لا يمكن قراءة استعجال لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي بإقرار مشروع قانون “مكافحة التطبيع مع الأسد لعام 2023” بأغلبية ساحقة، بمعزل عن القمة العربية التي ستنعقد في مدينة جدة السعودية الجمعة، بمشاركة النظام السوري للمرة الأولى منذ تجميد عضويته قبل 12 عاماً.
وأمام حالة الانفتاح العربي على النظام السوري وحالة “عدم الاكتراث” بالمحاذير الأميركية من المطبعين مع النظام، وجدت الإدارة الأميركية في مشروع القانون الجديد الذي جرى طرحه قبل يومين فقط من إقراره، مناسبة لتمرير رسائل إلى قادة الدول العربية الذين سيجتمعون برئيس النظام بشار الأسد في القمة، مفادها أن واشنطن لن تدعم التطبيع “المجاني”، وستعرقل تقديم الأموال العربية للنظام من خلال قانون “قيصر”.
وكانت لجنة العلاقات الخارجية قد مررت مشروع القانون المدعوم من مشرعين أميركيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الثلاثاء، الذي يمنع الإدارات الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يترأسها بشار الأسد، والذي يوسع العقوبات المفروضة على النظام بموجب قانون “قيصر”.
وقت قياسي
ويقول الدكتور محمود برازي رئيس “التحالف الأميركي لأجل سوريا”، وهي المنظمة التي طرحت المشروع وشاركت في صياغته، إن المشرعين الأميركيين تقصدوا إقرار مشروع القانون قبل انعقاد القمة، لأنه درجت العادة على أن لا تجري مداولة أي مشروع قانون في مجلس النواب إلا بعد أشهر من طرحه، لكن في الحالة التي أمامنا نوُقش المشروع بعد يومين من طرحه فقط، وسط دهشة الجميع.
وإذ يؤكد برازي على دور التحالف السوري الأميركي في إعداد وطرح المشروع، يلفت خلال حديثه ل”المدن”، إلى تعاون أعضاء الكونغرس الأميركي. ويقول: “تم تسريع الإجراءات، والرسالة الواضحة للدول العربية جاءت من خلال دعم أعضاء الحزبين لمشروع القانون”.
وفي رأيه يؤشر تمرير مشروع القانون إلى ثبات الموقف الأميركي في الملف السوري، وأنه لا رجعة عن ضرورة تحييده عن مستقبل سوريا، ويقول: “بالتالي التطبيع مع النظام السوري يعد استثماراً في جسد ميت، في ظل رفضٍ لإعادة التعويم من الدولة الأقوى في العالم، أي الولايات المتحدة”.
حاجة أميركية
ولا يعني تمرير المشروع من الكونغرس زيادة الاهتمام أميركياً بالملف السوري، وإنما يخدم مشروع القانون امتلاك ورقة للضغط على السعودية التي تتخذ مع الدول العربية الداعمة للتطبيع مع الأسد، خطوات دون التنسيق معها.
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والسياسي المقيم في أميركا أيمن عبد النور إن إقرار القانون حاجة أميركية، حيث تحرص إدارة الرئيس جو بايدن على سلك مسارين، مسار يقوده منسق البيت الأبيض للشؤون الأمنية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك يقوم على التنسيق مع الدول العربية بخصوص الملف السوري، وآخر لتصحيح المسار الأول، من خلال الضغط.
ويدعم حديث عبد النور معلومات حصلت عليها “المدن” من مصدر معارض مسؤول، تؤكد أن “السعودية أبلغت المعارضة بأن توجهها للتطبيع مع النظام السوري يحظى بموافقة أميركية”.
وخضع نص مشروع القانون لبعض التعديلات التي وسعت مفاعيل قانون “قيصر” حتى عام 2032. ويصف عبد النور التعديلات ب”الجيدة التي حافظت على قوة القانون”، ويقول ل”المدن”: “الحزب الديمقراطي طلب بعض التعديلات بالتنسيق مع الحزب الجمهوري، والتعديل عموماً يقوّي روح القانون”.
ورغم الزخم الواسع الذي حظي به مشروع القانون، ترى أوساط المعارضة السورية أن الولايات المتحدة ليست جادة في منع تعويم النظام السوري، وخاصة في ظل إدارة بايدن، وتستدل على ذلك بغياب حزم العقوبات الأميركية التي تُفرض على شخصيات وكيانات تابعة للنظام السوري.