تفيد تصريحات رأس النظام السوري بشار الأسد في مقابلة أجرتها معه قناة “سكاي نيوز عربية” في العاصمة السورية دمشق، وبُثت أول من أمس الأربعاء، بأنه غير معني بالتعامل بإيجابية مع مبادرة عربية لحل القضية السورية، ما يشير إلى أن هذه المبادرة في طريقها للفشل.
واعترف الأسد بأن علاقته مع الدول العربية لم تشهد تغيراً عقب عودة نظامه إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار الماضي في القمة التي استضافتها مدينة جدة السعودية، بناء على مبادرة طرحتها عدة دول عربية تقوم على منهجية “الخطوة مقابل خطوة”.
ورداً على سؤال عما كان يتوقعه من العالم العربي، قال الأسد: “لا أستطيع أن أتوقع، أستطيع أن آمل”، مضيفاً: “من غير المنطقي والواقعي أن نتوقع أن هذه العودة، وهذه العلاقات التي بدأت تظهر بشكل أقرب إلى الطبيعي ستؤدي إلى نتائج اقتصادية خلال أشهر، هذا كلام غير منطقي”.
الأسد ينسف المبادرة العربية
ولم يتطرق الأسد للمبادرة العربية في معرض إجاباته في مؤشر واضح على أنه غير مهتم بها، تحديداً لجهة الحد من تصنيع وتهريب المخدرات، وتأمين عودة كريمة لملايين اللاجئين السوريين، خصوصاً في دول الجوار، أو الحد من النفوذ الإيراني.
وادّعى الأسد أن “الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سورية”، هي وحدها تتحمل مسؤولية تنامي عمليات تصنيع وتهريب المخدرات في نسف واضح لجوهر المبادرة العربية تجاهه، والتي تستهدف القضاء على عمليات التهريب واسعة النطاق من الجنوب السوري إلى الدول العربية، إذ تؤكد كل الوقائع والتقارير الدولية أن نظامه يقف وراءها.
وربط الأسد عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بتحسين الظروف المعيشية في البلاد، في إشارة واضحة إلى أن نظامه لا يرحب بعودة هؤلاء، وأنه غير مستعد لتقديم تنازلات لتسهيل مهام الأمم المتحدة للتوصل إلى حل وفق القرار الدولي 2254، تفتح الطريق أمام رفع العقوبات الغربية والعربية بالتدريج.
مصدر عربي: كلام الأسد يؤكد أنه ليس بصدد تقديم أي تنازلات
وبدا واضحاً أن الأسد غير حريص على إنجاح المساعي العربية لوضع حد للمأساة السورية الممتدة منذ عام 2011، إلا وفق رؤيته القائمة على رفض الاعتراف بالمعارضة السورية كطرف في معادلة حل تقوم على ثلاثة قرارات صدرت خلال السنوات الماضية، رسمت طريقاً واضحاً لهذا الحل، وهي بيان جنيف1 الذي صدر في عام 2012، والقرار الدولي 2118 الذي صدر في عام 2013، والقرار 2254 الذي استند على القرارين السابقين وصدر في عام 2015.
وقال مصدر عربي مطلع على التنسيق القائم مع النظام من قبل دول عربية، بينها الأردن والإمارات، تحدث لـ”العربي الجديد” لكنه طلب عدم ذكر اسمه، إن الاندفاع العربي تجاه النظام السوري الذي بدأ عقب الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في 6 فبراير/شباط الماضي “يشهد فتوراً واضحاً بسبب عدم استجابة هذا النظام لمطالب عربية معلنة تتعلق بالمخدرات واللاجئين وبالنفوذ الإيراني في سورية”، فيما تتحفظ أوساط الخارجية الأردنية على التعليق على الأنباء التي تشير إلى تعثر التطبيق مع النظام السوري.
