لم أشاهد قمما عربية منذ أكثر من خمسة عشر عاما، و حتى هذه القمة الأخيرة لم أتابعها أيضا، و لكن طلبات الأصدقاء أجبرتني على مشاهدتها على موقع يوتيوب حتى أرى ان كان هناك من ملاحظات محددة يمكن لي أن أنقلها إلى القارئ العزيز.
بداية، و بعيدا عن مجريات القمة نفسها، ألاحظ حجم الغضب الذي يعتري أوساط المعارضين السوريين من حضور الرئيس بشار الأسد في قمة جدة، و مرد هذا الغضب يعود إلى الوهم الذي تعيش فيه المعارضة منذ سنوات. هذا الوهم الذي عاشته حتى الطبقات المثقفة من المعارضين و الذي لم أفهم له سببا عند هؤلاء تحديدا و هم الذين من المفترض أن يكون لديهم القدرة على قراءة الأحداث و ما يحصل على أرض الواقع، و كثيرا ما اصطدمت مع أصدقاء يروجون لفكرة سقوط النظام في الوقت الذي كنت أصر فيه على العكس تماما و بأن بقاء النظام هو قرار دولي.
في عام 2015 كتبت منشورا أشير فيه إلى أن القرار الدولي قد حسم الجدل حول رحيل النظام من عدمه و أن كل من يعترض على القرار من السوريين سوف يسحق، فحصل المنشور على 12 مشاركة من صفحات شخصية صغيرة لا يقرأها أحد، و كان مجموع الإعجابات على المنشورات المشاركة مجتمعة هو 20 إعجاب، و كان هناك تعليق واحد و يتيم، أو بمعنى آخر فإن المنشور قد مات في أرضه و لم يقرأه أحد. و في نيسان 2016، أعدت نشر المنشور لأؤكد على ما جاء فيه و أنبه إلى أن ما يحصل هو تنفيذ لما تم تقريره في عام 2015 من سحق للمعارضة السورية و إنهاء لقضية الشعب السوري، و في هذه المرة كانت هناك مشاركتان يتيمتان للمنشور، و في كانون الأول من نفس العام أعدت نشر المنشور مرة أخرى لأذكر بأن المعارضة السورية يجري سحقها بقرار دولي، و هذه المرة -ولله الحمد- لم يكن هناك أية مشاركة على الإطلاق للمنشور، و بدأ البعض يتهمني بأنني أريد نشر الإحباط في صفوف المعارضين السوريين.
و الحقيقة أيها الأخوة أن الجمهور المعارض قد سقط ضحية لفشل الطبقة الواعية منه، بقصد أو بغير قصد، في قراءة الواقع السوري و الذي كان يقول منذ عام 2015 أن النظام باق و مستمر بإرادة دولية واضحة. و هذا لا يعني طبعا أن هذه الإرادة لم تكن موجودة قبل ذلك، و لكن التدخل الإيراني، و بعده الروسي، المدعومان دوليا و إسرائيليا قد حسما مسألة قدرة المعارضة على إسقاط النظام و عندها ارتاحت إسرائيل، و ارتاح العرب، و ارتاح العالم كله أن الحراك الشعبي العربي قد سقط في محطته السورية و التي تم تربية الشعوب العربية كلها فيها، و تم سحق مطالب الشعب العربي بالحرية و الديمقراطية و دولة المواطنة و العدالة و الإنسانية.
حتى يومنا هذا يعلق بعض المعارضين على صفحتي متسائلين ان كان فراس الأسد هو عبارة عن إبرة تخدير للشعب المعارض، علما بأن هذا الشعب يحتاج اليوم إلى مليون إجراء طبي للتخلص من كمية التخدير التي مورست عليه من قبل الغرب و تركيا و العرب و النخب المعارضة المرتزقة و العميلة في السنوات الثماني الماضية، و حتى يومنا هذا -حتى يومنا هذا- و بعد أن أصبح كل شيء واضح وضوح الشمس في قبة السماء، ما يزال هناك من المعارضين من يجهد في الليل و في النهار لتخدير الشعب السوري و إيهامه بأن التطبيع العربي مع النظام هدفه الضغط عليه لتحقيق مصالح الشعب السوري، و هي لعمري كذبة كبرى لا يقولها إلا تلميذ فاشل في السياسة أو مرتزق مأجور.
