الوطن القطرية / حوار «الأستانة» .. ولد ميتاً
ميسرة بكور
أكد الكاتب والباحث السوري ميسرة بكور، مدير مركز الجمهورية للدراسات وحقوق الإنسان، فشل مباحثات «الأستانة»، مشيراً إلى أن روسيا نجحت في الترويج للمباحثات سياحياً وليس سياسياً، وعبر عن قلقه من سياسة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب تجاه القضية السورية، لافتاً إلى أن «ترامب» مازال يكرر حديثه عن محاربة «داعش»، ولم يتحدث عن طريقة تعاطي إدارته مع نظام الأسد، وهل سيكون من أولوياتها تحقيق انتقال سياسي حقيقي في سوريا أم أنه سيدعم التوجهات الروسية ومخططاتها؟ وقال بكور، في حواره مع الوطن، إنه ليس متشجعاً لإنشاء 3 مناطق آمنة شمال وجنوب سوريا، لأن هذه المناطق لن تكون آمنة وإنما ستكون معسكرات اعتقال «نازية» تتحول لبؤر للتطرف وتجارة البشر.
وإلى نص الحوار..
كيف ترى مباحثات الأستانة وهل حققت بعض الإيجابيات؟
– أين هي تلك الإيجابيات؟! لا أستطيع أن أتحدث عن إيجابيات حقيقية ملموسة على أرض الواقع؛ لكن بشكل عام كان جيداً أن نرى اجتماع هذا العدد الكبير من ممثلي الفصائل العاملة على الأرض السورية في وفد تفاوض موحد، وأن يتوجهوا جميعاً للتفاوض مع الروس بشكل مباشر، فمن غير المعقول أن نترك الملعب الروسي كله للاعبين الإيرانيين ونكتفي بالشجب والصراخ، أمر مهم آخر وهو أن بعض ممثلي الفصائل التي شاركت في مباحثات الأستانة كانت تُصنفها روسيا على أنها إرهابية على رأسها «جيش الإسلام» التي طالما طالبت موسكو بإدراجه في قوائم الإرهاب، ولم يعد بإمكانها ذلك حالياً من الناحية السياسية ولم يعد أمامها أي مبرر لاستهداف مقراته.
أيضاً ممثلو الفصائل لم يدخلوا في نقاشات جانبية بعيدة عن موضوع النقاش، وقالوا بشكل واضح إن الهيئة العليا للتفاوض هي الموكل إليها مناقشة القضايا السياسية، ولفت انتباهي قدرة الفصائل على فهم دهاليز السياسة وخباياها، لكن بنفس المقام قبول الفصائل بالذهاب إلى حوار الأستانة أحدث شرخاً عميقاً بين عدد من الفصائل وبين الحاضنة الشعبية، وهذا ما تريده موسكو، ولاحظنا ذلك من خلال ما نراه الآن على الساحة الفصائلية من فك وإعادة التحام وتشكيلات جديدة؛ أعتقد أن موسكو أرادت ذلك ولاتزال مستمرة في البحث عن استنبات معارضة تلبس ما يتم تصميمه في موسكو.
والحقيقة أن حوار الأستانة ولد ميتاً، وعلينا أن نعود لنطلع على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2336 الذي قدمته موسكو، وسنلاحظ أن القرار رحب بحوار الأستانة وقال في طياته أنه أخذ العلم به، وذكر القرار بنفس المقام أن بيان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 هما الأساس في الحل السياسي بسوريا، ولا بأس من التذكير بما قاله وزير الخارجية الروسي «لافروف» حينما قال إن حوار الأستانة مجرد نقاش وخطوة من أجل الوصول إلى جنيف.
الروس استطاعوا أن يسوقوا لحوار الأستانة سياحياً وفشلوا في تسويقه سياسياً؛ لذلك فهو فشل بكل المقاييس حتى ما صدر عنه في ما اطلق عليه بيان الأستانة كان ضعيفاً هزيلاً لم يأت بأي جديد.
ما الذي تمثله سياسات ترامب الأولية للقضية السورية؟
– حقيقة هي سياسة مقلقة ننظر إليها بعين القلق والريبة، مازال الرئيس ترامب يكرر حديثه عن محاربة «داعش» وإزالتها عن الوجود، ولكنه لم يتحدث عن طريقة تعاطي إدارته مع نظام الأسد، وهل سيكون من أولوياتها تحقيق انتقال سياسي حقيقي في سوريا أم أنه سيدعم التوجهات الروسية ومخططاتها في سوريا، وهذا ما تحدث عنه في حملته الانتخابية.