وأشار المصدر العربي نفسه إلى أنه “من المستبعد الإعلان بشكل رسمي عن نهاية المسار العربي”. وبرأيه، فإن الأمر يتوقف على موقف المملكة العربية السعودية، التي دعمت هذا المسار مع النظام. وأبدى اعتقاده أن “عدم إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق (حتى الآن) دليل واضح على أن الرياض فقدت الأمل بإقدام نظام الأسد على خطوات إيجابية، تسهّل مهمة العرب في إنجاز حل سياسي طرفاه المعارضة والنظام”.
وأشار المصدر إلى أن “كلام الأسد في مقابلة سكاي نيوز يؤكد أنه ليس بصدد تقديم أي تنازلات وأنه يريد من العرب أموالاً ومكاسب اقتصادية من دون أي تنازل، وأن تتعامل معه ومع نظامه كما هو من دون تغيير في بنيته، وأن موضوع الوجود الإيراني في سورية محسوم لديه وغير مستعد لمناقشته مع أي طرف عربي”. وأضاف: العرب لديهم مطالب واضحة وفي حال عدم الاستجابة سيتم إغلاق باب المبادرات العربية.
وفي السياق، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة في حديث مع “العربي الجديد” أنه “لم يكن يُتوقع كلاماً مغايراً من بشار الأسد تجاه الدول العربية”، مضيفاً: هو (الأسد) حليف إيران. وأعرب عن اعتقاده بأن “الفتور السعودي تجاه نظام الأسد مؤشر واضح على فشل المبادرة العربية للحل في سورية”.
رضوان زيادة: الفتور السعودي مؤشر على فشل المبادرة العربية
بيد أن مدير وحدة السياسات في مركز “أبعاد” للدراسات محمد سالم، رأى في حديث مع “العربي الجديد”، أن الأسد: “لم يرفع سقف نبرته ضد مسار التطبيع العربي خلال المقابلة، مثلما فعل ضد حركة حماس أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”. وبرأيه فإن الأسد “أبقى الباب موارباً للتطبيع مع الدول العربية، لا سيما أن مقابلته كانت مع قناة من دولة عربية (الإمارات)، معروفة بتوجهاتها التطبيعية معه”، مضيفاً: الأسد يطلب المزيد من التنازلات والأموال ولا أعتقد أنه يغلق باب التطبيع مع الدول العربية خصوصاً.
الأسد لم يفتح الباب أمام العرب حتى يغلقه
من جانبه، رأى الباحث السياسي أحمد القربي في حديث مع “العربي الجديد” أن “الأسد لم يفتح الباب أمام العرب حتى يغلقه”، معتبراً أن ما قامت به دول عربية مع النظام تطبيع مجاني. وتابع: الأسد كان صريحاً بموقفه من الملفات الأساسية الموضوعة على طاولة التطبيع العربي، خصوصاً بما يتعلق بالمخدرات، واللاجئين. وحمّل الدول مسؤولية المخدرات واللاجئين وعليها أن تتحمل النتائج، ومن ثم يطبق استراتيجية نظامه وهي خلق المشاكل لابتزاز الدول العربية.
ولفت القربي إلى أن الأسد: “تحدث بما يتوافق مع سياسة الإمارات، لذلك هاجم تركيا وحركة حماس وفكرة الربيع العربي وأنه كان مؤامرة خارجية، وأن مشاكل المخدرات واللاجئين بسبب هذه المؤامرة وليس بسبب النظام وعدم تجاوبه مع مطالب السوريين بالتغيير”، مضيفاً: النظام كما يبدو لم يقدم للدول العربية أي وعود، وأن المشاكل الموجودة هي من صنعتها وعليها أن تتحمل مسؤوليتها.
وكان وزراء خارجية عدة دول عربية قد وضعوا، في العاصمة الأردنية عمّان في مايو الماضي، أسس مبادرة عربية للحل في سورية دعت إلى “خطوات تبادلية”، عبر تخفيف العقوبات والعزلة عن النظام في مقابل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كل المناطق.