إعداد : نوال محمود محمد حسن , بسمة مصطفى عبد الباقي , دينا لملوم عبيد , أحمد فضل عزوز فهيم – إشراف: د.علي جلال معوض – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة – مصر
المركز الديمقراطي العربي
المقدمة:
تعد السياسة الخارجية من أهم المجالات المتعلقة بالعلاقات الدولية؛ نظراً لأن هذه السياسة تساعد على تشكيل العلاقات بين الدول، هذا بالإضافة إلى كونها مفتاحاً لفهم هذه العلاقات، وتدور هذه الدراسة حول طبيعة السياسة الخارجية الروسية تجاه الأزمة السورية، ذلك الفاعل الذي تراجع من الساحة الدولية بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت تظهرمن جديد وتلعب أدواراً هامة ومحورية، وأصبح لديها مواقف واضحة في بعض القضايا وهناك بعض العوامل أو المحددات التي ساعدت على رسم خريطة روسيا من جديد سواء كان ذلك في الداخل أو الخارج، ونجد أن شخصية الرئيس “فلاديمير بوتين” قد ساعدت على النهوض بروسيا ورسم معالم السياسة الخارجية لها، حيث أنه تمكن من تحقيق مكانة اقتصادية وانعاش الإقتصاد الروسي بداية من مكافحة رؤوس الفساد التي ساعدت على تخطي الأزمات الاقتصادية التي مرت بها الدولة، والجدير بالذكر أن روسيا اشتهرت بتجارة الأسلحة التي ذاع صيتها وحققت مكاسب طائلة من وراء ذلك، على الصعيد الآخر سعت روسيا جاهدة من أجل مناؤة الدول الغربية ومنافسة القوى العظمى، ومن هذا المنطلق نجد أن روسيا قامت بالتدخل في سوريا لكي يكون شأنها شأن الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتعمل على الحد من نفوذها عن طريق لعب دور الوسيط في الشرق الأوسط والتدخل في سوريا كما سنرى وأن مثل هذا التدخل تنوعت أهدافه ما بين أهداف إنسانية، وتحقيق مصالح خاصة بالدولة الروسية، وكان من ضمن هذه المصالح ضرورة إبقاء بشار الأسد في الحكم وأن سقوط هذا النظام سوف يؤدي إلى خسائر فادحة لروسيا، أيضاً كانت تبرر تدخلها في سوريا على أنها تقوم بمحاربة الإرهاب وكان لديها أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية، فضلاً عن الأهداف الاستراتيجية الممثلة في أهمية الموقع الجيوبوليتكي الذي تحتله سوريا في الشرق الأوسط والتي توجد فيها العديد من المصالح التابعة لمعظم القوى العالمية؛ لذا حرصت روسيا على عدم فقدان ذلك الهدف، من ناحية أخرى قد سعت روسيا إلى تنفيذ استراتيجيتها تجاه الصراع السوري عن طريق العديد من الوسائل سواء كانت دبلوماسية أو اقتصادية وأخرى عسكرية، وقد واجهت الدولة السورية العديد من التحديات وبدأت تدخل في طور الفشل والضعف خاصة مع وصول عائلة الأسد إلى سدة الحكم، واتضحت ملامح هذا الفشل في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
المشكلة البحثية:
تعد الأزمة السورية من الأزمات المفصلية طويلة الأمد في المنطقة العربية، حيث تتميز تلك الأزمة عن غيرها من الأزمات المتواجدة فى المنطقة سواء بتعدد الأطراف الفاعلة فى تلك الأزمة بشكل كبير من قوى دولية عظمى ومتوسطة وصغيرة بل لم يقتصر الأمر على الدول، حيث قد امتد كذلك إلى الجماعات الإسلامية والتنظيمات المتشددة كذلك المنظمات الدولية والإقليمية وهو الأمر الذي وفر بيئة ملائمة تماما لنمو الأزمات الداخلية مثل مشكلة الأكراد والإرهاب وتفشى ظاهرة الفقر والجهل ولازلنا نشهد تنامى هؤلاء الفاعلين مع تطور الأزمة المستمر والمثير للدهشة والذى إنتهى بها المطاف إلى أن تحولت لصراع، ولم يقتصر الأمر فقط على هذا التنوع بل كان هناك تنوعاً آخر فى توجهات السياسة الخارجية من قبل القوى الدولية تجاه تلك الأزمة.
وتعتبر روسيا من أهم الفاعلين فى القضية السورية والتي وجدت في الصراع السوري فرصة لتحقيق بعض المصالح والأهداف التي تسعى لتحقيقها بعدة وسائل لاستعادة مكانتها مرة أخرى على الساحة الدولية خاصة مع وصول بوتين الذي يهدف لعدد كبير من المساعي كالتدخل في كلا من الأزمة السورية والليبية والأوكرانية في ظل عدم قدرة القوى الكبرى على منعه من تحقيق أهدافه، ومما سبق نجد أن المشكلة البحثية تتمحور حول شكل السياسة الخارجية الروسية تجاه سوريا، وكيف خلفت تلك السياسة أثرا بالغ الوضوح والخطورة على فشل الدولة السورية، وعلى قضايا الإرهاب والأكراد.
ومن هنا نتطرق إلى السؤال البحثي الرئيسي:
ما مدى تأثير السياسات الخارجية للدول الكبرى على فشل الدولة؟
السؤال التطبيقي:
ما هي محددات تدخل الدول في الصراعات الداخلية في الدول الأخرى وتأثيرات ذلك على قوة أو فشل هذه الدول؟
الأسئلة الفرعية:
ما هي محددات التدخل الروسي في سوريا وتأثيراته على فشل الدولة السورية؟
ما هى أهم أبعاد التدخل الروسى فى سوريا ودوافعه؟
ما أهم الأساليب والوسائل التي استخدمتها روسيا في التعامل مع الأزمة السورية والتي تعد ضمن أدوات السياسة الخارجية الروسية؟
هل كانت سوريا مركزا لتحقيق أهداف اقتصادية روسية فقط؟
لماذا تسعى روسيا لاستعادة دورها فى منطقة الشرق الأوسط؟
هل كان التدخل الروسي في سوريا ذريعة لتدخل الدول الكبرى؟
إلى أى مدى كانت الحروب والصراعات الداخلية في سوريا سبب في تدخل القوي الخارجية الكبرى؟
ما أثر التدخل الروسى على فشل الدولة الروسية؟
كيف إستجابت سوريا للتدخل الروسى؟
تحديد الدراسة:
أولاً- التحديد المكاني:
ينصب تركيزنا بالأساس على الدولة السورية وتظهر أهمية اختيارها نظراً لموقع الدولة السورية الحيوي والذي جعل منها أزمة داخلية تنعكس على عدد من دول المنطقة العربية إلى جانب عدد من الدول الأوروبية، نتيجة نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين إثر الصراعات المسلحة، بالإضافة لتسليط الضوء على التدخل الخارجي للدول الكبرى واستغلالها لأحداث داخلية لبسط نفوذها في المنطقة استعادة لمناطق النفوذ قديماً وتحقيق منافع اقتصادية عدة، ويتضح التدخل الأجنبي للدول الكبرى في عدد من الدول العربية عقب ثورات الربيع العربي وما أعقبها من فوضى وصراعات داخلية، لكن ما يميز الأزمة السورية هو قدرة النظام الحاكم على الاستمرار في السلطة بدعم روسى يأخذ أشكال مختلفة، مع استمرارها كدولة فاشلة وتستمر التصعيدات بين القوى الكبرى لفرض النفوذ فى المنطقة من خلال استغلال سورية كساحة سياسية مناسبة لاستغلال ما فيها من صراعات داخلية
ثانيا التحديد الزماني:
بدأت تلك الدراسة في عام ٢٠١١ نظرا لأنه عام ثري ومليء بالأحداث، فهو العام الذى بدأت به أحداث الربيع العربي والتي كان لها آثارا بالغة الخطورة، ليشهد العام ذاته بروز أزمات سوريا بإندلاع المظاهرات في مدينة درعا السورية والتي أطلق النظام فيها النيران علي المتظاهرين واشتدت النزاعات بين المسلحين وقوات الأمن، لتتطور بعد ذلك لتصبح حرب أهلية يتحمل عواقبها الشعب بأكمله حتى الآن، ومع بروز أزمات اللاجئين وغيرها من المشكلات أصبحت سوريا بيئة ملائمة تماما لنمو الإرهاب والتنظيمات الإسلامية والتى أخذت فى السيطرة على أجزاء من الدولة، وبروز حركات المعارضة التى طالبت بإسقاط نظام الأسد ليطلب الأخير المساعدة الروسية.
ثم نستأنف بعد ذلك التركيز على عام ٢٠١٥ وهو العام الذى تدخلت فيه روسيا لمساعدة النظام على النهوض مجددا، ومحاولة حمايته بكافة الأساليب والوسائل.
ونختتم دراستنا بعام ٢٠٢٢ نظرا لأنه العام الذى ستقدم فيه الدراسة، كذلك فإنه شهد تصاعد التدخل العسكري الروسي في اوكرانيا وما صاحبه من أزمات وضغوط علي روسيا بما طرح احتمالات مراجعة أدوراها في سوريا لذا أردنا أن نستخلص حال النظام السورى بعد تخلى روسيا عنه لإنشغالها بتلك الأزمة.
ثالثا تحديد المجال:
تمثل هذه الدراسة تقاطعاً بين مجالين من مجالات العلوم السياسية ، المجال الأول هو مجال العلاقات السياسية الدولية والسياسة الخارجية وهو الذي في إطاره سوف ندرس التدخل العسكري لدولة وهي روسيا في دولة أخرى وهي سوريا وأما المجال الثاني فهو حقل النظم السياسية والذي سوف نركز في إطاره علي الملامح الداخلية للنظام السوري واكتشاف ما إذا كانت سوريا دولة فاشلة أم ماذا، وسوف يتركز اهتمامنا في ظل وجود التدخل العسكري الروسي وتداعياته علي الدولة السورية وبهذا تكون الدراسة جامعة للعلاقة بين متغيرين من حقلين هما العلاقات السياسية الدولية وبين النظم السياسية.
أهداف الدراسة:
الكشف عن المحددات الداخلية والخارجية ضمن أبعاد السياسية الخارجية الروسية، مما يساعد على معرفة الملامح العامة لتلك السياسة في نهجها المعاصر.
تحديد مؤشرات فشل الدولة السورية قبل وبعد التدخل الروسي.
الكشف عن الأهداف الاستراتيجية الروسية تجاه سوريا وعن وسائل تنفيذ الاستراتيجية الروسية.
معرفة حدود الدور الروسي في سوريا وإدراك المصالح الروسية وطبيعتها في المنطقة السورية.
محاولة الاستشراف بالمستقبل الخاص بالدولة السورية ومدى فشلها بالتدخل الروسي أو الحد من ذلك الفشل.
أهمية الدراسة:
أولاً- الأهمية العلمية “النظرية”:
تتضح هذه الأهمية في إضفاء منظور جديد على الجانب النظري من خلال تناول هذا الموضوع، فهذه الدراسة تحتوى على متغيرين (الصراع السوري) و(التدخل الروسي في تلك الصراع وأبعاد السياسة الخارجية الروسية) فهذه الدراسة مرتبطة بحقلين هامين من حقول العلم السياسة وهما حقل العلاقات الدولية وحقل النظم السياسية، وبما أنها تحمل علاقة فعلية بين متغيرين، إذن ستتعدى مجرد الرصد والوصف.
كما تظهر الأهمية النظرية هنا في كونها دراسة غير مكتبية فقط فهي قابلة للاعتماد على الملاحظة للأحداث الجارية واستخدام المصادر الاولية كأسلوب للحوار خاصة في الجزء الخاص بالنتائج، كما يكون لهذا الموضوع أهمية نظرية هامة لأنه؛ يتمثل في قضية حياتية معاصرة وذات أهمية.
ولذلك الموضوع أهمية علمية نظراً لمحدودية الدراسات المرتبطة بجزء الاستشراف بالمستقبل علاوة على المتغير الخاص بفشل الدولة ومؤشراتها، وهي دراسة تحتوي على مؤشرات كمية عن فشل الدولة السورية، وتقدم طرحاً يبحث عن أسباب ودوافع التدخل الروسي والأبعاد المختلفة للسياسة الخارجية الروسية، فضلاً عن استناد تلك الدراسة لمفاهيم متعددة حيث مفهوم الاستراتيجية ومفهوم فشل الدولة ومؤشرات وأسباب ذلك الفشل، ومفهوم التدخل وغيرهما من مفاهيم مختلفة، كما أن إطارها المنهجي يهتم بالوصف والتحليل ورصد الأحداث التاريخية عبر الفترات الزمنية المختلفة، وبل ويتعدى مجرد الرصد والوصف لتلك الأحداث فهي تشمل التحليل بل والتنبؤ أيضاُ.
ثانيًا -الأهمية العملية “التطبيقية”:
تظهر الأهمية العملية لهذه الدراسة في أهمية القضية السورية ومحوريتها في المنطقة العربية والتي بدأت كأزمة بين كلا من نظام الأسد وبين القوى المعارضة والتنظيمات المتشددة وسرعان ما تحولت لصراع مسلح متعدد الجوانب وشارك فيه أطراف متعددة وهي قضية محورية نظرا لموقعها وتأثيرها على عدد كبير من الدول حيث أثرت على العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج وعلى القضايا الأمنية والغذائية للدول المجاورة وذلك في سياق ظهور قضايا اللاجئين والإرهاب، كما تظهر الأهمية العملية لهذا الموضوع في إطار أهمية قضية التدخل الخارجي في الأزمات والصراعات بشكل عام لأن هذا التدخل كان ظاهرا في الدول التي قامت بثورات الربيع العربي وكان عامل واضح في تسبب الأزمات، و تظهر الأهمية التطبيقية في ضوء التدخل الروسي وحضوره في قضايا متعددة بأنماط متنوعة ما بين النمط الصراعي حيث التدخل العسكري من خلال توجيه الضربات الجوية عند تدخلها، وما بين النمط التعاوني باستخدام القوة الناعمة لتعزيز حضورها ويظهر ذلك في تبريراتها بأنها تتدخل لحل الأزمات ومساعدة الأنظمة والقضاء على عناصر التطرف ، كما تظهر الأهمية في سياق التدخل الروسي في الدولة السورية بشكل خاص لأن هذا التدخل يظهر وكأنه استعمار هدفت منه روسيا لتحقيق دوافع مختلفة،والتي تنوعت ما بين دوافع سياسية وعسكرية حيث وجود قاعدة طرطوس التي تعد موضع تمركز لروسيا في الشرق الأوسط وأيضا بهدف مساندة ودعم نظام بشار الأسد وقتال الجماعات الإسلامية، بالإضافة للدوافع الاقتصادية التي تتمحور في اطار العلاقات التعاونية التجارية التي تجمع كلا من روسيا وسوريا علاوة على اعتبار سوريا سوق هام للبضائع الروسية وأيضا لرفع الدعم للرئيس بوتين داخليا بسبب العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليه بعد ضم روسيا لشبة جزيرة القرم في أوكرانيا مما أدى لتأثر العوائد الروسية من النفط فبالتالي رغبت روسيا في التوجه للطبقات الفقيرة ، كما أن التدخل الروسي في سوريا كان من خلال أدوات متنوعة ما بين الدبلوماسية واقتصادية من خلال حرصها على دعم اقتصاد سوريا، وسياسية عسكرية والتي ظهرت في ضوء قيام روسيا بتعزيز كبير لقواتها في سوريا ، و تظهر أهمية الدراسة التطبيقية في تداعيات وتأثيرات التدخل الروسي في سوريا ومنها الاستمرار في دعم نظام الأسد والقضاء علي المعارضة ولم تتأثر الجماعات الإرهابية كثيرا بالضربات الروسية، وأصبحت روسيا هي صانع القرار الرئيسي في سوريا، وأدى التدخل الروسي أيضا لظهور قضايا أخرى كقضايا الأكراد، كما تمكنت روسيا من تحقيق العديد من المكاسب لنفسها حيث زودت قواعدها واستعرضت قوتها في سوريا بل وحققت أيضا العديد من المكاسب لنظام الأسد فنجد أنها مكنته من الاستمرار في الحكم على خلاف باقية الأنظمة العربية ومن ناحية أخرى تسببت في اخفاقات فهي خلقت أزمة انسانية كبيرة في سوريا مما أدى لزيادة فشل الأخيرة بالإضافة لأزمة اللاجئين وأصبحت سوريا منهكة وتأثر نموها الاقتصادي وتدهورت أحوالها الأجتماعية وجعلت مسألة اعادة الاعمار السوري مجهولة بالنسبة للعالم .
الأدبيات السابقة:
سيتم تصنيف ومتابعة الأدبيات السابقة وفقاَ لمحاور وموضوعات الدراسة ومن خلال طريقة المتغيرات وسيتم تناول الأدبيات من خلال ثلاثة محاور أساسية:
المحور الأول: الدراسات التي تناولت الصراع السوري:
يتمثل هذا المحور في العديد من الأدبيات الخاصة فيما يحدث في سوريا ومؤشرات فشلها وأدبيات أخرى تناولت تأثير الأزمة علي الواقع الاقتصادي في سوريا، فضلاً عن دراسات تناولت الصراع في ظل تحول التوازنات الإقليمية والدولية، فوجدنا دراسة بعنوان “الدولة الفاشلة ( سوريا نموذجاً) لعارف أحميدي[1] ودراسة بعنوان الأزمة السورية في ظل تحول التوازنات الإقليمية والدولية 2011-2013، للباحثة سهام فتحي [2] ودراسة ثالثة بعنوان “تأثير الأزمة على الواقع الاقتصادي في سوريا”، للباحثة عفاف محمد [3] وتلك الأدبيات تناولت مؤشرات فشل الدولة السورية عام 2016 في ضوء ثلاثة أبعاد، اجتماعية: كالضغوط السكانية وقضايا اللاجئين، واقتصادية: كالتنمية الاقتصادية غير المتوازنة والفقر والتدهور الاقتصادي وسياسية: كتصدع النخب وشرعية السلطة، ووجود مؤشرات خاصة بكل بُعد مع تقييم وضع سوريا وفقا لمؤشرات الدولة الفاشلة و التوصل إلى أن سوريا أصبحت مجرد تعبير عن كيان جغرافي انعدم فيه الأمن وظهرت الميليشيات والجماعات المسلحة وارتفاع نسبة البطالة فيها إلى 55% ل 70%، علاوة على وجود 18 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، وكجدل ثاني في الدراسة الخاصة بمقارنة الوضع الاقتصادي السوري قبل وبعد الثورة وتأثير التدهورات الاقتصادية على المواطن السوري وكانت من نتائجها أن الوضع الاقتصادي السوري كان في وضع جيد قبل الثورة، حيث أنها كانت غنية بالموارد كالقمح والقطن والزيتون وكان يوجد 12٪ فقط من السكان يعيشون تحت خط الفقر لكن مع الثورة أصبح اقتصادها منهك بشكل كامل ووجدت مؤشرات تؤكد أن أكثر من نصف سكان سوريا فقراء وأكدت على وجود العمليات العسكرية ومحاصرتها للمدن وأوضحت أن سوريا أصبحت مركزاً للصراع والتدخل الإقليمي، وركزت الدراسات أيضاَ على تحليل الأزمة السورية وأسبابها، علاوة على تتبع الأدوار الإقليمية في الأزمة وتمثلت في الدور الإسرائيلي والتركي وأدوار دولية كالدور الأمريكي والروسي والأوروبي وتم الإشارة لمبادرات الحلول التي تم طرحها للأزمة، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي وتوصلت لعدد من النتائج أهمها التأكيد على أن تعدد الأدوار الإقليمية والدولية أدت إلى تشابك الأزمة وتعقدها، وذلك يعكس عوامل الضعف في النظام العربي وعجزه عن حل الأزمة وفشل المعارضة في توحيد وتنظيم صفوفها، وتم تقديم رؤى للوضع الاقتصادي بعد الأزمة متمثلة في عدة مراحل حيث مرحلة النقص في كل شيء والطلب على كل شيء ومرحلة تخطيط وبدء التنفيذ وبعدها تأتي مرحلة تأسيس بنية اقتصادية جديدة.
إذن فأدبيات هذا المحور اتفقت على وجود تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، علاوة على ذكر مؤشرات لذلك التدهور، فالجدل المشترك بينهما هو التأكيد على فشل سوريا وأن مع تدخل أطراف خارجية إقليمية ودولية لم تُحل الأزمة، بل ازداد تعقيدها، لكن الفجوة هنا كانت في ضعف تركيز الدراسات على توضيح الأحوال الاجتماعية بشكل مفسر في ظل وجود الأزمة بل وتعقيدها.
المحور الثاني دراسات تناولت التدخل الروسي:
في ضوء هذا المحور توجد عدة دراسات، حيث دراسة بعنوان” military intervention in Syrian Explaining Russian “، للباحثة كارنا بوجلاند [4]، ودراسة بعنوان الاستراتيجية الروسية تجاه سوريا 2011-2018، وهي رسالة ماجستير خاصة بالطالب أحمد مجباس [5]، وأدبية ثالثة بعنوان “حدود التدخل العسكري الروسي في سوريا وآفاقه” دراسة خاصة بوحدة تحليل السياسات في المركز العربي 2015 [6]
وحاولت تلك الدراسات الإجابة عن تساؤل رئيسي، وهو لماذا قامت روسيا بالتدخل العسكري في سوريا عام 2015 وما وسائل تلك التدخل؟ ووجدت محاولة للاستفادة من المساهمات النظرية الواقعية الهيكلية والتدخل العسكري لتظهر أهمية الدراسات في كونها تجمع بين عدة مستويات، مستوى ثنائي(علاقات روسية – سورية) ومستوى وطني (سوريا والتنظيمات الإسلامية المسلحة) وأخيراَ مستوى دولي يتعلق بنفور روسيا من القيود المفروضة عليها من النظام الدولي العالمي وتم تناول الأزمة السورية في ضوء الأسباب الإقليمية والدولية وأضحت تلك الدراسات الأهداف العسكرية والاقتصادية ووسائل لتنفيذ الاستراتيجية كالوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، واتضح أن الأهداف الاقتصادية ظهرت في ضوء العلاقات والمصالح بين روسيا وسوريا وأن تلك المصالح كان لها دور بالغ الأهمية في تعزيز الوجود الروسي والعسكري تركز حول أهمية قاعدة طرطوس التي تعتبر ميناء تعاون بحري بين الدولتين وأيضاَ نظراَ للمبيعات المسلحة التي تعد من أهم المصالح الحيوية بين الدولتين، أما بالنسبة لوسائل التدخل فالدبلوماسية تركزت في استخدام روسيا لنفوذها في مجلس الأمن كحق الفيتو، والاقتصادية تمثلت في وجود الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط والوسائل العسكرية كانت دعم روسيا لسوريا وتزويدها بالأسلحة في ظل وجود الأزمة، فهذه الدراسات أوضحت أن الاستراتيجية الروسية انطلقت في سوريا اعتماداَ على خدمة المصالح الروسية والخوف الروسي على قاعدة طرطوس، ورغبته في أن يكون لها دور في سوريا مستقبلاَ وأن روسيا استطاعت أن توظف قوتها العسكرية والاقتصادية في سوريا، كما تم التأكيد على أن روسيا تحتفظ بوجود عسكري في سوريا منذ القدم كما تحتفظ بمستشارين ومدربين في سوريا في مواقع وقطاعات عسكرية، بالإضافة إلى قيام موسكو بإرسال 6 دبابات حديثة لسوريا لتأمين الحماية لها وكجدل ثاني اتضح أن من دوافع التدخل، توفير روسيا غطاء دبلوماسي وسياسي لحماية النظام السوري من خلال الاستناد إلى دورها في مجلس الأمن، أما بالنسبة لتداعيات تلك الأدبيات ونتائجها، وُجد اتجاهين مختلفين الأول، يؤكد أن التدخل الروسي لن يصنع فروق كبيرة في موازين القوى التي كانت قائمة، وأن هدفها سيظل محصور في حماية النظام السوري كما أن المعارضة السورية تواجه مستجدات سياسية وعسكرية لا تصب في مصلحتها؛ لذا تحتاج لتوحيد جهودها، والثاني أوضح أن تدخل روسيا كان لمنع مد الجماعات الإسلامية واحتواء خطرها وتهديدها على المستوى الوطني للحفاظ على العلاقات بين موسكو ودمشق ولموازنة القوة الناعمة على المستوى الدولي ولرغبة روسيا في المشاركة في الجهود الدبلوماسية.
فالفجوة في هذا المحور ظهرت في ضوء التناقض في تلك الأدبيات – على الرغم من توافقهم في تحديد الأهداف والوسائل – حيث إحداهما تؤكد أن دافع التدخل الروسي كان بهدف حماية النظام السوري والأخرى تؤكد أنه للحد من الإرهاب، على الرغم من اتفاقهم حول الوسائل التي استخدمتها روسيا في تدخلها العسكري.
المحور الثالث يشمل تداعيات ونتائج التدخل الروسي في الصراع السوري:
في ضوء هذا المحور يمكن تناول ثلاث دراسات دراسة بعنوان” حصاد التدخل الروسي في سوريا بعد 5 سنوات للباحث شارلز ليستر”[7]، وتقرير يستعرض ” نتائج التدخل الروسي في سوريا لعام 2021” [8] والأدبية الثالثة بعنوان “The Kurdish Role in Russia’s Middle East Power Play“[9]، لماذا تصر الولايات المتحدة على دعم الأكراد في سوريا والعراق؟[10]
بداية، تم التأكيد على أن التدخل الروسي هاجم المعارضة السورية الرئيسية، وأن الجماعات الإرهابية لم تتأثر كثيرا وأصبحت روسيا صانع القرار الوسيط في سوريا، حيث عززت من علاقاتها مع إيران وتركيا وإسرائيل واتضح أن روسيا حققت مكاسب من التدخل على المدى القصير، لكن على الرغم من ذلك فإن النصر الاستراتيجي لا يزال بعيد عن الأفق، واتضح أن إدارة ترامب لم تتمكن من فعل شئ يذكر للرد بشكل هادف على التدخل الروسي وأنه من الصعب التنبؤ بهذه الديناميكية، إذن فتم التأكيد على أن التدخل الروسي أدى إلى المزيد من التحديات الغربية وقوض السياسة الخارجية الغربية، وكان من نتائج التدخل الروسي في سوريا على الصعيد الأمني، استمرار الضربات وشهدت أجواء البادية السورية خلال عام 2021 تحليقات متواصلة للطائرات الحربية الروسية بالإضافة لبعض الضربات الصاروخية التي استهدفت ميناء اللاذقية ونُسبت تلك الضربات إلى اليهود، كما تم استهداف مناطق النفوذ التركي كجزء من نتائج التدخل الروسي، وظهر أنه مع زيادة التغلغل الإيراني في سوريا أدى إلى مواصلة الجانب الروسي في تحركاته لمجابهة هذا التدخل وأدى ذلك إلى أن كلا من الجانبين الروسي والإيراني تنافسوا على الانفراد بصناعة القرار في سوريا، أي الانفراد بالنظام، بالإضافة إلى ظهور إغراءات مادية، فعمل الجانب الروسي على العزف علي الوتر المالي لإغراء المجندين لدى ميليشيات إيران، ومن هنا ظهرت قواعد جديدة، حيث تم تعزيز التواجد الروسي في سوريا وقامت القوات الروسية بإنشاء قواعد عسكرية على طريق حلب.
وتم استنتاج غياب النظام، حيث غابت الطائرات الحربية والقوة العسكرية لبشار الأسد وحلت محلها المقاتلات الروسية بقتل المدنيين من خلال غارات تسببت في مقتل 18 شخصا وإصابة 117 فرد معظمهم من المدنيين واستمرت المجازر وعمليات القتل ونزوح المواطنين ودمار منشآت الدولة.
وكجدل ثاني تم التأكيد على أن الشعب السوري مازال يعاني من ويلات التدخل الروسي وأن هذا التدخل أتخذ من الحرب على الإرهاب ذريعة له لمساعدة بشار الأسد للبقاء في الحكم وجاء ذلك على حساب المدنيين، وأكدت الدراسة أن هناك علاقة تاريخية قوية بين الأكراد وروسيا تعود إلى زمن بعيد حيث جعلت روسيا الأكراد تابعين لها من خلال الغزوات في القوقاز وقديما تم استخدامهم كوسيلة للضغط علي العثمانيين والفرس، كما استفادت روسيا من الأكراد وعززت من ونفوذها داخل تركيا وحلف الشمال الأطلنطي، ولكن روسيا تقوم بدعم الأكراد من أجل ابعادهم عن رعاية الولايات المتحدة لهم فقامت باشراكهم في القضية السورية حتي لا يتم استخدامهم كورقة ضغط ضدها من جانب الولايات المتحدة ومن أجل أن يسيطر بشار الأسد علي كافة أرجاء الدولة، ومن جهة أخرى قامت روسيا بتسليمهم إلى تركيا حيث أعطت لتركيا الضوء الأخضر بشن هجمات على أكراد سوريا والعراق من أجل ضمان موقف تركيا في القضية السورية ومن أجل أن تضمن بقاء الأكراد منقسمين دائما لتبعدهم عن الولايات المتحدة وهو الدافع الرئيسي لسياسات روسيا تجاه الأكراد.
كما أن لم يستفيد أكراد سوريا من علاقتهم مع موسكو بل علي العكس تماما حيث استغلتهم روسيا للحفاظ علي نظام بشار الأسد و تم قتل عدد كبير من الأكراد بسبب الهجمات العسكرية التي شنتها تركيا عليهم في عام 2017 وأوائل عام 2018 في عملية “غصن الزيتون” والتي كانت بموافقة موسكو، وعلي الرغم من أكراد سوريا يميلون إلى التعاون مع الولايات المتحدة من أجل الوقوف أمام تركيا، إلا أنها لم تجد أمامها سوى روسيا خاصة بعد أن أعلن الحليف الأمريكي السابق سحب قواته من سوريا.
على الصعيد الآخر، لم تقتصر علاقات الأكراد على الجانب الروسي، حيث توجد علاقات كردية أمريكية فظهر تأييد قوي من قبل واشنطن تجاه قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الشعب الكردية فتلك القوات حصلت على دعم عسكري ولوجستي من قبل البنتاجون، كما ظهرت مساعدات أمريكية عسكرية لوحدات الشعب الكردي حيث زودت وزارة الدفاع الأمريكية المقاتلين الأكراد في سوريا بعدد من المدرعات والأسلحة الثقيلة، وبعد فترات من الجفاء في العلاقات الكردية الأمريكية قررت واشنطن دعم الوحدات الكردية السورية وذلك بسبب تغير ملامح الخارطة العسكرية داخل سوريا لا سيما بعد نجاح تنظيم داعش في التمدد في العديد من المناطق السورية وكان دعم أمريكا للأكراد في سوريا بسبب رغبتها في ايجاد حلفاء جدد داخل سوريا لمحاربة تنظيم داعش خاصة بعد فشل المعارضة في القضاء عليه وأيضا خوفا من سيطرة “النصرة” – التي تراها واشنطن محسوبة على ضمن تنظيم داعش – على الأوضاع بسوريا، بل وعندما ظهر تساؤلات موجهة لباراك أوباما بكيفية تعامله مع تنظيمات إرهابية مع الإشارة للوحدات الكردية، جاء رده بأن الأكراد السوريين ليسوا مدرجين ضمن قوائم الإرهاب في أمريكا، ومن ثم لا حرج في التعامل معهم وفي دعمهم، كما أن قدرة أكراد سوريا على محاربة الجماعات الإرهابية لفتت أنظار القوى الدولية ومنهم الولايات المتحدة وهو ما جعلها تدعم أكراد سوريا سياسيا وعسكريا كما كانت الولايات المتحدة بحاجة للتحالفات معهم؛ لتوجيه ضربات ضد روسيا خاصة أن الأخيرة كانت تسعى لتقليص حجم حلفاء واشنطن، فدعم الولايات المتحدة للأكراد كان لتحقيق مصالحها السياسية والعسكرية، ولاشك أن الدعم الأمريكي للأكراد سيمنح القوات الكردية مزيدا من القوة وسيعزز موقفهم كما أنه يساعد على تحقيق هدفهم وهو الاستقلال في شمال سوريا، ومن جهة أخرى ترى تركيا أن الوحدات الكردية السورية ما هي إلا تنظيمات إسلامية فأعلنت تركيا مرارا وتكرارا أنها لن تقبل دعم أية فصيل كردي واتهمت تركيا الولايات المتحدة بازدواجية المعايير.
