتع بقدرات أكثر تقدماً ولكن أيضاً مع شبكة إقليمية من الوكلاء المجهزين من قبل إيران بأسلحة أكثر تطوراً.
بالإضافة إلى ذلك، تنذر شحنات موسكو بتغيّر محتمل مقلق في صادراتها من الأسلحة في المنطقة. ففي الماضي، كانت روسيا توازن بين عمليات نقل الأسلحة إلى الشرق الأوسط والمناطق المجاورة. وفي الواقع، تضاءلت صادرات الأسلحة الروسية إلى إيران مقارنة بصادراتها إلى مصر والجزائر والهند. وحالياً، تُفيد بعض التقارير إن طائرات “سو-35” المتجهة إلى إيران هي الطائرات التي اشترتها مصر سابقاً قبل أن تلغي الصفقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى احتمال فرض عقوبات أمريكية. وأدى تأثير حرب أوكرانيا والعقوبات اللاحقة على صناعة الدفاع الروسية إلى تعقيد صادرات الأسلحة الروسية إلى دول أخرى. ففي آذار/مارس 2022، ادّعت إحدى شركات تصنيع الأسلحة الدفاعية الروسية أنها غير قادرة على معالجة دفعات للأسلحة تناهز قيمتها المليار دولار من دول مثل الهند ومصر. ونظراً لأهمية الصادرات الدفاعية للاقتصاد الروسي، قد توجه روسيا المزيد من مبيعاتها إلى إيران حيث تتعرض معاملاتها مع العملاء التقليديين للخطر.
وعلى المدى البعيد، من المرجح أن تؤدي هذه الشحنات إلى زيادة الإنفاق الدفاعي في الشرق الأوسط. وتُعد منطقة الشرق الأوسط أساساً واحدة من أكبر المناطق المستوردة للأسلحة في العالم، وتضم خمسة من أكبر 15 دولة مستوردة للأسلحة في العالم (المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والإمارات العربية المتحدة والكويت) وتسعة من أكبر 15 دولة من حيث الإنفاق الدفاعي نسبةً إلى “الناتج المحلي الإجمالي” (عُمان والكويت والجزائر والأردن والسعودية والمغرب وإسرائيل والإمارات وقطر وفقاً لبيانات عام 2022). وفي حين لا تحتاج دول المنطقة فعلياً إلى سبب لإنفاق المزيد على الأسلحة، إلا أن إضافة طائرات مقاتلة روسية متقدمة – ومن المحتمل منصات روسية متطورة أخرى في المستقبل – ستثير قلق حكومات المنطقة ومن المرجح أن تحفّز شراء منصات مماثلة. وقد تسعى الإمارات إلى إحياء المفاوضات بشأن استحواذها المحتمل على مقاتلات “إف-35″، على سبيل المثال، إذا أضافت إيران طائرات “سو-35” إلى ترسانتها.
كما يمكن لخط أنابيب الأسلحة الروسي إلى إيران أن يعرقل روح المصالحة التي تنتشر حالياً في المنطقة. وقد يشير التقارب الدبلوماسي الإيراني-السعودي المفاجئ الذي توسطت فيه الصين إلى انخفاض خطر التصعيد، لكنه فشل حتى الآن في معالجة عوامل زعزعة الاستقرار على المدى الطويل، وهي: سعي إيران المحتمل لامتلاك سلاح نووي واستمرارها في استخدام الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة. وسيزيد تدفق الأسلحة الروسية المتقدمة من التوتر الديناميكي ليس فقط بين إيران وجيرانها العرب ولكن بين إيران وإسرائيل أيضاً. وفي أي خطوة مستقبلية محتملة تقوم بها إسرائيل ضد إيران، سيتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار قدرات عسكرية إيرانية إضافية.
ويقيناً، أن خط أنابيب الأسلحة الذي يسير في الاتجاه الآخر – من إيران إلى حرب روسيا في أوكرانيا – هو مصدر القلق الأكثر خطورة على المدى القريب. فالطائرات المسيّرة الإيرانية تسد ثغرة حرجة في القدرات العسكرية الروسية، في حين أن عمليات التسليم الإضافية المحتملة – والتي تشمل الصواريخ الباليستية الإيرانية – تهدد بإحداث المزيد من الدمار في أوكرانيا وقواتها. وفيما يتخطى هذا التهديد المباشر، لن يؤدي تدفق الأسلحة إلى إيران إلّا إلى تفاقم التوترات في الشرق الأوسط وزيادة احتمالية نشوب صراع مستقبلي في المنطقة. ولا بد أن يمتد صدى تداعيات خط الإمداد العسكري الجديد بين روسيا وإيران إلى خارج ساحة المعركة.
جرانت روملي هو “زميل غولدبرغر” في “برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر” التابع لمعهد واشنطن حول “منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط”. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع فورين بوليسي.