تشهد منطقة شمال غربي سوريا، تحضيرات من فصائل معارضة لخوض معركة مع النظام السوري، الذي بدأ من جانبه حشد قواته هناك أيضاً، في وقت ينشغل فيه حلفاؤه إيران وحزب الله بالتصعيد مع الاحتلال، وروسيا بالملف الأوكراني، ما يمثل فرصة لخوض المعارضة المعركة في حلب لاستعادة المناطق التي خسرتها عام 2019.
مصادر عسكرية من المعارضة السورية، أفادت لـ”عربي بوست” بتفاصيل متعلقة بالتجهيزات والتحشيدات العسكرية، تجهيزاً لفتح جبهة قتال جديدة مع النظام السوري، في المنطقة التي ساد فيها الهدوء لأكثر من ثلاث سنوات، بتوافق تركي وروسي، ليطلق عليها اسم “منطقة خفض التصعيد”.
تفاصيل تجهيزات المعركة في حلب
الحديث عن “ساعة الصفر” والتجهيزات للمعركة في شمال غربي سوريا، ليس مجرد كلام متناقل بين الناشطين “بل أمر واقع بدأ منذ أيام”، بحسب مصادر عسكرية من هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري المعارض، في كل من أرياف إدلب الجنوبية، وغربي حلب.
وقالت المصادر لـ”عربي بوست”، إن فصائل المعارضة شمال غربي سوريا في مقدمتها “هيئة تحرير الشام”، دفعت بأعداد ضخمة من التعزيزات العسكرية ذات التصنيف الهجومي مثل “الدبابات والمدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ” وقوات بشرية من النخبة، إلى خطوط التماس مع قوات النظام السوري.
وأكدت أن التحضير لعملية عسكرية مرتقبة ضد قوات النظام السوري سارية بالفعل، رغم أن النظام السوري متنبه لها، مؤكداً أن مثل هذه التحركات من الصعب عدم ملاحظتها، لا سيما في منطقة خفض التصعيد، وسط تحديات متعلقة بالدول الضامنة.
للتوضيح أكثر بهذا الخصوص، أوضحت أن الدول الضامنة مثل تركيا وروسيا، تقوم بالمراقبة عسكرياً في هذه المناطق، وتبدي موقفاً معارضاً لأي تصعيد فيها، وهو الأمر الذي منع هجوماً مفاجئاً، أو بدء المعركة حتى الآن.
مقابل ذلك، أكدت مصادر من مناطق النظام السوري في أرياف حلب وإدلب، أن النظام السوري بدأ بنقل أعداد كبيرة من الآليات الثقيلة والمقاتلين من المواقع العسكرية في العمق السوري وجنوبها، لتعزيز مواقعه العسكرية على خطوط التماس شمالاً، لصد أي هجوم بري محتمل من فصائل المعارضة.
في تصريح خاص للعقيد مصطفى بكور، القيادي في فصيل “جيش العزة” المعارض، فإن “الفصائل الثورية تعرضت لضغوط كبيرة من الحاضنة الشعبية للثورة خلال العام الأخير، من أجل تخفيف معاناة المهجّرين، وذلك عن طريق تحرير الأراضي المحتلة من الروس والإيرانيين وقوات الأسد، لضمان عودة آمنة وكريمة لهم”.
وقال بكور: “استجابة لرغبة الحاضنة الشعبية، وفي محاولة لاستغلال المستجدات على الساحة المحلية والإقليمية، بعد انشغال المليشيات الإيرانية وحزب الله، تقوم الفصائل الثورية بالإعداد لمعركة تحرير على أكثر من محور”.
وأكد “وجود تدريبات مكثفة واستطلاع، وتحضير للعتاد، ونقل للقوات لمناطق الدخول البري، بانتظار الفرصة المناسبة لبدء الهجوم، وهذا أمر طبيعي في ظل وجود الاحتلال الأجنبي وعملائه المحليين، وحقيقة وجود ملايين المهجّرين في الخارج”.
وشدد على أن فصائل المعارضة كان وما زال هدفها الأساسي هو “إسقاط عصابة الأسد، ما يمثل المهمة الأولى للفصائل الثورية، والمطلب الرئيسي للحاضنة الشعبية، بالتالي فإن أي فصيل لا يضع إمكاناته المادية والبشرية في مصلحة معركة التحرير، فلا يمكن القول عنه إنه فصيل ثوري”، على حد قوله.
عن الأهداف الأخرى من المعركة المحتملة، قال بكور: “الهدف الرئيسي للمعركة هو توسيع مناطق سيطرة الفصائل الثورية، لضمان عودة أكبر عدد من المهجّرين، وتضييق الخناق على الأسد، ومنعه من الاستمرار بعملية التغيير الديمغرافي من خلال إنشاء مستوطنات للمليشيات الإيرانية وحزب الله في المناطق التي تم تهجير أهلها منها”، على حد قوله.
وأشار إلى أن “الموقف الأمريكي مؤيد دائماً لقيام الفصائل الثورية باستهداف المليشيات الإيرانية وحزب الله في سوريا بشكل خاص”.
مكان التصعيد وأهميته.
تشي التحضيرات والاستعدادات القتالية للمعارضة والمحاور التي تعزز فيها الأخيرة قواعدها العسكرية والقتالية، إلى محاولتها استعادة ما خسرته خلال عام 2019 من مناطق واسعة في شمال وغربي محافظة حماة وريف إدلب الجنوبي والشرقي والجزء الشمالي من محافظة اللاذقية، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظة حلب شمال غربي سوريا.