وفي ظل اتفاق تلك الدراسات على أن نتائج التدخل الروسي أثرت بالسلب على سوريا خاصة على المدنيين وحتى في حالة وجود روابط بين روسيا والأكراد، لكن تم الاتفاق على أن التدخل الروسي ذات جوانب سلبية، ومن هنا تظهر الفجوة في تجاهل تلك الأدبيات لمزايا التدخل الروسي حيث نجاحها في تحقيق بعض المكاسب لنظام بشار وساعدت على عدم سقوطه كباقي الأنظمة في ظل ثورات الربيع العربي.
الإطار النظري والمفاهيمي:
يتضمن هذا المبحث الأبعاد المرتبطة بالإطار النظري والمفاهيمي والذي يتضح فيه المفاهيم ذات الصلة بهذه الدراسة بداية من تعريف الأزمة أو النزاع المسلح الداخلي بتعريف كلاَ من الإستراتيجية ضمن أبعاد السياسة الخارجية ومفهوم الحرب الأهلية ومفهوم الدولة الفاشلة مع ذكر أسبابها ومؤشراتها وأخيراً يأتي مفهوم التدخل المرتبط بموقف روسيا تجاه سوريا مع التركيز في الإطار النظري على النظرية الواقعية والواقعية التقليدية المجددة لارتباطها بمفهوم فشل الدول، فعند تحليل الإطار النظري والمفاهيمي سيتم التركيز على بعدين الأول مرتبط بالتدخل والثاني مرتبط بحالة فشل الدولة.
أولاً-الإطار المفاهيمي:
مفهوم النزاع الداخلي:
يعرف مفهوم النزاع المسلح الداخلي بأنه النزاع الذي يكون أطرافه القوات الحكومية للدولة وقوات منظمة ولها قيادة مسيطرة في نفس الدولة أي أنها فئة مسلحة ولكنها معارضة للحكومات أو للنظام وهذا ما يحدث في سوريا، حيث وجود قوة معارضة للحكومة السورية، بالإضافة لأطراف ثالثة داخل الدولة، فالنزاع المسلح الداخلي يكون بين أكثر من طرف لكنهم من نفس الدولة ويتنافسوا بغرض السيطرة على الدولة أو جزء منها، وهذا يختلف بالطبع عن مفهوم النزاع المسلح الدولي والذي يكون أطرافه دولتين أو أكثر مما يؤدي لوقف العلاقات بينهم بسبب هذا النزاع، لكن من آثار النزاع المسلح الداخلي توقف الحياة اليومية بسبب هذه النزاعات مثلما يحدث بالفعل في سوريا وغيرها من الدول العربية ويكون لهذا النزاع الداخلي مراحل مختلفة فتبدأ بالتمرد ثم العصيان وصولاً لحالة الحرب الأهلية.[11]
الحرب الأهلية:
هذه الحرب عبارة عن نزاع مسلح غير دولي فهي تحمل بداخلها أفعالا مماثلة لتلك التي تقوم عليها الحرب لكنها واقعيا لا تعتبر حرب حقيقية لكنها نزاعات تبدأ بوجود حالة تمرد أو ثورة داخل دولة ووجود قوة معارضة للحكومات مروراً بوجود حالة من العصيان ووصولاً للحرب الأهلية، والتي تعرف بأنها صراع بدافع رغبة إحدى مجموعات الدولة في الانفصال لتكوين مجموعة مستقلة أو لتغيير سياسة الدولة أو الإستئثار بالحكم وغالباً ما يكون أحد أطراف تلك الحرب جيشاً نظامياً ويترتب عليها عدد من الإصابات وضياع الموارد وتدمير البنى التحتية مما يترتب على ذلك هجرات لمناطق أو لدول أخرى مثلما يحدث في العديد من الدول العربية وعلى رأسهم سوريا، فالحرب الأهلية لها تداعيات كثيرة على أمن الدولة واستقرارها سياسياَ ويترتب عليها تدخلات خارجية وهذا قد يؤدي لحروب إقليمية وقد يصل الأمر لصراعات دولية، فالحروب الأهلية تقع تحت مظلة الصراعات الثورية الداخلية وليست الصراعات الدولية.[12]
الصراع الدولي:
تعود بداية الصراع منذ النشأة الأولى للإنسان وهو مفهوم ذات مستويات وأبعاد مختلفة سواء مستوى أحادي أو جماعي أو بعد اقتصادي، سياسي، ثقافي…فالصراع من الحقائق الثابتة في الواقع ويعرف بأنه، حالة من عدم الارتياح الناتج عن عدم التوافق بين رغبتين فهو من الناحية السياسية أو البعد السياسي يعرف بأنه موقف تنافسي يظهر فيه عدم التوافق في المصالح بين أطرافه، إذن فهو مفهوم مرتبط بالرغبات والأهداف المرتبطة بكل طرف أو كل دولة وهذا التعريف متوافق مع المتغير الخاص بالأزمة أو النزاع السوري نظراً لأنه حالة من التعارض وعدم التوافق لكنه على المستوى الدولي.
أسباب الصراع الدولي:
صراع على الموارد الطبيعية.
وجود عرقيات وإثنيات مختلفة داخل الدولة.
ظهور التكنولوجيا وما يعرف بسباق التسلح بين الدول.
قد يكون صراعاَ على الحدود البرية والبحرية وغيرهما.
وللصراع الدولي مراحل ومستويات مختلفة كما أن له أساليب مختلفة لإدارته.[13]
مصطلح فشل الدولة:
فشل الدولة يعني، حالة من الإخفاق الوظيفي تعاني منه الدولة ويترتب على ذلك ضعف نظامها كدولة مؤسسات مثلا أو بالقيام بوظائفها بشكل جيد مما يجعلها فاقدة للتحكم في أراضيها، وينشر حالة من عدم الاستقرار الداخلي فيها مما يجعلها عاجزة عن تأمين حدودها وممارسة السلطة في الاستخدام المشروع للقوة وهذا بالطبع يؤثر على اتخاذ قرارتها.
مؤشرات فشل الدولة:
1-وجود حالة من الفوضى بداخلها .
2-انتشار الفساد في مجالاتها المختلفة .
3-عدم الاستقرار السياسي.
4-التضخم.
5-عدم الشفافية.
6-الصراعات الداخلية.
7-غياب الكفاءة والفعالية.
8-ضعف القيادة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات جيدة.
9-ضعف التشريعات والبرامج الخاصة أو المرتبطة بحقوق الإنسان.
10-انتشار الفقر وضعف البنية التحتية.
11-انخفاض معدلات النمو الاقتصادي والتأثير على البعد الاجتماعي مما يترتب عليه عدم الاستقرار السياسي.
أسباب فشل الدولة:
1-وجود نزاعات داخلية وحروب إثنية وعرقية.
2-وجود تعارض في الرغبات بين المجموعات المختلفة داخل الدولة.
3-اندلاع الثورات وظهور حالات التمرد والعصيان.
4-التغيرات الجذرية للنظام الحاكم.
5-وجود تدخلات خارجية وحالات الاستعمار الناتجة عن مؤتمر برلين وصلح وستفاليا والذي نتج عنهما تقسيمات للعديد من الدول العربية والإفريقية لوجود أسباب ودوافع سياسية وأيديولوجية واقتصادية لدى المستعمر ومن أهم الأسباب ظهور الثورة الصناعية مما يؤدي إلى خلق دوافع اقتصادية ويؤكد ذلك مقولة لينين “الرأسمالية أعلى مراحل الاستعمار” فذلك كله يؤدي لإخفاق الدول ويؤثر على كفاءة وفعالية قراراتها.[14]
6-الدولة الفاشلة هي الدولة التي تعاني من الصراعات بين المكونات العرقية والدينية والطائفية والثقافية فيها.
7-الدولة التي يحدث فيها حرب أهلية.
8-الدولة التي ينتشر فيها الإرهاب.
9-الدولة التي تعاني من ضعف المؤسسات، وضعف البنى التحتية أو عدم ملاءمتها، وانهيارالأنظمة الصحية، ارتفاع نسب وفيات الأطفال وانخفاض متوسط عمر الفرد.
10-الدولة التي تعاني من انخفاض مستويات الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وتزايد نسبة التضخم الاقتصادي.
11-الدولة التي تعاني من وجود مستويات عالية من الفساد المالي والإداري والسياسي.
12-وهي الدولة التي لا تستطيع السيطرة على كامل أراضيها والتي تتميز بانعدام المساواة الاقتصادية والمنافسة العنيفة في الموارد ويرتفع فيها معدلات العنف الإجرامي.[15]
ويترتب على ذلك تفكك اللحمة الاجتماعية وعدم القدرة على الحفاظ على المجتمع ومن ثم يتضح أن فشل الدولة لا يقتصر فقط على انهيار بنى الحكم، بل أيضاً انهيار البنية التحتية للمجتمع مع وجود عوامل ومؤثرات خارجية وفشل الدولة ليس مجرد ظاهرة وقتية قصيرة المدى لكنها على المدى الطويل ومن الممكن معالجة نتائجها.
مفهوم الإستراتيجية:
ترجع جذور هذا المصطلح إلى المجال العسكري، والذي تم نقله تدريجيا للمجال الأكاديمي والإداري، أي توسع هذا المفهوم ليشمل مجالات مختلفة؛ نظراً للتغيرات التي طرأت على النظام السياسي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وتم تعريف الإستراتيجية بأنها إدارة الحرب وفن القيادة العسكرية وفن إدارة وتوجيه المعارك والحملات الحربية واستخدام مختلف الوسائل العسكرية لتحقيق هدف السياسة، كما تعرف بأنها ميدان النشاط العلمي للقيادة السياسية والعسكرية بهدف تجهيز الدولة والقوات المسلحة للحرب وإستدامة الصراع المسلح، كما أنها تتأثر بمجموعة من المتغيرات الخارجية، حيث القيود المنبثقة من قيم وأهداف وسلوك الوحدات الدولية الأخرى وتتأثر استراتيجية أي دولة بترتيبها الهرمي؛ نظراً لقوتها؛ قياساَ للقوة الدولية الأخرى، فالدول الكبرى وعلى رأسهم روسيا ترغب في القيام بدورعالمي، لكن قدراتها تحصرها في مجال محدود من العلاقات الدولية وتوجد أنواع من الإستراتيجيات، حيث الإستراتيجية الصراعية، والصراعية التعاونية، التعاونية السلمية.[16]
والإستراتيجية تعني أيضاً، الحسابات الشاملة لصانع القرار للربط بين الموارد المحددة ووسائل القوى والإمكانيات المتاحة لتحقيق الأهداف، فهي تصور للخطوات الإجرائية اللازمة لكيفية نقل أهداف وأدوار السياسة الخارجية من حيز التصورات إلى حيز الأداء الفعلي، فهي مفهوم أكثر شمولاً ويركز على الأبعاد العسكرية والأمنية.
مفهوم التدخل الخارجي وموقف الأطراف الثالثة في الصراعات:
مفهوم التدخل:
يشير هذا المفهوم إلى تدخل دولة ما في سلوك دولة أخرى في محاولة لتغييره، كما أن اتخاذ دولة معينة لموقف ما تجاه أي صراع يتم وصفه بأنه تدخل، وقد تقوم هذه الدولة بالتأثير على شؤون دولة أخرى، ومن ثم فقد يصبح هذا التدخل مرادفاً للاستعمار والعدوان والإمبريالية.[17]
على الصعيد الآخر يمكننا تناول مفهوم التدخل من منظور التأثير الخارجي على الوضع الداخلي، وقد أصبح مفهوم التدخل الخارجي واسع المدى، حيث ينطوي على التبعية والتدخل الدولي، وقد تعددت الاتجاهات فيما يتعلق بهذا التعريف، فالبعض رأى أنه تبني الدولة موقف صراعي تجاه دولة أخرى، أي أنه سلوك تدخلي، في حين رأى البعض الآخر أنه تدخل قسري سواء داخلياً أو خارجياً وغيرها من الاراء المختلفة.[18]
ويعبر مفهوم التدخل الخارجي وموقف الأطراف الثالثة في الصراعات عن استطاعة وحدة دولية ثالثة أن تؤثر سلباً أو إيجاباً في نمط السياسة الخارجية للوحدتين الدوليتين تجاه بعضهما البعض وهذا يرتبط بتحليل القوى الكبرى على السياسة الخارجية للدول الأصغر والطرف الثالث قد يكون وحدة دولية واحدة أو وحدتين، والتدخل قد يوضح تأثير وحدة دولية كبرى على وحدة أصغر في نزاعها المسلح الداخلي كالتدخل الروسي في الصراع السوري لكن تدخل الطرف الثالث يعني وجود قوى خارجية ثالثة ومؤثرة في الصراع وتلعب الأطراف الثالثة هنا أدوار معينة قد تكون في صورة وساطة للتخفيف من التوتر أو صورة توجيه للسياسات ويعتمد هذا التأثير على العلاقة بين الأطراف المختلفة ونمط توزيع المقدرات بين الأطراف المحلية.[19]
ويعكس التدخل علاقات القوة بين الدول ويوضح أهم الفاعلين على الساحة الدولية ويكون بدافع أمني أو اقتصادي أو إنساني أو أيديولوجي أو لتحقيق المكانة الدولية، فالتدخل يعبر عن توجهات ومبررات ومفسرات السياسة الخارجية للدولة أي يعبر عن محدداتها، ولولا امتلاك الدولة للقوة ما استطاعت القيام بأي تدخل حتى لو اضطرت إلى أن تتعارض مصالحها مع مصالح الدول الأخرى.
ثانياً-الإطار النظري:
تحاول نظريات العلاقات الدولية تفسيرعمل النظام الدولي، فهي تعد بمثابة العدسات التي نرى من خلالها تفاعلات العلاقات الدولية وتساعد على فهم السياسة الخارجية، ومن إحدى نظريات العلاقات الدولية هي النظرية الواقعية والتي تركز بشكل عام على الجوانب الصراعية والتنافسية في النظام الدولي وبها العديد من الإتجاهات، حيث الواقعية الكلاسيكية والواقعية الجديدة التي تنقسم بدورها لواقعية دفاعية وواقعية هجومية، فضلاً عن الواقعية الكلاسيكية المجددة ( neo-classical realism ) والتي سوف يتم التركيز عليها في هذه الدراسة؛ لأنها تشمل محددات خارجية هيكلية مع محددات داخلية للسياسة الدولية، وهذا يتناسب فعلياَ مع ما سنحاول القيام به، حيث دراسة السياسة الخارجية الروسية تجاه الصراع السوري مع ذكر أبعاد تلك السياسة ومحدداتها الداخلية والخارجية مع التركيز أيضاَ على فشل الدولة السورية، والواقعية الكلاسيكية المجددة التي تجمع بين الكلاسيكية وبين الواقعية الجديدة، ومن أهم رواد هذه النظرية “فريد زكريا” و”جيدين روز” و”جاك سنايدر” وغيرهما، وترى تلك النظرية أنه ينبغي أن نأخذ في عين الإعتبار العوامل الداخلية ( النظام السياسي وعملية صنع القرار والقيم والثقافة ) مع التركيز على ظروف الدول عند تحليل دوافع سلوكياتها، وتؤكد على ألا ينبغي أن نقتصر فقط على المصلحة الوطنية والمتغيرات النظامية، حيث أن استحضار العوامل الداخلية يسمح لنا بفهم السلوك غير العقلاني للدولة فأحياناَ قد يصعب علينا تفسير ذلك السلوك، فهي تحاول شرح السياسات الخارجية من خلال الإشارة لكل المستويات الداخلية والمحلية والدولية، وتركز هذه النظرية بشكل خاص على مفهومي الأمن القومي والمصلحة الوطنية لتحديد سلوك الدول، كما أنها تركز على العوامل الداخلية بما فيها العوامل المعرفية للفرد داخل الدولة، ويرى منظريها أن السلوك الخارجي للدول يعتبر نتاجاَ للنظام الدولي علاوة على العوامل الداخلية، وتناولوا قضايا مختلفة تتمثل في دور السياسات المحلية في خلق الحروب وأن السياسة الخارجية للدولة محكومة بمكانتها في النظام الدولي وأن هناك تأثير غير مباشر للقوة على تلك السياسات، وأكدت تلك النظرية على أن السياسة الدولية عبارة عن صراع بين الدول من أجل الحصول على القوة ولتحقيق الأمن، وأن سبب هذا الصراع هو الفوضى الدولية وضغوطات النظام الدولي، وتؤكد الكلاسيكية المجددة أن المتغيرات المحلية تلعب دوراً هاماً في ربط المتغير المستقل (القوة النسبية ) بالمتغير التابع (نتائج السياسة الخارجية) فتهتم بتأثير القوة النسبية على السياسة الخارجية للدول، مؤكدة على أن إدراك القادة للقوة النسبية أمر هام؛ لأن خيارات السياسة الخارجية يتم اتخاذها من خلالهم وأن تصوراتهم وأفكارهم محرك رئيسي للسياسة الخارجية.[20]
فحاولت الكلاسيكية تخفيف الفصل بين البيئة الداخلية والخارجية وأعادت النظر في مستويات تحليل وتفسير سلوك السياسة الخارجية وأعطت أهمية لكلاً من المحددات الداخلية والخارجية.[21]
ويمكن دراسة السياسة الخارجية الروسية من خلال رؤى الواقعية؛ نظراً لأن سياسة روسيا الخارجية ظاهرة معقدة في العلاقات الدولية والتي مازالت مستمرة حتى الآن، علاوة على وضع روسيا باعتبارها دولة كبرى تمتلك قدرات اقتصادية وعسكرية، فيمكن دراسة ذلك كله من خلال أطروحات الواقعية الكلاسيكية المجددة بشكل خاص فركزت الأخيرة كما سبق التأكيد على مستوى الدولة، والكلاسيكيون الجدد أكدوا على ضرورة فصل المستويات الدولية والمحلية، ووفقاً لما تم طرحه عن الواقعية الكلاسيكية المجددة يتم التأكيد على أنها تعتبر أداة جيدة لتحليل سياسة روسيا الخارجية، فهذه السياسة تحتوي على ما يسمي “بلعبة جماعات المصالح ودور اللوبي العسكري” وهذا يؤكد على أنه من الصعب التعامل مع تلك السياسة دون الإشارة للمحددات الداخلية، فالواقعية الكلاسيكية المجددة تساعد على فهم الأدوار المختلقة التي تلعبها روسيا في النظام الدولي مع أخذ مصالحها في الإعتبار، كما أن روسيا تواجه العولمة ولا ترغب في التكامل الاقتصادي الدولي فهي تخشى تعميق التعاون الدولي خاصة فيما يتعلق بالأمور السياسة والاقتصادية، لذا تكون الواقعية الكلاسيكية المجددة منهجاً للاهتمام بسياسة روسيا لأنها تقترح التركيز على محددات سياسية داخلية وخارجية للسياسة الخارجية الروسية بما في ذلك خصوصية النظام الروسي.[22]
فتعتبر الواقعية الكلاسيكية الجديدة منهجاً مفيداً في هذه الدراسة، فهي نظرية لتحليل السياسات الخارجية أكثر من كونها نظرية عامة للسياسة الخارجية وتساعد على تحليل قدرات ومحددات السياسة الخارجية أكثر من فهم طبيعة النظام الدولي وتفاعلاته.
منهج الدراسة:
المنهج الوصفي:
يتم استخدامه لوصف الأحداث وتحليلها، حيث يساعد على وصف السمات العامة للسياسة الخارجية الروسية ووصف محدداتها المختلفة ضمن أبعاد تلك السياسة وتحليل الأهداف الإستراتيجية الروسية تجاه سوريا وتحليل الوسائل أيضاً المستخدمة لتنفيذ الاستراتيجية الروسية تجاه الصراع السوري، فهو يصف الأحداث المرتبطة بموضوع الدراسة والتطورات الراهنة ويرصد الظاهرة كما هي موجودة في الواقع مع التعرف على كافة أسبابها وعواملها وجوانبها المختلفة؛ من أجل الوصول لنتائج فيرصد المشكلات من كافة جوانبها ويقوم بالبحث عن المعلومات والبيانات بشكل دقيق ويوضح خصائص الظاهرة والحكم عليها عن طريق إعطائها وصف بشكل رقمي ويحتوي هذا المنهج على مناهج فرعية مثل منهج المسح الاجتماعي ومنهج دراسة الحالة، فالوصف والتحليل هما الأساس في توضيح هذه الفكرة، ويساهم هذا المنهج في اتخاذ قرارات صحيحة ومتعلقة بالدراسة من خلال تقديمه للتفسيرات الخاصة بها وصياغة الآراء والتصورات المستقبلية لمواجهة بعض الظواهر الخطيرة ويقدم وصف كمي وكيفي متمثل في السلوك الخارجي للظواهر ويهتم بما هو موجود وواضح للعيان ويساعد في إجراء مقارنات بين طبيعة الظاهرة.[23]
تقسيم الدراسة:
الفصل الأول: المحددات الداخلية والخارجية ضمن أبعاد السياسة الخارجية الروسية.
المبحث الأول/ المحددات السياسية.
المبحث الثاني/ المحددات الاقتصادية.
المبحث الثالث/ المحددات العسكرية.
الفصل الثاني: الأهداف الإستراتيجية الروسية تجاه سوريا.
المبحث الأول/ الأهداف العسكرية.
المبحث الثاني / الأهداف السياسية.
المبحث الثالث/ الأهداف الاقتصادية.
المبحث الرابع/ الأهداف الجيوستراتيجية.
الفصل الثالث: وسائل تنفيذ الإستراتيجية الروسية تجاه الصراع السوري.
المبحث الأول/ الوسائل الدبلوماسية.
المبحث الثاني/ الوسائل الاقتصادية.
المبحث الثالث/ الوسائل العسكرية.
الفصل الرابع: فشل الدولة السورية والروسية قبل وبعد التدخل الروسي.
المبحث الأول/ مؤشرات فشل الدولة السورية.
المبحث الثاني/ كيف أثر التدخل الروسي على مشكلة الأكراد في سوريا.
المبحث الثالث / كيف أثر التدخل الروسي على الحروب الأهلية والإرهاب.
الفصل الخامس: سيناريوهات تأثير التدخل الروسي على فشل الدولة السورية.
المبحث الاول/ سيناريوهات تأثير روسيا في زيادة فشل الدولة السورية.
المبحث الثاني/ سيناريوهات تأثير روسيا في تقليل فشل الدولة السورية.
الفصل السادس:
الخاتمة والنتائج.
الفصل الأول/ المحددات الداخلية والخارجية للسياسة الخارجية الروسية:
في البداية يمكننا التعريف بماهية المحددات السياسة الخارجية، والتي هي عبارة عن مجموعة من العوامل المختلفة التي توجه وتشكل السياسة الخارجية للدولة، وتنقسم هذه المحددات إلى محددات داخلية وخارجية.
أولاً/ المحددات الداخلية: هي مجموعة من العوامل التي توجد داخل إطار الدولة وترتبط ببنيتها الهيكلية ومن خلال هذه المحددات تستطيع الدولة أن تحدد أهدافها الخارجية.
ثانياً/ المحددات الخارجية: يندرج تحت هذه المحددات وجود نسق دولي أو إقليمي يُشكل بنية النظام الدولي، فوجود نوعاً من الخطر الذي يهدد الأمن القومي لدولة ما يدفعها إلى اتخاذ قرارات قد تختلف عن توجهاتها العامة ومبادئها التي تسير عليها. [24]
أولاً/ المحددات الداخلية الروسية: تتمثل في وجود مجموعة من المقومات التي لا تتوافر لدى كافة الدول، وباعتبار روسيا مُرشحة للصعود على الساحة الدولية من جديد، فإنها تمتلك من المقومات ما يساعدها على ذلك سواء سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً.
1-المحددات السياسية:
كان وصول “فلاديمير بوتين” لسدة الحكم في روسيا بمثابة نقطة التحول الكبرى التي ساعدتها على الخروج من بوتقة الصراعات والنزاعات التي دارت بينها وبين أمريكا، وإعادة مجد روسيا من جديد على الساحة الدولية، فمنذ وصوله إلى الحكم عمل على إصلاحها والنهوض بها عن طريق تحقيق الاستقرار داخل الدولة والقضاء على أية انقسامات داخلية، وجعل من السياسة الخارجية منبراً لخدمة الأهداف الداخلية في الدولة، أيضاً عمل “بوتين” على تقوية العلاقات مع الدول العربية؛ لأن ذلك سوف يؤدي إلى توسيع دائرة التعاون في شتى المجالات وخدمة أهداف السياسة الخارجية المختلفة، فوجود تمويل مالي عربي وتكنولوجيا روسية حديثة يساعد على الوصول إلى أفضل النتائج. [25]
ويوجد بعض المحددات التي تساعد على رسم السياسة الخارجية لروسيا منها:
أ-صنع القرار:
كان بوتين يحتل قمة الهرم في صنع القرار الروسي؛ نظراً لاتباعه نظام السلطة الرأسية، ولكن ذلك لا يعني أنه كان يحتكر عملية صنع القرار، بل كان للنخبة القدرة على التأثير عليه، وقد أعطي الدستور للرئيس الروسي سلطات واسعة مكنته من لعب دوراً مركزياً ساعده على وضع استراتيجية كاملة لدولته تجاه العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص.
الشكل (1) يوضح تأثير صانعي القرار في السياسة الخارجية الروسية.
ب-المؤسسات الرسمية: القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس الروسي وبالتأكيد تلعب وزارة الشؤون الخارجية للاتحاد الروسي دوراً محورياً في تنفيذ السياسة الخارجية وتقديم المقترحات إلى بوتين، كما أن هناك منظمات غير حكومية أنشأتها وزارة الخارجية؛ لكي تكون بمثابة أداة وذراع طويلة لروسيا في الخارج مثل جمعية “غورباتشوف” التي أنشئت عام 2011.
ج-المؤسسات غير الرسمية:
تلعب النخبة السياسية دوراً هاماً في رسم معالم السياسة الروسية، ونجد أن البعض من هذه النخبة رأى ضرورة الحفاظ على المحيط الجغرافي لروسيا من الدول الغربية، والبعض الآخر رأى وجوب الانحياز للدول الغربية من أجل حدوث طفرة اقتصادية. [26]
د-طبيعة النظام السياسي الروسي:
نظر بوتين للأمة الروسية على أنها أمة مُقسمة ويوجد بينها حدود فاصلة، في حين نظر الكرملين لهذا النظام السياسي على أنه ديمقراطي ذات سيادة، ولكن في حقيقة الأمر اتسمت طبيعة النظام السياسي بما يعرف “بالبوتينية”، والتي تعني أن الدولة مختلطة تتبع أسلوب الحداثة ولكن بطرق استبدادية، وتم الاعتماد على هذا التعريف لتوضيح مدى مركزية بوتين وتطبيع النظام الروسي بالشخصانية البوتينية منذ أن تولى السلطة في عام 2000، إذن يمكن القول بأن البوتينية ما هي إلا حصيلة عملية فاشلة للتحول الديمقراطي في روسيا. [27]
2-المحددات الاقتصادية:
منذ تولي الرئيس “فلاديمير بوتين” السلطة في روسيا استطاع مطاردة كافة رؤوس الفساد السياسي والمالي والاقتصادي الذين نهبوا ثروات الدولة، فخرجت روسيا من بوتقة التراجع الاقتصادي والركود منذ عام 1999، لتصبح في مقدمة منتجي البترول في العالم، حيث احتلت المرتبة الأولى لإنتاجها 8.99% مليون برميل بشكل يومي، أيضاً من ضمن المطاردات التي قام بها بوتين هي القبض على “ميخائيل خودوركوفسكي” المدير العام لشركة “إيوكس” الروسية وهو من أهم أثرياء الدولة، ومن هنا كانت نقطة الانطلاق الرئيسية لبسط سيطرة روسيا على الأقاليم والجمهوريات الروسية.
وساعدت السياسات التي اتبعها بوتين على النهوض بمستوى الطاقة عن طريق سيطرة الحكومة على كبرى شركات الطاقة وأنابيب نقل النفط وتصديره للخارج، وذلك أدى إلى تحسين الوضع الاقتصادي لروسيا، بل وإضافتها ضمن أجندة أكبر عشر اقتصاديات في العالم، وذلك كان شأنه انخفاض معدلات البطالة والتي شهدتها روسيا على مدار سنوات عديدة، ففي عام 1999 كانت نسبة البطالة 13%، ثم بحلول عام 2007 وصلت إلى 11%، وفي نهاية 2013 بلغت 8.28%، أيضاً تراجعت معدلات الفقر، حيث وصلت عام 1999 إلى 40%، ثم استمرت في التراجع حتى وصلت إلى 10.2% عام 2013.
ومما سبق يتضح أن التحسن الاقتصادي قد أثر على كافة مناحي الحياة في روسيا، سواء فيما يتعلق بمستويات المعيشة التي باتت تتحسن تدريجياً وانخفضت معدلات التضخم، وتمكنت الدولة الروسية من سداد كافة ديون الاتحاد السوفيتي، والجدير بالذكر أن هذه التغيرات كان من شأنها إحداث نقلة في المؤسسات العسكرية. [28]
يُذكر أن تمتع روسيا بالعديد من المواد الخام النادرة والقيّمة وامتلاكها ثروة طائلة من النفط والغاز الطبيعي جعلها محط أنظار العالم، ومن ثم فتح المجال أمام كافة أشكال الاستثمارات سواء على المستوى المحلي أو الأجنبي، كما أن الميزان التجاري لها أصبح في تحسن وانتعاش، فأصبحت روسيا من أهم الدول التجارية الكبرى في العالم، واحتلت المرتبة الأولى في نمو الصادرات عام 2011. [29]
كل هذه العوامل ساهمت في تشكيل السياسة الخارجية لروسيا، وجعلتها تستعيد مكانتها على الساحة الدولية من جديد، خاصة وأنها من أكبر الدول المصدرة للسلاح في العالم.
مؤشرات النمو الاقتصادي الروسي:
شهد الاقتصاد الروسي انتعاشاً ملحوظاً في عهد بوتين، وذلك بغض النظر عن تراجع أسعار النفط في عام 2014- 2016، وحدوث جائحة كورونا التي ضربت اقتصاديات العالم، وذلك كان له مردود على الناتج المحلي الإجمالي في روسيا، ولكن نجد أن لحظات الركود التي شهدتها لم تكن كبيرة مقارنة بما حدث في الاتحاد الأوروبي ودول منظمة التعاون والتنمية، ونجد أن روسيا شهدت ارتفاعاً في معدلات التضخم ناجمة عن ارتفاع أسعار المستهلكين، وذلك أحدث صدمة للبنك المركزي الروسي خاصة في فترة انخفاض أسعار النفط، والتي شهدت انخفاض قيمة الروبل الروسي مقارنة بالدولار الأمريكي.[30]
الشكل (2) يوضح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2000-2020 الشكل (3) يوضح إجمالي الناتج المحلي.
الشكل (4) يوضح معدلات التضخم.