ترامب دخل سوريا من الباب الخاطئ، بإصداره قراراً يمنع دخول اللاجئين السوريين لأميركا، وأكبر كارثة يرتكبها استمراراً للنهج الخاطئ الذي اتبعته إدارة أوباما هو الاعتماد على تنظيم سوريا الديمقراطية الكردية في ما سماها حربه ضد «داعش»، الشعب السوري يتطلع لدور أميركي إيجابي لكن الرسالة الترامبية عبر التنظيم الكُردي رسالة غير مشجعة ولا تدفعنا للتفاؤل، ويبدو أننا جميعا بنظر إدارة ترمب «إرهابيين».
هذا ونلاحظ أن من سياسة ترامب خلال أسابيع حكمه الأولى أنه يعمل بسياسة العصى والجزرة، هو معجب بالرئيس أردوغان ولكنه يدعم الأكراد بسلاح ثقيل، يصف بوتين بالرجل العظيم ويقول: من المبكر الحديث عن إلغاء العقوبات عن روسيا، يندد بسياسة إيران، لكن لم يتحدث عن ميليشياتها الطائفية في سوريا والعراق، من هنا لا نستطيع الحديث بتفاؤل عن أميركا، بل نتخوف من أن تغض النظر عن جرائم بشار الأسد من اجل التحالف لمحاربة داعش.
ترامب طالب البنتاغون بإعداد خطة هجومية كبيرة لمحاربة «داعش» في سوريا.. ما مسار الحرب ضد داعش؟ وهل ترامب سيصبح حليفاً لروسيا في سوريا؟
– لسنا من أنصار تنظيم داعش ونرغب في زواله، لكن السؤال هو: هل يمكننا أن نستبدل إرهاب داعش بإرهاب آخر، هل محاربة الإرهاب تكون بالتعاون مع الحوثيين أو غض النظر عنهم في اليمن؟
لم يخف ترامب إعجابه بالرئيس الروسي بوتين وقال انه يتطلع لتوثيق الصلة معه، بل قال إن الأغبياء هم من يعادون الروس، ولكن علينا أن نتذكر أن البنتاغون يعتبر روسيا أخطر عدو لأميركا، لذلك علينا أن نتريث قليلاً قبل الأحكام ونذكر أن ترامب منذ أيام قال إنه من المبكر الحديث عن إسقاط العقوبات الأميركية عن روسيا.
ترامب اتفق مع الرئيس الروسي على إقامة 3 مناطق «أميركية وروسية وتركية» آمنة في سوريا.. فهل ستنجح هذه المناطق في حماية السوريين؟
– من حيث النظرة الاستراتيجية لست متشجعاً لإنشاء مناطق آمنة شمال وجنوب سوريا، لأنني أعتقد أنها لن تكون آمنة وستكون معسكرات اعتقال «نازية» تتحول لبؤر للتطرف وتجارة البشر والمخدرات وأوكار للدعارة وتجنيد العملاء لصالح المخابرات الأجنبية، ليس من الجيد الاتجاه في هذا النحو، إذ بإمكان أميركا إنهاء الوضع القائم في سوريا وإعادة الأهالي إلى مناطقهم.
وبشكل عام فكرة إقامة مناطق آمنة تشير بكل وضوح إلى أنه لا حل قريباً يلوح في الأفق السورية، ولو كان هناك حل حقيقي لما كنا بحاجة لمناطق آمنة، وعلينا هنا أن نسأل من هي الدول التي ستضمن أمن واستقرار تلك المناطق ومن سيعمل على تنميتها.
الحديث عن 3 مناطق آمنة ألا يعني اقتساماً للنفوذ في سوريا؟
– الحديث عن تقاسم النفوذ في سوريا– بدون تردد- أمر واقع، أميركا لها حلفاء من الكرد شرق سوريا وجزء من شمالها، ولديها قواعد حربية جوية في مدينة الرميلان في محافظة الحسكة ولها وجود في عين العرب، وروسيا تسيطر على الساحل السوري ومعظم المطارات الحربية في الساحل والبادية السورية، ومطار الشعيرات، وإيران تسيطر على كامل الحدود السورية اللبنانية ودمشق وحمص، مناطق النفوذ أمر واقع لا يمكننا أن ننكره والكل يسعى لتمدد نفوذه كما تفعل إيران.
