شككت جهات حقوقية وإنسانية سورية معارضة في فاعلية مرسوم “العفو العام” الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد يوم الخميس الماضي، لجهة عدم شموله معتقلي الرأي والمعارضين للنظام.
يهدف النظام السوري، من خلال إصدار مثل هذه المراسيم، إلى الإيهام بالبدء في حلّ الملفات المطلوبة منه عربياً وإقليمياً بموجب المبادرة العربية (الأردنية) التي أعادته إلى الجامعة العربية في مايو/أيار الماضي، لا سيما ما يخص قضية المعتقلين والمختفين قسراً.
ويزيد في الشكوك عدم الوضوح في البيانات والتصريحات الصادرة عن أجهزة النظام حول المفرج عنهم بموجب المرسوم، الذي دخل حيّز التنفيذ منذ صدوره في 16 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
فقد نقلت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام تصريحات لوزير العدل في حكومة النظام أحمد السيد، بأنه “لا يمكن حالياً إعطاء إحصائية دقيقة عن عدد الذين أٌطلق سراحهم، لأنه يومياً هناك موقوفون يُطلق سراحهم ممن شملهم مرسوم العفو”.
ولفت السيد إلى أن “إطلاق سراح عدد كبير من الموقوفين في دور التوقيف وأقسام الشرطة ممن شملهم مرسوم العفو”.
من جهته، قال المحامي العام الأول في دمشق محمد عيد بالوظة إنه جرى إخلاء سبيل 350 موقوفاً في دمشق حتى ساعة إعداد الخبر، مشيراً إلى أن العمل مستمر بشكل يومي لإطلاق سراح المستفيدين من المرسوم.
ولفت بالوظة إلى أن “أعداد الذين سيُطلق سراحهم وشملهم مرسوم العفو سوف يتضاعف بشكل يومي باعتبار أن المرسوم شمل بعض العقوبات بشكل جزئي”.
بناءً على ما سبق، يبدو أن عفو الأسد مجرد سياسة إعلامية مُضللة تهدف إلى الإيهام بالبدء في حلّ ملف المعتقلين، في حين أنه يستهدف في الحقيقة تجنيد المفرج عنهم في صفوفه
عفو الأسد: سياسة تمويهية واستغلالية
أصدر بشار الأسد مرسومًا بمنح “عفو عام” عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 16 نوفمبر 2023. وقد لقي المرسوم انتقادات واسعة من قبل جهات حقوقية وإنسانية، لجهة عدم شموليته للمعتقلين السياسيين والمعارضين، وأهدافه المريبة.
شمل العفو كامل العقوبات في الجنح والمخالفات، وكذلك عن جميع تدابير الإصلاح والرعاية للأحداث، بالإضافة إلى كامل العقوبات المؤبدة أو المؤقتة للمصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء. كما شمل العقوبات العسكرية في الجرائم المتعلقة بالفرار الداخلي من الخدمة العسكرية، لكن أحكامه لا تشمل “المتوارين عن الأنظار والفارين من وجه العدالة إلا إذا سلموا أنفسهم خلال 3 أشهر بالنسبة للفرار الداخلي و6 أشهر بالنسبة للفرار الخارجي”.
واعتبر المحامي والحقوقي عمار عز الدين، عضو “رابطة المحامين السوريين الأحرار”، أن “مرسوم العفو جاء هزيلاً، مفتقراً إلى نهج التسامح، وخبيثاً في مواده القانونية التي تحتوي على خداع قانوني، في محاولة من النظام لأن يوصل رسالة إلى السوريين بتغير نهجه”.
وأكد عز الدين أنه “حتى بالنسبة للمعتقلين بموجب التهم الكيدية التي لفّقها النظام للمعارضين، فلن يستفيدوا منه، ولن يُفرج عن عدد كبير من المعتقلين”، مشيراً إلى الاستثناءات في المرسوم التي تشمل “النيل من هيبة الدولة، وإضعاف الشعور القومي، والإرهاب، والتجسس، وحمل السلاح، وغيرها”، والتي يستطيع النظام التعامل معها بوضع من يشاء من معتقلي الرأي تحت إطارها.
