أنشأ التوسعُ العمراني الجديد، في ظل الحرب، معالم مدينة جديدة في العاصمة اليمنية (صنعاء)، إذ يأتي ما يعرف بـ«مديرية صنعاء الجديدة» تتويجاً لمخططات وأنشطة الانقلابيين الحوثيين لإنشاء حزام طائفي يحيط بالعاصمة، من خلال التهافت للسيطرة على الأراضي، وإنشاء وحدات سكنية لأثرياء الانقلاب، في وقتٍ يحاول فيه البسطاء النجاة بأملاكهم من تغول الجماعة العقاري.
ويحاول السكان في جنوب العاصمة (صنعاء) الإسراع ببيع أراضيهم وعقاراتهم قبل أن تصل إليها أيدي النافذين الحوثيين، وعلى الرغم من أن معظمهم يعمل على تخفيض سعر ما يملكه من عقار من أجل سرعة البيع، فإن مخاوف المشترين من أطماع القادة الحوثيين، مع معوقات عدة، تمنع إتمام أعمال البيع والشراء في تلك المناطق بالصورة المطلوبة.
ومن تلك المعوقات، وفق مصادر «الشرق الأوسط»، أن ممارسات الميليشيات الحوثية خلال السنوات الماضية في السلب والنهب أثارت مخاوف الملاك من الاستيلاء على أراضيهم وأملاكهم التي أنفقوا أعمارهم من أجلها، أو حصلوا عليها عن طريق ميراث من آبائهم، كما أن تلك الممارسات نفسها تمنع أي شخص من التفكير في الشراء؛ خوفاً من ضياع ثروته.
وإلى جانب ذلك، فإن الميليشيات، وعبر هيئة الأوقاف والهيئة العدلية التابعتين لها، اللتين أنشأتهما كونهما كيانين موازيين لمؤسسات الدولة، تعمل على استقطاع ما يساوي 20 في المائة من الأموال المدفوعة لشراء العقارات من البائع، وما يقابلها من المشتري فيما يعرف بـ«حق الخُمس».
و«حق الخُمس» هو استقطاع ما يساوي 20 في المائة من أموال وثروات اليمنيين، أقرت الميليشيات قانوناً باسمه منتصف عام 2020، بزعم أنها امتيازات حصرية لسلالتهم.
هذه المعوقات، عبّر عنها سمير سلّام الباحث عن مشترٍ لأرض امتلكها بعد أكثر من 30 عاماً من العمل والادخار، وبدأ في بناء منزل عليها قبل الانقلاب بأشهر قليلة، وبسبب الأوضاع التي فرضها الانقلابيون، ومنها إيقاف الرواتب، لم يتمكن من إتمام البناء، ثم أصبح مضطراً للبيع؛ لتحسين ظروف عائلته المعيشة، ثم الخوف من استيلاء الانقلابيين الحوثيين عليها.
في البداية دفعت الظروف المعيشة الصعبة سمير، وهو اسم مستعار، إلى التفكير في بيع الأرض، إلا أن أبناءه أقنعوه بالحفاظ عليها من أجل تقلبات الحياة في المستقبل، ولتوفر عليهم عناء وتكلفة الإيجارات، إلا أنه عاد بعد سنوات وقرر بيعها بجدية، خوفاً من السيطرة عليها ونهبها من طرف النافذين التابعين للميليشيات.
في المقابل يفيد جاره أحمد مقبل، وهو اسم مستعار أيضاً، بأنه كان على استعداد لشراء الأرض بالسعر المناسب لها، قبل أن تتبدد الأموال التي جمعها خلال ما يقارب 20 عاماً من العمل في السعودية، إلا أنه يخشى مثل جاره سمير من نافذي الميليشيات، ويفضل الحفاظ على أموال سائلة دون مجازفة.