حديث بعض الرؤساء العرب عن القرار 2254 هو فقط لذر الرماد في العيون و لأنهم حريصون على أن يظهروا أمام شعوبهم -المظلومة أيضا- بمظهر الحريص على التسوية السياسية و إرضاء الشعب السوري الذي قتل منه مئات الالاف، و اعتقل منه مئات الآلاف، و شرد و هجر منه الملايين في أصقاع الأرض. و جميعنا يعرف أن القرارات الدولية هي حبر على ورق طالما أن أقوياء العالم لا يريدون تنفيذها على أرض الواقع، و لنا في القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية خير مثال و خير دليل.
حاولت قدر استطاعتي في السنوات الماضية أن أنقل إلى القارئ السوري بكل صدق و إخلاص خلاصة ما أراه من حقيقة، و لكن الحقيقة لها طعم مر لا يحبه الناس، هذا بالإضافة إلى أن أخذ النصيحة و المشورة من ابن رفعت الأسد تحديدا هو أمر صعب للغاية على الأغلبية الساحقة من الجمهور المعارض علما بأنني لم أوجه كلامي يوما لفئة دون أخرى من السوريين و كل ما كنت أتمناه هو أن يعرف الشعب السوري كله، بجميع فئاته، حقيقة ما يجري حوله.
و بالتالي، فإن عودة النظام إلى الجامعة العربية لم يعد موضع نقاش منذ عام 2015، و إنما توقيت تلك العودة هو ما كان موضع التشاور و النقاش، و بالتالي فإن كل هذا الغضب السوري يؤشر إلى أمر واحد و هو أن السوري قد بدأ يستفيق من التخدير، لقد تأخر كثيرا نعم، و ربما بعد فوات الأوان، لا أدري، و لكنه قد بدأ يستفيق. و سوف تكتمل تلك الاستفاقة عندما يرى السوريون بشار الأسد مصافحا الزعيم التركي -بغض النظر من يكون- فالقرارات الدولية سوف يلتزم بها الجميع، أردوغان و غيره، و لولا التزام أردوغان بالقرار الدولي لما عادت حلب و الكثير من المناطق السورية إلى النظام بطريقة الإستلام و التسليم، عندما يصافح الأسد الأتراك حينها سوف يعلم من تبقى من حالمين بين السوريين أنهم ساروا طويلا -و طويلا جدا- على طريق خاطئ، و سوف يعلمون حينها حجم الخديعة التي كانوا ضحيتها و شارك بها الجميع و على رأسهم أغلب نخب المعارضة و مثقفيها الذين جبن بعضهم و تخلف عن أداء دوره الريادي المفترض منه في التوعية و التوجيه، و خان بعضهم الآخر أمانة المظلومين و المقهورين و عمل على تحقيق مصالحه الشخصية فقط و بعيدا تماما عن أية مصلحة عامة.
و هنا على الهامش أقول بأن الأمل في تحقيق الأمنيات و المطالب المشروعة للشعب السوري، و هي مطالب جميع فئات هذا الشعب، لم ينتهي تماما، و ما زال بمقدور السوريين أن ينتفضوا ضد أنفسهم هذه المرة، أن يثوروا على أنفسهم (و هذه هي الثورة الحقيقية) و يقلبوا جميع المعادلات، و يغيروا الكثير من المعطيات، وصولا إلى فرض واقع جديد على العالم و إجباره على التعامل معه. و لكن هذا حديث آخر نخوض فيه يوم تظهر بوادر حقيقية لتلك الاستفاقة، لأن ما نراه اليوم من غضب سوري ما يزال في إطار التعبير عن الصدمة أكثر منه في إطار التمرد و الإنتفاضة على الواقع.