وأضاف عز الدين أن “هدف النظام السوري من المرسوم هو سوق أعداد إضافية من الشبان لأداء الخدمة العسكرية وزجّهم في معاركه، حيث شمل المرسوم المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية”.
يبدو أن مرسوم العفو الصادر عن بشار الأسد هو مجرد خطوة تمويهية، الهدف منها تحسين صورة النظام أمام المجتمع الدولي والشارع السوري، واستغلال المعتقلين السياسيين والمعارضين لتحقيق أهدافه العسكرية والأمنية.
هل عفو الأسد عن المعتقلين خطوة للتمويه أو نتيجة للضغوط الخارجية؟
في 20 مايو/أيار 2022، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن مرسوم تشريعي يمنح عفوًا عامًا عن الجرائم الإرهابية التي ارتكبها السوريين قبل 30 أبريل/نيسان من العام نفسه، باستثناء الجرائم التي أدت إلى مقتل الأشخاص.
هذا العفو يثير العديد من التساؤلات حول الدوافع وراءه. هل هو خطوة حقيقية من النظام السوري لتحسين صورته العالمية، أم أنه مجرد تمويه لإخفاء جرائمه المستمرة ضد المعتقلين؟
الناشط الحقوقي السوري وائل عبد الغني يشير إلى أن المرسوم يأتي في إطار “مطالب سعودية – عربية بإطلاق سراح آلاف المعتقلين”. ومع ذلك، يعتقد أن النظام السوري لم يعد لديه الكثير من المعتقلين ليفرج عنهم، بعد أن قتل أو اعتقل قسراً آلاف الأشخاص الآخرين.
ويضيف عبد الغني أن النظام السوري يسعى من خلال هذا العفو إلى “إرضاء المجتمع الدولي، وتحسين صورته أمامه، خاصة بعد أن سيطر على معظم المناطق السورية، وأصبح يسعى إلى إعادة الإعمار”.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان تشير إلى أن النظام السوري أصدر، منذ مارس/آذار 2011، حوالي 21 مرسوم عفو، وكانت النتيجة الأساسية لها هي إطلاق سراح الآلاف من مرتكبي الجرائم الجنائية، وليس معتقلي الرأي، في خطوة متعمدة من النظام أراد استخدام هؤلاء لتجنيدهم في المليشيات المحلية التي أسسها للقتال إلى جانبه.
وتؤكد الشبكة الحقوقية، في تقرير سابق، أنه “على الرغم من هذه المراسيم الكثيرة، لا يزال هناك ما لا يقل عن 135253 شخصاً، بينهم 3684 طفلاً وامرأة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري، أي أن حصيلة الأشخاص الذين اعتقلوا أو أخفوا من قبل قوات النظام السوري عقب إصدار مراسيم العفو تزيد 17 ضعفاً عن حصيلة من أفرج عنهم بموجب هذه المراسيم”.
يمكن تقسيم دوافع عفو الأسد عن المعتقلين إلى ثلاث فئات رئيسية:
الدوافع الداخلية: يسعى النظام السوري من خلال هذا العفو إلى: تخفيف الضغط الداخلي على النظام، الذي أثارته تقارير عن جرائم النظام ضد المعتقلين. تعبئة القوى الموالية للنظام، خاصة من مرتكبي الجرائم الجنائية الذين تم الإفراج عنهم. إعادة تأهيل صورة النظام أمام المجتمع السوري.
الدوافع الخارجية: يسعى النظام السوري من خلال هذا العفو إلى: إرضاء المجتمع الدولي، وتحسين صورته أمامه. الحصول على دعم دولي لإعادة الإعمار.
الدوافع الاستراتيجية: يسعى النظام السوري من خلال هذا العفو إلى: تعزيز مكانته كلاعب رئيسي في سوريا، والمنطقة. عرقلة أي جهود دولية لتغيير النظام.
في ضوء هذه العوامل، يبدو أن عفو الأسد عن المعتقلين هو خطوة متعددة الأبعاد، تسعى إلى تحقيق أهداف داخلية وخارجية واستراتيجية. ومع ذلك، فإن هذا العفو لا يُعد خطوة حقيقية لتحسين حقوق الإنسان في سوريا، طالما أن النظام السوري يواصل اعتقال وقتل المعارضين السياسيين والحقوقيين.