كانتون طائفي
خلال الأيام الماضية أعلن الانقلابيون الحوثيون تدشين عمل فرع هيئة الأوقاف، التابعة لهم في «مديرية صنعاء الجديدة»، ومنذ اليوم الأول لبدء نشاط الفرع، شرع العاملون في المكتب بالنزول الميداني لحصر الأراضي والعقارات في المنطقة، وجمع معلومات وبيانات حولها، في إجراءات أثارت مخاوف ملاك العقارات والأراضي في المنطقة الواقعة جنوب العاصمة صنعاء.
وأقر الانقلابيون الحوثيون، منتصف العام الماضي، إنشاء ما بات يعرف بـ«مديرية صنعاء الجديدة» التي جاءت على حساب أجزاء واسعة من مديريتي سنحان وبني مطر في جنوب العاصمة صنعاء، وفي جنوبها الغربي، الأمر الذي عدّه خبراء قانونيون عبثاً بالتقسيم الإداري، بينما اتهمت شخصيات اجتماعية الواقفين خلفه بالتخطيط لنهب مزيد من أراضي الدولة والسكان.
ويؤكد الجاران سمير وأحمد، وهما من سكان المديرية المستحدثة، أنهما وخلال السنوات الماضية لاحظا تغيراً كبيراً في المنطقة التي يسكناها جنوب العاصمة صنعاء، حيث توسع العمران بشكل لافت، وبدا جلياً أن المباني الكثيرة التي تنتشر في المنطقة تابعة للأثرياء الجدد من الحرب والانقلاب، وأغلبهم قادمون من محافظة صعدة شمالاً، وهي معقل الانقلابيين الحوثيين.
وفي يناير (كانون الثاني) من العام قبل الماضي، أصدر القيادي محمد علي الحوثي أمراً بمنع أي تجارة أو بيع وشراء أو رهن للعقارات والمنازل إلا بتراخيص يشرف على كتابتها بنفسه، وتصدر بناء على موافقته.
تغول عقاري
تفيد مصادر «الشرق الأوسط» بأن محمد علي الحوثي هو المالك الفعلي للشركة العقارية المعروفة باسم «مجموعة الديار الدولية العقارية» لبيع وتخطيط الأراضي السكنية، التي ظهرت فجأة خلال الأشهر الأولى من عام 2021، وتدير وتنفذ عدداً كبيراً من الأنشطة العمرانية في العاصمة صنعاء ومحافظتي صعدة والحديدة.
وتروج الشركة خلال الأشهر الأخيرة لمشروعات عمرانية جديدة فيما يعرف بـ«مديرية صنعاء الجديدة»، حيث تشير إعلانات وبيانات الشركة إلى مشروع ضخم لبناء وحدات سكنية على مساحة واسعة من الأراضي في المنطقة الواقعة جنوب صنعاء وجنوبها الغربي.
وينعت مهندس يمني «مجموعة الديار الدولية العقارية» بـ«الغول العقاري»، حيث إن «البلاد لم تشهد منذ بداية التوسع الحضري والعمراني في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وحتى الآن، ظهور شركة عقارية بهذا الحجم وبهذه السرعة، ولم ينتج عن عمليات الفساد خلال العقود السابقة أن برزت شركة بهذه الكيفية»، حسب رأيه.
ويؤكد المهندس، الذي طلب التحفظ على بياناته، وعمل خلال السنوات السابقة في إحدى شركات المقاولات، أن الشركة العقارية الحوثية برزت من العدم، ولم تكن لها أية جذور سابقة، كما أن مديرها التنفيذي، وهو أحد رجال محمد علي الحوثي، لم تكن لديه الخبرة أو الكفاءة لأن يتمكن من بناء شركة بهذا المستوى.
وفي المقابل يشرف القيادي الحوثي أحمد حامد، وهو مدير مكتب القيادي مهدي المشاط رئيس ما يعرف بـ«المجلس السياسي» للميليشيات، على مشروع باسم «هيئة تسكين المجاهدين»، من أجل العمل على تنظيم السيطرة على الأراضي في محيط العاصمة (صنعاء) لتمليك عناصر الميليشيات القادمين من خارج العاصمة، خصوصاً محافظة صعدة، عقارات ومساكن.