3-المحددات العسكرية:(امتلاك القدرات العسكرية المؤهلة للتدخل وتناميها)
يعد العامل العسكري من أهم العوامل المؤثرة على السياسة الخارجية لروسيا، فنجد أن روسيا اشتهرت بأنها سوقاً لبيع الأسلحة لمختلف الدول وبصفة خاصة الدول العربية؛ لأنها أكثر الدول استخداما للسلاح الروسي، أيضاً رغبة هذه الدول في تقليل التبعية لأمريكا، وذلك عن طريق تقليل الاعتماد الكلى على السلاح الأمريكي حتى لا تؤثر على درجة استقلاليتها ونموها الاقتصادي وبذلك أصبحت المنطقة العربية بمثابة سوق لبيع السلاح الروسي، هذا بالإضافة إلى أن هذه الدول تتميز بارتفاع الكثافة السكانية، الأمر الذي من شأنه خلق نعرات وتعددية إثنية وطائفية تكون أرضا ً خصبة لنشوء الجماعات الإرهابية فتحتاج إلى وجود المزيد من الأسلحة للسيطرة على الأوضاع حال وجود أية مشكلات، وذلك كان من ضمن الأهداف المعلنة لروسيا، أما في حقيقة الأمر يوجد أهداف خفية ممثلة في نزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة العربية، وقد اتجهت روسيا نحو سوريا لكي تحقق أهدافها وتستفيد منها عسكرياً حتى وإن كانت تُظهر أنها تقدم مساعدات للدولة السورية، إلا أن العواقب وخيمة ومؤثرة على استقلالية واستقرار سوريا إذا ما قورنت بالمساعدات المقدمة من قبل روسيا. [31]
و نجد أن روسيا اتخذت الإرهاب ومحاربة داعش ذريعة للتدخل العسكري في سوريا بحجة أنها تقدم الدعم الجوي للقوات المسلحة السورية وكانت تريد إضفاء الشرعية الدولية على ما تقوم به تحت مسمى محاربة داعش، وكان تدخل روسيا في سوريا هدفه تشويه صورة الحكومات الأوروبية والأمريكية، وأنها المسؤولة عن إراقة الدماء وروسيا هي التي تسعى لمحاربة الإرهاب وداعش، تلك الحيلة التي هدفت إلى تغيير النظرة الغربية تجاه سوريا وتجاه روسيا بالأخص، والتي كانت غائبة عن الساحة بعد ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014.
ومن مظاهر انتشار وتنامي السلاح الروسي المنطقة العربية قامت موسكو بتوقيع صفقة أسلحة بقيمة 7.5 مليار دولار مع الجزائر في عام 2006، وتعتمد الجزائر بشكل أساسي على الأسلحة الروسية، وقد أعطت هذه الصفقة دفعة ملحوظة لصادرات الأسلحة الروسية، أيضاً قامت إيران بالتوقيع على عدة عقود بقيمة 5.1 مليار دولار، وبموجبها تتلقي طهران كميات كبيرة من الأسلحة خلال الفترة من 1989- 1991 وقد حظيت روسيا بسمعة دولية؛ نظراَ لكونها مورد موثوق للأسلحة فأصبح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة من أكبر المتلقين للأسلحة الروسية، وذلك كان من ضمن العوامل التي ساعدت على نجاح الحملة العسكرية في سوريا، فعندما تدخلت في الصراع السوري قامت باختبار ما يقرب من 300 نوع من الأسلحة والمعدات العسكرية، وقد أوضحت هذه التجارب أن هناك قصوراً في أنظمة بعض الأسلحة، وذلك كان بمثابة جرس إنذار للمهندسين الروس لإجراء بعض التحسينات على هذه الأسلحة، على الصعيد الآخر زاد اهتمام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بأنظمة الدفاع الجوي الروسي ليس ذلك فقط بل، قامت الإمارات بتوقيع اتفاقية لشراء وتمويل جزئي لجهود البحث والتطوير الروسية، وتمكنت روسيا من توسيع دائرة علاقاتها العسكرية وصفقات الأسلحة مع دول عديدة، كالبحرين وقطر وتركيا، بالرغم من كافة التوترات التي حدثت بين الأخيرة وروسيا.
ومن هنا نجد أن روسيا تمكنت من توطيد قدميها على الساحة الدولية من جديد واستطاعت أن تجعل لها صيت وسمعة دولية من خلال صفقات الأسلحة التي اشتهرت بها، إذن فالعامل العسكري لعب دوراً جوهرياً في رسم معالم السياسة الخارجية الروسية. [32]
المحددات الخارجية:
تنقسم المحددات الخارجية إلى محددات إقليمية ومحددات دولية:
أولاً: المحددات الإقليمية:
تحاول روسيا الحصول على مكان دولية وإقليمية كبيرة والتكافؤ مع الدول الغربية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها تسعى لكي تكون قوة عظمى مثل الولايات المتحدة، فكانت تعترض على قراراتها في مجلس الأمن الدولي ضد النظام السوري؛ لأنها كانت ترى أن الرئيس “بشار الأسد” هو الحليف الوحيد الذي يمكن أن تثق به روسيا، فضلاً عن أنها آخر دولة في الشرق الأوسط يوجد بها قواعد عسكرية روسية، وتدخلت روسيا في الأزمة السورية من خلال الضربات الجوية، فكانت تسعى إلى إثبات أن سوريا لا يمكنها اتخاذ أية قرارات دون الرجوع لموسكو، ونجد أن روسيا كانت تتدخل عسكرياً في سوريا للحفاظ على نظام الأسد من السقوط؛ لأنه كان حليفها الموثوق وكان هذا التدخل يهدف إلى جعل روسيا متكافئة مع أمريكا، كما أن تعزيز نظام الأسد كان ضرورياً بالنسبة لروسيا؛ لأنه يساعد على محاربة الإرهاب وزيادة نفوذ روسيا مقارنة بالغرب، بالإضافة إلى تعزيز وترسيخ دورها الإقليمي والجغرافي. [33]
ويمكن بلورة هذه المحددات في أربعة عناصر:
1-غزو أمريكا لأفغانستان عام 2001:
أدت أحداث 11 سبتمبر 2001 والممثلة في استهداف برجي التجارة العالمي في أمريكا إلى إحداث تحولات في النظام الدولي وظهور ما يسمى بالإرهاب الذي أصبح مشكلة دولية تهدد أمن واستقرار الدول؛ لذا اتخذت الإدارة الأمريكية منحى محاربة الإرهاب وانضمت إليها معظم الدول كان من ضمنها روسيا والتي فتحت المجال الجوي لها أمام الغارات الجوية فأصبح الإرهاب مشكلة مشتركة يجب التصدي لها وهذا جعل المجتمع الدولي ينظر إلى حروبها ضد الانفصاليين في الشيشان على أنهم مصدر تهديد لروسيا وتبرير التدخل العسكري فيها على أنه مجال لمكافحة الإرهاب.
2–الاحتلال الأمريكي عام للعراق 2003:
أدى الغزو الأمريكي للعراق وتصارع القوى الكبرى على تحقيق نفوذ دولي ولعب دوراً محورياً في المنطقة العربية إلى قيام روسيا بالتطلع نحو بسط نفوذها ومواكبة القوى الكبرى، فتوجهت نحو المنطقة العربية، وتدخلت بأدواتها السياسية والعسكرية والأمنية، وكانت تبني قواعد وتؤسس لنفسها مكانة مستقبلية بين الدول العربية.
3–ثورات الربيع العربي:
أثرت التحولات السياسية والثورات التي شاهدتها المنطقة العربية، سواء في تونس أو الجزائر أو مصر أو سوريا على تشكيل التوجهات الروسية تجاه المنطقة العربية، واختلاف السياسة الروسية من دولة إلى أخرى و فقاً لمصالحها الاستراتيجية.
4–العلاقات بين روسيا وإيران:
تتضح نقطة الانطلاق الأساسية في هذا المحور من كون الرؤية المشتركة بين روسيا وإيران في مجال مكافحة الإرهاب والذي يسعى الدولتين من أجل التصدي له ولحركات الإسلام المتطرفة، كما أنه يوجد مصالح اقتصادية مشتركة بينهما فيما يتعلق بالنفط وهم من أكبر الدول المصدرة له، أيضاً قيام إيران بدعم النظام السوري ماديا وعسكرياً ووجود نوع من الرؤى المشتركة بين روسيا وإيران والتي تظهر في رفض الهيمنة الأمريكية والسعي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.
ثانياَ-المحددات الدولية:
بعد تولي الرئيس “فلاديمير بوتين” السلطة في روسيا استطاع أن يوطد مكانتها إقليمياً ودولياً فعمل على إعادة البناء الداخلي ومحاربة نظام القطبية الواحدة التي تنفرد به الولايات المتحدة الأمريكية والمطالبة بإنشاء نظام متعدد القطبية، وبالنظر إلى توجهات السياسة الخارجية الروسية تجاه المنطقة العربية نجد أن هناك مجموعة من العوامل الدولية التي أدت إلى ذلك:
1-محاربة روسيا للولايات المتحدة والعمل على تقليل نفوذها كقوى عظمى منفردة بزعامة العالم ومطالبتها بإعادة تشكيل ميزان القوى العالمي، ونجد أن روسيا اتبعت سياسة الشغب والمعارضة في الحرب الأمريكية على العراق وسعت نحو إفشال محاولات أمريكا للانفراد بالعالم، ونجد أن المنطقة العربية أصبحت محط تجاذب للقوتين العظميين روسيا والولايات المتحدة، فأصبحت ساحة للصراع والتنافس بينهما.
2–الصعود الصيني:
أصبحت الصين فاعل دولي أساسي بعد صعودها على الساحة الدولية بفضل براعتها وتقدمها العسكري وتطويرها لبرامج التسليح ووجود أنواع جديدة من الأسلحة، فضلاً عن تقدمها الاقتصادي فبدأت تطفو على قمة الهرم الدولي، مما أثار حفيظة وقلق روسيا ودفعها إلى زيادة نشاطها العسكري في المنطقة خوفاَ من أن تتراجع مكانتها الدولية التي سعت إلى استعادتها مرة أخرى، فتتمكن الصين من إزاحتها وأخذ مكانها على الساحة الدولية وقد عملت روسيا على البحث عن نقاط ضعف الإستراتيجية الصينية وعدم وجود قواعد سياسية ودبلوماسية لها تساعدها على لعب دور في الشرق الأوسط أو محاولتها لتسوية أي صراع، إذن ترى روسيا أن الصين نجحت إلى حد ما في بناء نفوذ عسكري، إلا أنها تحتاج مزيد من الوقت لكي تؤسس ثقل و نفوذ سياسي ودبلوماسي.
4–لعب روسيا دور الوسيط في الشرق الأوسط:
تسعى روسيا إلى توطيد وتوثيق العلاقات مع الدول العربية واجتذاب هذه الدول في صفها، فتقوم بدعم إيران ودمشق مع مراعاة ألا يثير ذلك قلق باقي الدول العربية، أيضاً نجد أن العلاقات بين موسكو وطهران تثير قلق الولايات المتحدة وتحقق مكاسب اقتصادية عديدة. [34]
الفصل الثاني: الأهداف الإستراتيجية الروسية في سوريا:
من المتعارف عليه فى العلاقات الدولية أن الدولة تسعى أولاَ وقبل كل شئ إلى حماية مصالحها وتنميتها على حساب الأطراف الأخرى، وهو ما برز بشدة مؤخراَ فى محاولة الدول التدخل عسكرياَ منتهكة سيادة دولة أخرى تحت مسمى الأمن الإنسانى، لذا فإن التحرك الروسي تجاه سوريا ليس مجرد تحرك إنساني لمساعدة الشعب السوري بقدر ما له من حسابات براغماتية ومصالح ميزت توجهات الإستراتيجية الروسية الجديدة في علاقاتها الدولية، لذا فإننا نسعى من خلال هذا الفصل إلى إبراز أهم أهداف الإستراتيجية الروسية تجاه الأزمة السورية.
المبحث الأول: الأهداف العسكرية:
في مواجهة الضجة الكبيرة التي رافقت التدخل العسكري الروسى الأخير في سوريا، عادت موسكو لاستخدام خطاب “حماية الدولة” في مواجهة الإرهاب والمجموعات الجهادية المدعومة من الغرب، فضلاَ عن حماية الأقليات الدينية. وقد دافع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في خطابه الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن دور بلاده العسكري في سوريا بإعتباره التزاماَ بمحاربة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية الذي جرى اختلاقه منذ البداية كأداة ضد الأنظمة العلمانية غير المرغوب فيها وهو اليوم يسعى للهيمنة على العالم الإسلامي، وبعد مرور يومين على إعلان خطاب بوتين، نفذت روسيا أولى ضرباتها الجوية في سوريا، وقد أشادت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بها واصفة المهمة العسكرية بأنها “معركة مقدسة”، كما أشارت إلى معاناة المسيحيين في المنطقة.
وأكدت موسكو عدم تمسكها بالرئيس السوري بشار الأسد، وبررت تحركاتها العسكرية الجديدة بمحاولة تفادي كارثة شاملة في سوريا وهو الإرهاب، لكن لموسكو مصلحة راسخة في إبقاء بشار الأسد في السلطة وفي تأسيس تواجد عسكري أولي يؤمّن لها موطئ قدم في سوريا لإنقاذ النظام حال تعرضه إلى خطر الانهيار.
ونجد من خلال ما سبق أن ذلك كان من ضمن الأهداف الروسية المعلنة للتدخل فى سوريا، ولكن فى واقع الأمر يبدو أن للتواجد العسكري الروسي في سوريا أهدافاً طويلة الأمد مرتبطة بانتهاج موسكو لعقيدة عسكرية توسعية. إذ تأتي الضربات الجوية بعد التعديلات التي أدخلتها موسكو على عقيدتها العسكرية المتحفظة التي سادت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والذي كان من تداعياته تقليص ميزانية الدفاع الروسية من 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى حدود 4.5 في المئة والتى بدورها أضعفت من الدور الروسى تماماً وأصبح غير قادر على لعب أى دور فى الساحة الدولية، ولكن الرئيس الروسي بوتين قدم إصلاحات واسعة النطاق لتعزيز قدرات الجيش الروسي من ضمنها مشروع تحديث الجيش والأسلحة وزيادة العتاد الحربي والذي تبلغ تكلفته نحو 283 مليار دولار، كما عدّلت روسيا العقيدة العسكرية لسلاح البحرية، وباتت تضع مواجهة تمدّد الحلف الأطلسي كأولوية، وهو ما يدفعها إلى الحفاظ على وجود دائم لأساطيلها في المحيط الأطلسي والبحر المتوسط حيث تشكل مدينتي طرطوس واللاذقية السوريتين المنفذ الوحيد لها، وبذلك يبدو التوسع العسكري في سوريا في سياق توسع أكبر لروسيا يشمل تأسيس قواعد عسكرية في عدة بلدان منها فيتنام وكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وجزر سيشيل وسنغافورا وبيلاروسيا.
ويمكننا توضيح تلك الأهداف الروسية الحقيقة بشئ من التفصيل فيما يلى:
1-قاعدة طرطوس: تعد القاعدة البحرية طرطوس موضع تمركز روسيا الوحيد في الشرق الأوسط، حيث تسعى بإستخدمها إلى استعادة المكانة والسيطرة البحرية الروسية في البحر خاصة وأن لديها بعض السفن المنتشرة في البحار المفتوحة، والسفن البحرية العملاقة والتى تسعى لاستيعابها فى ميناء طرطوس واحتمالية تزويده بصورايخ S300 وكان يعد التحرك الأول من نوعه في زرع قاعدة عسكرية روسية خارج حدود الإتحاد السوفيتي وفي منطقة يطلق عليها المياه الدافئة، مما يعني الإنتقال الكامل لأسطول البحر الأسود الروسي إلى القاعدة إلى أن ينتهي عقد روسيا مع أوكرانيا عام 2017، والتى كانت تمثل مشكلة ضخمة بالنسبة لروسيا؛ نظراً لأن تجديد عقد الإيجار الخاص بتواجد الأسطول الروسي في المياه الأوكرانية فى قاعدة سيفاستوبول الممتد حتى عام 2042 قد تقرر إنهائه من قبل أوكرانيا مما يعنى تضييق الخيارات الروسية فى البحر المتوسط، حيث أنه منذ الثورة البرتقالية التي شهدتها أوكرانيا في 2005 بدأت العلاقات الروسية الأوكرانية تتدهور خاصة وأن هذه الأخيرة أصبحت مرشحة للانضمام لحلف شمال الأطلسي، وأعلنت أيضاً بأن عقد إيجار القاعدة البحرية الروسية في سيفاستوبول لن يمتد إلى ما بعد عام 2017، مما جعل روسيا تضطر إلى تسريع بناء قاعدة نوفوروسيسك في الساحل الروسي المطل على البحر الأسود، إضافة إلى البحث عن بدائل أخرى. ويدخل هذا التحرك الروسي في إطار ميزانية البرنامج الاتحادي و المعنية بإنشاء نظام من القواعد البحرية لأسطول البحر الأسود على أراضي روسيا في الفترة “2005-2020” و قد قام بتقييمه بوتين ب-92 مليار روبل (23مليار يورو) ويضم هذا البرنامج أيضا تطوير البنية التحتية للبحرية الروسية في طرطوس ويرجع إنشاء القاعدة إلى اتفاق بين القيادة السورية والسوڤيتية عام 1971.
على الصعيد الآخر فقد بدأت روسيا في سبتمبر 2008 المفاوضات مع سوريا بهدف تقديم الدعم الفني لميناء طرطوس و تحويله إلى قاعدة بحرية دائمة وبدأت عمليات تحديث البنية التحتية بحلول عام2009، وقد أوضح الأميرال فيكتور كرافشينكو أن هذه القاعدة ليست فقط عبارة عن ميناء، بل هي أيضاً كل الهياكل القاعدية من أرصفة ومخازن للذخيرة والمنتجات الغذائية، وطرق، ومرافق التصليح، الطيران والدفاع الجوي، إضافة إلى ورشة عائمة ومستودعات وثكنات يعمل فيها المئات من الفنيين والضباط الروس، وأكد أيضاً أنه طالما أن البحرية الروسية تنفذ مهاما في خليج عدن والبحر الأبيض المتوسط فإن هذه القاعدة بالغة الأهمية بالنسبة لروسيا، وقد أرسلت روسيا في 2012 مدمرة وثلاث سفن حربية وفرقاطة إلى البحر الأبيض المتوسط لإجراء بعض المناورات، وهذا يشير إلى أن روسيا تعتبر هذه القاعدة مهمة بالنسبة لها.
ويعد ميناء طرطوس ذو أهمية بالغة بالنسبة لروسيا لثلاث أسباب رئيسية:
يعد ميناء محوري في التعاون الثنائي البحري الروسي السوري.
يساهم ميناء طرطوس في استعادة روسيا لنفوذها في البحر المتوسط والشرق الأوسط والمنفذ الوحيد في البحر الأبيض المتوسط.
جزء من منطلق شامل واعادة استثمار طويل الأجل للمحيط العالي من طرف البحرية الروسية.
وتعتبر قاعدة طرطوس مرفقاً روسياً إستراتيجياً طويل الأمد، وتسعى روسيا عبر السنوات المختلفة وحتى الآن إلى توسيع وتطوير هذه القاعدة لكى تزيد من حضورها في البحر المتوسط، وظلت روسيا تقوم بتحديث القاعدة وتوسيعها حتى يتسع لأكبر عدد ممكن من سفنها العسكرية.
2-مركز التجسس: يحتفظ الروس بمركز تنصت تجسسى رئيسى فى جبال اللاذقية، والذى يعد أيضاً موضع تمركز روسى فى منطقة الشرق الأوسط وتسعى روسيا إلى الإبقاء عليه والتمسك به وحمايته.
3-مبيعات الأسلحة: والتى تعد أهم محور من محاور المصلحة المشتركة بين روسيا وسوريا، حيث تعتبر سوريا من أكثر الدول المستوردة والمعتمدة على الأسلحة الروسية منذ أمد طويل، وبعد وصول كلا من بشار الأسد وبوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 ازدهرت تجارة الأسلحة بين البلدين بصورة مكثفة، وقد شكلت روسيا 78% من مشتريات سوريا من الأسلحة بين عامي 2007 و 2012 تأتي بعدها بيلاروسيا بنسبة 17% ثم إيران بنسبة 5%. ففى الفترة الممتدة بين 2005-2010 صدرت روسيا إلى سوريا قيمة ٣ مليار دولار من الأسلحة وقد سلمت روسيا حتى الآن حوالي 72 صاروخ من نوع “Yakhont “و نظام الصواريخ هذا موجود على الشريط الساحلي السوري إضافة إلى الرادارات و غيرها من التكنولوجيا، وهي مخصصة لحماية السواحل السورية من الهجمات البحرية.
وبلغت قيمة الصفقات العسكرية الروسية السورية 4 مليارات دولار خلال الفترة من 2006 -2010، وهي تقريباً نفس قيمة المبيعات العسكرية خلال الفترة من 2011-2013، مما جعل قيمة المبيعات العسكرية بينهما خلال الفترة من 2006 -2013 حوالي 8 مليارات دولار فيما تأثرت عقود صفقات الأسلحة الروسية لسوريا بعملية شطب الديون عام 2005، حيث بلغت الواردات السورية من السلاح الروسي 8% من مجموع الصادرات الروسية وهي بذلك قد حصلت على المرتبة الرابعة بعد الهند والجزائر وفيتنام.
كذلك إستخدام روسيا لسوريا على إعتبارها فأر التجارب الخاص بها، حيث عملت روسيا من خلال صناعة الأسلحة الروسية على مدى سنوات عدة على إستخدام سوريا كمركز لاختبار أنظمة أسلحة جديدة، كذلك يتم استخدامها كسوق، حيث كثير من هذه الأسلحة يجرى تسويقها بنشاط فى جميع أنحاء المنطقة.
ثم تقدمت بعد ذلك لتحتل المرتبة الثانية عام 2011، لتبلغ وارداتها نسبة 15 فى المائة من مجموع الصادرات الروسية وتستورد سوريا من روسيا طائرات (ميغ29 ) المقاتلة وطائرات التدريب (باك130 ) وصواريخ دفاع جو من طراز (بانتسير) و(بوك م2 ) أو ما يعرف غربياً (سام17)، إضافة إلى دبابات (ت72 ) وصواريخ جوالة للدفاع البحري من طراز (جوخنت وباستيون) وحاولت روسيا رفع قيمة العقود الجديدة مع سوريا بنسبة تفوق فيها ما خسرته من توقف عقودها مع ليبيا بعد الثورة، وبالتالي كان سقوط النظام السوري سيشكل خسائر فادحة لها، لذا يمكن أن نستخلص ذلك بالقول أن سوريا دولة محورية شديدة الأهمية بالنسبة إلى التطلعات الروسية. [35]
4- ضرب التنظيمات المسلحة والتى تحارب ضد المصالح الروسية فى سوريا، خاصة تلك التى تمركزت فى مواقع سورية تعتبرها روسيا متاخمة لها وقريبة من حدودها بما يهدد الأمن القومى الروسى.
5- استخدام القوة العسكرية المباشرة لحماية الأهداف والمصالح الحيوية خارج نطاق الأمن القومي المباشر لها، كحماية مناطق تخوم لسوريا فى البحر المتوسط، بما يؤثر بشكل غير مباشر على حماية المصالح الروسية بحماية أسطولها البحرى والناقلات البحرية لروسيا التى تقوم بنقل النفط الخاص بها. [36]
المبحث الثانى: الأهداف السياسية:
حماية النظم الحليفة:
يعتبر نظام الأسد السورى هو النظام الوحيد الذى تجمعه علاقات تحالف مع روسيا فى المنطقة العربية بأسرها، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إمتد لحالة من العلاقات التعاونية الهامة بين الطرفين على كافة الأصعدة سواء السياسية، الإقتصادية، والعسكرية والتى أطرتها الكثير من المعاهدات، والاتفاقيات بينهم.
كذلك ترى روسيا فى نظام الأسد الشريك والحليف الاستراتيجى والتى من خلال التعاون معه ستحقق مزايا عدة أبرزها يتعلق بإعادة إظهار مكانتها ودورها الفعال فى المنطقة العربية فى ظل القطيعة بينها وبين باقى الدول العربية، وفى ظل التنافس والصراع الشديدين مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب على قيادة هذه المنطقة الهامة الإستراتيجية، حيث لا تخفي روسيا رغبتها فى مقاومة ما تصفه بالهيمنة الغربية على العالم، وكان آخرها تحدي الغرب في كل من سوريا وليبيا وأوكرانيا ويبدو التحرك العسكري الروسي في سوريا كرد فعل على استبعادها من المشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق الأمر الذي دفعها للمشاركة في الحرب على الإرهاب بتأسيس تحالفها الخاص في المنطقة التي يحكمها الأسد من سوريا مقابل تحالف غير شرعي بني على أسس خاطئة بسبب استبعاده للأسد وقد بدأت روسيا إرسال تعزيزات عسكرية إلى سوريا بعد أن فشل اقتراحها بتشكيل تحالف إقليمي لمواجهة الإرهاب يجمع دول الجوار، وخاصةً تركيا والسعودية وقطر في تحالف واحد مع إيران والنظام السوري لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وسرعان ما اتخذت روسيا خطوة أبعد وذلك ببدء حملة قصف جوي استهدفت بشكل خاص مجموعات المعارضة السورية المعتدلة، بما في ذلك الجيش السوري الحر المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من إدعاءات روسيا بأن الغارات هي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ونجد أن تلك الأمور تبرر لروسيا التدخل بكافة الوسائل والأساليب وتقديم كافة أشكال المساعدات سواء سياسية أواقتصادية اوعسكرية، ودعم نظام الأسد وحمايته فى مواجهة قوى المعارضة السورية التى تهدف للإطاحة به، والنظام الإرهابي الذى يهدد بسقوط الدولة، والذى بدوره يعنى سقوط الحليف الوحيد لروسيا فى المنطقة العربية.
بالتالى أصبح الكرملين هو صانع القرار الرئيسى والوسيط فى سوريا، كذلك سعى لتعزيز وجوده في سوريا عبر عقد تحالفات وإنشاء علاقات مع كلا من إيران وتركيا وإسرائيل ومصر والكثير من دول الخليج والذى بدوره ينمى ويعزز من المصالح الروسية فى المنطقة والتى تقوم على الطابع العلاقاتي.
المبحث الثالث: الأهداف الإقتصادية:
نشأت العلاقات الإقتصادية بين البلدين عام 1957، عبر تعاون تجاري نشيط، حيث يتواجد في سوريا أكثر من 63 مشروعاً أهمهم المحطات الكهربائية على نهر الفرات والسكك الحديد ومنشآت الري، حيث تشكل التجارة الروسية السورية تقريبا 20% من إجمالي التجارة العربية الروسية وتعتبر الأهداف الإقتصادية من أبرز المصالح الروسية في سوريا، ويمكن أن يساعد التواجد العسكري الروسي في سوريا على تقوية العلاقات الاقتصادية المتواضعة بين الجانبين، وعلى تأسيس علاقات اقتصادية طويلة الأمد رغم أن دمشق احتفظت دوماً بعلاقات سياسية جيدة مع موسكو، لكن علاقاتهما الاقتصادية اكتسبت أهمية أكبر بعد اندلاع الاحتجاجات في عام2011. وبحسب بيانات رسمية سورية، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا في عام 2010 نحو مليار دولار أمريكي، لكنه ارتفع بعد اندلاع الاحتجاجات إلى نحو 2 مليار دولار، كما خفضت روسيا الرسوم الجمركية على المنتجات النسيجية المستوردة من سوريا بنسبة 25% وكانت هذه الخطوة فعالة للغاية فى تنمية حجم التجارة البينية. وفي حين تقف الحرب الشرسة الدائرة في سوريا عائقاً أمام تنشيط التبادل التجاري بين البلدين، تبدو الرغبة واضحة لديهما في المضي قدماً بعلاقات تجارية أقوى، على سبيل المثال، أعلن الجانبين بشكل رسمي في شهر أبريل عام 2015 على خطط لتبادل المنتجات الزراعية عبر مرفأي اللاذقية وطرطوس.
أما على صعيد الاستثمارات الروسية بعد 2011، فقد تم إيقاف تقريباً كافة العقود الموقعة بينهما والتى بلغت 6.1 مليار دولار، وتنتظر روسيا الاستقرار في سوريا لاستئناف عقودها الإستثمارية، لذا كان الدور الروسي واضحاً في سوريا ومن أهم الأدوار لإعادة الاستقرار مرة أخرى لذلك الشريك الاستثمارى الهام ، وتلعب المصالح الإقتصادية دورا جوهرياً في تعزيز التواجد الروسي في سوريا كذلك انخرطت العديد من الشركات الروسية في مجالات استثمارية مختلفة من بناء المحطات الغازية ومصافي النفط ومجال البتروكيمياويات. وفي شهر يوليو، أعلن الاتحاد الروسي لصناعة الغاز والنفط أنه وبعد أن يصبح الوضع مستقر في سوريا، سوف يسعى الاتحاد لاستثمار ما لا يقل عن 6.1 مليار دولار في عقود الطاقة، وكانت الحكومة السورية قد وقعت في عام 2013 اتفاقاً مع شركة “سيوزنفتاغاز” (Soyuzneftegaz) الروسية من أجل الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في منطقة قبالة الساحل السوري وفق عقد يستمر لمدة 25 عاماً. ووقعت شركة غاز بروم الروسية عقدا في عام 2013، لمدة 25 عام للتنقيب البحري في المنطقة المقابلة لجنوب مدينة طرطوس إلى مدينة بانياس وبأبعاد (70) كم طول (30) كم عرض. [37]
إضافة إلى وجود العديد من الشركات الروسية التي تعمل على مشاريع كبرى في سوريا منها شركة “Stroytransgaz” وهي شركة فرعية تابعة لشركة غازبروم الروسية، وقد بنت هذه الشركة حوالي 319 كم من خط الغاز العربي الذي يطلق عليه خط الرحاب- حمص سنة 2008 ومحطة لمعالجة الغاز سنة 2009، بينما شركة “Tatneft ” وهي سادس أكبر منتج للنفط الخام في روسيا فلديها مشروع مشترك مع الشركة السورية العامة للبترول لاستكشاف وتطوير حقول النفط منذ سنة2005.
ويبدو أن عقود الطاقة تحظى بمتابعة جادة من جانب روسيا ويؤكد على ذلك زيارة الوفد الروسي من الخبراء في مجالي النفط والكهرباء العاصمة دمشق في منتصف سبتمبر. ومن جانبه أكد وزير النفط السوري “سليمان العباس” في تصريح أثناء تلك الزيارة على أن يكون للشركات الروسية دور كبير في فرص الاستثمار المتاحة في المستقبل.
وتدرك روسيا جيداً، وهي الدولة التي تعتمد بدرجة كبيرة على تصدير الغاز الطبيعي، أهمية موقع سوريا كونها مكان محتمل لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا وهو ما يهدد هيمنتها على تصدير الغاز للقارة الأوروبية (تتجاوز حصة الغاز الروسي من إجمالي الواردات الأوروبية64%). هكذا، تندفع روسيا للاستثمار في قطاع الطاقة السوري لأنها تفضل أن يكون لها حصة في تطوير هذا القطاع بدلاَ من أن تتنافس معه في المستقبل.
ويرد ذلك في ضوء فاعلية الدور الروسي في سعيه لإنشاء أكبر قدر ممكن من الترابط المصلحي وتحقيق الاستفادة من الجانب السوري بهدف تحقيق أًكبر قدر من الاعتمادية في الاقتصاد، وأَن المصالح الروسية في سوريا ليست بمصالح عابرة، وإنما مصالح استراتيجية في مختلف المجالات التي تمس الأمن القومي الروسي، ولا سيما في حرب ممرات الطاقة، حيث تسعى روسيا إلى الهيمنة المطلقة على ممرات الطاقة والغاز خاصة، بهدف احتكار الطاقة الغازية لصالحها، والوقوف حائلاً دون أي مشروع من شأنه تحرير سوريا من العمليات الإستغلالية الروسية.