فيما يخص مجريات القمة لاحظت أن هناك حرصا من المنظمين على عدم إعطاء بشار الأسد أي شيء يمكنه من تحويله كعادته لدى الشعب السوري الخاضع لسيطرته إلى انتصار إلهي مقدس، طبعا لا يوجد أدنى شك بأن حضور بشار الأسد للقمة في حد ذاته هو انتصار له، فهو يعتبر أن مجرد بقائه على الكرسي هو انتصار فكيف بحضوره قمة الزعماء، و هذا الحضور عمليا يرقى إلى مستوى الإعلان الرسمي لانتصار بشار الأسد على أطفال و نساء سوريا الذين قصفهم بالبراميل و قتلهم بالشوارع و اعتقلهم و اغتصبهم في السجون و هجرهم إلى حياة الذل و المهانة، و لكنه مع ذلك كان بحاجة إلى استقبال مميز، إلى ضمة مختلفة من ولي العهد السعودي، إلى موقع أفضل في الصورة الجماعية للزعماء، إلى أي تفصيل مميز حتى يعود به إلى سوريا و تبدأ منظومته بالبروباغندا المعتادة و ادعاء بأن الرئيس قد استقبل استقبال المنتصرين الفاتحين و ليس كأي رئيس آخر لا وزن له منعوه من الحضور حينما أرادوا، و ركض إليهم سعيدا و فرحا عندما قالوا له الآن تستطيع أن تعود. منظمو القمة حرصوا على أن يكون كل شيء بحسب البروتوكول، كل شيء اعتيادي، و كأن النظام لم يطرد من الجامعة في يوم من الأيام، و لم يتم توجيه أي اعتذار لبشار الأسد عن طرده من الجامعة، و هو في خطابه المتفق عليه لم يجرأ أن يضع كلمة لوم واحدة يوجهها لمن طردوه يوما من مجلسهم.
و تأكيدا على ما سبق يلاحظ أن بشار الأسد كان الرئيس الوحيد، بل و المتحدث الوحيد، الذي نبه المشاهدين إلى أنه مقيد بفترة خمسة دقائق لإنهاء خطابه، علما بأن جميع المتحدثين يعرفون هذه القاعدة و لكن لم يخطر في بال أي منهم أن يخبر المشاهدين بها، و بعضهم لم يكترث بها أساسا حيث وصلت بعض الخطابات إلى تسعة دقائق و وصل أحدها إلى ثلاثة عشر دقيقة، و لكن بشار الأسد كان يحتاج إلى التذكير بذلك حتى يمارس الكذب و الخداع على مناصريه حتى الرمق الأخير.
لماذا كان الأسد مضطرا للفت انتباه مناصريه إلى قاعدة الخمسة دقائق؟ و لماذا لم يتجاوزها هو كما تجاوزها رؤساء وفود الجزائر، و تونس، و أوكرانيا، و البحرين، و جيبوتي، و اليمن، و السودان؟ لماذا لم يتجاوزها و كل الزعماء العرب لطالما تجاوزوا الوقت المخصص للخطابات على مر القمم؟ و حتى في الأمم المتحدة يتجاوز الزعماء الأوقات المخصصة لهم من دون أن يضربهم أحد أو يحلق لهم رؤوسهم على الصفر؟
طبعا السبب في التزام الأسد بقاعدة الخمسة دقائق واضح و مفهوم، فهو غير مسموح له إعطاء محاضرة في القمة العربية، و غير مسموح له التطرق إلى سياسات الدول العربية في السنوات الماضية و الخلافات التي كانت بينه و بينهم، و غير مسموح له الحديث عن انتصاره على الشعب السوري، و غير مسموح له المطالبة بمساعدات لإعادة الإعمار أو لتحسين شروط العيش للمواطن السوري في مناطقه، و غير مسموح له انتقاد أي نظام عربي أو أي زعيم عربي.. فعن أي شيء سوف يتحدث؟ أعتقد أن بشار الأسد قد عانى كثيرا حتى يستطيع أن يملأ خطابه بما يكفي ليصل إلى الخمسة دقائق و لولا العيب و الحياء لاقتصر خطابه على شكر البلد المضيف على حسن الضيافة و على السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الشيء الوحيد الذي كان له مغزى في خطاب بشار الأسد هو تنبيهه إلى قاعدة الخمسة دقائق..