لكن يقال إن الوجود الأميركي سيكون بهدف حماية إسرائيل؟
– حماية إسرائيل ممن؟ وهل هناك خطر يهدد الكيان الصهيوني؟! وأين؟.. الكيان الصهيوني يعيش حاليا أزهى أيامه، الجيش السوري دمره بشار الأسد بحربه العبثية ضد الشعب السوري، وسوريا مفككة على شفير الهاوية، حتى حزب الله منخرط بكل ثقله في الأزمة السورية تنفيذاً لأوامر إيران ومخططاتها.
نعم صحيح أن أميركا أخذت على نفسها ميثاقاً غليظاً بحماية ودعم واستقرار الكيان الصهيوني، ومازالت تزود ترسانته بأحدث المعدات الحربية التي لا يمتلكها إلا الجيش الأميركي، لكن نعود لنفس السؤال: حماية إسرائيل ممن؟.. قد يقول أحدهم من خطر داعش، وهنا لن أحتاج عناء للرد على هذا القول إن تنظيم «داعش» يحارب كل فصائل الثورة السورية ويهاجم كل دول العالم إلا دولتي «الكيان الصهيوني» وإيران.
أي رسالة تقرأها بعد فرض ترامب قيوداً على هجرة السوريين لأميركا؟
– لم أستغرب من قرار الرئيس ترامب، فهو لم يأت بجديد، هكذا كان عنوان حملته الانتخابية التي خاض بها صراعه على السلطة، ولم يتوقف يوماً عن الحديث عن الإرهاب الإسلامي الذي وحسب نظره سوريا أهم بؤر وجوده وتكاثره؛ من حق أي دولة البحث عن حماية وتدعيم أمنها القومي لكن هذه الحماية لا يجب أن تسيء أو تنتقص من حقوق أشخاص آخرين، ونذكر السيد ترامب أن أميركا أسسها المهاجرون.
ونتساءل: كم أميركياً قتله اللاجئون السوريون؟ وعن أي إجراءات قاسية سيتخذها ترامب لتشديد المعايير على لجوء السوريين إذا كانت إدارة أوباما السابقة لم تستقبل إلا أقل من 20 ألفاً من اللاجئين بعد إجراءات قاسية جداً استغرقت عامين من البحث والتدقيق.
هل مازالت هناك ثورة قائمة في سوريا؟ وما أهم اهتمامات وأولويات الشعب السوري حالياً؟
– نعم الثورة مستمرة، ربما نستطيع الحديث عن تغير في بعض أولويات الناس اليوم وليس «الثورة» فالثوار لم يتنازلوا مطلقاً عن مبادئهم التي خرجوا من أجلها، هذا ما نراه بشكل جلي عندما تتاح الفرصة للشعب السوري أن يعبر عن نفسه وعن ثورته السلمية من أجل التغيير السياسي؛ لكن الجديد الطارئ قد يكون في رغبة تأمين الناس لحياة أطفالهم وأسرهم، وتأمين مستلزمات الحياة، في ظل ما يرونه من خذلان المجتمع الدولي لهم ولثورتهم.
وما موقف الأكراد حالياً ومساعيهم لإقامة دولة خاصة بهم؟
– لا يمكننا الحديث عن الأكراد بشكل جماعي، فهم جزء من مكونات الشعب السوري والكثير منهم منخرط بالثورة، لكن للأسف الشديد بعض التشكيلات الكردية تتعاون مع تنظيم الأسد وتنخرط بمعارك مباشرة مع قواتها، والبعض الآخر «سوريا الديمقراطية» تستغل الثورة لتحقيق أهداف انفصالية عرقية، وتتعامل مع كل الأطراف من أجل تحقيق هذه الأهداف الانفصالية.
هل تصادمت المصالح الإيرانية والروسية في سوريا؟
– أحسنت السؤال والتعبير، نعم هي كذلك، تقاطع وتضارب في المصالح، المصالح تتضارب في مرحلة ما إما بطمع طرف في ما بيد طرف آخر أو بتعسف طرف ورغبته في الانفراد بزمام الأمور، وهذا ما حدث ويحدث بين المصالح الإيرانية وروسيا.
هل الموقف العربي والخليجي بالتحديد مؤثر حالياً تجاه القضية السورية؟
– نعم وبدون تردد الموقف العربي الخليجي والذي تقوده المملكة العربية السعودية يشكل رأس حربة في دعم الشعب السوري، لما تتمتع به تلك الدول من ثقل عربي وإسلامي وقوة ماليه هائلة، وما لديها من إمكانات عسكرية، وتفهم كامل للمخاطر المحيطة بسوريا، لذلك نستطيع القول إن أي حل في سوريا ستكون لدول الخليج اليد الطولى فيه.