مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا السيد غير بيدرسون، شدد في إحاطته الافتراضية، على ضرورة التركيز على تحقيق حل سياسي شامل للصراع، بما يتماشى مع القرار 2254، مع التأكيد على سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وتمكين الشعب السوري من تحقيق تطلعاته المشروعة.
وقال المبعوث الأممي: “رسالتي اليوم بسيطة: لنركز على سوريا.”
وحذر من أن الجمود الاستراتيجي الحالي في الميدان وغياب سوريا عن عناوين الصحف لا ينبغي أن يضللا أي شخص في التفكير بأن الصراع لا يستحق الاهتمام أو أنه يحتاج موارد أقل، أو أن الحل السياسي ليس ملحا. “في الواقع، يتطلب صراع بهذا الحجم حلا سياسيا شاملا يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254.”
وأكد أن المسار الدستوري من شأنه أن يساهم في إيجاد مثل هذا الحل – “ولكن لابد من بناء الثقة.”
تحديد موعد الجولة الثامنة للجنة الدستورية
وأشار السيد بيدرسون إلى الجولة السابعة للجنة الدستورية السورية، والتي اختتمت أعمالها في 25 آذار / مارس الماضي، مشيرا إلى أن نائبته، السيدة خولة مطر زارت دمشق وإسطنبول، منذ ذلك الحين، لإجراء مزيد من المناقشات مع الرئيسين المشاركين، “وقد وجهت اليوم دعوات لحضور الدورة الثامنة التي ستنعقد في الفترة بين 28 أيار/مايو إلى 3 حزيران/يونيو في جنيف.”
وناشد السيد بيدرسون الرئيسين المشاركين والوفود والثلث الأوسط تقديم أي عنوان جديدة إلى مكتبه، في أقرب وقت ممكن قبل الجلسة التالية، وتحديد هذه العناوين بنية صادقة، وإعداد النصوص لها أثناء جلسة التعديلات في اليوم الخامس – بحيث يجري التركيز على ما يمكن لجعل السوريين يتفقون بشأنه.
وشدد المسؤول الأممي على ضرورة أن يحكم عمل اللجنة الدستورية شعور بالحل الوسط والمشاركة البناءة الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق عام بين أعضائها. “فقط بهذه النية الإيجابية ستمضي العملية قدما إلى الأمام.”
وحذر السيد غير بيدرسون من أن سوريا تعيش صراعا متأججا وليس خامدا. “فلقد شهدنا تزايد القصف الجوي في الشمال الغربي، مرة أخرى، واشتباكات مكثفة حول عفرين والشمال الشرقي، في ظل استمرار تبادل إطلاق الصواريخ والقصف على طول خطوط التماس، بالإضافة للعبوات الناسفة والسيارات المفخخة وغيرها من الحوادث الأمنية.”
وقال إن وجود خمس جيوش أجنبية، في مواقع مختلفة من النزاع السوري، لهو أمر مقلق، مشيرا إلى أن الحوادث المتكررة التي تنخرط فيها أطراف دولية مدعاة للقلق.
“على سبيل المثال، شهدنا مجددا هذا الشهر قصفا على سوريا يعزى لإسرائيل، وهجمات بالطائرات المسيرة في الشمال الشرقي تعزى لتركيا، وغارات جوية في إدلب وفي شرقي الفرات تعزى لروسيا، وتقارير تفيد بإطلاق صواريخ على القوات الأمريكية في دير الزور تعزى لمجموعات تدعمها إيران.”
وأعرب المبعوث الخاص عن قلقه من أن أيا من هذه البؤر قد تزداد خطرا بسبب التوترات الجيوسياسية خارج سوريا. وأضاف أن الإرهاب يظل يشكل تهديدا كبيرا.
وقال غير بيدرسون إن سوريا لا تزال من بين أكبر الأزمات الإنسانية في عصرنا.
“يجب أن نشعر بالفزع حيال ما يعنيه هذا بالنسبة للمدنيين السوريين، الذين لا يزالون يتعرضون للقتل بسبب العنف، والذين وصلت معاناتهم الإنسانية إلى أعلى مستوياتها منذ بدء النزاع.
تأكيد على ضرورة حماية المدنيين
بدورها، حذرت السيدة جويس مسويا مساعِدة الأمين العام للشؤون الإنسانية ونائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ من أن سوريا على شفير أن تتحول لأزمة منسية تضاف إلى قائمة الأزمات المنسية الأخرى.
وقالت إن ملايين السوريين يعانون شهريا في سبيل البقاء على قيد الحياة ولإطعام عائلاتهم ولتوفير مستقبل لأطفالهم. وأضافت: “يتواصل القتال في مناطق عديدة ويقتل ويصاب الأطفال والنساء والمدنيون بشكل عام.”
وأشارت إلى أن مفوضية شؤون اللاجئين تحققت، خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس من مقتل 92 مدنيا، من بينهم 25 طفلا. وأكدت على ضرورة حماية المدنيين وبذل كل الجهود الممكنة لإنقاذ أرواحهم.
معاناة النازحين في مخيم الهول
ولفتت الانتباه إلى “الوضع الكارثي” لقاطني مخيم الهول وغالبيتهم من النساء والأطفال، “فحالات القتل والتخريب والنهب تتكرر. قتلت خمس نساء في الأسبوع الماضي وحده.”
وأكدت أن هذا المخيم ليس آمنا بكل بساطة وتظل الظروف المعيشية فيه بالغة الهشاشة. ويعاني قاطنوه في سبيل الحصول على الغذاء والرعاية الصحية والمياه النظيفة والحماية وغيرها من الخدمات الأساسية.