و لكن لماذا؟
لأن النظام يقول منذ سنوات طويلة أن العرب استثمروا مئات المليارات في عملية تدمير سوريا و بأنهم مسؤولون عن كل قطرة دم سقطت من الشعب السوري، قالوا لكل أم شهيد من الجيش السوري، و لكل زوجة شهيد، و لكل ابنة شهيد، أن العرب ساهموا في قتل أبنائهن و أزواجهن و آبائهن، قالوا ذلك لكل أب و لكل إبن و لكل أخ، و يعرف النظام أكثر من غيره أن جميع هؤلاء يتوقعون منه أن “يشرشح” و “يبهدل” العرب على قتلهم لعشرات الآلاف من أبنائهم، و في الحد الأدنى هم ينتظرون منه أن يطالب العرب بدفع تعويضات لمن قتلوهم و يتموا أطفالهم و رملوا نساؤهم. و لهذا كان لا بد لبشار الأسد، بعد أن كذب على السوريين على مدى اثنتا عشر عاما، أن يجد طريقة ليبرر لهم لماذا جلس الأسد الغضنفر كالتلميذ المؤدب يتكلم في العموميات البسيطة، و الأحضان المتبدلة، و المنتمي الذي لا يتغير انتماؤه و ان تغير فهو لم يكن منتمي (هي أفلاطون ما قدر يجيبها) و لماذا أكل القط لسان الأسد فتحول من ملك للغابة يفترس الحياة إلى طائر صغير يتنطوط على أغصان الشجر بحثا عن ثمرة هنا أو بذرة هناك. و لأن بشار الأسد و مستشاريه يحتقرون الشعب السوري، و يحتقرون الشهداء و أهلهم، و كلكم يذكر قول مستشارة الرئيس لونا الشبل “نحن لم نطلب من أحد أن يقاتل بل هم قاتلوا دفاعا عن أنفسهم” و هو ما يمثل بدقة نظرة بشار الأسد إلى الفقراء الذين قاتلوا في صفوف الجيش السوري و استحقاره لهم و استهزاءه بدمائهم، مع كل هذا الاحتقار و الاستهزاء خرجوا بفكرة أن يتحجج الرئيس بضيق الوقت لتبرير عدم احتواء خطابه على أي شيء ينتظره منه هؤلاء الناس. و هذا التبرير ليس لأن بشار يقيم وزنا للشعب الموالي -بشار يعتبرهم مرابعون في مزرعته- و لكن حتى يغطي أمامهم على عجزه و على مشاركته التي لم تفرق شيئا عن مشاركة جيبوتي و هو الذي يقول لهم أنه انتصر على العرب و هزمهم.
و من ناحية أخرى فقد كان مذهلا أن رئيسا لدولة مدمرة بالكامل، و شعبها بكامله قد توزع بين قتيل و يتيم و أرملة و مهجر و مشرد و معتقل و جائع و ذليل و عاطل عن العمل، أن لا يجد دقيقة واحدة في خطابه الذي سوف يشاهده العالم بأسره للحديث عن معاناة شعبه و مآسيه. هذه في حد ذاتها دليل على انفصال بشار التام أخلاقيا و وجدانيا و شعوريا عن الإنسان السوري الذي يحكمه منذ 23 عاما بجنازير الدبابات و فوهات البنادق.
