تصاعد الضربات في قلب العاصمة السورية
تحوّلت بعض الأحياء في قلب دمشق، بالقرب من القصر الرئاسي، إلى مصدر تهديد كبير لسكانها، بفعل الهجمات المتكررة التي تشنها إسرائيل على مواقع عسكرية وشخصيات إيرانية رفيعة المستوى متواجدة في هذه المناطق السكنية. ويُظهر تتبع البيانات أن وتيرة القصف الإسرائيلي على سوريا خلال عام 2024 وصلت إلى أعلى مستوى منذ عام 2018، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في العاصمة.
استهداف متكرر لحيي المزة وكفرسوسة
بات حيّا المزة وكفرسوسة هدفين رئيسيين للضربات الجوية الإسرائيلية، حيث تسعى تل أبيب إلى استهداف قادة الحرس الثوري الإيراني المتواجدين في تلك الأحياء. شهدت هذه المناطق العديد من عمليات الاغتيال التي طالت شخصيات بارزة مرتبطة بإيران، في مواقع لا تبعد سوى مئات الأمتار عن قصر بشار الأسد. ورغم هذا التصعيد، يكتفي النظام السوري بإصدار بيانات إدانة، في ظل صمت أثار انتقادات واسعة.
الأهداف الإسرائيلية في سوريا
تقول إسرائيل إن عملياتها في سوريا تهدف إلى منع نقل الأسلحة إلى حزب الله، بالإضافة إلى استهداف مقار عسكرية إيرانية وأخرى تتبع لنظام الأسد. وعلى الرغم من أن تل أبيب لا تتبنى جميع هذه الهجمات بشكل رسمي، فإنها كثفت ضرباتها بالتزامن مع التصعيد في غزة ولبنان في خريف 2024.
وفي تصعيد جديد، أفادت وكالة الأناضول أن دبابات إسرائيلية عبرت الحدود السورية يوم 12 أكتوبر 2024 وتمركزت في منطقة كودنة جنوب القنيطرة. وشهدت المنطقة تحركات عسكرية إسرائيلية جديدة، شملت بناء سواتر ترابية بالقرب من مواقع تواجد القوات الروسية.
انتقادات للنظام ومخاوف من اختراق أمني
يُثير صمت النظام السوري إزاء الضربات الإسرائيلية المتكررة استياءً شعبياً متزايداً. ويتهم منتقدو النظام دمشق بالسماح لعناصر عسكرية إيرانية بالتواجد في مناطق سكنية مكتظة، مما يجعل المدنيين عرضة للخطر. كما تُطرح تساؤلات حول مستوى الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي، الذي مكّن من استهداف شخصيات إيرانية بارزة داخل العاصمة.
حي المزة: موقع استراتيجي تحت التهديد المستمر
حي المزة، الذي يقع في وسط دمشق، لا يبعد سوى 500 متر عن القصر الرئاسي، ويُعد من أكثر أحياء العاصمة حساسية بسبب موقعه الاستراتيجي واحتوائه على مبانٍ رسمية وسفارات أجنبية. تعرض هذا الحي لهجمات متكررة من قبل إسرائيل، بما في ذلك هجوم في أبريل 2024 استهدف مبنى تابعًا للسفارة الإيرانية.
يقع في الجزء الغربي من الحي مطار المزة العسكري، حيث تتمركز “الفرقة الرابعة” بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، التي تربطها علاقات وثيقة مع إيران وميليشيات تدعمها طهران في سوريا.
ومع تدخل إيران لقمع الاحتجاجات في سوريا التي انطلقت عام 2011، تحوّل حي المزة إلى مركز لوفود الشخصيات الإيرانية السياسية والعسكرية التابعة للحرس الثوري.
منذ عام 2011، أصبح الحي مركزاً لاستقبال الشخصيات الإيرانية السياسية والعسكرية التي تلعب دورًا أساسيًا في دعم النظام السوري.
اعتقاد خاطئ بالحماية في مناطق مكتظة
يبدو أن القادة العسكريين الإيرانيين اختاروا التمركز في حي المزة بسبب قربه من السفارات الأجنبية، القصر الرئاسي، والتواجد الأمني الكثيف للنظام. كانوا يعتقدون أن هذا الموقع سيمنحهم حماية من الهجمات الإسرائيلية، لكن هذا التصور ثبت خطؤه. فمنذ عام 2016 وحتى أكتوبر 2024، تعرّض حي المزة لما لا يقل عن 10 ضربات جوية إسرائيلية، منها 5 خلال عام 2024 وحده. وشهد شهر أكتوبر 2024 وحده 3 ضربات خلال الثلث الأول منه، مما جعله الشهر الأكثر تصعيدًا في هذا العام.
تصاعدت الضربات الإسرائيلية على دمشق، مستهدفة شخصيات ومواقع مرتبطة بإيران في أحياء حساسة بالقرب من القصر الرئاسي. وبينما يكتفي النظام السوري ببيانات الإدانة، يعاني المدنيون من التداعيات المباشرة لهذه الهجمات. يثير هذا الوضع تساؤلات حول قدرة النظام على حماية العاصمة ومدى تغلغل الاستخبارات الإسرائيلية.
مع استمرار التوتر الإقليمي في التصاعد، يتوقع أن يستمر هذا النوع من الاستهداف في ظل غياب حلول سياسية أو دبلوماسية فعالة، مما يجعل المدنيين السوريين في قلب الصراع الإقليمي المستمر.