ولكن بعد أحداث 2011 سعت روسيا جاهدة لتقليل حجم الخسارة التى تعرضت لها بسبب فقدها لإستثماراتها، لذا وردت تقارير تفيد بأن الشركات الروسية تسعى للاستفادة من تعليق أنشطة الشركات الأجنبية من قبل الحكومة السورية، ومثال عن ذلك في مارس 2012 أعلنت شركة غازبروم الروسية أنها ستتولى إدارة مهام الشركة الكرواتية للنفط والغاز في سوريا. [38]
فالسعي الروسي للتمسك بمكانتها كعملاق في حقل الطاقة من المصالح البارزة في الأزمة السورية فهي تسعى إلى منع المنافسين الكبار من مزاحمتها اقتصاديا، ويمثل التنافس الدولي والإقليمي على خطوط نقل الغاز والنفط من الدول المطلة على الخليج العربي أحد المحددات المهمة للموقف الروسي من الأزمة السورية، فروسيا تخشى أن يؤدي سقوط النظام السوري إلى زعزعة مكانتها المهيمنة على سوق الغاز الأوربية كنتيجة لاحتمال مد الغاز القطري عبر السعودية وسوريا و تركيا إلى أوروبا، ففي ظل البحث الأوروبي عن خيارات للاستغناء عن غاز روسيا والذى يبدو بارزا أكثر فى الفترة الحالية فى عام 2022 بعد اندلاع أزمة أوكرانيا وكنوع من الحصار الاقتصادي وفرض نوع من الخناق على روسيا يبدو الشريك القطري المرشح الأبرز، ضمن سعي القارة للبديل وفي وقت أثبت فيه الشريك القطري أنه شريك يعتمد عليه عبر التجربة الأبرز في هذا المجال، وهي الشراكة الإستراتيجية مع المملكة المتحدة التي يتوقع لها أن تمتد لعقود طويلة قادمة، حيث توفر قطر للمملكة المتحدة ما يصل إلى ثلث استهلاكها من الغاز الطبيعي المسال، ووفقاً لخبراء في مجال الطاقة، فإن قطر التي تعد المصدر الأول للغاز الطبيعي المسال في العالم قد لا تحل محل روسيا في مجال تصدير الغاز للقارة الأوروبية، لكن يمكن أن تساعد في تقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز القادم من روسيا، ومن وجهة نظر المراقبين فإن قطر ستكون اللاعب الأكبر في هذا المجال، إلا أن طريق الشحن البحري الرئيس لقطر والمتجه إلى أوروبا يمر عبر نقاط اختناق عديدة كمضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، وتقع كل من هذه المواقع الثلاثة في مناطق مضطربة سياسياً وهي نقطة الضعف التي تثير قلق صناع القرار في الاتحاد الأوربي، ففي فترات سابقة كانت قناة السويس على وجه الخصوص عرضة للإغلاق نظراً لانعدام الاستقرار السياسي، وتتمثل الطريقة الوحيدة لتجنب حدوث ذلك في تفعيل خط الأنابيب المقترح من طرف قطر والذي يمتد من حقول الغاز القطرية مروراً بسوريا ثم تركيا ليتصل هناك مع خط ” أنابيب نابوكو”.
ونجد أنه في عام 2009 عرضت قطر على سوريا تعاونا لمد أنابيب غاز يمر بالسعودية ثم إلى الأردن ومنه إلى سوريا لتتفرع منه ثلاثة أنابيب، الأول إلى اللاذقية و الثاني إلى طرابلس في لبنان والثالث إلى تركيا، والهدف منه هو تأمين نقل الغاز القطري إلى أوروبا لأن هذه الطريقة كلفتها أقل من غيرها وتؤّمِن ربحاَ كبيراً للدوحة، إلا أن سوريا رفضت حينها هذا التعاون لالتزاماتها تجاه موسكو ولحماية مصالح روسيا باعتبارها مصدر الغاز لكل دول أوروبا تقريبا، ورغم الأوضاع التي شهدتها سوريا مع بداية عام 2011 في ظل الحراك العربي إلا أنها وقعت مع إيران اتفاقا في عام 2012 يقضي بنقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر العراق ومن ثم سوريا، كما سارعت روسيا آنذاك بالضغط على العراق عن طريق إيران للإسراع بتوقيع عقد إنشاء هذا الخط بين العراق وسوريا، وبموجب هذا الاتفاق تساهم الشركات الروسية بتطوير خطوط أنابيب الغاز بين كركوك العراقية وبانياس على الساحل السوري وتكون شريكة فيه، وبذلك أصبحت سوريا منطقة لتجميع وإنتاج الغاز وتشكل مركز للطاقة الإستراتيجي الممتد من إيران إلى المتوسط، وأغلقت بذلك أي محاولة لمد خط أنابيب نابوكو، من ناحية أخرى هناك قضية الاكتشافات الهائلة للغاز والنفط في الساحل السوري، حيث تشير الدراسات إلى اكتشاف حقل غازي ونفطي هائل في حوض البحر المتوسط تقدر احتياطاته بحوالي 200 تريلون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وحوالي 107 مليار برميل من النفط الخام، واكتشف حقل غاز “مارين” في المياه الفلسطينية، وتشير الدراسات أيضًا إلى توافر مخزون يقدر بـ 227 تريليون قدم مكعبة من الغاز و1.7 بليون برميل من السوائل البترولية حول “حوض ليفايثن” الذي يمتد إلى المياه اللبنانية السورية والقبرصية، ويتميز هذا الحقل بوجود البترول والغاز على عمق واحد وفي حوض واحد، يمتد من تحت بر فلسطين المحتلة وبحرها إلى بر وبحر لبنان وقبرص وسوريا وصولاً إلى تركيا، وبالتالي فإن من يحفر أولاً سيكون بإمكانه أن يستخرج حصته وحصص الدول المجاورة من البترول ومن خلال هذه الاكتشافات المهمة يمكن بسهولة تحويل منطقة شرق البحر المتوسط إلى مركز رئيسي للطاقة على مستوى العالم من خلال ربط شبكات خطوط الغاز والنفط والكهرباء لقارات إفريقيا وآسيا وأوروبا. ومع بدء إسرائيل عام 2009 باستخراج النفط والغاز بات واضحاً أن حوض المتوسط قد أصبح جزء من الصراع على المنطقة لأن القرن الواحد والعشرين هو عصر الطاقة النظيفة، ويؤكد معهد واشنطن أن هذا الحوض هو الأثرى بالغاز في العالم و ستكون سوريا هي الدولة الأغنى، وبالتالي أصبح الغاز السوري هو مفتاح القرن المقبل ومن يملك سوريا يملك الدخول عبرها إلى الغاز في العالم.
على هذا الأساس يمكن أن نفسر جانبا مهما من التحرك الروسي تجاه الأوضاع التي شهدتها سوريا، فتحويل سوريا إلى بلد موالي للغرب سيمكن هذه الدول من السيطرة على هذه الحقول؛ خدمةَ لمصالحها من جهة وإضعافاَ للاحتكار الروسى للغاز في أوروبا من جهة أخرى والذي سيؤدي حتما إلى تضرر اقتصادها و انحصار دورها في الساحة الدولية، لذا فقد عملت روسيا إضافة للدعم الذي تقدمه للنظام السوري إلى العمل على إفشال أي مخطط تسعى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة للسيطرة على حقول الغاز والنفط في المنطقة و تجنيب أوروبا استيراد الغاز الروسي.
وتعد سوريا سوقا هاما فيما يتعلق بالبضائع الروسية، ويتم متابعة علاقات التعاون التجاري والاقتصادي والفنى والعلمى بين البلدين عبر اجتماعات دورية مشتركة للجنة الروسية السورية، التى تُعقد سنويا بالتناوب بين موسكو ودمشق. [39]
المبحث الرابع: الأهداف الجيوستراتيجية:
إن سوريا من الدول ذات الأهمية الشديدة فيما يتعلق بالوجود والإستقرار وعلاقات التعاون والمصالح بالنسبة لروسيا، فسوريا تحتل موقع جيوبولتيكى هام فى الشرق الأوسط، ومنطقة حيوية تتشابك بداخلها خيوط المصالح بالنسبة لكافة القوى العالمية، كذلك فإنها موضع تمركز روسيا الوحيد فى المنطقة بأسرها لذا فإن روسيا على إستعداد بكل ما تملك من قوة لعدم خسارة هذا الهدف الهام.
كما يعزز من أهمية ذلك الهدف علاقات التحالفات القوية بين سوريا وإيران وتجتمع بتلك الأخيرة علاقات قوية بدورها مع روسيا، لذا فإن روسيا تنظر إلى سوريا بكونها حجر الزاوية فى أمن واستقرار المنطقة وأنه فى حالة بروز أى حرب أهلية فيها سيؤدى لزعزعة أمن واستقرار الدول المجاورة كافة وكذلك صعوبات فى عموم المنطقة، وتهديدا حقيقيا لأمن روسيا وأمن حلفائها وأمن مصالحها الحيوية فى المنطقة عامة وسوريا خاصة.
تحتل روسيا الجانب الأكبر من المنطقة الأورو-أسيوية والملاصقة لشرق الأوسط، وهو ما جعل الشرق الأوسط ذو أهمية بالغة بالنسبة لروسيا نظراَ لأن المكانة الجيوبوليتيكية تؤثر بدرجة كبيرة على السياسة الخارجية الروسية، كذلك إحتل ذلك الشق الجغرافى مكانة بالغة الأهمية منذ عهد القياصرة، وأيضاَ وضعتها روسيا نصب عينيها أملا فى الوصول للمياه الدافئة فى البحر المتوسط، كذلك هذا الموقع يفرض على روسيا مزيد من الإهتمام بالشؤون الإقليمية المحيطة والعالمية كمصادر تهديد للأمن القومى، ودائما ما كانت روسيا تولي اهتمام شديد بالأمن القومى وهو الذي دفعها لعدم الاقتصار على شؤون دول الجوار بل إمتد الأمر إلى الشؤون العالمية كافة وهو ما نراه جليا الآن.
بشكل عام أصبح تحقيق الربح هو أحد أهم العوامل المؤثرة في صنع السياسة الخارجية الروسية مقارنة بالعامل الإيديولوجي الذي ميز سياسة الاتحاد السوفيتي السابق، لكن يبقى تفسير الموقف الروسي من الأزمة السورية بدافع تحقيق المصالح الإقتصادية والعسكرية نسبي بوجود الدافع الجيوستراتيجي، لأن تحقيق هذه المصالح في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة وسوريا بصفة خاصة يرتبط ارتباطا وثيقا بميزان القوى على الصعيدين العالمي والإقليمي، كما حرصت السياسة الأمريكية بشكل خاص وسياسة الناتو بشكل عام منذ انهيار الإتحاد السوفيتي على إتخاذ شكل التطويق التدريجي لروسيا في مجالها الحيوي، وقد تم إغلاق المجال الحيوي الأول لروسيا في أوروبا الشرقية بانضمامها لكل من الناتو والاتحاد الأوروبي وتبعه بعد ذلك محاولات تأجيج الثورات في كل من جورجيا وأوكرانيا ثم التواجد العسكري في بعض دول آسيا الوسطى والتي تمثل قاعدة “مناس” قرب العاصمة القرغيزية، كما أوضح التقرير الذي نشرته “paper Independence” الروسية في فبراير عن مشروعات أمريكية لنشر نظم مضادة للصواريخ في قواعد عسكرية في ألاسكا وكاليفورنيا لغلق البوابة الشرقية لروسيا، والسعي الأمريكي في الفترة ذاتها لنشر نظم صاروخية في منطقة القفقاس ليشكل وفقا لهذا التقرير القضاء على أهمية القوة النووية الإستراتيجية الروسية، وبذلك أحيطت روسيا بجدران أمريكية من كافة الجهات. وقد استشعرت روسيا هذا الأمر لكنها في المراحل الأولى لم تكن في وضع يسمح لها باتخاذ خطوات فعالة لمواجهة هذا التطويق، لكنها ونتيجة للتطورات التي حدثت فيها بخاصة منذ تولي فلاديمير بوتين الحكم عام 2000 بدأت في ممارسة نشاطات متنوعة لمواجهة التطويق المشار له، وشكل التدخل الروسي في جورجيا في أغسطس 2008 مؤشرا واضحا على الإستراتيجية الروسية للحيلولة دون وجود الناتو في جورجيا التي كان لديها طموح لتطوير إتفاقية الشراكة من أجل السلام الموقعة مع الناتو عام 2005 نحو العضوية الكاملة، ناهيك عن اتفاقيات أذربيجان مع الناتو في إتفاقية الشراكة من أجل السلام عام 1994 مما يعني التمدد الأطلسي من أوروبا الشرقية نحو الحدود الروسية القفقاس، ويبدو أن مشروع بوتين الخاص بإقامة “اتحاد أوراسيا” الذي يضم روسيا و بيلاروسيا وكازاخستان يمثل محاولة لمنع أي تمدد للأطلسي في هذه المنطقة، وفي الخط الثاني من غرب آسيا الذي يمثل الحاضنة الجيوستراتيجية لآسيا الوسطى تقع كل من إيران وسوريا وهما الدولتان اللتان يعتبر بوتين أن باستقرارهما يتحقق استقرار حدود روسيا، كما أن روسيا ترى أن الولايات المتحدة تسعى إلى السيطرة على المنطقة و الحد من التعاون بين الدول العربية والقوى الآسيوية الصاعدة التي تتصدرها روسيا والصين، من خلال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط جغرافيا و سياسيا، وإضعاف القوى الإقليمية المهمة الكبرى، العربية وغير العربية، وخلق كيانات ضعيفة يسهل توجيهها ولا تهدد مصالحها في المنطقة. ففي يونيو 2006 نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية مقالة بعنوان “حدود الدم” والتى تعبر عن الإصلاحات الهامة التى ترغب أمريكا بإدخالها على التقسيم المعيب الذي قامت به إنجلترا وفرنسا مطلع القرن العشرين مع تفكك الإمبراطورية العثمانية، فتأتي التقسيمات الجديدة على أساس الدين والقومية والمذهبية، وهي الخطة التي طرحها “برنارد لويس” الذى ينحدر من أصل بريطاني ويتمتع بالديانة اليهودية، وهو كذلك مستشار وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط خلال السبعينات وتبنى بوش الابن والمحافظون الجدد مضمون هذه الخطة في إطار “مبادرة الشرق الأوسط الكبير” الأمريكية التي طُرحت في عام 2004 بهدفين أحدهما معلن وهو تشجيع الديموقراطية وبناء مجتمع معرفي، وآخر حقيقي وهو تفتيت العالم العربي وتجزئته، حيث حددت الولايات المتحدة هدفين رئيسين لها في المنطقة، أولهما ضمان أمن إسرائيل وسلامتها وتفوقها الاستراتيجي على جيرانها العرب، وثانيهما السيطرة المباشرة على منابع النفط ومصادر الطاقة في المنطقة وخطوط نقلها إلى أوروبا و أمريكا ومن المؤكد أن إضعاف العالم العربي وتمزيقه وتجزئته سيحقق هذين الهدفين، وسيبقيه الانقسام والصراع في دائرة التبعية السياسية والاقتصادية بما يسهل السيطرة على ثرواته وموارده، كما تصب خطة التجزئة في مصلحة إسرائيل فمثلث الدفاع العربي كان يرتكز على ثلاث ركائز هي مصر وسوريا والعراق، وبعد تدمير العراق والإتجاه إلى تجزئته و إخراجه من هويته العربية وإنهاء دوره العربي والإقليمي، والتطورات التي تشهدها سوريا ومالها من تأثير حتمي في القدرات السورية الشاملة، فإن ميزان القوى الإقليمي يميل أكثر من أى فترة سابقة إلى مصلحة إسرائيل التي سيجعلها تقسيم العالم العربي الدولة الكبرى في المنطقة. هكذا تكون سوريا منطلقا مثاليا لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بحكم موقعها الجغرافي المتميز، وتحالفاتها الإقليمية مع إيران وحزب الله، ذلك أن سقوط النظام السوري يفتح باب المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران والقضاء على الأخيرة. وأشار لافروف إلى أن”المطالبة بتغيير النظام في سوريا حلقة في لعبة جيوسياسية تستهدف إيران أيضاً”.
كما أكد “أن سوريا من أهم الدول في الشرق الأوسط وأن زعزعة الاستقرار هناك ستكون له عواقب وخيمة في مناطق بعيدة جدا عن سوريا نفسها”، فروسيا ترى أن سوريا حجر زاوية في أمن منطقة الشرق الأوسط، وعدم استقرار الوضع فيها أو نشوب حرب أهلية سيؤدي بدوره حتما إلى زعزعة الوضع في بلدان مجاورة، ويؤدي إلى صعوبات في المنطقة كلها وتهديد حقيقي للأمن الإقليمي، من جانبه أكد “ألكسندر لوكاشيفتش”، الناطق الرسمي بإسم وزارة الخارجية الروسية، أن صورة النظام العالمي ستكون مرهونة بكيفية تسوية الوضع في سوريا، كما أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “سعيد جليلي” أن ما يجري في سوريا ليس قضية داخلية، وأن إيران لن تسمح بأي شكل من الأشكال بكسر محور المقاومة الذي تكون سوريا عضوا أساسيا فيه، ومن وجهة النظر الروسية يعني سقوط النظام في سوريا فقدان روسيا حليفها القوي والحقيقي الوحيد في العالم العربي، وهذا بدوره يعني أن روسيا ستخسر منطقة الشرق الأوسط بأكملها، أيضاَ فالنفوذ الأمريكي في المنطقة سيتوسع دون أدنى رقابة، وسيكون من الصعب جدا على إيران أن تستمر في صمودها أمام الضغط الغربي. كما أن إيران وسوريا هم امتداد جغرافي للحدود الجنوبية الروسية، ومن ثم فإن سقوط النظام السوري الحالي يعني أن جبهة المواجهة مع الغرب سوف تقترب من الحدود الروسية في منطقة القوقاز، ومن جمهوريات آسيا الوسطى التي تكون مجال روسيا الحيوي الطبيعي، بما يمكن الولايات المتحدة من إحكام الطوق حول روسيا، ومواصلة خططها الرامية إلى نشر الفوضى في محيط روسيا والصين.
ومن خلال ما تقدم يمكننا التمييز بين مصلحتين إستراتيجيتين تسعى روسيا لتحقيقهما من خلال دعمها للنظام السوري، تتمثل المصلحة الإستراتيجية الأولى في أن روسيا مهتمة بإعادة تأسيس نفسها كلاعب دولي وقوة عظمى، وأخذ اهتماماتها ومصالحها على الأقل بعين الإعتبار، وهذا يعني حتما إيجاد نوع من التوازن في الهيمنة الأمريكية للعالم من خلال أولا محاولاتها لمقاومة تجاوز الولايات الأمريكية لمجلس الأمن حيث تمارس روسيا سلطتها للحد من هذه التجاوزات، وثانيا روسيا مهتمة بتوسيع أو على الأقل الحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن خسارة سوريا ستؤدي إلى القضاء على إيران وهو آخر موطئ قدم في هذه المنطقة الحيوية، إضافة إلى هذا يزداد قلق روسيا على أمنها بسبب عدم الاستقرار وانتشار الطائفية التي لن تنحصر فقط في المنطقة بل ستتوسع إلى مناطق قريبة منها.
ونجد أن روسيا تريد أن يصبح النظام الدولي نظاما متعدد الأقطاب وأن تكون هي أحد أقطابه، وذلك بتعزيز اتخاذ القرارات متعددة الأطراف تحت مظلة القانون الدولي، والتركيز بشكل خاص على لعب دور أساسي في مجلس الأمن وأيضا الأمم المتحدة باعتبارها منظمة دولية وهو ما اتضح جليا فى عام 2022 عندما استغلت روسيا الفيتو الخاص بها لرفض أى قرار صادر ضدها فى مجلس الأمن فى القضية الخاصة بأزمة أوكرانيا، فبعد امتناع روسيا والصين عن التصويت في مجلس الأمن على قرار فرض حظر جوي على ليبيا، دعمت الولايات المتحدة وحلف الناتو نشاط المعارضة الليبية التي استطاعت في نهاية المطاف الإطاحة بنظام القذافي وتشكيل حكومة جديدة، وهو ما عكسه قول لافروف في أغسطس 2011 بأن “روسيا ستقوم بكل ما في وسعها للحيلولة دون تكرار سيناريو ليبيا في سوريا”، حيث خشيت موسكو من السماح بتمرير قرار مماثل ضد سوريا وهو من شأنه أن يؤدي إلى تدخل مماثل لحلف الناتو وستكون النتائج بالضرورة مماثلة، فروسيا ترى أنها مهددة في ظل هذه التحولات الدولية بالتفسير الغربي لحقوق الإنسان الذي يقوم على تغيير النظام بدافع التدخل الإنساني، فالإدراك الروسي لحقوق الإنسان يختلف عن الإدراك الغربي له، فهو يقوم على الإرث الفكري السوفيتي الذي تكون فيه الدولة هي المصدر الأساسي لحقوق الإنسان ولا يمكن أن تكون هذه الحقوق أكثر أهمية من بقاء الدولة أو قوة مؤسساتها أو وحدة أراضيها، وقد ذكر لافروف “بأنه من غير المقبول الإدعاء بأن مفهوم مسؤولية الحماية يجب أن يطبق عالميا في جميع الحالات التي تبدأ فيها الشعوب بإظهار استيائها عندما تستخدم السلطات القوة ضد المظاهرات الاحتجاجية لاستعادة النظام، لأن الحرية لها حدود، وحدودها واضحة في جميع القواعد القانونية الدولية المتعلقة بحماية الحقوق والحريات”.
ومن وجهة نظر روسيا ينبغي أن يكون دور الأطراف الدولية في الصراعات الداخلية محدود وذلك لمساعدة أطراف الصراع على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ما لم يقرر مجلس الأمن خلاف ذلك ورغم الاختلافات المفاهيمية حول حقوق الإنسان استطاعت روسيا أن تخلق نفور قوي للخطاب الغربي لحقوق الإنسان من خلال النظر إلى التدخلات الإنسانية على أنها حجة واهية لتغيير النظام وتحقيق أهداف جيوسياسية. ووفقا لبوتين فإن الدول الغربية تسعى إلى حل مشاكلها الإقتصادية من خلال تأجيج الصراعات بخلق الفوضى ثم التدخلات المسلحة، وفي نفس السياق تشعر النخب الروسية بالقلق من الانتقادات الغربية لأوضاع حقوق الإنسان في روسيا فبعد العراق وليبيا وسوريا سيأتي دور الأنظمة الاستبدادية في دول آسيا الوسطى أو حتى روسيا نفسها.
أما البعد الإقليمي لسياسة روسيا تجاه سوريا فيرتبط بوجه خاص بالتداعيات التي ستخلفها الأحداث التي تشهدها سوريا والتي ترى فيها نخب السياسة الخارجية الروسية أنها تحولت إلى صراع بسبب الدعم الخارجي بالأموال والسلاح الذي تلقته المعارضة السورية، وذكرت وزارة الخارجية الروسية في عام 2011 “أن سوريا هي أحد الدعائم الرئيسية التي تقوم عليها منطقة الشرق الأوسط وأن زعزعة الاستقرار فيها سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها”، وسيؤدي انهيار النظام في سوريا إلى امتداد قوس عدم الاستقرار من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي وستدخل المنطقة في فوضى العنف الطائفي وما سيخلفه من انتشار المتطرفين والإرهابيين.
أما النتيجة الإقليمية الثانية التي سيخلفها سقوط نظام بشار الأسد بالنسبة لروسيا هو أنه سيزيد من عزلة حليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط “إيران”، وسيؤدي إلى تغيير الخارطة الجيوسياسية بحيث تعود بالفائدة على الولايات المتحدة والفواعل الإقليمية الرئيسية على حساب إيران. وكانت الكتابات الخاصة بالمدرسة الأوراسية الجديدة قد أكدت أن روسيا يجب أن تتحالف مع الدول العربية المناوئة للتوجهات الأطلسية مثل العراق وليبيا بالدرجة الأولى ومن ثم سوريا لأنها متناقضة في توجهاتها بين الميل إلى الغرب أو العداء له، فبعد خروج العراق من المعادلة الأوراسية عقب الغزو الأمريكي في عام 2003 وخروج ليبيا بعد التدخل العسكري الأطلسي إبان الحراك الليبي في عام 2011 لم يبق أمام روسيا إلا سوريا باعتبارها دولة منضوية في ظل الهيمنة الغربية في المنطقة وهي في حالة حلف مع إيران، وهكذا يمكن اعتبار سوريا هي الجبهة الأمامية لمقاومة الخطط الأمريكية في المنطقة.
أوجه الشبه بين التدخل الروسى فى كلا من (سوريا – ليبيا – أوكرانيا):
نجد أن تدخل روسيا فى تلك الدول كافة كان يحمل فى طياته مزيجا من تلك الأهداف التى ذكرناها مسبقا حيث ينطوى التدخل على أهداف سياسية وعسكرية وجيوستراتيجية، حيث أنه فى إطار اهتمام روسيا البالغ بأمنها القومى إلى جانب المشاركة فى سباق التنافس العالمى مع الولايات المتحدة الأمريكية تدخلت فى كلا من سوريا وليبيا وأوكرانيا، فتعد سوريا هى حجر الزاوية الأقرب لحدودها فى منطقة الشرق الأوسط كذلك أوكرانيا فى المجتمع الأوروبى وهو ما يتطلب منها أن تضع كلاهما فى مرمى بصرها حماية لأمنها، كذلك فى ظل التنافس الأمريكى وتوسعه تطلب الأمر من روسيا التدخل فى تلك الدول حيث فى أوكرانيا تزعم روسيا أن أول أسباب تدخلها فيها كانت لاعتبارات الأمن القومى حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال حلف الناتو إلى عقد مؤامرة عبر ضم أوكرانيا لحلف الناتو ثم يمكنها بعد ذلك نشر الصواريخ والأسلحة الخاصة بها على الحدود مباشرة مع روسيا وهو ما تخشاه روسيا، أما سوريا فإنها ترتبط بروسيا بدرجة كبيرة لأنها البوابة الأقرب التى تربط الشرق الأوسط مع روسيا، كذلك فإن روسيا تحاول العمل على تعزيز مكانتها كقوة دولية فاعلة مؤثرة عبر تدخلها فى سوريا، والتأكيد على فاعلية دورها فى التأثير على قضايا المنطقة وتسويتها مثل الأزمة الليبية، والسعى لتعزيز مصالحها فى الشرق الأوسط تحت تأثير هذه الضغوط والمخاطر الإستراتيجية المتزايدة الناتجة عن توسع حلف الناتو شرقا فى مناطق النفوذ السابقة للإتحاد السوفيتي ومحاولته أن يحيط بروسيا من كافة الجهات وهو ما ذكرناه سابقا من خلال محاولة الناتو ضم أوكرانيا، وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية فى أفغانستان وليبيا ولذا سعت روسيا كذلك لردع تلك القوات بإستخدام وسائل عدة حيث قد عرضت روسيا مكافآت مالية لمقاتلى طالبان بهدف قتل الأفراد الأميركيين فى أفغانستان كذلك نشر مقاتلى فاغنر فى ليبيا لدعم جيش “خليفة حفتر” الوطنى الليبى بهدف دخول روسيا لملء الفراغ المتزايد لتحدي السياسة الغربية وخلق مستنقعات تستنزف الموارد الغربية وتقوض السياسة الخارجية الغربية، وتوفر فرصاً يمكن لروسيا الاستفادة منها، كذلك مشروع الدرع الصاروخي الذى يمثل أحد أهم هواجس الأمن القومى الروسى.
كذلك تحاول روسيا أن تعيد نظام القطبية الثنائية للعالم مرة أخرى وفرض التواجد والهيمنة الخاصة بها، وهو ما يزيد من مضايقاتها للولايات المتحدة الأمريكية وهو ما دفع كلاهما لتشديد الخناق على بعضهم البعض، فكانت سوريا ساحة للصراع غير المباشر بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الأوروبية من جهة وروسيا وحليفتها الصين وإيران من جهة أخرى، فكانت أمريكا تحاول العثور على أى منفذ للتدخل فى سوريا ولكن روسيا وحلفائها شكلوا حاجزا منيعا فى وجهها عبر ردع أى محاولات دبلوماسية عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو فرض عقوبات اقتصادية أو حتى ردع عسكرى. [40]
ورغم ذلك، وفي حين أن روسيا ربما تكون قد حققت بعض المكاسب البارزة على المدى القصير منذ تدخلها في سوريا، إلا أن الباحثين والمفكرين وجدوا أن النصر الاستراتيجي لا يزال بعيداً في الأفق وأنه في واقع الأمر، قد تصبح المستنقعات ذاتها التي سعت روسيا إلى زج الغرب إليها حقيقة واقعة بالنسبة لها في سوريا وليبيا، حيث يبدو أن النجاحات الأولية تفسح المجال لمواقف معقدة ومستعصية على نحو متزايد.
ففي ليبيا، أدى التصعيد التركي في الدفاع عن حكومة الوفاق الوطني إلى إضعاف كافة مكاسب حفتر، مما أدى إلى الوصول بالأزمة إلى نفق مظلم مُلقياَ تكلفة باهظة على الجيش الوطني الليبي.
وفي سوريا، ربما جرى إنقاذ الأسد من هزيمة محتملة، لكن الوسائل التي تم بها تأمين بقائه في السلطة تركت سوريا مجرد جثة ذات اقتصاد مشلول وحكومة منبوذة عالمياً.
ونجد أن مسببات عدم الاستقرار كانت في تزايد في جميع أنحاء سوريا، حيث يستمر نظام الأسد في إفساد كل مبادرة سياسية، بما في ذلك تلك التي تدعمها روسيا نفسها، فمع عدم وجود ضوء في نهاية الأنفاق الليبية أو السورية، قد تكون “التدخلات الروسية المناهضة للتدخل” معقدة ومكلفة مثل التدخلات التي قادتها الولايات المتحدة والتي عارضتها روسيا بشدة سابقا.
ولكن نستطيع القول أن في العام الحالي 2022 أن الأمور بدأت تأخد مسارات أخرى غير تلك المتوقعة، حيث مع التدخل الروسى وما صاحبه من مزيد من التفكك والتشرذم فى تلك الدول كان لابد أن ينسحب ليسمح لتلك الدول أن تتقدم وتزدهر مرة أخرى بخطوات حثيثة، حيث أن مقاتلى فاغنر قد ألحقوا خسائر ضخمة بليبيا وهو ما تطلب من عدد كبير من الدول أن تضغط على روسيا لسحب قواتها والسماح بعقد إنتخابات نزيهة فى ليبيا، كذلك بدأت سوريا تتقدم شيئا فشئ حيث يحاول الأسد أن يستعيد علاقاته مع المنطقة العربية ويحصل على الدعم منها للنهوض مرة أخرى، كذلك نجد أن إنخرط روسيا فى أزمة أوكرانيا حاليا ومع ما تواجهه من مشكلات فإنها لا تستطيع التركيز على تلك الدول الأخرى وهو ما يتطلب منهم استغلال الفرصة لتحقيق النهوض والتقدم. [41]
الفصل الثالث: وسائل تنفيذ الاستراتيجية الروسية تجاه الصراع السوري:
المبحث الأول: وسائل دبلوماسية:
سعت الدولة الروسية طوال الفترات الماضية عقب اندلاع الثورة السورية، إلى منح غطاءاً دبلوماسياً وسياسياً فعالاً يحاول حماية النظام السوري من كافة أشكال الإدانة القانونية والسياسية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كذلك طرح العديد من المبادرات الروسية للوصول إلى تسوية سلمية للأزمة السورية، وذلك نظراً لتعدد الدوافع الروسية والتي ستتعرض لخسائر فادحة إذا ما تفكك النظام السوري.[42]
الدور الروسي في مجلس الأمن:
تحرص روسيا على اتخاذ موقف أكثر وضوحا وصرامة في وجه محاولات تدخل الولايات المتحدة وفرنسا وحلفائهما في سوريا، ولديها إصرار على أن يقرر السوريون وحدهم مسار ثورتهم ومستقبل بلادهم والشك في أن ثبات روسيا على موقفها في الأزمة السورية له دلالته في هذا الخصوص، لأن الوصول إلى تسوية للأزمة السورية سيتضمن في هذه الحالة تنازل ولو محدودا من واشنطن. لذا حرص الرئيس الروسي السابق مدفيديف و الرئيس الحالي بوتين على التأكيد بأن روسيا لن تؤيد قرارا يصدره مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، حتى لا تكون تلك القرارات ذريعة للتدخل العسكري في سوريا كما في الحالة الليبية.
لذا وقفت روسيا ضد أية جهود تهدف إلى تدويل القضية السورية، وأبدت رفضها لأى عقوبات دولية بما في ذلك العقوبات الأحادية كالعقوبات الأمريكية والأوربية، ومن هذا المنطلق أحبطت روسيا بالتعاون مع الصين مشروع قرار مجلس الأمن في 4 أكتوبر2011 والذي كان هدفه إدانة النظام السوري الذى كان يهدد بتوجيه إنذار نهائي وفرض الجزاءات على السلطات السورية، وهذا النهج يتعارض مع مبدأ التسوية السلمية للأزمة على أساس حوار وطني سوري شامل.