تمكنت حينها قوات النظام السوري مدعومة بمليشيات إيرانية وبإسناد جوي روسي، من السيطرة على تلك المنطقة، وترافق ذلك مع تراجع القوات التركية من قواعدها التي أنشأتها في تلك المناطق، باتفاق أستانة مع الجانب الروسي والإيراني.
الدول الضامنة تعارض بدء المعركة
مصدر عسكري في الفصائل المعارضة ضمن “الجيش الوطني السوري”، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال ، إن “الموقف التركي حيال التحضيرات القتالية القائمة على قدم وساق للمعارضة شمال غربي سوريا رافض للتصعيد”.
وقال إن “تركيا كدولة ضامنة لمنطقة عدم التصعيد، لا ترغب أي عملية عسكرية لفصائل المعارضة السورية ضد قوات النظام السوري وحلفاؤه، واضعة في أولوياتها المحافظة على آخر بقعة جغرافية تمتلكها المعارضة، وعدم إحداث أي تطورات عسكرية وأمنية قد تحدث موجة لجوء جديدة للسكان في المنطقة”.
وأكد أن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتركيا، فيها ما يقارب 4 ملايين سورياً، وتخشى أنقرة أن أي تطور عسكري قد يدفعهم باتجاه الحدود السورية التركية، وفق قوله.
وأضاف أن “الجانب التركي أبلغ جميع الفصائل العسكرية الموالية، وأبرزها الجيش الوطني السوري، رفع حالة الاستنفار والجاهزية لأي تطور محتمل في المنطقة، مع إرسالها رسائل شفهية ومباشرة إلى (هيئة تحرير الشام)، بأنه يرفض المشاركة في التصعيد المحتمل”.
وتعد هيئة تحرير الشام أكبر الفصائل في غرفة عمليات (الفتح المبين)، التي ستشرف على إدارة العملية العسكرية المرتقبة.
الناشط جمعة محمد من محافظة حلب، قال لـ”عربي بوست”، إن “قوات النظام اليوم غير قادرة على مواجهة فصائل المعارضة لأكثر من أيام أو ربما لساعات، نظراً لتراجع أعدادها عن السنوات السابقة وانحلال المليشيات المحلية الموالية للنظام التي عملت على مساندته ودعمه في أي عملية عسكرية هجومية كانت أم دفاعية، على مدار السنوات الماضية”.
وأضاف أن “فصائل المعارضة وعلى مدار الثلاث سنوات الماضية، عملت على بناء مؤسسات عسكرية منتظمة، وأخضعت عناصرها لدورات تدريبية مكثفة على القتال والهجوم وحرب الشوارع، وعلى مختلف صنوف الأسلحة بطرق وأساليب أكثر احترافية وغير تقليدية”.
أشار كذلك إلى أن قوات المعارضة فتحت بشكل دائم باب الانتساب إلى صفوفها بشروط وضوابط محددة من حيث البنية والصحة الجسدية والأعمار التي تتراوح ما بين 21 إلى 25 عاماً.
أما عن الجهة المقابلة، قال جمعة إن “إعادة تموضع المليشيات الإيرانية ضمن مواقع عسكرية متخفية وبعيدة عن خطوط التماس والمناطق المكشوفة في محافظة حلب وريف إدلب، خشية استهدافها بالغارات الجوية الإسرائيلية والتحالف الدولي، يؤثر على سير المعركة بالنسبة للنظام السوري”.
أضاف أيضاً أن هذه القوات غير قادرة على المشاركة مع قوات النظام السوري في صد أي عملية برية للمعارضة، خشية انكشافها أمام القوات الإسرائيلية والأمريكية.
وأكد أن ذلك “يشكل عامل ضعف آخر في قدرة قوات النظام على مقاومة تقدم الفصائل المعارضة، لا سيما أن إيران وأذرعها في الوقت الحالي إضافة إلى النظام السوري جميعهم منشغلين بالهجمات الإسرائيلية البرية والجوية على لبنان والمواقع الإيرانية، على كامل الجغرافية السورية”.
لفت جمعة إلى جبهة أخرى ينشغل فيها النظام السوري في الوقت الحالي، وهي الحراك الثوري في محافظة السويداء، الذي يشكل عثرة كبيرة له، فضلاً عن تدهور الوضع الأمني وتصاعد الهجمات ضد قواته بين الحين والآخر، ما يستدعي توفير قوات عسكرية في تلك المناطق للحد من أي تطورات أو تصاعد العمليات ضد قواته، ما يشكل تحدياً له بإرسال الدعم المناسب شمالاً.
حلب “العاصمة الاقتصادية” في سوريا
هدف آخر أوضحت المصادر المعارضة ، أهميتها لشن العملية العسكرية، وهو استعادة السيطرة على مدينة حلب التي تعد العاصمة الاقتصادية لسوريا.
وقالت إن ذلك يمكن من خلال الزحف عبر محافظة إدلب وجنوب حلب، نحو الطريق الدولي (M5) الذي يربط محافظة حلب بالعاصمة السورية دمشق، وقطعه، بالتالي ستصبح مدينة حلب العاصمة الاقتصادية في سوريا في عداد المحاصرة.
يشار إلى أن حزب الله والمليشيات الإيرانية تخوض اشتباكات متكررة مع الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى الآن، مع بدء “إسرائيل” عدواناً برياً على جنوب لبنان، واستهدافه كبار قادة حزب الله.
منذ عام 2011، يشن الاحتلال الإسرائيلي غارات على سوريا، يقول إنها تستهدف جماعات مدعومة من إيران ونقاط عسكرية تابعة للنظام السوري.
وتحدثت تقارير إعلامية مؤخراً عن بدء الاحتلال الإسرائيلي اجتياحاً برياً محدوداً في هضبة الجولان، الأمر الذي نفى النظام السوري صحته، وفق روايته.