و عندما رأيت الرئيس السوري يقف إلى جانب ولي العهد السعودي، الذي يصغره بعشرين عاما، لإلتقاط الصورة التذكارية لحظة الوصول إلى مكان انعقاد القمة، لم أستطع أن أمنع نفسي من المقارنة بين الرجلين..
كل ما كان الشعب السوري يريده من بشار الأسد في عام 2011 هو تماما ما فعله محمد بن سلمان في السعودية..
الشعب السوري كان يريد من بشار أن ينتفض على إرث أبيه القادم من عقلية الستينات من القرن الماضي، كانوا يأملون بأن يقود هو الثورة التي تغير البلد و تضعه على مسار المستقبل و التطور و البناء. الشعب السوري و لمدة أشهر لم يرفع شعار إسقاط النظام و إنما إصلاحه، لم يطالبوا بإسقاط بشار و لكنهم طالبوه بأن يقودهم إلى ما فيه الخير للجميع.
لماذا لم تمتلك يا بشار جرأة هذا الأمير الذي يصغرك بعشرين عاما و الذي ما زال حتى اليوم يقود ثورة حقيقية في بلاده؟
و المفارقة أن مهمة محمد بن سلمان كانت أصعب ألف مرة من مهمة بشار الأسد، فبشار ورث قطيعا من الغنم عن أبيه، و كان يملك كل مفاتيح السلطة، و كان السيد الأوحد على الدولة و الشعب و المؤسسات و الرمز الأوحد و القائد الأعلى لكل القوى العسكرية و الأمنية في البلاد، و كان يستطيع أن يقود ثورة حقيقية في سوريا فينقلب على دولة الفساد التي أنشئت على زمن أبيه و يضرب بيد من حديد على مفهوم استغلال السلطة الذي كان قد أصبح مبدأ و عرفا و قانونا يلتزم فيه جميع مسؤولي و موظفي النظام من كبيرهم إلى صغيرهم و في جميع مؤسسات الدولة العسكرية و الأمنية و القضائية و الإعلامية و التعليمة و جميع القطاعات الخدمية بدون أي استثناء. كان يستطيع بكل يسر و سهولة أن ينقض على نظام أبيه و يقتلعه من جذوره العفنة و يقدم للشعب السوري بدلا عنه نظاما عصريا يحترم الإنسان و يسخر جميع مقدرات الدولة لخدمته و رعايته و كل ذلك دون أن يتخلى هو عن السلطة. و هذا هو تماما ما فعله دكتاتور سنغافورة الذي لم ينتخبه شعبه و لكنه قدم إلى شعبه مشروعا حضاريا جعل من سنغافورة التي لا تمتلك و لا حتى واحد بالألف من إمكانيات سوريا جعلها دولة متفوقة اقتصاديا و حضاريا على الكثير من دول أوروبا و جعلها واحدة من أءمن الدول في العالم و المواطن فيها من أعز و أغنى المواطنين في الدنيا.
أما محمد بن سلمان فقد قاد ثورة على إرث آل سعود جميعهم، و انقلب على تاريخ عمره 100 عام، و واجه المؤسسة الدينية التي كانت شريكة في الحكم منذ البداية و لديها قوة كبيرة جدا في الدولة و المجتمع، و واجه المؤسسة الحاكمة كلها و التي لم يكن سيدا عليها في الأساس، كما كان بشار سيدا على الصغير و الكبير في سوريا، و خاطر بكل شيء، و قاد ثورة في بلاده أثارت إعجاب القاصي و الداني، و ما تزال ثورته مستمرة على جميع الصعد و لن يمضي وقت طويل حتى نرى السعودية و هي تنافس أهم دول العالم على المستوى العلمي و الحضاري و الثقافي و الفكري و على مستوى رفاهية المواطن.