أما الأساس من مشروع القرار الروسي الصيني المقدم لمجلس الأمن، فيكمن في منطق احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية لسوريا وكذلك مبدأ عدم التدخل، بما في ذلك التدخل العسكري في شؤونها، ومبدأ وحدة الشعب السوري، والامتناع عن المواجهة، ودعوة الجميع لإجراء حوار متوازن وشامل يستهدف تحقيق السلم المدني والوفاق الوطني. ويمكن تلخيص أهم نقاط هذا المشروع فيما يلي:
1-الحل يتم عبر عملية سياسية شاملة بقيادة سورية، مع التشديد على التزام الحكومة السورية بتنفيذ برنامج الإصلاحات الذي أعلنت عنه، بجدول زمني واضح وحل القضايا الخلافية بالحوار بين السلطة والمعارضة بما يشمل تشريع التقدم نحو التعددية السياسية من خلال اعتماد قانون انتخابي جديد وإصلاحات دستورية.
2-مطالبة جميع الأطراف في سوريا بوقف العنف، بما في ذلك الاستخدام غير المتناسب للقوة من قبل السلطات السورية، وإدانة نشاطات المجموعات المتطرفة و السماح بالوصول السريع وبدون عوائق للمساعدة الإنسانية و الدولية، وكذلك الإفراج عن جميع المعتقلين.
3-دعوة السلطات السورية إلى محاسبة جميع المسؤولين عن أعمال العنف وبدء تحقيقات فورية ومستقلة وحيادية في جميع حالات انتهاك حقوق الإنسان.
4-ضرورة حل الأزمة الحالية في سوريا بالطرق السلمية دون أي تدخل عسكري من الخارج، وألا يحمل أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي ما يمكن أن يفسر على أنه تفويض بأي نوع من التدخل العسكري في سوريا من قبل أي كان.
استخدمت كلاً من روسيا والصين لحق النقض لإحباط مشروع القرار العربي الغربي المقترح في مجلس الأمن في 5 فبراير 2012؛ نظرا لأن الاقتراحات الغربية المضادة كانت تلقي بالمسؤولية على عاتق الحكومة السورية، ملزمة إياها وليس المعارضة بالانسحاب من المدن، فبعد طرح الجامعة العربية مبادرتها لحل الأزمة السورية في مجلس الأمن لكي تصبح ملزمة للنظام السوري صاغت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، مشروع قرار يدعو إلى حل الأزمة السورية من خلال إنهاء أعمال العنف والمظاهر المسلحة ونقل السلطة إلى نائب الرئيس، وإجراء انتخابات حرة نزيهة تقود إلى ديمقراطية تعددية في البلاد.
ورفضت روسيا القرار لأنه لم يُشر صراحة إلى عدم التدخل الدولي في حالة عدم التزام سوريا به ويفرض على الحكومة السورية عقوبات بموجب الفصل السابع، فضلا عن أن موسكو رفضت تنحي الأسد، وفضلت أن يكون الحل سلميا وبمبادرة دبلوماسية.
وساندت روسيا والغرب بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية، ومن بعدها بعثة السلام التي قام بها “كوفي عنان” المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وفي ربيع 2012 دعمت موسكو والعواصم الغربية بشكل رسمي ما سميت “خطة عنان”، والتي تضمنت وضع حلول سياسية داخلية تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعب السوري ومخاوفه، ووقف جميع أطراف النزاع أعمال العنف المسلحة بجميع أشكالها تحت مراقبة الأمم المتحدة لحماية المواطنين و ضرورة تأمين جميع أطراف النزاع منافذ لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة من الصدامات المسلحة في البلد والامتثال إلى الهدنة الإنسانية لمدة ساعتين يوميا، إضافة إلى أنه يجب على السلطات السورية أن تطلق سراح جميع المعتقلين الذين شاركوا في الحملات الاحتجاجية فورا، كما يجب عليها أن تؤمن حركة حرة للصحفيين، وأن تحترم حرية التجمعات والحق في التظاهرات السلمية.
من جانبها فقد وافقت روسيا على القرار رقم 2042 الذي صدر عن مجلس الأمن بالإجماع في 14 أبريل 2012، والذي تضمن نشر مراقبين دوليين في سوريا للإشراف على وقف إطلاق النار والنظر في التزام سائر الأطراف بخطة عنان للسلام.
واستخدمت روسيا والصين من جديد حق النقض في 19 يوليو 2012 ضد مشروع قرار غربي قدمته بريطانيا وضع بنودا من خطة عنان تحت الفصل السابع.
كما استخدمت كل من روسيا والصين في 22 مايو 2014 حق النقض ضد نص مشروع قرار فرنسي قاضي بإحالة الملف السوري بدءا من مارس عام 2011 للنائب العام في المحكمة الجنائية الدولية، ويشدد المشروع على أن التحقيق الدولي في الجرائم بسوريا يجب أن يكون منحصرا في النزاع بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة وهو بند يهدف حسب اعتقاد موسكو، إلى منح الحصانة للولايات المتحدة في حال تدخلها المحتمل عسكريا بسوريا. وقد وصف مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة “فيتالي تشوركين” طرح المشروع للتصويت بأنه “حيلة دعائية ستضر بالجهود المشتركة لإيجاد سبل لتسوية الأزمة في سوريا بالوسائل السلمية”، وأوضح “تشوركين” عقب جلسة التصويت أن “هذا القرار هو محاولة لاستخدام المحكمة الجنائية الدولية لتأجيج المشاعر السياسية والتدخل العسكري الخارجي”.
وبالرغم من التحركات الدبلوماسية الروسية لمنع التدخلات الخارجية و إسقاط النظام في سوريا، تركزت بالأساس على دورها في مجلس الأمن باعتبار أن قراراته ذات طبيعة إلزامية تندرج ضمن بنود الفصل السابع، إلا أن روسيا لم تكتفي بهذا فقط، بل عملت جاهدة على إيقاف أي قرار صادر عن مؤسسات الأمم المتحدة رغم أنها غير ملزمة.
فقد اعترضت روسيا على قرار الجمعية العامة الصادر في 3 أغسطس 2012 وهو القرار الذي أعدت السعودية مشروعه ونص على إدانة استخدام العنف الذي تمارسه الحكومة السورية، وتسريع عملية الانتقال السياسي للسلطة، ورأته روسيا غير متوازن ويمثل التفافا على قرارات مجلس الأمن، كما صوتت موسكو أيضا ضد قرارات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الصادرة بشأن سوريا في أبريل وأغسطس 2011 ويونيو 2012 بحجة رفض استخدام الآليات الحقوقية من أجل التدخل في الشؤون الداخلية وتحقيق الأهداف السياسية التي تتعارض مع قواعد الشرعية الدولية، وتخالف ميثاق الأمم المتحدة الذي يقوم على مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها.
المبادرات الروسية لتسوية الأزمة السورية:
كان الخلاف الرئيسي بين موسكو والعواصم الغربية والتركية والعربية تتمثل في إصرار روسيا على أن حل الأزمة السورية يجب أن يتم بأيدي السوريين أنفسهم، وأنه يجب على الأطراف الخارجية الامتناع عن التدخل أو معاقبة سوريا، وبدلا من ذلك حثت موسكو الأطراف الخارجية على الضغط على الشركاء السوريين الذين لديهم تأثير عليهم بحيث تضغط موسكو على سوريا في حين تضغط واشنطن وحلفائها على المعارضة بهدف دفعهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
بدأت هذه المبادرة الروسية بتعيين الكرملين مبعوثا رئاسيا خاصا إلى سوريا وهو نائب وزير الخارجية “ميخائيل بوغدانوف”، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، والرسالة التي كان يتعين عليه إيصالها إلى طرفي النزاع في سوريا كانت “ابدأوا بالحوار واعملوا من أجل مصالحة وطنية”.
وعبرت روسيا عن استعدادها لاستضافة مفاوضات بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة في موسكو، وكذلك الاتصالات الهادفة إلى توحيد المعارضة السورية، وقد طرحت في مبادرة عقد مؤتمر دولي يتعلق بسوريا تحت رعاية الأمم المتحدة، ضرورة إشراك الفاعلين الإقليميين المؤثرين الذين تتصدرهم إيران إلى جانب قطر والسعودية ولبنان والأردن والعراق وتركيا، إضافة إلى منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي، بينما رفضت واشنطن تماما إشراك إيران في هذا الاجتماع، لذلك يختلف المؤتمر الذي تقترحه موسكو جوهريا عن مؤتمرات مجموعة “أصدقاء سورية” التي قاطعتها روسيا ورفضت المشاركة فيها، لكونها ضارة وتقتصر أعمالها على إيجاد مختلف الذرائع لإطاحة الحكومة السورية آنذاك، بدلا من السعي إلى تنفيذ خطة كوفي عنان.
لقد أثمرت المساعي الروسية في حل الأزمة السورية سلميا بتحرك الأمم المتحدة بعقد مؤتمر دولي ومشاركة جميع الأطراف المحلية والدولية فيه، حيث اجتمعت “مجموعة العمل الدولية حول سوريا” في جنيف بدعوة من “كوفي عنان” مبعوث الأمم المتحدة و الجامعة العربية إلى سوريا، وشارك في الاجتماع وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى تركيا، كما حضر عن الجانب العربي، كلاَ من أمين عام الجامعة العربية، ووزراء خارجية العراق، والكويت، وقطر، كما شارك أمين عام الأمم المتحدة “بان كي مون”، ومسؤولة الشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي “كاثرين شتون”.[43]
وصدر بيان جنيف 1 في 30 يونيو 2012 و تم الإعلان فيه عن أن أي تسوية سياسية للأزمة السورية يجب أن تتضمن مرحلة انتقالية من خصائصها: توفير مستقبل يمكن أن يشارك فيه السوريون كافة، وتحديد خطوات واضحة وفق جدول زمني حاسم باتجاه تحقيق ذلك المستقبل، وأن تكون هذه التسوية قابلة للتحقق في مناخ من الأمن والاستقرار للجميع، وأن يتم التوصل لهذه المرحلة الانتقالية بسرعة دون مزيد من إراقة الدماء والعنف.
وحدد البيان الخطوات الرئيسية في المرحلة الانتقالية وأهمها:
1-تشكيل حكومة انتقالية توافقية تشمل أعضاء من الحكومة السورية الحالية والمعارضة.
2-إجراء حوار وطني بناء شامل بين جميع فئات الشعب السوري، يخرج بنتائج تسهم في وضع الأساس الأولى للبناء الدستوري والقانوني للنظام السوري الجديد، و إجراء انتخابات حرة ونزيهة تشترك فيها جميع الأحزاب.
3-العمل من أجل إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد عن طريق تعاون جميع الأطراف مع الحكومة الانتقالية لضمان وقف دائم لأعمال العنف ونزع السلاح وإعادة دمج الجماعات المسلحة بالقوات الأمنية .
4-إعادة عمل المؤسسات الحكومية والموظفين بما فيها القوات العسكرية والأجهزة الأمنية على أن تؤدي تلك المؤسسات عملها وفقا لحقوق الإنسان والمعايير المهنية وأن تعمل تحت قيادة عليا تحظى بالثقة العامة.
من جانبه أشاد وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” بنتائج هذا المؤتمر خاصة وأن موسكو بذلت جهدا لتغيير مشروعه الأولي، ووفقاَ ل لافروف كان هذا المشروع يضم جملة عن وجوب استثناء الأشخاص الذين يقفون ضد السلام، وهذا يتعارض مع مطلب أن تكون العملية السياسية في سوريا شاملة ومع فصل ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، كما أنه يتعارض مع منطق البيان الذي ينص على ضرورة تقرير مصير سوريا من قبل السوريين أنفسهم، وأضاف ولهذا كان إصرارنا على حذف التأكيد على ضرورة استثناء أي فاعل من العملية السياسية، إلا أن الخارجية الأمريكية صرحت بأن هذا الاتفاق يمهد الطريق لمرحلة ما بعد الأسد وأن أيامه في السلطة أصبحت معدودة، في حين صرح وزير خارجية روسيا بأن اتفاق جنيف لم يشترط تنحي الأسد، بل حاولت روسيا استخدام ذلك البيان لتحقيق عدد من الأمور أهمها:
فرض تفسيرها الخاص بذلك البيان عبر الإصرار على اعتبار الأسد جزءا أساسيا من تلك المرحلة الانتقالية، ثم ربط مصير الأسد وبقائه بإرادة الشعب في تلك الفترة؛ لذا أدى الاختلاف في تفسير البيان الختامي الصادر عن اجتماع جنيف إلى فشله و عدم تطبيق بنوده.
ولقد أدى هذا الفشل إلى استقالة المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي أنان من مهمته في 2 أغسطس 2012، وجرى تعيين وزير الخارجية الجزائري الأسبق “الأخضر الإبراهيمي” في 17 أغسطس 2012 مبعوثا أمميا وعربيا إلى سوريا، لكن الموفد الجديد وصل إلى النتيجة نفسها وكاد أن يستقيل لولا اتفاق وزير الخارجية الروسي “لافروف” ووزير الخارجية الأمريكي “كيري” في مايو 2013 والذي نص على عقد مؤتمر دولي جديد لحل الأزمة السورية استنادا إلى بيان جنيف 1.
ورغم تعثر الجهود الروسية في إنجاح المؤتمر الدولي الأول لحل الأزمة السورية سلميا، إلا أنها استطاعت أن تجنب سوريا والمنطقة بأكملها حرب جديدة، فقد لعبت روسيا دورا محوريا في منع توجيه ضربة عسكرية أمريكية للنظام السوري ونجحت الدبلوماسية الروسية في إيجاد حل دبلوماسي للأزمة.
وفي 21 أغسطس 2013 وردت أنباء عن هجوم بسلاح كيميائي على مناطق بريف دمشق أدى إلى مقتل مئات الأشخاص، وذلك بعد وصول فريق خبراء الأمم المتحدة إلى سوريا للتحقيق في معلومات عن استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، لكن نفت مصادر أمنية سورية اشتراك السلطات السورية في هذا الهجوم، قائلة إن استخدام أسلحة كيميائية في أول يوم لعمل فريق الخبراء الأمميين هو “انتحار سياسي”.
وعلى إثر هذه الأحداث أكد الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” خلال اجتماعه مع المسؤولين في الكونغرس على ضرورة “محاسبة” الرئيس السوري بشار الأسد إثر الهجوم المزعوم بالسلاح الكيميائي في ريف دمشق، وصرح أوباما بأن العملية العسكرية في سورية ستسمح بتقييد قدرة الجيش السوري على استخدام السلاح الكيميائي، في حين حذر وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” الدول الغربية من “تكرار أخطاء الماضي” في سورية، والتدخل فيها بدون قرار من مجلس الأمن الدولي ودعا إلى انتظار نتائج تحقيق خبراء الأمم المتحدة، لافتا إلى أن الدول الغربية لم تقدم أي أدلة على استخدام القوات الحكومية السورية للسلاح الكيميائي.
ولقد أفضت التحركات الدبلوماسية الروسية في ظل الإصرار الأمريكي على توجيه ضربة عسكرية لسوريا، إلى طرح روسيا لمبادرة تجنبها الدخول في حرب، حيث أعلن وزير الخارجية الروسي في مؤتمر صحفي عقد في 9 سبتمبر 2013 أنه إذا كان من شأن فرض رقابة دولية على الأسلحة الكيميائية السورية أن يوقف التدخل العسكري في سورية، فإن روسيا على استعداد للعمل مع الجانب السوري بهذا الشأن، ودعا دمشق ليس فقط إلى وضع مستودعاتها للسلاح الكيميائي تحت الرقابة الدولية، بل أيضا لإتلافها فيما بعد، وانضمام سورية الكامل إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهى المبادرة التي وافق عليها كلا من النظام السوري والعديد من الدول، وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
ونجحت روسيا من خلال هذه المبادرة في تحقيق نصر دبلوماسي، إذ أثبتت نفسها كقوة فاعلة لا يمكن تجاوزها في الأزمة السورية، ونجحت في منع توجيه ضربة عسكرية لسوريا، وتزامن هذا مع استعراض قواتها في شرق المتوسط في رسالة واضحة بأنها لن تسمح بتوجيه أي ضربة لإسقاط النظام، كما عززت موقعها على الساحة الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى تأكيد موسكو على المبدأ الذي تنادي به وهو عدم التدخل في الشئون الداخلية مقابل مبدأ التدخل الإنساني الذي تتبناه القوى الغربية، كذلك نجحت في فرض رؤيتها السياسية الخاصة بمؤتمر جنيف 2.
وقد شكل انعقاد مؤتمر جنيف 2 في 2014 بداية لانطلاق مسار تفاوضي يمثل “الطريق الوحيد” المتفق عليه حتى الآن لحل الأزمة السورية؛ لذلك فإن الأطراف الراعية له روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة سوف تصر على استمراره حتى إن لم يحقق نتائج سريعة، لأن توقفه والاعتراف بفشله يعني اتخاذ قرارات لا أحد يريد اتخاذها فقد كان اقتناع هذه الأطراف يتمثل في أن الأزمة السورية بتعقيداتها وتشعباتها لا يمكن “حلها” أو تحقيق اختراق كبير في تسويتها من الجولة الأولى أو حتى في المدى المنظور. الوفدان الروسي والأميركي لم يتدخلا في مسار التفاوض وجلساته إلا عندما تعقدت الأمور برفض النظام بيان جنيف 1 ،وتزايد احتمال انسحاب أحد الطرفين أو كليهما من المؤتمر، فاضطر الوفد الروسي إلى العودة من موسكو، والتدخل لإقناع وفد النظام بقبول جنيف 1 والموافقة على مناقشة الهيئة الإنتقالية علما بأن مؤتمر جنيف 2 هو أول مؤتمر تشترك فيه وفود من النظام السوري والمعارضة وتجلس لطاولة المفاوضات.
بعد ثلاثة أسابيع من انطلاقه أعلن الوسيط الأممي الأخضر الإبراهيمي، أن المفاوضات بين وفد المعارضة والنظام السوري قد انتهت؛ معلناَ في الوقت نفسه عن وصول هذه المفاوضات إلى طريق مسدود، بسبب خلافات بين الطرفين ترتبط بالدرجة الأولى بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية في سوريا، فممثلو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة أصروا على بدء مناقشة هذا الأمر بما في ذلك عدد أعضاء هذه الحكومة الائتلافية وصلاحياتها، إلا أن وفد دمشق الرسمي أكد على أولوية مكافحة الإرهاب، بالتالي لم توفر الجولة الأولى من مؤتمر جنيف 2 أي تقدم، ولتجنب فشل المحادثات، دعا “بان كي مون” إلى مشاركة نشطة في العملية السلمية من قبل روسيا والولايات المتحدة الأميركية.
لقد ألقى أيضا مشروع قرار الممرات الإنسانية الذي وزعته دول غربية وعربية بشأن الوضع الإنساني في سوريا على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وكان بناء على الطلب الذي تقدمت به منظمة العفو الدولية من أجل إيصال مساعدات إنسانية إلى سوريا، ألقى بظلاله على مؤتمر جنيف2، حيث اعتبر سيرغي لافروف أن مشروع القرار الذي قدم لمجلس الأمن حول الوضع الإنساني في سوريا غير مقبول بالنسبة لموسكو، كما أشارت لاستخدام حق النقض ضد المشروع .
لا ينص القرار على عقوبات فورية في حال عدم احترام بنوده، لكن يترك المجال مفتوحا أمام مجلس الأمن، وبطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي يجب أن يرفع تقريرا خلال مهلة ثلاثين يوما لاتخاذ إجراءات إضافية في حال عدم تطبيق القرار، وأوضح دبلوماسيون أن موسكو ترفض بشكل قاطع أي إشارة علنية عن عقوبات ضد حليفها السوري وقد سعت طيلة المحادثات إلى التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إلى دمشق وكانت هذه من النقاط الصعبة خلال مفاوضات استمرت نحو أسبوعين، لذلك فقد فشلت أيضا المباحثات الثلاثية التي جمعت وزيري خارجية كل من الولايات المتحدة وروسيا و المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي، خاصة و أن روسيا لم تغير موقفها تجاه النظام السوري وجددت رفضها لممارسة أي ضغط عليه.
وتم عقد مؤتمر فينيا 1 في 30 أكتوبر 2015 واشتركت به كافة الأطراف الدولية والمعنية بالأزمة وذلك بهدف الوصول لتسوية شاملة للأزمة السورية، وفي 14 نوفمبر 2015 عُقد مؤتمر فينيا 2 ومن خلالهما تم الاتفاق على مجموعة من المبادئ لتسوية الأزمة أهمها الحفاظ علي وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، وتم الاتفاق علي وقف إطلاق النار خلال الستة الأشهر الأولي من عام 2016 دون أن يشمل التنظيمات الإرهابية وإطلاق حوار سياسي في مطلع عام 2016، ولابد من إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة إلا أن الخلاف ظل قائما كما هو حول مصير الأسد، حيث تتمسك موسكو بأن مستقبل سوريا يحدده السوريون فقط من خلال الانتخابات.[44]
حاولت روسيا أن تقسم المعارضة وتقضى عليها عبر:
محاولة منع قيام اعتراف دولي بذلك الائتلاف الوطني المعارض، والذى كان يعد ممثلا عن قوى الثورة والمعارضة، كذلك دعت روسيا إلى قيام مؤتمرات حوارية (موسكو 2,1 ) بهدف إنشاء معارضات تحمل أفكارا أقرب إلى مواقفها، ولكن المعارضة المسلحة في النصف الأول من عام 2015 نجحت فى تحقيق مكاسب أدت إلى فشل المشاعر الروسية.
حاولت روسيا أن تخلق مساعي دبلوماسية جديدة عبر التوجه نحو دول الجوار فعملت على استخدام عنصر الإرهاب، فقامت بوضع تحالف يحمل مسمى “إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية- داعش”، وقد كان ذلك التحالف يضم كلا من النظام السوري والسعودية وتركيا والأردن، وبالتالي نجحت في ترتيب اجتماع بين المسؤول الأمني السوري الأول، اللواء علي مملوك، ووزير الدفاع السعودي الأمير “محمد بن سلمان” في جدة في يوليو.
ومع فشل محاولات روسيا لتحقيق أي إنجاز عبر إقناع السعودية بقبول صيغة الحل المقدمة من روسيا بهدف حل الأزمة السورية، فقررت روسيا أن تتدخل مباشرة إلى جانب النظام بسبب وصوله إلى مراحل متقدمة من الضعف وهو ما قد يهدد بانهياره أمام فصائل إسلامية تعادي كلا من النظام وتنظيم داعش، وهو بدوره سيؤدى لفقدان جميع الاستثمارات السياسية الروسية في الأزمة السورية، وهو ما يتزامن مع ظهور مؤشرات عدة تدل على فقدان روسيا نفوذها بدرجة عالية في المناطق التي يسيطر عليها النظام لصالح إيران وحزب الله.
وقد تسببت الأزمة السورية في فيض من اللاجئين السوريين إلى أوروبا، وهى ما كانت سببا فى تحقيق روسيا تقدما عظيما، حيث تم إفراز خطابا أوروبيا جديداً من كلا من (ألمانيا، النمسا، إسبانيا، بريطانيا، المجر) يدعو إلى ضرورة الانفتاح على روسيا والتعاون معها لإيجاد حل يمنع تدفق اللاجئين حتى إذا تطلب الأمر التعاون مع الأسد، أو التخلي عن مطلب رحيله في الوقت الراهن.
جدير بالذكر أن روسيا قد قامت بعقد سلسلة لقاءات الآستانة الثلاثي مع كلا من تركيا وإيران.[45]
استضافت العاصمة الكازاخية آستانة 3 اجتماعات في سياق جهود حل الأزمة السورية. وانعقد الاجتماع الأول، في يناير 2017، برعاية تركية روسية، ومشاركة إيران والولايات المتحدة ونظام بشار الأسد والمعارضة السورية المسلحة، لبحث التدابير اللازمة لتثبيت وقف إطلاق النار في سوريا. وفي اجتماع “الآستانة 2″، في فبراير 2017، تم الاتفاق بين روسيا وإيران وتركيا على إنشاء آلية حازمة لمراقبة وقف إطلاق النار، لكن المحادثات انتهت حينها دون صدور بيان ختامي. واختتمت الجولة الثالثة من محادثات “الآستانة 3″، منتصف مارس من العام 2017، في العاصمة الكازاخية، بالاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية تضم كلا من روسيا وتركيا وإيران لمراقبة الهدنة. كما استضافت روسيا وتركيا وإيران 3 قمم على مستوى القادة وفق صيغة اجتماعات آستانة. ومنتصف سبتمبر من العام 2017 ، أعلنت الدول الضامنة لمسار الآستانة (تركيا وروسيا وإيران) توصلها إلى اتفاق على إنشاء منطقة خفض توتر في إدلب، وفقًا لاتفاق موقع في مايو من العام ذاته. وفي إطار الاتفاق، تم إدراج إدلب ومحيطها (شمال غرب)، ضمن “مناطق خفض التوتر”، إلى جانب أجزاء محددة من محافظات حلب (شمال) وحماة (وسط) واللاذقية (غرب). ومنذ منتصف أكتوبر، واصلت القوات المسلحة التركية تحصين مواقع نقاط المراقبة على خط إدلب-عفرين؛ بهدف مراقبة “منطقة خفض التوتر” في إدلب. وكان آخرها أنه اختُتمت في العاصمة الكازاخية نور سلطان، الأربعاء 22 ديسمبر 2021، الجولة الـ17 من مباحثات “آستانة” حول سوريا، دون تقديم أي جديد فيما يتعلق بتطورات الأوضاع السياسية والميدانية في سوريا. وقد حضر الجولة وفود الدول الضامنة للمسار والدول المشاركة بصفة مراقب والأمم المتحدة، إضافة إلى وفدي المعارضة السورية والنظام السوري. وكان البيان الختامي الصادر عن الدول الضامنة لمسار “آستانة” (تركيا، روسيا، إيران)، في ختام تلك الجولة، أكد مجددًا على ما تم تأكيده خلال الجولات السابقة. فقد أكدت الدول الضامنة على سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، إذ تم الاتفاق على أن الأمن والاستقرار الدائمين في منطقة شمال شرقي سوريا لا يمكن أن يتحققا إلا على أساس الحفاظ على سيادة البلاد وسلامة أراضيها. ورفض ضامنو “آستانة”، مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة بذريعة مكافحة الإرهاب، وجددوا عزمهم على الوقوف بوجه الأجندات الانفصالية في شرق الفرات الهادفة إلى تقويض وحدة سوريا وتهديد الأمن القومي لدول الجوار. وأعربوا عن قلقهم البالغ من تزايد الأعمال العدائية وجميع أشكال القمع من قبل الجماعات الانفصالية ضد المدنيين في شرق الفرات، وجددوا معارضتهم للمصادرة والتحويل غير القانونيين لعائدات النفط التي ينبغي أن تعود إلى سوريا. وجدد البيان التأكيد على مواصلة العمل المشترك لمكافحة الإرهاب، وضرورة التعاون المستمر من أجل القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” وجميع الأفراد والجماعات والمشاريع والكيانات الأخرى المرتبطة بهما. وأوضحوا أن الدول الضامنة اتفقت على بذل المزيد من الجهود لتحسين الوضع الإنساني في المنطقة ومحيطها، والحفاظ على الهدوء على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات بشأن إدلب. أكد البيان على الدور المهم للجنة الدستورية في جنيف، ودعا إلى عقد جولتها السابعة في أقرب وقت ممكن بنهج بناء من قبل الأطراف السورية.وشدد على الحاجة إلى تسهيل العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا، امتثالًا للقانون الإنساني الدولي، بما يضمن حقهم في العودة وحقهم في الحصول على الدعم. تمكنت من تخفيف التوترات في سوريا، ومدى المواجهة المسلحة بشكل كبير، كما انخفض عدد الاستفزازات على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب بنسبة 90%”. اختُتمت الجولة الـ16 من مباحثات “آستانة” التي انطلقت في العام 2017، وتضمّن البيان الختامي التأكيد على دفع العملية السياسية في سوريا، إضافة إلى بنود ملفات مكررة في كل جولة (مكافحة الإرهاب، عودة اللاجئين، مصير المعتقلين، تبادل الأسرى، اللجنة الدستورية، وغيرها). وجاءت الجولة الـ17 بتمثيل منخفض من الدول الضامنة مقارنة بالجولات السابقة، إذ يشارك من الجانب الروسي ممثل الرئيس الروسي الخاص في سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ومن الجانب التركي رئيس قسم سوريا في الخارجية التركية، السفير سلجوق أونال، ومن الجانب الإيراني مستشار وزير الخارجية للشؤون السياسية، علي أصغري حاجي. وصرح المتحدث باسم وفد المعارضة المشارك في الاجتماعات، أيمن العاسمي، أن “مسار (أستانة) برمّته بعد 16 جلسة لم نشهد فيه نتائج ملموسة واضحة، وكان النظام يرتكب جرائم بمناطق المعارضة”. وقال إن “اللجنة الدستورية، وهي النقطة الأساسية التي أنجزها هذا المسار، لم تشكل فارقًا في الحل”، معتبرًا أن “الأجندة الأساسية هي التهدئة والميليشيات الانفصالية المنتشرة في الشمال، وخاصة بمنطقة تل رفعت ومناطق شرق الفرات وهي أساس الجولة.[46]
المبحث الثاني/ الوسائل الاقتصادية:
تعتبر الوسائل الاقتصادية واحدة من أهم وسائل تحقيق أهداف السياسة الخارجية، وأكثرها تأثيرا فى علاقات الدول ببعضها البعض، وقد عملت روسيا على استخدام هذه الوسيلة لتحقيق أهدافها الاقتصادية ومنها تحقيق مصالح اقتصادية كضمان لموارد استراتيجية وزيادة الاستثمارات والحصول علي أسواق جديدة، وبما أن منطقة الشرق الأوسط تمثل سوقاً هاماً ذات قوة استيعابية كبيرة للصادرات الروسية من السلع الاستراتيجية فقد اهتمت روسيا بتطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع مختلف دول المنطقة وخاصة الدول السورية محل الدراسة. [47]
الدعم الاقتصادي الروسي للنظام السوري:
رفضت روسيا تماما كافة أشكال العقوبات الأمريكية والأوربية على سوريا متضمنة العقوبات الاقتصادية وأصرت على أن فرض العقوبات، لابد وأن يكون من خلال مجلس الأمن الدولي، وفي حالات الضرورة القصوى فقط، حيث رفضت روسيا فى 24 أغسطس 2011 مشروع القرار الذى تم تقديمه إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات على سوريا وهددت باستخدام الفيتو ضده، وقد تضمن المشروع فرض حظر كامل على توريد الأسلحة إلى دمشق، كذلك تجميد أرصدة عدد من المسئولين السوريين ومن بينهم بشار الأسد واستمرت روسيا فى تقوية علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع سوريا ووفرت لها دعما كاملا فى مواجهة العقوبات الأمريكية والأوربية والعربية.
وفى 18 أغسطس 2011 قامت واشنطن بفرض عقوبات جديدة على سوريا تضمنت تجميد كافة الأصول السورية سواء الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية أو تلك التي تقع تحت سيطرة الاختصاص القضائي للولايات المتحدة، كذلك نصت العقوبات على منع الأمريكيين من إجراء أي استثمارات أو تقديم أي خدمات تصديرية لسوريا، كذلك توقفت الولايات المتحدة عن استيراد المنتجات النفطية السورية، وقامت بإضافة أسماء شركات سورية إلى القائمة السوداء منها شركة “سيترول” وشركة “النفط السورية”.
