ماذا على الشعب السوري أن يوضع في خانة اللاختيار الإجباري إما القبول بنظام الأسد، أو الإرهاب أو التقسيم؟
بعد مرور أربع سنين وثمانية شهور على المذبحة السورية الممتدة فصولها على مساحة الوطن السوري طولاً وعرضاً، في مشهد العنف المتزايد الذي أضحى الحديث عن تفاصيل يومياته يشبه إلى حد بعيد مشاهدة فلم عربي قديم مكرر عشرات المرات بات الناس يحفظونه عن ظهر قلب.
في اجتماع ضم وزراء دول مجلس التعاون الخليجي مع نظيرهم الأمريكي “جون كيري”؛ لا جديد يمكن الحديث عنه غير ذلك الحديث الممجوج الإنشائي الهجين، على التوافق في وجهات النظر حول قضايا المنطقة وخاصة سوريا، وضرورة الوصول إلى حل سياسي توافقي يجمع كل الأطراف، وضرورة مكافحة الإرهاب وتدريب المعارضة “المعتدلة” بالمعايير الأمريكية والمفصلة على مقاس أمريكا، ولتلبية متطلباتها، على رأسها محاربة تنظيم الدولة “داعش”، وكل الفصائل الإرهابية حسب التصنيفات الأمريكية، بغض النظر عن تطلعات وآمال الشعب السوري الذي قدم من التضحيات ما لاتتسع سطور هذا المقال لذكرها.
رغم التصريحات الإعلامية التي أعقبت الاجتماع عن تطابق الرؤى حول ضرورة إيقاف شلال الدماء المنهمرة من شرايين أطفال ونساء سوريا بفضل “براميل” طائرات نظام الأسد؛ يظل السؤال حائراً: هل دول مجلس التعاون الخليجي كلها متفقة حقيقة على رؤيا موحدة للحل في سوريا؟
بنظرة سريعة على المشهد السوري، نجد تبايناً واضح في النظرة للوضع في سوريا، لو أخذنا مثالاً الدعم المقدم للفصائل المسلحة المعارضة، نلاحظ اختلاف الدعم بين تلك الدول الخليجية، فمنهم من يدعم “الإخوان”، ومنهم من يدعم “السلفيين”، ومنهم من يعتقد أن محاربة الإرهاب “الداعشي” مقدم على إسقاط نظام الأسد، على الأقل في المرحلة الراهنة.
قال وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” إن رأس النظام السوري “بشار الأسد” فقد شرعيته منذ زمن، وهنا نطرح سؤالاً على السيد “جون كيري”: هل كان بشار الأسد بالأصل شرعياً؟ فإن أجاب الوزير كيري بـ”نعم”، نعاود السؤال ونقول له: ما هي معايير الشرعية لديكم ؛ هل يكفي أن يسير بشار الأسد على سيرة أبيه الرئيس السابق “حافظ الأسد” وتعهداته السرية للعدو “الصهيوني” المزعوم؛ بضمان استمرار هدوء الجبهة السورية من جهة الجولان إلى أربعين سنة قادمة، يكفي ليكون نظاماً شرعياً؟
هل يعتبر السيد “جون كيري” تغيير الدستور السوري، الذي فصّله نظام الأسد على مقاسه، خلال جلسة استغرقت “عشر دقائق”، ليعاد تصميم الدستور على مقاس الوريث “بشار الأسد”، عملاً شرعياً ومقبولاً لدى دولة طالما تغنت بقيمها الديمقراطية؟ وفي أي ديمقراطية في العالم الحر المتشدق بقيم الحرية والعدالة، يسمح لشخص من الأقليات أن يحكم الأكثرية، حتى لو فرضنا جاء بصندوق الانتخابات؟ على سبيل المثال هل تسمح الديمقراطية “الأمريكية” أو الألمانية ونظيرتها البريطانية، أن يحكم إحدى هذه الدول شخص “مسلم” حتى لو جاء بصندوق الانتخابات، هذا في حال سمح له أصلاً بالترشح إلى المنصب، لا يعني هذا الكلام بالضرورة أنه كلام طائفي أو عنصري إقصائي، لكن الأمثلة متوافرة بكثرة على هذا الطرح وفي أعرق الديمقراطيات الغربية.
ثم عندما يصر المجتمعون في دوحة “قطر” على حتمية الحل السياسي في سوريا، وهو قدر لا يمكن الفرار منه كأنه “الموت”، ألا يعني هذا منح صك براءة على بياض لنظام بشار الأسد بقياداته وجنوده محازبية، بأن اقتلوا ودمروا وافعلوا ما يروق لكم، وفي حال استنفدتم كل أوراقكم من “براميل متفجرة وكيميائي”، فلا تخافوا ولا تحزنوا؛ فإن الحل السياسي القدر الحتمي الذي يحكم نهاية شلال الدم السوري، سيكون كفيلاً بأن يضمن لكم عدم الملاحقة القضائية في حال فشلتم مع الثوار، ليس هذا فقط، بل سيضمن لكم نوعاً من المشاركة السياسية الفاعلة، على اعتبار أن الحل السياسي المنشود، أمريكياً والمدعوم روسياً، ينص بوضوح على مشاركة كل الأطراف.
أليس من حق السوريين أن يتساءلوا مستغربين مستهجنيين: كيف يتم المساواة بين الضحية والجلاد؟ ألم يسأل الوزير”كيري” نفسه، كيف سيتعايش السوريون مع من قتلهم وهجرهم وجوعهم وخونهم على مدى أربع سنوات انقضت من عمر سوريا الوطن والإنسان، كان فيها معول الهدم الطائفي الذي يقوده نظام الأسد وتنفذه أيادي “حزب الله ” اللبناني، برعاية وتغطية “إيرانية ” تفوح منها رائحة الانتقام المذهبي الطائفي المقيت، وتعلو رايات الخرافات والأوهام الفارسية عليه “لبيك ياحسين”، أم أنه قدر السوريين أن يموتوا ثلاث مرات، مرة على يد مليشيات إيران، ومرة بسبب خذلان العالم لهم، ومرة ثالثة بأن يقبلوا التعايش مع من قتلهم وضيع بلادهم النقية الجميلة.
لماذا على الشعب السوري أن يوضع في خانة الاختيار الإجباري دون مشورة منه، إما القبول بنظام الأسد، أو الإرهاب، وفي خانه ثالثة ضياع البلد والتقسيم، ويتناسون أن السوريين أسسوا الجامعة السورية عام “1903” قبل أن يبعث نظام البعث؟ ووضعو دستوراً عصرياً في عام 1920.
خلاصة القول، إن القول بضرورة الحل السياسي التوافقي هو بالتحديد ما يلعب عليه بشار الأسد.
أما الحلول فدوماً موجودة، لكن الإرادة السياسية الفاعلة لتطبيق تلك الحلول هي الحلقة المفقودة في المشهد السوري.