و لكن بشار لم يشأ التخلي عن دولة الأغنام التي ورثها عن أبيه، فقد “سخسخت” ركبه عندما قال له خاله محمد مخلوف “يا خالي في حدا بكون حاكم متل الرب و عندو شعب متل الغنم بقلون تعوا لأتعامل معكون متل البشر؟ في حدا يا خالي بكون عندو عشرين مليون عبد بيعتقهم دفعة وحدة؟” و كان ذلك يوم فكر بشار الأسد بأن يقود حملة تطوير بسيطة في البلاد حتى يقال بأنه اختلف قليلا عن أبيه. قال له خاله إياك أن تتلاعب بالهيكل الذي بناه أبوك فيتهاوى على رؤوسنا جميعا..
لو أن بشار الأسد امتلك الرؤية التي امتلكها محمد بن سلمان، و الجرأة التي امتلكها هذا الأمير، لكانت سوريا اليوم بعد 23 عاما واحدة من أغنى الدول و أكثرها ازدهارا و غنى. و لو أنه أحب شعبه لخاطر بمصالحه الشخصية من أجله، علما بأن المنطق يقول أن الشعب السوري كان لينتخب بشار الأسد ديمقراطيا لو أنه سار على الطريق التي تطمح إليها كل الشعوب.
بشار الأسد إلى جانب محمد بن سلمان، واحد ثار شعبه عليه فقتله و دمر البلاد فوق رأسه، و واحد خاطر هو بنفسه و ثار من أجل شعبه و تقدم صفوف الشباب السعودي الطامح إلى التغيير و إنشاء دولة عصرية حداثية تواكب الزمن و متطلباته.
واحد أذل شعبه و أفقره و جوعه و جلب له الاحتلال الأجنبي و باع سيادته و أرضه، و آخر صان شعبه و حمى بلاده و كرم مواطنيه و قادهم على طريق الخير الكثير.
لم نطلب منك كشعب سوري سوى أن تحبنا يا بشار، أن تعترف بوجودنا، أن تكرمنا، أن تدافع عنا، أن تحمينا، أن تكون لنا قاضيا عادلا لا خصما لئيما..
كل ما طلبناه منك أن تكون مقدرات بلادنا ملكنا نحن أبناء سوريا جميعنا، لا ملك أزلام السلطة و محاسيبها.
كل ما طلبناه منك أن تكون لنا و منا، لا أن تكون علينا..
و اليوم، و بعد كل ما حصل، إياك أن تعتقد بأن الشعب السوري يمكن أن يعود مرابعا في مزرعتك، من يحميك اليوم من شعبك هو الإيراني و الروسي، و لولاهما لما كنت تستطيع البقاء في قصرك لحظة واحدة. من يحميك في دوائر القرار العالمي هو الإسرائيلي، و لولاه لما حماك الكونغرس الأميركي و البريطاني يوم كان سقوطك وشيكا، و لولاه لما صمت عنك الإعلام العالمي طيلة هذه السنوات. أنت اليوم رئيس على شعب أسير و محتل، و أنت لست بأكثر من مندوب لدول الإحتلال.
حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم يا فخامة الرئيس، و هي لا تسقط حتما بحضور القمم و إلقاء الخطب، فالحرية هي عطاء من الخالق لا يملك أمثالك سوى أن يعتقلوها، و لكن من أين لكم أن تقتلوها و هي فطرة تولد في الأرحام و تخرج مع كل طفل وليد.
الشعوب هي المنتصرة دائما يا فخامة الرئيس، و كل ما تفعله أنت أنك تأخر ما هو حتمي، تضع العراقيل أمام حركة التاريخ التي سوف تسحقك بالمحصلة و تجعل منك سطرا ناقصا في كتب المجرمين و السفاحين.
الحرية اليوم، و الحرية غدا، و الحرية دائما لشعب سوريا الحبيب..
بقلم:فراس الأسد