وصرحت وزارة الخارجية الروسية أواخر أغسطس 2012 بأن العقوبات أحادية الجانب التي فرضتها بعض الدول ضد سوريا التي تتخذ منها روسيا موقفا سلبيا لا تعتبر مبررا للتراجع عن المشاريع والبرامج الاقتصادية المشتركة المتفق عليها مع سوريا بشأنها مشيرةَ إلى موضوع القرض المالي الذي طلبته دمشق من روسيا، كذلك دعمت روسيا دمشق عبر طباعة أوراقاً نقدية سورية جديدة في روسيا لاستبدال الأوراق المتهالكة ودفع المرتبات والنفقات الحكومية بعد أن رفضت الشركة التابعة للبنك المركزي النمساوي الطباعة منذ فرض عقوبات الاتحاد الأوربي على سوريا عام2011، فقد قامت روسيا بطباعة وضخ أكثر من 240 طن من الأوراق النقدية لصالح النظام خلال صيف 2012، في محاولة لإنقاذ اقتصاده المنهار ومن أجل تمكين دمشق من دفع رواتب الجيش المستحقة منذ ربيع عام 2011، حيث أن السلطات الروسية سلمت إلى الحكومة السورية خلال يوليو وسبتمبر 2012 ما بين 120-240 طناَ من الأوراق المالية، وأصرت روسيا على امتناعها وعدم مشاركتها بأي شكل من الأشكال في أي من العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها من قبل الاتحاد الأوروبي على سوريا وأنه تم إقرارها دون الرجوع لروسيا في سبتمبر 2011، وشملت قطاع البترول، والامتناع عن شراء السندات الصادرة عن الحكومة السورية، وعدم السماح بإنشاء أي فروع للبنوك السورية في دول الاتحاد الأوروبي، أو الانخراط في مشروعات مشتركة مع المؤسسات المالية الأوروبية، وعدم قدرة سوريا على التمتع بالتسهيلات المالية التي يوفرها بنك الاستثمار الأوروبي.
كذلك نجد أن سعى روسيا لتطوير العلاقات الروسية السورية على الصعيد الاقتصادي وتقديم الدعم لا يصب فقط في مصلحة سوريا ولكن حتى أن الوضع الاقتصادي الداخلي فى روسيا مرتبط بما يحدث في سوريا وقال يوشنكا عضو مجلس الشعب الروسي: “ليس لدى روسيا خيار إلا دعم الحكومة السورية، ومهما أظهر الغرب قوته وعناده، فإن روسيا ستواصل عن طريق هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، في حرصها وحفاظها على موقفها تجاه دمشق؛ لافتاً إلى أن روسيا ستعطي أولوية قصوى تتمثل في تأمين القمح والمواد الغذائية التي تحتاجها سوريا وتوصيلها في أسرع وقت ممكن؛ نظراً لأن أغلب المناطق التي يخرج منها القمح تقع تحت سيطرة المسلحين، فضلاَ عن تقديم المساعدات الإنسانية التي بلغت نحو 3 أطنان من المواد الغذائية والأدوية وحليب الأطفال وكراسي للمعوقين، وللتضامن السياسي، ولنثبت للعالم أن روسيا مازالت إلى جانب سورية شعباً وقيادةً، علماً أن الحكومة الروسية أرسلت أول دفعة من المساعدات للشعب السوري التي بلغت 26 ألف طن من القمح، كذلك أعلن “جينادي جاتيلوف” نائب وزير الخارجية الروسي أن روسيا ستزيد من كمية المساعدات الإنسانية لسوريا عبر إرسال كميات إضافية إلى برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة وإلى اليونيسيف وعبر القوات الثنائية الروسية السورية.
وقد عملت السياسة الروسية على دعم الحكومة والمعارضة في نفس الوقت، وهو الأمر الذي اتضح من خلال اللقاء الذي جمع بين وفد المجلس الوطني السوري برئاسة جورج صبرا(وهو المجلس الذي كان يقوم بتأمين وصول المساعدات اللازمة لاغاثة الشعب السوري وتأمين السلاح اللازم للجيش السوري الحر للدفاع عن المدنيين ) ونائب وزير الخارجية الروسي (ميخائيل بوغدانوف)في إسطنبول في 20 نوفمبر 2012 والذي خصص لمناقشة الدور الروسي في سوريا، فقد أقر الجانب الروسي بالجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق الشعب السوري، كما أخبره المسؤول الروسي بأنه لا مشاركة لأي خبير عسكري على أرض المعركة السورية فاتفق الفريقان على استمرار التواصل بين الطرفين في ضوء المستجدات الدولية والعربية ولاسيما لجهة الاعتراف بالائتلاف الوطني، كما قامت روسيا بدعمها فى مواجهة العقوبات الأمريكية والعربية والتركية، ففي 18 أغسطس 2012 قام وفد برئاسة “قدري جميل” نائب رئيس الوزراء السوري آنذاك للشئون الاقتصادية بزيارة روسيا لبحث مساعدة موسكو لدمشق في تخطى الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات المفروضة عليها، وتم الاتفاق على أن تقوم موسكو بتقديم قرض لسوريا، وكمية من العملة الصعبة والاستمرار في تصدير النفط ومشتقاته إلى سوريا، كما أن تقوم إيران وروسيا والصين بدعم نظام الأسد مالياً بمبلغ قدره 500 مليون دولار شهرياً من المعاملات المالية، تشمل صادرات النفط وخطوط تأمين مفتوحة وأيضاً ستساعد سوريا ضد ما سماه المؤامرة الأجنبية لإغراق الليرة السورية. [48]
كما نجد أيضا أن الاتفاقيات الاقتصادية طويلة الأجل تظهر مقدار رعاية الدولتين لعدد من الاستراتيجيات معا فى المستقبل، والذى ترتب عليه فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية الأمريكية على سوريا والذى أدى لفقدانها معظم آبار النفط الخاصة بها، ولكن تزداد روسيا في توقيع مزيد من الاتفاقيات الاقتصادية مع الحكومة السورية بهدف منع الولايات المتحدة من فرض سيطرة كاملة على الشرق الأوسط، فالتعاون الاقتصادي بين البلدين كان أهم خطوة على طريق تحطيم إرادة الغرب على الأراضي السورية في الاجتماع الذي عقد في عام 2018 بين نائب رئيس الوزراء الروسي والرئيس السوري بشار الأسد.
كما مارست روسيا عددا من السلوكيات لإنعاش الاقتصاد السوري، بالإضافة للعلاقات التجارية بينهم فقد عرضت السلطات الروسية على الرئيس السوري بشار الأسد فكرة تحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية السورية، خاصة بعد ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 27% عام 2018 مقارنة بعام 2017، وذلك لتنشيط الاقتصاد السوري عبر مضاعفة هذا المعدل باتباع سياسات أكثر نشاطاً، حيث لا تتوقف العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين على الإنفاق العسكري فقط، بل يمتد أيضاً إلى خطوط الأنابيب ومشاريع الطاقة كجزء من هذا التعاون. [49]
كذلك دعت روسيا شركاء الأعمال السوريين المحتمل إقامة العلاقات معهم إلى حضور المعارض والمنتديات بما فى ذلك معرض “Arabia-Expo” في موسكو ومنتدى “يالطا” الاقتصادي الدولي الخامس في شبه جزيرة القرم، وتؤكد روسيا أن الجهود التي تبذلها لضمان الأفضليات التجارية لسوريا يتوقف على مقدار استعداد سوريا لتطوير علاقات تجارية مع شبه جزيرة القرم، كذلك ترى روسيا مجموعة الإصلاحات الاقتصادية السورية عبر منظور متعدد الأركان يتمثل في:
أولاَ- تمثلت رؤية روسيا للإصلاحات الاقتصادية السورية بكونها هدف وطني يتطلب ضرورة حشد الموارد المحلية عبر التعاون بين الدولة السورية ورجال الأعمال، وتنمية بيئة دولية صديقة لسوريا دون مزيد من تسيس الصراع السوري.
ثانياَ- تهتم روسيا عبر مجتمع الأعمال الروسي مستقبل الإصلاح الدستوري في سوريا، أي عمل اللجنة الدستورية السورية مع الكثير من التوقعات بإعادة التوحيد الاقتصادي وإيجاد حل حقيقي لمشكلة الأكراد وضرورة فتح سبل أكبر لجذب التمويل الواسع النطاق من مصادر أجنبية.
ثالثاَ- تعمل روسيا جاهدة على إقناع الدول الغربية والعربية بتقديم تبرعات وتوفير الاستثمارات لنظام بشار الأسد، بينما ينظر العديد من رجال الأعمال الروس لنظرائهم في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى كمستثمرين مشاركين أثرياء فى عملية إعادة إعمار سوريا.
رابعاَ- تحاول روسيا أن تسرع من عملية إعادة الإعمار بهدف السماح للاجئين السوريين للعودة إلى ديارهم، كذلك تطلب من بيروقراطي الأمم المتحدة التخلي عن نهج “الحل السياسي يأتي قبل إعادة الإعمار”، على الرغم من النقص المنهجي في تمويل برامج الأمم المتحدة الإنسانية المتعلقة بسوريا.
وقد قام “بوريسوف” نائب رئيس الوزراء الروسي بزيارة سوريا في سبتمبر عام 2020، حيث أعلن حينها استمرار موسكو في دعم سوريا في حربها على الإرهاب وكذلك في جهودها الرامية إلى إعادة إعمار البلاد، كما أكد على بقاءه على اتصال وثيق مع رئيس القسم السوري من اللجنة السورية الروسية الحكومية المشتركة “منصور عزام”؛ مضيفا أن الجانبين بحثا خلال لقائهما تفاصيل “التعاون الثنائي على مستوى الوزراء المختصة وتحديد سبل تفعيله في مختلف المجالات”. [50]
هناك العديد من الآثار الاقتصادية المتوقعة على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية:
من التداعيات الأكثر فداحة التي ستتأثر بها سوريا جراء الغزو الروسي لأوكرانيا هي الآثار الاقتصادية السلبية والتى يمكن أن تكون مدمرة إذا ما طال أمد هذه الحرب، حيث أن سوريا تقوم بالأساس على استيراد المواد الغذائية والنفطية والغاز من روسيا إلى جانب أوكرانيا، وهو ما سيزيد من شدة وطأة العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، هذا بخلاف أن العقوبات المفروضة على روسيا، والتي بدأت تهدد قطاعي الغاز والنفط من شأنها التأثير بقوة على الداخل الروسي، وهو ما يعنى أن روسيا ستنشغل لفترة من الزمن – خاصة إذا استمرت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا لوقت أطول- بمعالجة أزماتها الداخلية بما يترتب عليه وقوف سوريا بمفردها في ساحة المواجهة مع أوروبا والولايات المتحدة والعقوبات الاقتصادية المرشحة للتزايد، هذا بخلاف الارتفاع الذى تشهده أسعار النفط، الأمر الذى سيكون له عدة تأثيرات وتحديات داخلية على سوريا تتمثل فى رفعها للأسعار الخاصة بمشتقات النفط، إلى جانب ذلك من المتوقع أن تؤثر تلك التطورات بدورها على قيمة الليرة السورية كما أثرت على العديد من دول العالم مثل مصر، وتراجع قدرتها الشرائية بما يزيد من الأعباء اليومية على حياة السوريين.
المبحث الثالث: الوسائل العسكرية:
سعت روسيا جاهدة لدعم النظام السوري عسكريا وتزويده بالأسلحة إذ أنه بعد اندلاع الأزمة السورية قامت روسيا بعقد اتفاق يتضمن خطة للتسلح بينها وبين سوريا وبناءا على ذلك أرسلت روسيا عام 2015 إلى مطار المزة العسكري فى دمشق 6 طائرات من طراز ميغ31 وإستمرت روسيا في تسليح سوريا وقد تسلمت العديد من الصواريخ من طراز كورنت 5 المتطورة، كما تسلمت مدفعية ميدان روسيا من عيار 130 ملم ضمن خطة التسلح التي تم توقيعها منذ سنوات بين روسيا وسوريا، ويعود بروز هذا الدعم العسكري إلى عام 2013 حيث شهد مناورات عسكرية قامت بها البحرية الروسية قبالة الشواطئ السورية في البحر المتوسط استمرت من 19 يناير إلى 29 يناير 2013، وصفت بأنها الأضخم من نوعها. [51]
وحرص الرئيس الروسي بوتين على التوضيح بأن كل الدعم والتدخل العسكري هو لمحاربة الإرهاب وأن داعش هو عدو لروسيا لذلك عليها التدخل ومحاربته، إذ أنه فى منتصف 2015، كانت حصيلة المواجهة تكمن في تنفيذ أكثر من 2289 غارة على المواقع الإرهابية والتدخل بالقصف الجوى والصاروخى الذى بدأ في 30 سبتمبر عام 2015 لصالح النظام والذى ساعد الأسد فى المحافظة على حكمه واستعادة السيطرة على مدينة حلب السورية الهامة وعدل أيضا من مسار الحرب، وتم إستئجار قاعدة حميمم البرية، إضافة إلى تمركز الروس فى قاعدة طرطوس البحرية، وفي 2016 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن انسحاب الجزء الأكبر من جنوده وكان ذلك بالتنسيق مع النظام السوري بهدف التهدئة وإجراء حوار سياسي ومواصلة المفاوضات بين الأطراف مع بقاء جزء من الجنود الروس لمحاربة الإرهاب ومساعدة النظام، وكان لها الدور الكبير في عقد مؤتمر فيينا (1و2) وهي الطرف الأساسى فيه، كما عملت على تأمين وحماية معقل الطائفة العلوية فى الساحل. ويمكن القول أن روسيا الاتحادية لها الدور في الدعم وأن الإستراتيجية الروسية استطاعت أن تؤسس لنفسها قوة واضحة والعودة إلى العالم وإجباره على الإعتراف بها بعد انهيار الإتحاد السوفيتي [52]، وربما تأمل موسكو بأن يزيد تواجدها العسكري ومشاريعها الاقتصادية في سوريا من تبعية النظام السوري لها وذلك بما يجعلها قادرة على التأثير في قراراته السياسية والعسكرية بصورة أكبر، وهناك العديد من التجارب التي تشير إلى أن نظام الأسد، وإن كان ينسق تحركاته العسكرية والدبلوماسية مع روسيا بشكل كبير، لكنه لم يخضع للرؤية الروسية بصورة تامة، ورفض لها العديد من المطالب السياسية، فقد قوض النظام السوري جهود موسكو في تشكيل حكومة وحدة وطنية في سوريا وذلك بإظهار عدم رغبته في ذلك وبمواصلته اضطهاد كل المعارضة السورية، وحتى المعارضة الداخلية التي دعت للحوار مع الحكومة السورية والتي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا، وقد أفشل النظام السوري مؤتمري “موسكو 1″ و”موسكو 2” الذي عقدته روسيا بمشاركة “المعارضة البناءة” (المعارضة المتواجدة في سوريا والتي لا تطالب برحيل الأسد)، كما منع النظام السوري سفر بعض المعارضين ممن دعتهم موسكو للمشاركة في المؤتمر، وقد تشير قدرة الأسد على تعطيل تلك المبادرات إلى ضعف النفوذ الروسي داخل أجهزة النظام السوري وهو ما جعلها دوماً أمام خيار وحيد لتكون قادرة على لعب دور ما في الصراع السوري وهو دعم الأسد عسكرياً والتخلي عن الحلول السياسية التي يتمكن نظام الأسد من إفشالها.
ونجد أن النظام السوري يعاني اليوم من خسائر عسكرية متلاحقة وقد تقلصت قدرته على ضمان السيطرة المركزية وذلك بعد تزايد أعداد المليشيات المحلية والأجنبية التي تسانده والتي تعمل خارج إطار الجيش السوري. في ضوء هذا الضعف العسكري، تأمل روسيا بأن زيادة نفوذها العسكري داخل سوريا سوف يعطيها نفوذاً سياسياً ضرورياً لدفع الأسد لتقديم تنازلات حقيقية في مفاوضات جادة مع الولايات المتحدة والدول الإقليمية، والوصول، في النهاية، إلى تسوية سياسية تحافظ على المصالح الروسية في سوريا، وقد يجعلها ذلك قادرة على استغلال المرونة التي أبداها وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” بشأن مصير الأسد، ولكن بعد أن تجيب عن سؤال كيري الأهم: “نحن مستعدون للتفاوض… هل أن روسيا مستعدة لجلب الأسد إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل لهذا الصراع؟.
الفصل الرابع/ فشل الدولة السورية والروسية قبل وبعد التدخل الروسي:
المبحث الأول: فشل الدولة السورية:
بدأت سوريا تدخل في طور الفشل والضعف منذ وصول عائلة الأسد إلى سدة الحكم عام 1970، وبدأت تظهر ملامح فشلها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وارتفعت بعد ذلك مؤشرات الفشل في سوريا وصولا إلى الأزمة الكبرى التي جاءت لتؤكد علي دخول الدولة مرحلة الفشل وهي ثورة عام 2011، وتعتبر الأزمة السورية من أخطر الأزمات العربية وأبرزها في المنطقة؛ نظراً لتطوراتها وتداعيتها داخلياً وخارجياً وتدويل هذه الأزمة وتدخل الأطراف الخارجية وأصبحت سوريا ساحة لتصفية الخلافات بين الدول ومنطقة للحرب بالوكالة، وكانت جميع المؤشرات الدولية والمحلية المختلفة تؤكد أن سوريا هي النموذج العربي الأكثر فشلا وضعفاً من بين جيرانها سواء قبل اندلاع الثورة أو بعدها، حيث استمر الحكم المطلق الذي قاد الدولة إلى الفشل والثورات التي أدت إلى انهيار مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية وفقدانها السيطرة علي إقليمها وتراجع قدرتها علي حماية مواطنيها أو تلبية احتياجاتهم، وفيما يلي سوف نستعرض مؤشرات فشل سوريا على النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
أولاَ-المؤشرات الإجتماعية:
1-ارتفعت الضغوط علي السوريين والتي تسببت فيها النزاعات المسلحة ومنها انتشار الامراض والتلوث الجوي الناجم عن الجرائم التي ارتكبتها قوات النظام ضد الشعب واستخدام الأسلحة الكيميائية بالإضافة إلى تراجع قدرة الدولة على تلبية احتياجات المواطنين وانخفاض عدد السكان الذين يحملون الجنسية السورية من 24.5 مليون منذ بداية عام 2011، وانخفضت إلى نسبة تتراوح من 18:19 مليون نسمة عام 2015، وجاء هذا الانخفاض نتيجة الحروب التي راح ضحيتها حوالي 2.3 مليون قتيل معظمهم من الشباب بالإضافة إلى هجرة المواطنين.
2-ارتفاع معدلات الهجرة ونزوح حوالي 7.6 مليون مواطن في الداخل من منازلهم والذين هجروا منازلهم بسبب الحروب والنزاعات المسلحة وانتقلوا إلى مناطق أكثر اماناً، وشكّل انتقال كل هذه الأعداد ضغوطاً على المناطق المستقبلة، وقد تسببت النزاعات المسلحة وحالة انعدام الأمن في هجرة حوالي 4.8 مليون مواطن خارج البلاد نهائياً وانتشرت هجرة العقول والأدمغة، حيث فقدت سوريا نسبة كبيرة من رأس مالها البشري، وبدأت هجرة العقول حتى قبل اندلاع ثورة 2011، إلا أنها ازدادت وبدأ العلماء والمفكرون وأصحاب الشهادات العليا في الفرار من الدولة وحاولت الدول المحيطة أن توفر لهم ملجأ آمن للاستفادة من خبراتهم.
3-تعاني سوريا منذ وصول عائلة الأسد إلى الحكم من تفرقة اجتماعية وانقسام عرقي وطائفي ومذهبي داخل المجتمع ومن المتعارف عليه أن سوريا دولة متعددة الطوائف والمذاهب سيطرت فيها الطائفة العلوية التي لا تمثل سوي 8% من نسبة السكان على كل مناصب الدولة الأمنية والسياسية والإدارية وأصحبت هي التي تحكم الطوائف الأخرى السنية والشيعية وتم استبعاد باقي الطوائف من المناصب وأصبح الحاكم يتمتع بصلاحيات واسعة وتحولت الجمهورية السورية إلى مملكة قائمة على التوريث بعد تولي بشار الأسد الحكم بعد وفاة أبيه بالإضافة إلى التمييز والتفرقة الاجتماعية والاضطهاد ضد كل مواطن لا ينتمي إلى العلويين. [53]
ثانياَ-المؤشرات الاقتصادية لفشل الدولة السورية:
تأثر الوضع الاقتصادي في سوريا نتيجة لما خلفته أزمة عام 2011، كما تأثرت باقي قطاعات المجتمع الأخرى السياسية والاجتماعية والاقتصاد السوري يعاني من حالة تدهور وانهيار تعود بالأساس إلى:
انهيار البنية التحتية وانخفاض الناتج المحلي وتراجع العائدات وانخفاض سعر العملة بالإضافة إلى العجز في الموازنة وميزان المدفوعات وارتفاع معدلات البطالة وغيرها. وكان ذلك الانهيار نتيجة للحروب وتدمير مصانع ومؤسسات الدولة وتراجع الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضت علي سوريا من جانب الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والجامعة العربية. وفيما يلي تقييم للوضع الاقتصادي السوري بالمؤشرات والأرقام:
1-تراجع القدرة الإنتاجية لمصانع الدولة؛ مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بنسبة 120% لعام 2015 وأدى إغلاق المصانع وتسريح العمالة إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب لنسبة تتراوح ما بين 55% للإناث ونسبة 70% للذكور عام 2015، وهذا يعني ارتفاع معدلات الفقر، حيث خسر 2.7 مليون مواطن وظيفته مما أدى إلى ارتفاع عدد الفقراء حسب منظمة “الاسكوا أن هناك 18 مليون مواطن سوري يعيشون حت خط الفقر الأعلى عام 2016”.
2-انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنسبة 60% في الفترة من 2010 إلى 2015، وأصبحت الحكومة السورية تولي اهتماما بالإنفاق على القطاع العسكري بدلا من الاقتصادي والاستثماري؛ مما أدى إلى انخفاض الاستهلاك وغياب الدعم عن السلع الأساسية للمواطن مثل الخبز والكهرباء وغيرها وقد تراجع النمو الاقتصادي إثر هذه الأحداث والتقلبات وازداد الدين العام للدولة.
3-تراجع عائدات النفط بسبب فقدان الدولة السيطرة على آبار البترول، حيث استولت عليها داعش والجماعات الإرهابية؛ مما أسفر عن تراجع وعجز في ميزان المدفوعات وانخفاض سعر صرف العملة، حيث كان الدولار يعادل 47 ليرة عام 2010، وتراجعت عام 2016 لتصبح 625 ليرة للدولار الواحدن ومن هنا نجد أن الوضع الاقتصادي السوري كان سيئاَ قبل الثورة ولكنه ازداد سوءاَ فيما بعد وأوشكت سوريا على الانهيار التام، حيث صنفت سوريا ضمن أفشل 9 دول على مستوى العالم عام 2015، كما قُدرت تكلفة إعادة إعمارها بحوالي (180-200)مليار دولار.[54]
ثالثاَ-المؤشرات السياسية:
أصبحت سوريا عبارة عن كيان جغرافي مفتت يفتقر فيها النظام شرعيته الداخلية والخارجية وفقد فيها السيطرة على أجزاء كبيرة من الدولة والتي سيطرت عليها الجماعات المسلحة وبرز دور الجماعات الإرهابية والمتطرفة وأصبحت فاعلاً أساسياً في الأزمة السورية، وقد بدأت ملامح الفشل السياسي في سوريا منذ تولي عائلة الأسد للحكم كما ذكرنا وتحولت الحياة السياسية بعدها إلى حكم مطلق شهد سيطرة طائفة العلويين على مفاصل الدولة وانتشرت مظاهر انتهاك حقوق الإنسان وغياب الحريات العامة وتقييد النشاط السياسي وسيادة نظام الحزب الواحد كأساس للحكم وكان من الطبيعي أن تظهر معالم الفساد في الدولة، ولكن المؤشرات التي تظهر فشل سوريا سياسياَ بعد الأزمة التي اندلعت في مارس 2011 تختلف عن سابقتها قبل الثورة وفيما يلي عرض لهذه المؤشرات:
1-فقدت سوريا قدرتها على السيطرة على معظم أراضيها حوالي (80%) والتي استولت عليها الجماعات الإرهابية الموالية لأطراف خارجية مثل “داعش وحزب الله اللبناني” التابع لإيران.
2-انتهاك النظام السوري لحقوق المواطنين، حيث استخدم النظام السوري القوة العسكرية في مواجهة المعارضة ووصل الأمر إلى حد استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً؛ لردع الثوار مما أدى إلى اندلاع الحرب في النهاية وأسفرت عن وقوع أكثر من2.3 مليون بين قتلى وجرحى بسبب العمليات العسكرية من جانب قوات النظام أو الميليشيات المسلحة والتدخل العسكري الروسي عام 2015.
3-انتشار أعمال العنف والجرائم، حيث أصبحت نسبة كبيرة من المواطنين(17%) تعمل في الاقتصاد غير المشروع، كالتهريب وتجارة الأسلحة والأعضاءالبشرية والانضمام إلى الجماعات الإرهابية المتطرفة التي ظهرت على الساحة السياسية منذ عام 2012 وتواجدت بنسبة كبيرة في الأراضي السورية ومارست العمليات التنظيمية الإجرامية ضد المدنيين وقامت بتحويل سوريا إلى مصدرللإرهاب والقلق الدولي والإقليمي.
4-لم تعد الدولة قادرة على حماية المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية كالصحة أو التعليم، حيث استهدفت المدارس والمستشفيات جراء العمليات المسلحة في السنوات الخمس من بداية الحرب وفقدت الدولة حوالي 165 مستشفى حتى عام 2015، بالإضافة إلى انهيار عدد كبير من المدارس ومرافق الدولة وارتفاع أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين بشكل كبير.
5-ظهور الانقسامات الداخلية ما بين الطوائف و المذاهب، فضلاً عن التصارع على السلطة، فقد حدثت الانشقاقات داخل صفوف الجيش وبين النخب والأحزاب السياسية وارتفعت معدلات الفساد في الحكم والنظام السياسي لتحتل سوريا المرتبة رقم 154 من أصل 168 دولة لعام 2015، وفقا لمنظمة الشفافية العالمية. [55]
رابعاَ-التدخلات الخارجية:
منذ أن بدأت الأزمة في سوريا عام 2011 شهدت اهتماماَ كبيراَ من جانب الأطراف الدولية والإقليمية وتحركت نحوها العديد من الدول وتم تدويل الأزمة لتشهد بعد ذلك سلسلة من التدخلات الخارجية في الأراضي السورية، منها التدخل العسكري الروسي في عام 2015 لمساعدة النظام السوري وقيامه بعمليات عسكرية أدت إلى مقتل الآف المواطنين بالإضافة إلى تدخل إيران أيضاَ من خلال الميليشيات وحزب الله اللبناني لدعم نظام الأسد، كما شهدت الأزمة تدخل “قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة” بدعوى القضاء على الإرهاب، ومن ثم تحولت سوريا إلى منطقة حرب بالوكالة ومجال لتصفية الخلافات بين الدول الكبرى، وبناءاَ على ما تم عرضه فإن سوريا قد انطبقت عليها كافة معايير ومؤشرات الدولة الفاشلة ولكنها مازالت قائمة بفضل البُعد الدولي والإقليمي الذي اتخذته الأزمة. [56]
المبحث الثاني/ أثر التدخل الروسي على قضية الأكراد:
ظهرت القضية الكردية مع حزب العمال الكردستاني وتبنيه الأيديولوجية الماركسية منذ ثمانينات القرن العشرين ثم ازدادت أهمية القضية الكردية في السياسة الروسية بعد أن تولى بوتين السلطة عام 2000 وبعد أن تولى رجب طيب أردوغان رئاسة حزب العدالة والتنمية في تركيا، بالإضافة إلى أن اندلاع الربيع العربي والحرب الأهلية في سوريا عام 2011 زادوا من الإهتمام الروسي بقضية الأكراد.[57]
وتدعم روسيا الأكراد لعدة أسباب ومنها: أن بوتين يعتقد أن الأكراد بمثابة عنصر رئيسي وأساسي للتأثير وتغيير الأحداث في الشرق الأوسط وتعزيز موقعها في هذا النطاق ولإضعاف موقف تركيا والولايات المتحدة، فنجد أن موسكو ستستفيد من علاقاتها المتعددة بالجماعات الكردية ليس لتعزيز مكانتها فقط، بل ولإبعاد الأكراد عن الولايات المتحدة. وتدعم روسيا الأكراد أيضاً دعماً عسكرياً لمحاربة تنظيم داعش في سوريا؛ ولأن الأكراد يمثلون حرس حدود نشطين؛ وذلك لمراقبة خط الحدود الشمالية الذي يعبر من خلاله المقاتلون والذخائر فتنشط الجهود والقدرات سواء السورية أو الروسية لاستعادة مواقعهم، فنجد أن التدخل الروسي في قضية الأكراد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالحها الجيوسياسية. [58]
أما الحرب الأهلية في سوريا فقد بدأت عام 2011 وتدخلت روسيا عسكرياً في سوريا عام 2015 لدعم حكومة الرئيس بشار الأسد وكان التدخل بمثابة نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية وعودة روسيا إلى الشرق الأوسط كلاعب قوي بعد غيابها لعقدين [59]
وكانت روسيا تحرص على حماية حقوق الأقليات في الشرق الأوسط وتؤكد على حقهم في تقرير مصيرهم ولا سيما منذ اندلاع الثورات العربية، فمنذ الأزمة السورية وروسيا تهتم بحماية الأقليات الكردية وتواصلت مع الأكراد للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية حتى لا يحدث تطهير عرقي، إضافة إلى أن روسيا تعتبر الأكراد بمثابة قوى ضرورية في الحرب ضد تنظيم داعش، وذلك من خلال اجتماعات الروس والأكراد وبالرغم من اهتمام روسيا بالقضية التركية إلا أنها لم تقدم لهم سوى دعم إنساني واستخباراتي ولم تقدم لهم دعم عسكري ضد تنظيم داعش.[60]
وتسعى روسيا لتطوير وتحسين علاقاتها مع الأكراد والدول التي تتواجد فيها وساهمت في مساعدتهم في الأزمة السورية والحرب ضد تنظيم داعش، مما أتاح للأكراد السوريين فرصة لزيادة نفوذهم في الشرق الأوسط، كما أن الحكم الذاتي للأكراد في العراق عمل على تشجيع أكراد سوريا للحصول على حقهم في تقرير مصيرهم واستفاد حزب الاتحاد الديمقراطي السوري من دعم روسيا، ولكن روسيا استغلت الأكراد للحفاظ على نظام الأسد ولإقناع تركيا لتغيير موقفها تجاهه وأكد لافروف وزير خارجية روسيا على ضرورة سيطرة الأسد على سوريا حتى يتم توفير احتياجات الأكراد، فتعتبر روسيا بمثابة وسيط للحفاظ على الحقوق القانونية الكردية في دستور سوريا، ولكن الهدف الأساسي هو دعم نظام الأسد، ونجد أن أكراد سوريا لم يستفيدوا من دعم سوريا، حيث أن في عام 2017 تم قتل مئات الأكراد نتيجة لعملية “غصن الزيتون” التي تمت بواسطة تركيا وذلك لا يمكن حدوثه دون موافقة روسيا وتم اتهام روسيا بالخيانة ضد الأكراد، حيث أن روسيا هي التي تبسط سيطرتها على المجال الجوي لمنطقة عفرين وهي التي تسيطر على العمليات العسكرية وتستطيع عرقلتها أيضاً، ولكنها سمحت لتركيا بالوصول إلى المجال الجوي للمنطقة وسحبت قواتها من المناطق التي من المحتمل أن تتضرر وسحبت أيضاً مستشاريها الذين يتعاونوا مع قوات حماية الشعب الكردي، وبذلك تفتح روسيا مجال حركة لتركيا لتعميق الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، فالمعركة في عفرين شديدة التعقيد، حيث أن كل طرف له حساباته ومصالحه.
وبالرغم من ذلك نجد الأمر المتعلق بتعاون الأكراد مع روسيا أمر طبيعي ومفهوم، حيث أن أي مجتمع في وضع الأكراد سيتطلب أو سيحتاج إلى دعم خارجي، فيتعامل قادة الجماعات الكردية مع روسيا؛ نظراً للتاريخ الطويل بينهم ولأن روسيا لم تضغط عليهم في قضايا داخلية حساسة مثل قضايا الفساد وحقوق الإنسان، كما أنهم لا يمكنهم الاعتماد على الغرب ودعمهم؛ لأن إدارة ترامب انسحبت بشكل مفاجيء من شمال سوريا فتم وضع الأكراد تحت رحمة الغزو التركي؛ مما أدى لاقتراب الأكراد من بوتين والأسد لإنهاء المذبحة. [61]
المبحث الثالث/ كيف أثر التدخل الروسي على الحروب الأهلية والإرهاب:
أولاً-التدخلات الخارجية:
بدأت الأزمة السورية في عام 2011 على خلفية الثورات العربية أو(الربيع العربي)والتي شهدت تدخلات خارجية اخرى مثل إيران من خلال الميليشيات المسلحة وحزب الله اللبناني لدعم نظام الأسد، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى صراع نفوذ بين القوى الدولية والإقليمية الكبرى وتحديداً روسيا والتي تدخلت في عام 2015 لمحاربة الأرهاب من جهة والولايات المتحدة الأمريكية بجوار الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى للقضاء علي نظام الأسد والتدخل الروسي، ثم بعد ذلك تحولت سوريا إلى منطقة حرب بالوكالة ومجال لتصفية الخلافات بين الدول الكبرى.[62]
ثانياً-التدخل العسكري الروسي في الحرب الأهلية السورية وأثره على الإرهاب:
يعتبر التدخل الروسي في الأزمة السورية هو الأبرزفي مواقفها تجاه الثورات العربية ونقطة تحول جوهرية في مسارهذه الأزمة، كما أنه يمثل تغير جوهري في مسار السياسة الخارجية الروسية التي لم تقم باستخدام قوتها العسكرية خارج منطقة الجوار الروسي منذ انتهاء الحرب الباردة، وقد بادرت روسيا منذ اندلاع الأزمة السورية بإعلان تأييدها الكامل لنظام بشار الأسد وقابله الشعب السوري بالرفض التام واندلعت المظاهرات في الشوارع؛ احتجاجاً على هذا التدخل. وفي ضوء التوجهات الروسية المستحدثة على الساحة الدولية وارتباط مصالحها في سوريا، فقد وجهت روسيا مواردها من أجل دعم النظام السوري وعملت على توفيركافة أنواع المساعدات العسكرية والسياسية والدبلوماسية؛ لكي يستمر نظام الحكم في وجه قوات المعارضة والجماعات الإرهابية(داعش والقاعدة) كما ساعدته في المحافل الدولية ومجلس الأمن ورفضت جميع قرارات مجلس الأمن لفرض عقوبات على سوريا، ومما لا شك فيه أن روسيا كانت تهدف من وراء تدخلها في سوريا إلى استعادة وضعها الإقليمي في الشرق الأوسط وتعزيز المكانة الدولية لروسيا خاصة أمام الولايات المتحدة الأمريكية، فاتخذت الأزمة السورية ذريعة من أجل إعادة بسط السيطرة والنفوذ.
وقد بدأت روسيا تدخلها الفعلي في سوريا في 30 سبتمبر 2015، وذلك بموجب طلب تقدم به نظام بشار الأسد لموسكو ينص على طلب مساعدة القوات العسكرية الروسية لمواجهة قوات المعارضة والجماعات الإرهابية المسلحة، كانت روسيا تبرر تدخلها في الأزمة السورية بحجة أنها ترفض تدخل الأطراف الخارجية في الشئون الداخلية للدول وأنها تسعى إلى حماية شرعية نظام الأسد من عمليات استهداف مدبرة من الدول الأوروبية والجماعات المسلحة (الإرهابيين)، ولكن في حقيقة الأمر قد ساهم هذا التدخل في تعقيد الأزمة بشكل كبير.[63]
وقد كانت روسيا تهدف من وراء تدخلها في سوريا إلى القضاء على الجماعات الإرهابية، وكانت تصف هذا التدخل بأنه مدفوع للقضاء على الإرهاب، حيث كانت تخشى من تمدد هذه الجماعات إلى الحدود الروسية، وكان لديها اعتقاداً بأن”الحرب على الإرهاب” في سوريا أو القوقاز ما هي إلا قضية مفروضة على كلاً من سوريا وروسيا، وساعد هذا الاعتقاد الرئيس بوتين في تصور ذاته كزعيم يحارب الإرهاب العالمي؛ لأنه يرى أن هناك علاقة تربط إمارات القوقاز بتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى انضمام الآلاف من روسيا وسوريا إلى داعش؛ مما اضطرها إلى التدخل لمنع الهجمات الإرهابية داخل روسيا وخارجها. ولقد كان الدافع الأساسي وراء توجه موسكو في سوريا يتلخص في رغبتها في الحد من النفوذ الأمريكي في الشئون العالمية وتعزيز مكانتها كقوة عظمى؛ اعتقاداً منها أن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة قد أضر بروسيا وأن بقاؤها مرتبط بخضوع الدول الأوروبية، ومن هنا أولت موسكو اهتماماً أكبر للتصدي للهيمنة الأمريكية بدلاً من القضاء على الإرهاب.
ومن هذا المنطلق نجد أن مصطلح “الحرب على الإرهاب” ماهو إلا حجة استخدمتها روسيا للتدخل في سوريا، وهي مجرد حرب وقائية استباقية مماثلة لما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر، كما أنها بررت تدخلها في سوريا بعجز قوات التحالف الدولي في القضاء على تنظيم الدولة.
وكانت روسيا تسعى إلى ردع الغرب كجزء من الحملة العسكرية التي شنتها في سوريا عام 2015 واتضحت أغراضها في إنقاذ ودعم نظام الأسد من خلال الأسلحة التي أرسلتها إلى سوريا ونوعية العمليات العسكرية التي قامت بها، حيث قامت موسكو باستخدام الصواريخ أرض- جو والصواريخ الباليستية والطائرات والأنظمة الدفاعية في سوريا، بينما لم يكن لدى داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى قوة جوية، فقد كشفت نوعية هذه الأسلحة التي أرسلتها روسيا إلى سوريا أن محاربة الإهارب لم يكن الهدف الأساسي من التدخل، بل أن روسيا قد عززت موقف داعش في وجه معارضيها؛ لأن معظم الضربات الجوية التي نفذتها موسكو كانت خارج المناطق التي يسيطرعليها داعش فلم تتأثر هذه الجماعات بالضربات الروسية كثيرا، بل استهدفت مناطق قوات المعارضة المعتدلة المناهضة لنظام الأسد والمدعومة من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن سياسة موسكو في سوريا كانت على عكس ما تدعيه أو ترغب في تحقيقه، حيث أن روسيا قد رفضت طلباً من قوات التحالف للحصول على موافقة بالتعامل مع قوات تنظيم الدولة الإسلامية وضرب مواقعها القريبة من مدينة (التنف) ويظهر ذلك أن الدول الغربية هي التي أضعفت تنظيم الدولة (داعش) وليست روسيا. [64]
فقد النظام السوري سيطرته على أجزء كبرى من أراضي ومدن الدولة من اندلاع الأزمة الثورة في عام 2011 وكان ذلك لصالح قوات المعارضة وتنظيم داعش حيث فقد النظام السيطرة علي حوالي ثلثي أراضي الدولة، ولكن منذ ان كثفت روسيا من تدخلها العسكري في عام 2015 تغيرت خريطة السيطرة واستعاد نظام الأسد سيطرته علي جزء كبير من الدولة بنسبة تقدر بأكثر من نصف الأرض السورية، وكانت الاطراف الفاعلة في تلك الفتره هي قوات النظام وبجانبها روسيا التي تدعمها وقوات سوريا الديمقراطية بدعم من قوات التحالف الدولي والتي تأسست لمحاربة الفاعل الاخر في المشهد وهو تنظيم داعش.
بدأت العمليات العسكرية الروسية في سوريا منذ عام 2015 واستطاعت أن تعيد للنظام السورية جزء كبير من الأرض الي ان وصلت الي الثلثين حتي الأن وكان ذلك كلة من خلال العمليات العسكرية ومن ثم ظهر هناك حلول سياسية منذ عام 2017 حيث بدأ مسار اجتماعات”استانة” بين روسيا وايران وتركيا والتي تسببت في تغيير خريطة السيطرة دون اللجوء الي المعارك واسفرت تلك التفاهمات عن سيطرة الحكومة السورية علي محافظتي “درعا والقنيطرة”[65]
خريطة النفوذ في سوريا قبل التدخل الروسي
الشكل (5) يوضح توزيع القوى في سوريا في عام 2013 قبل التدخل الروسي
ويمكن توضيحها كالتالي:
يشير اللون الأحمر إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري (قوات بشار الأسد) واللون الأسود إلى مناطق نفوذ داعش واللون الأصفر يمثل الأكراد واللون الأخضر يمثل المعارضة المسلحة، بينما يشير اللون الأزرق أو الأبيض إلى جبهة النصرة. ويفسر الشكل السابق الوضع السيئ الذي كان يعاني منه النظام السوري من اندلاع الأزمة في 2011 وظهور فاعلين وأطراف أخرى في الصراع تمكنوا من السيطرة على جزء كبير من الأراضي السورية. [66]
خريطة السيطرة في سوريا بعد تكثيف التدخل العسكري الروسي في عام 2015
الشكل (6) يوضح خريطة السيطرة العسكرية في سوريا منذ نهاية 2021 وبداية 2022
حيث أن فصائل المعارضة حافظت على نسبة سيطرتها بحوالي 10.98% من مساحة سوريا تتضمن قاعدة التنف الأمريكية، بينما حافظ الجيش السوري على 63.38% وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على 25.64% من الأراضي السورية، كما يوضح الشكل السابق أن النظام السوري قد سيطر على العاصمة دمشق ومناطق الساحل واللاذقية وطرطوس وغربي سوريا، بالإضافة إلى مناطق في شرق سوريا، مثل الحسكة وحمص وحماة وحلب وريف إدلب، كما نجح في السيطرة على جرابلس والباب في فبراير 2017، فضلاً عن السيطرة على عفرين بعد عملية “غصن الزيتون”، بينما سيطر تنظيم داعش علي مساحات واسعة من الأراضي السورية خاصة المناطق الشرقية لاتصالها بالأراضي العراقية. [67]
ثالثاً-تداعيات التدخل الروسي في سوريا ونتائجه:
لقد شكّل القرار الروسي بالتدخل في الدولة السورية دهشة للكثير من دول العالم واستطاع أن يحقق إنجازات وأهداف لم تستطع أطراف أخرى تحقيقها، مثل إيران وتركيا، ومن أهمها تعزيز مكانة روسيا الدولية وإنقاذ نظام الأسد من الانهيار ولو بشكل مؤقت، إلا أن هذا التدخل لم يغير من موازين القوى القائمة، فقد انحصرهدفه في حماية نظام الأسد وإضعاف القوى الأوروبية، لكنه لم يستطع إعادة النظام كما كان من قبل أو أن يعيد للدولة أراضيها ومدنها التي استولت عليها الجماعات الإرهابية وأن الطريقة التي حاول بها تأمين نظام الأسد تركت سوريا وهي عبارة عن دولة منهكة ومنهارة اقتصاديا وعسكريا، وكان التدخل العسكري الروسي محدوداً في دمشق ومنطقة الساحل واللاذقية وحمص وإدلب وبعض المناطق الأخرى ذات الأهمية الاقتصادية لروسيا، ومن ثم فقد استطاع التدخل الروسي أن يساعد قوات النظام في وجه المعارضة وأن يحفظ ما تبقى من مواقع ذات أهمية استراتيجية وعسكرية للدولة، ولكنه لم يستطع أن يعيد للدولة المناطق التي فقدتها وأن يحقق أكثر مما حققه لصالح النظام أو إستعادة سيادة النظام الكاملة علي أراضيه، فإذا استمر الوجود الروسي في سوريا فلن يتمكن من القضاء على المعارضة أو أن يقدم الحل الجوهري الذي سوف ينهي الأزمة.[68]
وعلى الرغم من وصف موسكو تدخلها في سوريا بأنه يهدف للقضاء على الإرهاب، إلا أن هذا التدخل في بوادره الأولى استهدف قوات المعارضة السورية والتي تدعمها قوات التحالف الغربي، ومن ثم فشلت موسكو في القضاء على داعش وأذاقت الشعب السوري مرارة الحرب من خلال عملياتها العسكرية ضدهم والقصف الجوي الذي بدأته منذ تدخلها في عام 2015، والذي أدى إلى مقتل حوالي 20944 مواطن حتى عام 2021، فقد أدرك الشعب السوري أن روسيا لم تهدف إلى القضاء على الإرهاب، وإنما قتل المواطنين وتهجيرهم من منازلهم وتدمير ممتلكاتهم؛ من أجل مساعدة النظام بغض النظر عن الوسيلة، بالإضافة إلى تحويل سوريا إلى ميدان متعدد الأغراض يخدم السياسة الروسية ويعزز من نفوذها في الشرق الأوسط.[69]
واستطاعت روسيا أن تسيطر على عملية صنع القرار في سوريا وأصبحت هي المتحكم في مجرى العملية السياسية، فقد قسمت المعارضة إلى نوعين وهما معارضة معتدلة وغير معتدلة وتعمدت أن تتعاون مع بعض طوائف المعارضة السورية مثل”الجيش السوري الحر” في عملياتها السياسية والعسكرية في سوريا، ومن ثم يمكن القول أن روسيا قد عملت على توظيف بعض طوائف المعارضة من أجل الوصول إلى مراكز تنظيم داعش، ومن ناحية أخرى عملت على توظيف الإرهاب لكي يعطي لها الدعم القانوني وشرعية التدخل من خلال تعزيز فكرة الانقسامات الطائفية والمذهبية؛ لكي يشعر العالم والرأي العام بخطر الإرهاب وانتشاره.[70] بالإضافة إلى أن روسيا كانت تحلق بطائراتها يومياً في الأراضي السورية دون اعتراض أي قوى عليها وحتي القوى الأمريكية التي فرضت عليها روسيا عدم التحليق بطائراتها أثناء الغارات الجوية الروسية، مما يدل على أن موسكو نجحت في السيطرة على الوضع في سوريا واستطاعت أن تجعل الأمور تسير كيفما تشاء وتحقق بعض الانتصارات على المدى القريب وتضعف من نفوذ القوى الغربية، إلا أنها لم تستطع القضاء عليها تماماً، كما استطاعت موسكو أن تعزز علاقاتها مع تركيا وإيران ومصر وبعض دول الخليج، ولكن تلك العلاقات التركية والإيرانية لن تستمر طويلا فيما بعد كما سيتضح لنا.
وشهد عام 2021 ضربات جوية روسية لم يسبق لها مثيل في الأراضي السورية على مناطق تمركز تنظيم داعش، حيث كانت الطائرات تحلق بشكل يومي في مساحات واسعة متفرقة وفقاً لتقارير المرصد السوري فقد تم تنفيذ 12230 غارة جوية روسية في عام 2021 فقط، أدت إلى مقتل 401 عنصر من عناصرتنظيم داعش وإصابة 331 من بينهم واستهدفت هذه الضربات مناطق النفوذ التركي والإيراني، حيث أن اتفاق الشراكة لاقتسام السيطرة بينهم وبين بوتين لم يمنع موسكو من استهداف مناطق نفوذهم، فقد نفّذت روسيا أربعة غارات جوية واثنتين برية على مناطق النفوذ التركي أدت إلى مقتل حوالي 60 شخص من المدنين والقوات التركية، وأدت إلى إصابة عناصر أخرى، على الصعيد الآخر نجد أن إيران كانت تسعى إلى توطيد نفوذها في سوريا وكانت روسيا تعمل علي مواجهة هذا التمدد فيما أطلق عليه الحرب الباردة بينهم وكانت هذه الحرب لا تشمل كافة الأراضي السورية، بل شملت الجنوب السوري وغرب الفرات وفي نهاية العام الماضي حاول الطرفان السيطرة على صنع القرار في سوريا وهذا في ظل غياب شبه كامل لنظام الأسد.
كما نجحت موسكو في تعزيز تواجدها العسكري في سوريا من خلال إنشاء قواعد عسكرية في مناطق متعددة في سوريا تمتد من “ريف حلب الشرقي إلى شمال الرقة” وفي نوفمبر أنشأت القوات الروسية قاعدة عسكرية على طريق “حلب-الحسكة الدولي” بالإضافة إلى القواعد التي أنشأتها في (حميميم، وطرطوس) كما استطاعت أن تسيطر على قواعد عسكرية كانت تابعة للنظام السوري.[71]
قامت القوات الروسية بعدد كبير من حالات الاعتداء على المواطنين ومرافق الدولة السورية باستخدام أسلحة وذخائر محرمة دولياً، حيث نفذت ما لايقل عن 237 هجوماً بالذخائر “العنقودية” المحرمة دولياً، بالإضافة إلى تنفيذ 125 هجوم بالأسلحة الحارقة والكيميائية منذ تدخلها في الأراضي السورية في عام 2015 وحتي الآن أدت إلى مقتل الآلاف من المواطنين ودمرت مرافق الدولة الحيوية.[72] وفيما يتعلق بالخسائر التي تكبدتها روسيا في حربها داخل سوريا فنجد أن الخسائر العسكرية كانت محدودة للغاية شهدت مقتل بعض الضباط والطيارين، ولكن الحادث الأكبر هو مقتل الجنرال الروسي اللواء “فياتشيسلاف غلادكيخ” في مارس 2018 في محافظة دير الزور السورية، لكن عدا ذلك فإن موسكو لم تتعرض لخسائر بشرية عسكرية كبيرة كما حدث في أفغانستان؛ لأن موسكو تمارس عملياتها العسكرية من خلال سلاح الطيران، ومن ثم فهناك صعوبة في حدوث معارك برية أو اشتباكات مباشرة وفي مقابل ذلك تكبدت روسيا خسائر مالية كبيرة بسبب التكلفة المرتفعة للغارات الجوية التي نفذتها في سوريا وتشير التقارير أن هذه التكلفة تراوحت مابين 3 إلى 4 مليون دولار يومياً أي ما يعادل 7 مليار دولار منذ تدخلها، لكن الخبراء الروس يتوقعون بأن الوضع سيزداد سوءا بسبب الهجمات التي تتعرض لها القوات الروسية. [73]
أيضاً فقد حققت موسكو من دعمها العسكري لنظام بشار الأسد بعض المكاسب الاقتصادية والعسكرية، ومنها التنقيب عن الغاز والبترول، فقد وقعت عدة شركات روسية عقودات تعطيها حق التنقيب عن النفط في الساحل السوري، كما أن روسيا سعت للسيطرة علي هذا الساحل للتحكم في أسعار النفط، فضلاً عن الشركات التي عقدت اتفاقات مع الحكومة السورية للتنقيب عن النفط في مساحة تمتد من مدينة (طرطوس) إلى محافظة( بانياس) وهي المرة الأولى التي يتم فيها التنقيب عن النفط في المياة السورية، لكن كل هذه العقود مرهونة باستقرار الوضع الاقتصادي والعسكري والسياسي في سوريا وإعادة إعمار الدولة السورية، بالإضافة إلى أن روسيا استطاعت أن تحول ميناء طرطوس إلى قاعدة عسكرية لسفنها النووية وهذا في مقابل أن تسقط الديون السورية، كما أن سوريا تعتبر من أوائل الدول المستوردة للسلاح الروسي وتسعي دائما لامتلاك أحدث الأسلحة، وقد بلغت قيمة إجمالي طلب سوريا على شراء السلاح الروسي حوالي 15 مليار دولار.[74]
وحاولت روسيا عبر تدخلها في سوريا تغطية مصالحها بالجانب الإنساني واتخذت من الإرهاب ذريعة للتدخل تحت مبدأ مساعدة سوريا على التخلص من الإرهاب واستهداف مناطق تنظيم داعش إلا أن المدنيين ذاقو ويلات هذه الحرب التي بدأت في سبتمبر 2015 واستطاعت أن تحقق روسيا أهدافها وتنقذ نظام بشار الأسد من السقوط، ولكن ذلك جاء على حساب المدنيين، فقد تركت روسيا سوريا عبارة عن دولة منهارة اقتصاديا وعسكريا ودمرت البنية التحتية ومرافق الدولة الحيوية، كما أن هذا التدخل أحدث انعكاسات وتداعيات أمنية في سوريا وترك الدولة في حالة من الذعر وانعدام الأمن واستطاعت روسيا أن تؤّمن وجودها ومكانتها في الشرق الأوسط وتركت بعض القواعد العسكرية التابعة لها وبذلك غيرت من هيكل النظام الدولي الذي شهد صعود الصين وروسيا في مواجهة التحالف الأمريكي الغربي، فقد عادت لاعباً إقليمياً في الشرق الأوسط، لكنها فشلت في تحقيق هدفها المزعوم وهو القضاء على الإرهاب.
الفصل الخامس ، سيناريوهات تأثير التدخل الروسي على فشل الدولة السورية:
إن التنبؤ بالأحداث المستقبلية يعد أمراً صعباً للغاية خاصة التنبؤ بالأحداث السياسية وعند وجود صراعات وأزمات، وسوف نوضح في هذا الفصل محورين رئيسيين بشكل عام وهما “مدى نجاح روسيا في زيادة فشل الدولة السورية ” و”مدى نجاح روسيا في تقليل فشل الدولة السورية “؛ ونظراً لصعوبة التنبؤ بتلك الأحداث وصعوبة التأكيد على محور معين منهما سيتم اللجوء لإسلوب السيناريوهات والتصورات البديلة في كل محور منهما بشكل خاص.
المبحث الأول/ سيناريوهات تأثير روسيا في زيادة فشل الدولة السورية:
إن سيناريوهات زيادة فشل الدولة السورية من قبل روسيا هي الأقرب للحدوث في ظل عجز الوجود الروسي عن حل تلك الأزمة، بل إنه قام بتعقيدها فضاعف من حجم الأضرار التي وقعت على المدنيين بالإضافة لوجود قضية اللاجئين، فالسيناريوهات الخاصة بزيادة فشل الدولة السورية يمكن تصورها في ضوء تلك العناصر:
زيادة الخلافات بين القوى الخارجية مما يؤثر على الوضع الروسي.
زيادة تفكك الدولة السورية وانقسامها.
زيادة أحداث أعمال العنف والإرهاب.
زيادة المطالب الانفصالية الكردية.
زيادة أعمال الفوضى.
المسار الأول: يتمثل في تمدد الوجود الروسي واستحواذه على سوريا، وذلك الأمر قد يثير غضب بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فالوجود الروسي في سوريا يزعم أنه جاء ليحارب الإرهاب وهذا سيؤثر على مصالح الولايات المتحدة لأن أي هزيمة للإرهاب أو لقوات سوريا الديمقراطية سوف يضعف من موقفها وهذا قد يدفع الولايات المتحدة بعدم السماح بأي تمويلات لإعادة الإعمار السوري وتزداد في دعم قوات المعارضة السورية ولقوات سوريا الديمقراطية وهذا الأمر سيؤدي لزيادة الخلافات الداخلية بين القوات المعارضة وسيزداد الأمر سوءا حتى ينهار ما تبقى من الدولة السورية.
المسار الثاني: أن يؤدي الوجود الروسي إلى عقد اتفاقيات بين القوى الكبرى يترتب عليها تقسيم سوريا بينهما مما يزيد من الفشل السوري والانقسامات السياسية والنزاعات المسلحة علاوة على تبدد مواردها الاقتصادية والعسكرية وتقوم روسيا بالتراجع عن دعمها للنظام السوري وتعرقل أي مساعي لتسوية الصراع وبذلك يزداد أمد الصراع .
المسار الثالث: سيؤدي التدخل الروسي لزيادة الحركات المعارضة إلى أن يصل الأمر لانقسامات في الدولة السورية بين القوات المعارضة الداخلية فقد يحدث تفاهم دولي على خيار التقسيم الداخلي وتنقسم سوريا لدويلات دولة إسلامية ودولة علوية يديرها نظام بشار الأسد والجيش السوري والقوات الدفاعية، فبما أن التدخل الروسي في سوريا بالفعل لم يحل الصراع بل زاد من تعقيده وضاعف من حجم الأضرار على المدنيين بالإضافة لقضية اللاجئين السوريين فبالتأكيد إذا استمر في المستقبل سوف يعرقل أي وجود للسلام في سوريا فهذا السيناريو يؤكد تفكيك سوريا مما يزيد من فشلها.
المسار الرابع: أن استمرار التدخل الروسي العسكري وقيامها بدعم نظام بشار الأسد مع العجز عن تقديم أي جهود للسلام قد يؤدي لقيام المعارضين بالتمرد بهدف الاستحواذ على النظام مما يؤدي لانهياره ونشوء خليط فوضوي من الاقطاعيات في أنحاء سوريا ويزداد العنف من قبل كل المستويات المتمردة وتزداد الحروب الإرهابية ونظرا لصعوبة انتصار نظام بشار الأسد فهذا التصور يؤكد أن نظام المعارضة المتطرفة سينتصر، ومن هنا ستنتشر أجواء من التطرف والأعمال الانتقامية.
المسار الخامس: سيناريو الفوضى في حالة انشغال روسيا بالأزمة الأوكرانية، فقد تستغل الجماعات الإرهابية المعارضة ذلك الانشغال وتزيد من أعمال العنف وتقوم الجماعات الكردية بالانفصال ويسمح ذلك بزيادة تدخل القوى الخارجية مما يزيد من الصراع السوري وسيزداد عجز الدولة السورية عن بسط سيطرتها وتظهر فئة من الزعماء المسلحون يكون لديهم مصالح اقتصادية في تمديد الصراع مما يؤدي إلى زيادة معدلات اللاجئين السوريين ويحرم السوريين في الداخل من العديد من الخدمات مثل خدمة التعليم والعمل…. إلخ، فيؤكد هذا السيناريو على حتمية انتشار حالة من الفوضى العامة.
المبحث الثاني/ سيناريوهات تأثير روسيا في تقليل فشل الدولة السورية:
تعد سيناريوهات هذا المحور أقل احتمالاً في أن تحدث على أرض الواقع؛ نظراً لتعقيد الأزمة السورية ولأن التدخل الروسي لم يتمكن من حل الأزمة السورية حتى الآن، بل زاد من تعقيدها وحاول بكافة الطرق أن يمنع تدخل الأطراف الدولية التي كانت طرفاً في الأزمة ورفض كل محاولات التسوية المقدمة من التصورات، ومع ذلك سنفترض أن النجاح السوري في ظل التدخل الروسي سيحدث من خلال بعض عدة عوامل داخلية (عوامل خاصة باستقرار النظام وتغير قادته أو بقائها أو تراجع دور العنف والعمليات الإرهابية وتراجع مطالب الأكراد بالانفصال)، وعوامل إقليمية ودولية (كعقد علاقات دبلوماسية وتسويات لإجراء سلام دائم للصراع السوري)، إذن فمن السيناريوهات المتوقعة:
المسار الأول: يفترض إمكانية تراجع فشل الدولة السورية في حالة تغيير القيادة السورية من قبل روسيا، أي تنازل بشار الأسد عن الحكم وقبول الهزيمة ووصول قيادة جديدة للحكم أقل ارتباطاً بالصراع، وأن تقوم تلك القيادة بإحداث بتوسعات وتكامل اقتصادي وعسكري وتجديدات داخلية، فقد تساهم تلك العوامل في إسناد سوريا خاصةً إذا كانت جميع الأطراف سواء المعارضة أو الأحزاب السياسية بل والشعب السوري ذاته متفقة على تولية تلك القيادة، وهذا السيناريو صعب التحقيق في ظل وجود أكثر من طرف في الصراع ولكل طرف منهم أهداف وغايات متعارضة، فليست كل الأطراف هادفة للتغيير والتحول والاصلاح داخليا، بل بعضهم مدعوم من قبل أطراف خارجية مثل التحالف الغربي وتركيا ومصالحهما.
المسار الثاني: أن يزداد الدعم الروسي لنظام بشار الأسد بشكل واضح للحد من التدخلات الخارجية التركية والإسرائيلية في الشئون الداخلية السورية من خلال الدفاع الجوي المشترك بين روسيا وسوريا ومحاولة منع الأطراف الخارجية من التأثير على الأزمة السورية ومحاولة التصدي فعليا للجماعات الإرهابية، مثل داعش ومن ثم الوصول إلى وضع مستقر يمكن من خلاله الدخول في مسار دبلوماسي من قبل النظام السوري وسوريا للوصول إلى حل لهذه الازمة.
المسار الثالث: أن تنشغل روسيا بالقضية الأوكرانية وتقوم دول الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها كانقطاع العلاقات النفطية بينهما فعلى الرغم من اعتبار النفط مورد جيوسياسي في يد روسيا لكن مع اتفاق الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية على قطع تلك العلاقات النفطية خاصة مع ظهور تصريحات “بايدن” في الفترة الأخيرة برغبته في وقف تشغيل خط غاز نورد ستريم 2 الروسي، فبالطبع هذا سيؤثر على عائدات روسيا ويضعف موقفها ويقلل من وجودها في سوريا، ومن هنا تشهد الساحة السورية تحركات سياسية واقتصادية لمختلف الأطراف الدولية والإقليمية، مثل أمريكا التي باتت تسيطر على أكثر من ربع الخريطة بفضل حلفائها، بهدف تحقيق بعض المكاسب من وراء ضعف موقف روسيا وانشغالها بالأزمة الأوكرانية، وقد يصل الأمربالأطراف الإقليمية إلى القيام بتسوية سلمية للصراع السوري والتوصل إلى حل مُرضٍ لجميع الأطراف.
المسار الرابع:هذا السيناريو يفترض تحقيق مكاسب لجميع الأطراف الداخلية، بل والإقليمية والدولية مما يؤدي بدوره للتأثير على الوضع السوري، أي أنه في ظل اعتراف الأطراف الخارجية كروسيا من ناحية وأمريكا والدول الأوروبية من ناحية أخرى بأهمية العلاقات بينهم قد يصل بهم الأمر لتفاهم دولي له بنود خاصة بقضايا مختلفة منهم الصراع السوري، وأن تحقق هذه الاتفاقيات مزايا مُرضية للأطراف الداخلية والمعارضة للنظام السوري، ففي ظل تحقيق مكاسب لتلك الأطراف ستنتهي رغبة الطرف الكردي بالانفصال وستقل أعمال العنف والعمليات الإرهابية، وذلك يعتبر أولى خطوات الاستقرار في سوريا، مما يقلل من معاناة شعبها الداخلي، علاوة على إستفادة قضية اللاجئين من تلك التصورات.
الخاتمة:
إجمالاً لما تم تناوله في هذا الموضوع يمكننا القول أن روسيا تمكنت من استعادة نفوذها الدولي على الساحة الدولية من جديد واستطاعت أن تبتعد عن الايدلوجيات السابقة التي أدت إلى انهيار الإتحاد السوفيتي فتعاملت مع الواقع المعاصر بتكتيكات مختلفة تسعى من خلالها إلى بناء عالم متعدد الأقطاب تزول معه هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية العدو الأكبر لروسيا، أيضاً أدركت روسيا الممثلة في بوتين أن تخطط باحترافية كبيرة جعلتها من أكبر اقتصاديات العالم، فعندما ندرك مدى قوة القيادة السياسية ندرك تقدم وازدهار الدولة، فقد تمكنت روسيا من توسيع نطاق تجارة الأسلحة، والتي دخلت في حيز التعاون العسكري مع معظم دول المنطقة العربية وليس مجرد تجارة فقط.
ويتضح مما سبق أن سياسة روسيا الخارجية تجاه سوريا اتخذت المنحى المصلحي الذي يسعى إلى تعظيم المكاسب من وراء الكيان السوري سواء من حيث بيع الأسلحة الروسية والتي تعد سوريا سوقاً لبيع هذه الأسلحة أو الصراع من أجل الحصول على الغاز السوري في روسيا، حيث أنها أدركت أن من يملك سوريا سوف يملك طريق الدخول إلى الغاز في العالم. ولقد عرضنا مدى المعاناة التي تعيش فيها سوريا، سواء من حيث تخاذل النظام السوري أو تدخل القوى الأجنبية في شؤونها، ومن ثم الشعب هو الضحية التي ستدفع الثمن جراء هذه المؤامرات، ليس ذلك فقط بل قد تصل هذه المعاناة إلى كافة شعوب المنطقة العربية خاصة ما سببته للدول من خراب ودمار وقضايا الإرهاب الذي أصبح يتوسع ويتغلغل في العديد من الدول العربية، وقد أدت الأزمة السورية إلى العديد من النتائج:
1-من الناحية الاجتماعية، أدت الجرائم التي ارتكبها النظام ضد الشعب واستخدام الأسلحة الكيميائية إلى انتشار الأمراض والتلوث، فضلاً عن وجود انقسامات طائفية وعرقية ومذهبية عانت منها سوريا منذ وصول الأسد إلى الحكم.
2- من الناحية الاقتصادية فقد حدث انهيار في البنية التحتية وانخفاض سعر العملة بالإضافة إلى انخفاض الناتج المحلي وتراجع عائدات النفط.
3-عدم التماسك الداخلي وظهور الجماعات الإرهابية جعل الدولة غير قادرة على حماية مواطنيها، ومن هنا فقد أدت تلك الأحداث إلى حدوث تدخلات خارجية من قبل الأطراف الإقليمية والدولية ولم تكن هذه التدخلات سوى أن أدت بالأوضاع داخل سوريا من سيء إلى أسوأ.
وقد ظهرت قضايا أخرى إبان تولي بوتين السلطة مثل قضية الأكراد ودعم روسيا لهم والتي استخدمتهم كورقة إضعاف لتركيا وأمريكا، فبدأ الأكراد ينتشرون بقوة وازداد نفوذهم في الشرق الأوسط، وسوف توضح هذه الدراسة كيف أثر تدخل روسيا في سوريا على الحروب الأهلية وقضايا الإرهاب وأن مثل هذا التدخل كان مُجحفاً ولم يراع حقوق الإنسان.
4-لم تتوقف روسيا عند حد القوى العسكرية فقط، بل طورت من ذلك وأصبحت لاعباً إقتصاديا ً عملاقا ً لها دور بارز في مجال الطاقة.
5-من ضمن السمات الأساسية لتوجهات السياسة الخارجية الروسية هي سمة الربط بين المحددات الداخلية والخارجية لخدمة أهداف الأمن القومي وتحقيق المصالح الوطنية.
حوار مع السفير “محمد العرابي”:
وقد تم الرجوع إلى السفير “محمد العرابي” وزير الخارجية الأسبق للتشاور حول طبيعة السياسة الخارجية الروسية تجاه الأزمة السورية، ومعرفة رأيه فيما يتعلق بالملابسات حول هذه القضية:
التدخل العسكري الروسي في سوريا كان بمثابة تطور كبير وحاد في تواجد روسيا في منطقة الشرق الأوسط، وذلك يعتبر الأول من نوعه بتواجد قوات مقاتلة على أراضي دولة عربية، ويمكن تفسير تواجد القوات العسكرية الروسية المسلحة في سوريا في إطار عدة نقاط استراتيجية:
1- روسيا دائماً لديها حلم قديم وهو التواجد في المياه الدافئة، بحيث يكون لها أسطول بحري متواجد في منطقة البحر المتوسط بالقرب من مناطق النزاع في المنطقة، وفي نفس الوقت تعزيز تواجدها في البحر المتوسط أمام التواجد الأمريكي وتواجد حلف الناتو.
2-التواجد العسكري الروسي في سوريا كان بمثابة قفزة في السياسة الخارجية الروسية من منطلق حرصها على دعم بعض النظم الموالية لها، كنظام الأسد الذي ساعدته روسيا على البقاء في الحكم على مدار السنوات الماضية، وأيضاً أكد هذا التواجد على إهتمام روسيا بمنطقة الشرق الأوسط وقربها من مناطق التوتر ومناطق التماس الموجودة بالمنطقة، ولكنها لم تتجاوز حدود الدولة السورية سواء في الشرق أو في الجنوب، وذلك كان بمثابة سياسة حكيمة من جانبهم؛ لأن تورط قوات روسية أكبر في مناطق نزاعية أخرى من المنطقة كان من شأنه استنزاف قوات كبيرة لروسيا.
ولقد أصبح التواجد الروسي في سوريا بمثابة تشجيع للشهية الروسية للعمل في المنطقة سواء عن طريق التواجد العسكري النظامي أو تواجد بعض الشركات الأمنية مثل شركة “فاجنر” التي تتواجد في ليبيا وبعض دول الساحل والصحراء ومالي، إذن فالتواجد الروسي في سوريا يعد نقطة بداية لتغلغل أكبر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وفي الوقت الحالي نرى أن هناك علاقة بين الغزو الروسي لأوكرانيا وما يحدث في سوريا، ومن ثم فهناك سحب لأعداد غفيرة روسية من سوريا، لكي يتم دفعها للعمل في الأراضي الأوكرانية، وذلك قد يؤثر على تواجد روسيا في الأراضي السورية، ولكن ذلك قد يشجع تركيا على التغلغل داخل سوريا، وهو ما يحدث بالفعل في الوقت الحالي فيما يتعلق بالمعارك الدائرة ضد الأكراد على الأراضي السورية وما يجري من احتلال بعض القرى السورية ورفع العلم التركي عليها.
ونجد أن الوجود الروسي في سوريا لم يلق معارضة قوية من قبل القوى الدولية، بل كان هناك بعض القبول بهذا التواجد بدون إعلان من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والحفاظ على الدولة المركزية، كما أن تجربة روسيا في سوريا وعدم الوقوف ضدها من قبل المجتمع الدولي كان من أحد العوامل التي شجعتها على القيام بمغامرة عسكرية أخرى في أوكرانيا بعدما استولت على شبه جزيرة القرم وجورجيا من قبل، فنجد أن القفزة الروسية بالتواجد في سوريا كانت من إحدى العوامل التي شجعتها على التواجد الأكبر في بعض المناطق المتاخمة لها، ولكن الخسارة التي ستتكبدها في هذه المناطق سوف تكون أكبر بكثير من تلك التي خسرتها على الأراضي السورية.
قائمة المرفقات:
1-الشكل الأول يشير إلى تأثير بعض صانعي السياسة الخارجية الروسية.[75]
2-الشكل الثاني والثالث والرابع يشيران إلى مؤشرات النمو الاقتصادي الروسي من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وإجمالي هذا الناتج المحلي، فضلاً عن معدلات التضخم.[76]
3-الشكل الخامس يوضح توزيع القوى في سوريا في عام 2013 قبل التدخل الروسي.[77]
4-الشكل السادس يوضح خريطة السيطرة العسكرية في سوريا منذ نهاية 2021 وبداية 2022[78]
5-حوار السفير “محمد العرابي”.[79]
قائمة المراجع:
أولا- المراجع باللغة العربية:
الكتب:
أحمد مجباس، ” الاستراتيجية الروسية تجاه سوريا:2011-2018” (كلية العلوم السياسية جامعة تكريت، العراق 2020)
محمد السيد سليم، “تحليل السياسية الخارجية” ( جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مكتبة النهضة، الطبعة الثانية، ١٩٩٨)
محمد أحمد العقاب، “محددات السياسة الخارجية الروسية حيال سورية 2000- 2017، (الأكاديمية السورية الدولية، 2017 )
مصطفي الفقي، “العلاقات العربية الروسية: رؤي واستراتيجية تحليلية حول الدور الروسي في المنطقة العريية”، (مكتبة الاسكندرية، مركز الدراسات الاستراتيجية 2021)
الرسائل:
أحمد محمد طاهر حسن، “السياسة الخارجية الروسية تجاه المنطقة العربية، رسالة دكتوراه”، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2018)
أحمد يوسف أحمد، “الدور المصري في اليمن: 1962- 1967″، ( رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1978).
إسلام محمد جوهر، “دور التدخلات الخارجية في ظاهرة فشل الدولة، دراسة نظرية بالتطبيق على الحالة الليبية ٢٠١١”، (رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ٢٠٢٠ )
بن ملوكة ملكية، “الإستراتيجية الروسية تجاه أزمات الشرق الأوسط الأزمة السورية نموذجا”، (رسالة ماجستير، جامعة زيان عاشور، الجفلة، الجزائر، ٢٠١٧)
سهام فتحي سليمان، “الأزمة السورية في ظل تحول التوازنات الإقليمية والدولية 2011-2013″ (رسالة ماجستير، غزة، كلية الاداب والعلوم الانسانية، ٢٠١٥)
عبد العزيز الخليلي، “النظرية الواقعية وتفسير النظام الأحادي القطبية “، (برنامج ماجستير للدراسات الدولية، كلية الدراسات العليا، جامعة بيرزيت، ٢٠١٨)
علا جمال قاسم، “السياسية الخارجية الروسية تجاه الجمهورية العربية السورية: 2000-2012 “، (رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2018)
نجاة مدوخ، “السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط في ظل التحولات الراهنة: دراسة حالة سوريا 2010/2014”، (رسالة ماجستير، جامعة محمد خيضر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، (2014-2015).
المجلات العلمية:
إياد العنبر وإسحق يعقوب محمد، “مستقبل العراق: دراسة في العلاقة بين مؤشرات الدولة الفاشلة ومتغيرات انهيار الدولة”، حولية المنتدى للدراسات الإنسانية، مج1،ع19، 2014.
ريبوار عبد الرحيم عبد الله، “التدخل الروسى فى الوضع السوري الراهن: العوامل والنتائج” ( مجلة القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين، العدد ٢٠، ٢٠١٦)
سعود سويد غرموشي،“مفهوم النزاع المسلح الدولي وتميزه عن النزاع المسلح الداخلي” (مجلة الدراسات العليا، جامعة النيلين، مج ١٣، ع ٥١، ٢٠١٩)
شارلز ليستر، “حصاد التدخل الروسي فى سوريا بعد 5 سنوات”، (الشرق الأوسط، 15 أغسطس 2020، العدد١٥٢٣٦)
عارف أحميدي حسين، “الدولة الفاشلة(سوريا نموذجا)”، (مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية ،مج٤٥،ع٤، ٢٠١٨ )
نورهان الشيخ، “السياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط: هل تتجه روسيا إلي المزيد من الانخراط في أزمات المنطقة ؟”، مجلة السياسة الدولية، العدد 203)
فريق الأزمات العربي،”الأزمة السورية: إستراتيجية الخروج“، (مجلة دراسات شرق أوسطية، عدد98، 2022).
الدوريات والمواقع:
أحمد جمعة عبدالغني، رامي علي عاشور، “التوجهات الاقتصادية والسياسية لروسيا الاتحادية تجاه الشرق الأوسط: سوريا نموذجا”، (جامعة عين شمس- مركز بحوث الشرق الأوسط، أكتوبر ٢٠٢١).
https://mercj.journals.ekb.eg/article_205800.html
https://bit.ly/3ahgn92
إسراء غريب محمد، “أثر السياسة الخارجية الروسية على منطقة الشرق الأوسط :حالة الأزمة السورية” 2011 -2017″، (المركز الديمقراطي العربي، ١٧ يونيو ٢٠١٧)
https://bit.ly/3NoCLwh
إسلام منير، “التعريف بالصراع الدولي ،مراحله وأساليب إدارته”، (المركز الديمقراطي العربي، يناير ٢٠٢١).
راند عبدالحميد، ” بحث حول المنهج الوصفي التحليلي”، (مقال ،اغسطس ٢٠٢٠)
https://mqaall.com/descriptive-analytical-method/
بولمكاحل إبراهيم، “تطور اتجاهات المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية”، ( الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية ، ٢٠١٥ )
رائد جبر، “خسائر محدودة بين العسكريين الروس في سوريا رغم مقتل جنرال”، ( العالم العربي، 20 أغسطس 2020)
https://bit.ly/3M5MB4E
شدوى محمد ابراهيم بسيونى، “السياسة الخارجية الروسية تجاه الأزمة السورية فى الفترة “2011-2016”، (المركز الديمقراطى العربي، ١٣ يوليو ٢٠١٦)
شذي خليل، “حقائق مهمة..لمكاسب التدخل الروسي في سورية الاقتصادية” ( الروابط، 17 يناير 2017)
صباح نعاس، “استراتيجية السياسية الخارجية العراقية لما بعد ٢٠٠٣”، (دراسات دولية، كلية العلوم السياسية، العدد ٥١)
https://jcis.uobaghdad.edu.iq/index.php/politics/article/view/358
عفاف محمد اسماعيل، “تاثير الازمة السورية علي الواقع الاقتصادي في سوريا والتخطيط لمواجهة المعضلة الاقتصادية”، (المركز الديمقراطي العربي، فبراير 2020)
عربي لادمي محمد، “السياسة الخارجية: دراسة في المفاهيم، التوجهات، المحددات”، (المركز الديمقراطي العربي، ديسمبر ٢٠١٦)
عماد عنان، ” لماذا تصر الولايات المتحدة على دعم الأكراد في سوريا والعراق”، نون بوست، أبريل ٢٠١٧ علاء الدين السيد، “بالصور: كيف تغيرت الخريطة على الأرض في سوريا منذ اندلاع الثورة؟”، (ساسة بوست، فبراير ٢٠١٦)
https://www.noonpost.com/content/17640
فؤاد حسن، “أين وصل الصراع في سوريا”، (فرانس ٢٤ ).
https://webdoc.france24.com/syria-general-view-conflict-war/
محمد الشرقاوي، ” الجيش يسيطر على 70%.. خريطة النفوذ في سوريا منذ 2011″، (صوت الأمة، سبتمبر ٢٠٢٠).
https://bit.ly/3x5Yx1M
محمد أحمد العقاب، “محددات السياسة الخارجية الروسية حيال سورية (2000- 2017)“، الأكاديمية السورية الدولية، بحث تخرج، 2017)
محمد أحمد عبد النبي، “أبعاد تنامي العلاقات الروسية – الكردية”، (5 سبتمبر 2015)
https://bit.ly/3t50ut2
محمد أمين، منار عبدالرازق ، “بعد ١١ عاما، تحولات غيرت خارطة السيطرة في سوريا “، (روزانا راديو، مارس ٢٠٢٢)
https://bit.ly/3zfbyHU
محمد عاكف جمال، “مفهوم الحرب الأهلية” (البيان ، مارس ٢٠١٤)
https://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-03-07-1.2075139
مريم مخلوف، “مفهوم الأزمة الدولية” (الموسوعة السياسية ٢٠٢٢)
https://bit.ly/3MbXEJs
ميرا ميلوسيفيتش جواريسي، “البوتينية.. ما هي الخصائص الرئيسية للنظام السياسي الروسي الحالي، انتصار حسن (مترجم)”، (الهيئة العامة للاستعلامات، مارس 2018، تم الرجوع إليه 24 مارس 2022)
https://www.sis.gov.eg/Story/160024?lang=ar
مغازي البدراوي، “المياة الدافئة حلم روسي منذ عهد القياصرة: روسيا في سوريا…الحرب والسلام” (البيان، نوفبمر2015
https://www.albayan.ae/one-world/directions-bearings/2015-11-21-1.2510665
يحيى سعد، “المنهج التاريخي”، (دراسة للاستشارات والدراسات، فبراير ٢٠٢٢).
https://drasah.com/Description.aspx?id=3130
يمان نعمة “ماذا حققت روسيا بعد 6 اعوام علي تدخلها بسوريا” (عربي21، 30 سبتمبر 2021 )
https://bit.ly/3N7oSCs
الحرة “تقرير يستعرض نتائج التدخل الروسي في سوريا لعام 2021”(المركزية، ديسمبر 2021)
https://arbne.ws/3m1Yvlc
وحدة تحليل السياسات في المركزالعربي، “حدود التدخل العسكري الروسي في سورية وأفاقة“،( المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ٢٠١٥)
https://www.dohainstitute.org/ar/lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/document_6CDAD7EE.pdf
الأسد يلتقي في دمشق نائب رئيس الحكومة الروسية، RT بالعربية، ٢٢ يونيو ٢٠٢١.
CNBC عربية، “كيف كان أداء الاقتصاد الروسي تحت حكم بوتين”، أكتوبر 2021.
https://www.cnbcarabia.com/news/view/89735
“مفاوضات أستانا ” حول سوريا.. 3 ملفات على طاولة الجولة 17“، العين الإخبارية،2021/12/21 .
https://al-ain.com/article/astana-negotiations-syria
English References
Books:
Bechev Dimitar, nicu popescu, others, “Putin’s the foreign policy in the middle East and the North Africa”, (I.B.taunis, Brittan, 2021)
Bielicki Paweł, “Policy of the Russian Federation towards Kurds in the Syrian Conflict”, (University of Casimir the Great in Bydgoszcz, Poland, 2017.)
Borshchevskaya Anna, “THE RUSSIAN WAY OF WAR IN SYRIA: Threat Perception and Approaches to counterterrorism.” (Sep2020)
Thesis:
RUMER EUGENE, “Russia in the Middle East: Jack of All Trades”, (Master of None, OCTOBER 31, 2019)
Periodicals:
Bandanas Azuela’s, ‘‘Russia’s Interests in the Syrian Conflict”: European Journal of Economic and Political Studies, December 19, 2013.
Borshchevskaya Anna, The Kurdish Role in Russia’s Middle East Power Play, Jul 29, 2020.
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/kurdish-role-russias-middle-east-power-play
Jan Asad, the determinates of Russian foreign policy in Syrian civil War, research gate, 2019, accessed 25 march.
https://www.researchgate.net/publication/337399979_THE_DETERMINATS_OF_RUSSIAN_FOREIGN_POLICY_IN_SYRIAN_CIVIL_WAR
Saelebakke Karna Buggeland, Into the Quagmire “Explaining Russia’s Military Intervention in Syria, (University of Oslo, 2016).
https://www.duo.uio.no/handle/10852/55106
Wieclaeski Jacek, “contemporary realism and the foreign policy of Russian federation”, (academic science policy blog, 2018.
https://www.researchgate.net/publication/262875774_Contemporary_Realism_and_the_Foreign_Policy_of_the_Russian_Federation
[1] عارف أحميدي حسين، “الدولة الفاشلة (سوريا نموذجا)”، (مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية ،مج٤٥،ع٤، ٢٠١٨ )
[2] سهام فتحي سليمان، “الازمة السورية في ظل تحول التوازنات الاقليمية والدولية 2011-2013″، (رسالة ماجستير،غزة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية،٢٠١٥)
[3] عفاف محمد إسماعيل، “تأثير الأزمة السورية علي الواقع الاقتصادي في سوريا والتخطيط لمواجهة المعضلة الاقتصادية”، (المركز الديمقراطي العربي، فبراير 2020) https://democraticac.de/?p=64786
[4] Karna Buggeland Sælebakke, Into the Quagmire? Explaining Russia’s Military Intervention in Syria, (University of Oslo, 2016)
[5] أحمد مجباس، “الاستراتيجية الروسية تجاه سوريا”2011-2018″، (كلية العلوم السياسية جامعة تكريت، العراق 2020(.
[6] وحدة تحليل السياسات في المركزالعربي، “حدود التدخل العسكري الروسي في سورية وآفاقه”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ٢٠١٥.
[7] شارلز ليستر، “حصاد التدخل الروسي في سوريا بعد 5 سنوات “، (مجلة الشرق الأوسط، عدد ١٥٢٣٦، أغسطس ٢٠٢٠)، يطلب من الرابط التالي:
https://bit.ly/3MPZ65c
[8] . الحرة، “تقرير يستعرض نتائج التدخل الروسي في سوريا لعام 2021” (المركزية، ديسمبر 2021)، يطلب من الرابط التالي: https://bit.ly/3vFvLoh
[9] Anna Borchvskaya , The Kurdish Role in Russia’s Middle East Power Play, Jul 29, 2020
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/aldwr-alkrdy-fy-lbt-alqwt-alrwsyt-fy-alshrq-alawst
عماد عنان ، “لماذا تصر الولايات المتحدة على دعم الأكراد في سوريا والعراق”، ( نون بوست، أبريل ٢٠١٧) من الرابط التالي:
https://www.noonpost.com/content/17640
[10]
[11] ٢- سعود سويد غرموشي، “مفهوم النزاع المسلح الدولي وتميزه عن النزاع المسلح الداخلي”، (مجلة الدراسات العليا،جامعة النيلين، مج ١٣، ع ٥١، ٢٠١٩، ص ١٥٨-١٥٩)
[12] محمد عاكف جمال، “مفهوم الحرب الأهلية” (البيان، مارس ٢٠١٤)، يطلب من الرابط التالي:
https://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-03-07-1.2075139
[13] إسلام منير، “التعريف بالصراع الدولي ،مراحله وأساليب إدارته”، (المركز الديمقراطي العربي، يناير ٢٠٢١).
[14]إسلام محمد جوهر، “دور التدخلات الخارجية في ظاهرة فشل الدولة ،دراسة نظرية بالتطبيق على الحالة الليبية ٢٠١١”، (رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ٢٠٢٠ ص ١٩-ص٣٠)https://democraticac.de/?p=72099
[15]إياد العنبر وإسحق يعقوب محمد، “مستقبل العراق: دراسة في العلاقة بين مؤشرات الدولة الفاشلة ومتغيرات انهيار الدولة”، حولية المنتدى للدراسات الإنسانية، مج1،ع19، 2014، ص157-188. https://www.iasj.net/iasj/article/96418
[16] صباح نعاس، “استراتيجية السياسية الخارجية العراقية لما بعد ٢٠٠٣”، (دراسات دولية، كلية العلوم السياسية، العدد ٥١، ص١١٣-ص١١٧)
[17] أحمد يوسف أحمد، “الدور المصري في اليمن”، 1962- 1967، رساله دكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1978، ص9
[18] إسلام محمد جوهر، “دور التدخلات الخارجية في ظاهرة فشل الدول” دراسة نظرية مع التصنيف على الحالة الليبية منذ عام 2011، رسالة دكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2020، ص77
[19] محمد السيد سليم، “تحليل السياسية الخارجية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مكتبة النهضة، الطبعة الثانية، ١٩٩٨، ص٣٣٩-ص٣٤٣”
[20] عبد العزيز الخليلي، “النظرية الواقعية وتفسير النظام الأحادي القطبية “، (برنامج ماجيستير للدراسات الدولية، كلية الدراسات العليا، جامعة بيرزيت ،٢٠١٨، ص ٨٣-٨٦ )
[21] إبراهيم، “تطور اتجاهات المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية”، ( الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية ، ٢٠١٥ )، يطلب من الرابط التالي: https://bit.ly/3FeJ02q
[22] Jacek wieclaeski, “contemporary realism and the foreign policy of Russian federation” , ( academic science policy blog, 2018 p9,10)
[23] راندا عبدالحميد، “بحث حول المنهج الوصفي التحليلي”، (مقال، أغسطس ٢٠٢٠)
https://mqaall.com/descriptive-analytical-method/
[24] عربي لادمي محمد، “السياسة الخارجية: دراسة في المفاهيم، التوجهات، المحددات”، المركز الديمقراطي العربي، ديسمبر 2016، متاح على: https://democraticac.de/?p=41719، تم الرجوع إليه 13 مارس 2022.
[25] أحمد محمد طاهر حسن، “السياسة الخارجية الروسية تجاه المنطقة العربية”، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2018، ص58-63
[26] محمد أحمد العقاب، “محددات السياسة الخارجية الروسية حيال سورية (2000- 2017)”، الأكاديمية السورية الدولية، 2017، ص 18-24
[27] ميرا ميلوسيفيتش جواريسي، “البوتينية.. ما هي الخصائص الرئيسية للنظام السياسي الروسي الحالي“، انتصار حسن (مترجم)، الهيئة العامة للاستعلامات، مارس 2018، تم الرجوع إليه 24 مارس 2022، يطلب من الرابط التالي:
https://www.sis.gov.eg/Story/160024?lang=ar
[28] محمد أحمد العقاب، مرجع سبق ذكره، ص15-16
[29] نجاة مدوخ، السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط في ظل التحولات الراهنة ( دراسة حالة سوريا 2010/2014)، رسالة ماجستير، جامعة محمد خيضر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، (2014-2015)، ص57-59
[30] CNBC عربية، كيف كان أداء الاقتصاد الروسي تحت حكم بوتين، أكتوبر 2021، تم الرجوع إليه 24 مارس 2022، يطلب من الرابط التالي:
https://bit.ly/3NjO4G3
[31] علا جمال قاسم، “السياسية الخارجية الروسية تجاه الجمهورية العربية السورية، (2000-2012)“، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2018، ص46-48
[32] Dimitar bechev, nicu popescu, others, “Putin’s the foreign policy in the middle East and the North Africa”, I.B.taunis, Brittan, 2021, pp39-51
[33] Asad Jan, “the determinates of Russian foreign policy in Syrian civil War”, research gate, 2019, pp9-10, accessed 25 march, URL: https://bit.ly/3ya4agj
[34] أحمد محمد طاهر حسن، مرجع سبق ذكره، ص70-78
[35] أحمد مجباس حميد، مرجع سبق ذكره، ص 13-15.
[36] ريبوار عبد الرحيم عبد الله، “التدخل الروسى فى الوضع السورى الراهن( العوامل والنتائج)”، مجلة القانون والسياسة، جامعة صلاح الدين، العدد 20، 2016، ص22.
[37] أحمد مجباس حميد، مرجع سبق ذكره، ص16-17.
[38] Azuela’s Bandanas, ‘‘Russia’s Interests in the Syrian Conflict”: European Journal of Economic and Political Studies, December 19, 2013.p 63.
[39] ريبوار عبد الرحيم عبد الله، مرجع سبق ذكره، ص22-23.
[40] ريبوار عبد الرحيم عبد الله، مرجع سبق ذكره، ص21-22.
[42] “حدود التدخل الروسى فى سورية وآفاقه”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سبتمبر 2015، ص 2
[43] نجاة مدوخ ، مرجع سبق ذكره ،ص183-176
[44] نورهان الشيخ، “السياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط: هل تتجه روسيا إلي المزيد من الانخراط في أزمات المنطقة ؟”، مجلة السياسة الدولية، العدد 203،ص 117
[45] شارلز ليستر، “حصاد التدخل الروسي فى سوريا بعد 5 سنوات”، الشرق الأوسط، 15 أغسطس 2020، العدد١٥٢٣٦
[46] “مفاوضات أستانا” حول سوريا.. 3 ملفات على طاولة الجولة 17، العين الإخبارية،2021/12/21 ، https://al-ain.com/article/astana-negotiations-syria
[47] إسراء غريب محمد، “أثر السياسة الخارجية الروسية على منطقة الشرق الأوسط”:حالة الأزمة السورية”2011-2017″، المركز الديمقراطي العربى، 17 يونيو 2017.
[48] شدوى محمد إبراهيم، “السياسة الخارجية الروسية تجاه الأزمة السورية فى الفترة “2011-2016”، المركز الديمقراطى العربي، 13 يوليو 2016.
[49] أحمد جمعة عبدالغني، رامى على محمد، “التوجهات الاقتصادية والسياسية لروسيا الاتحادية تجاه الشرق الأوسط”: سوريا نموذجا، جامعة عين شمس- مركز بحوث الشرق الأوسط ،أكتوبر2021، ع 68، ص169.
[50] الأسد يلتقي في دمشق نائب رئيس الحكومة الروسية، RT بالعربية، 22 يونيو 2021
[51] أحمد مجباس حميد، مرجع سبق ذكره، ص22.
[52] بن ملوكة ملكية، “الإستراتيجية الروسية تجاه أزمات الشرق الأوسط الأزمة السورية نموذجا”، رسالة ماجستير، جامعة زيان عاشور، الجفلة، الجزائر، 2017 ،ص87.
[53] عارف أحميدي حسين، مرجع سبق ذكره، ص164-165.
[54] عفاف محمد إسماعيل، مرجع سبق ذكره، ص 28.
[55] عارف أحميدي حسين، مرجع سابق، ص 165-168
[56] فريق الأزمات العربي، “الأزمة السورية: استراتيجية الخروج”، (مجلة دراسات شرق اوسطية، عدد98، 2022) http://mesj.com/new/ArticleDetails.aspx?id=849
[57] فؤاد حسن ، “أين وصل الصراع في سوريا”، ( فرانس24 ).
https://webdoc.france24.com/syria-general-view-conflict-war/
[58] Paweł Bielicki,” Policy of the Russian Federation towards Kurds in the Syrian Conflict”, University of Casimir the Great in Bydgoszcz, Poland, 2018.
[59] EUGENE RUMER, Russia in the Middle East: Jack of All Trades, Master of None, OCTOBER 31, 2019
https://carnegieendowment.org/2019/10/31/russia-in-middle-east-jack-of-all-trades-master-of-none-pub-80233
[60] محمد أحمد عبدالنبي، “أبعاد تنامي العلاقات الروسية – الكردية”، 5 سبتمبر 2015.
https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/708/%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8
[61] Anna Borshchevskaya, The Kurdish Role in Russia’s Middle East Power Play, Jul 29, 2020
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/aldwr-alkrdy-fy-lbt-alqwt-alrwsyt-fy-alshrq-alawst
فريق الأزمات العربي، “الأزمة السورية: استراتيجية الخروج”، مرجع سبق ذكره. [62]
مصطفي الفقي، “العلاقات العربية الروسية (رؤي واستراتيجية تحليلية حول الدور الروسي في المنطقة العريية)”، (مكتبة الإسكندرية، مركز الدراسات الاستراتيجية 2021، ص53:70)[63] http://search.mandumah.com/Record/803601
[64] Anna Borshchevskaya. THE RUSSIAN WAY OF WAR IN SYRIA: Threat Perception and Approaches to counterterrorism. Sep2020, page from 3to 8. https://www.google.com/url?sa=t&source=web&rct=j&url=https://www.fpri.org/wp-content/uploads
[65] محمد الشرقاوي، “الجيش يسيطر على 70%.. خريطة النفوذ في سوريا منذ 2011”، (صوت الأمة، سبتمبر ٢٠٢٠) من الرابط التالي: الجيش يسيطر على 70%.. خريطة النفوذ في سوريا منذ 2011 | صوت الأمة (soutalomma.com)
[66] علاء الدين السيد، “بالصور: كيف تغيرت الخريطة على الأرض في سوريا منذ اندلاع الثورة؟”، (ساسة بوست، فبراير2016)
من الرابط التالي:
https://www.sasapost.com/syria-war-map/
[67] محمد أمين، منار عبدالرازق، “بعد 11 عاما تحولات غيرت خارطة السيطرة في سوريا “، (روزانا راديو، مارس2022)
من الرابط التالي: بعد 11 عاماً.. تحولات غيّرت خارطة السيطرة في سوريا – روزنة (rozana.fm)
وحدة تحليل السياسات في المركزالعربي، “حدود التدخل العسكري الروسي في سورية وآفاقه”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2015، ص4[68]
شارلزليستر، مرجع سبق ذكره.[69]
مغازي البدراوي، “المياة الدافئة حلم روسي منذ عهد القياصرة: روسيا في سوريا…الحرب والسلام”، (البيان، نوفبمر2015 https://www.albayan.ae/one-world/directions-bearings/2015-11-21-1.2510665 )[70]
الحرة “تقرير يستعرض نتائج التدخل الروسي في سوريا لعام 2021″، (المركزية، ديسمبر 2021). https://www.almarkazia.com/ar/news/show/370566/تقرير-يستعرض-نتائج-التدخل-الروسي-في-سوريا-لعام-202 [71]
يمان نعمة “ماذا حققت روسيا بعد 6 اعوام علي تدخلها بسوريا”، (عربي21، 30 سبتمبر 2021[72]
m.arabi21.com
رائد جبر، “خسائر محدودة بين العسكريين الروس في سوريا رغم مقتل جنرال”، ( العالم العربي، 20 أغسطس 2020)
limited casualties among russian military personnel in syria despite the death of a | general middle east (aawsat.com) [73]
شذي خليل، “حقائق مهمة ..لمكاسب التدخل الروسي في سورية الاقتصادية”، ( الروابط، 17 يناير 2017) https://rawabetcenter.com/archives/38734 [74]
[75] Valdai discussion club, Russian elite, Moscow, july 2013
[76] Cnbc عربية، أكتوبر 2021
[77] ساسة بوست، فبراير 2016
[78] المرجع السابق.
[79] محمد العرابي، “طبيعة السياسة الخارجية الروسية تجاه الأزمة السورية“، دينا لملوم، عن طريق الواتساب، 5 مايو 2022