وجددت المسؤولة الأممية نداءها لإعادة توطين مواطني الدول الثالثة من المخيمات في شمال شرق سوريا.
فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، قالت السيدة جويس مسويا إن شح الوقود والافتقار للكهرباء يؤثران على إيصال الخدمات الأساسية بما في ذلك في قطاع الصحة، والتعليم، والمياه، والإصحاح.
“كما أن أسعار الوقود والأغذية تزداد بشكل مطرد الشهر تلو الآخر. مما يجعل السلع الأساسية ومقومات الحياة الكريمة بعيدة المنال بالنسبة للملايين. فقد زادت أسعار الأغذية بنسبة 18 في المائة بين شباط/فبراير وآذار/مارس.”
أما في الشمال السوري، تقول مساعِدة الأمين العام إن الوصول إلى المياه النظيفة والكافية يظل يشكل تحديا هائلا.
دعوة لكسر الحلقة المفرغة للعنف والمعاناة
وقالت مساعِدة الأمين العام للشؤون الإنسانية إن المستقبل يبدو قاتما بالنسبة للسوريين الذين يعيشون عامهم الثاني عشر من هذه الأزمة.
“تزداد التوقعات سوءا فيما يتعلق بالأمن الاقتصادي والغذائي. الموارد المتاحة لاستجابتها الطارئة تنخفض بشكل كبير. بكل بساطة ليس بحوزتنا ما يكفي من المال.”
وأضافت أن الاستثمار العاجل والكبير مطلوب لكسر الحلقة المفرغة المتمثلة في المعاناة والعنف واليأس. “ونحن نعول على الدعم السخي للمانحين وعلى تعاون السلطات السورية.”
زيادة القدرة على الوصول
وأفادت نائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ بأن الأمم المتحدة تزيد من قدرتها على الوصول، مشيرة إلى نشر ثلاث قوافل عبر الخطوط باتجاه شمال غرب سوريا. وقد أوصلت هذه القوافل الأغذية والدعم الغذائي للأطفال بالإضافة إلى مواد إنسانية أخرى بما في ذلك المعدات الطبية.
وأضافت أن الأمم المتحدة ستواصل عملها لتحسين توزيع هذه المساعدات الحيوية.
“في العام الماضي أرسلت الأمم المتحدة، شهريا، 800 شاحنة من المساعدات عبر الحدود… عندما يتعلق الأمر بتقديم مساعدات تنقذ الأرواح للمحتاجين في كافة أنحاء سوريا فإن جميع القنوات يجب أن تظل متاحة ومفتوحة.”
وقالت إن تجديد إذن عبور الأمم المتحدة عبر الحدود، في تموز/يوليو المقبل، يظل أساسيا لإنقاذ الأرواح في شمال غرب سوريا. وجددت نداء الأمين العام لمجلس الأمن كي يحافظ على توافق الآراء بشأن تجديد قراره 2585.
قافلة إمدادات برنامج الأغذية العالمي تعبر الحدود في شمال شرق سوريا.
قافلة إمدادات برنامج الأغذية العالمي تعبر الحدود في شمال شرق سوريا.
معاناة متعددة الأوجه بالنسبة للنساء والفتيات
واستمع مجلس الأمن في جلسته أيضا إلى إحاطة من السيدة نيرفانا شوكي، المديرة الإقليمية لمنظمة كير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
“منظمة كير إنترناشيونال هي منظمة إنسانية وإنمائية مستقلة تعمل في 100 بلد في العالم منذ عام 1954. وتنشط منظمة كير في سوريا منذ 2013.”
وقالت السيدة نيرفانا شوكي إن المنظمة تمكنت من الوصول إلى 9 ملايين شخص منذ بدء الأزمة، مشيرة إلى إجراء تحليل سريع، هذا العام، لفهم آثار النزاع على النساء والبنات.
“أفاد من تم استطلاعهن بأنهن يلجأن لاستراتيجيات بالغة الخطورة للتأقلم والبقاء. فهن يقلصن ما يتناولنه من أغذية ويزدن من مديونية الأسر المعيشية ويبعن القليل الذي يمتلكن.”
وأضافت أن 60 في المائة من الناس باتوا يخفضون حصصهم الغذائية كي يتمكنوا من تغذية أطفالهم، فضلا عن أنهم يتنازلون عن جودة الغذاء “فهم غير قادرين على شراء الخضروات أو زيت الطهي.”
وأشارت إلى أن 35 في المائة فقط من النساء اللواتي تم استطلاعهن أفدن بإمكانية وصولهن إلى مراحيض آمنة.
وأوضحت أن نصف المرافق الصحية في شمالي سوريا، بما في ذلك عيادات الصحة النفسية قد دمرت، أما الاحتياجات الصحية في هذه المنطقة فهي كبيرة للغاية، على حد تعبيرها.
مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بسام صبّاغ، قال إن بلاده أحيت في السابع عشر من نيسان/أبريل الذكرى السادسة والسبعين لجلاء آخر جندي فرنسي عن أراضيها “واليوم يؤكد السوريون مجددا إصرارهم على مواصلة كفاحهم لضمان أن مصير كل احتلال للأراضي السورية سيكون إلى زوال مهما طال.”
وأشار السفير السوري إلى أن إنهاء هذا الوجود الأجنبي اللاشرعي يضمن سيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، مضيفا أن ما تعرضت له سوريا خلال السنوات العشر الماضية “جراء السياسات التدميرية والإجرامية لبعض الدول الغربية يستوجب مساءلة تلك الدول على جرائمها.”
وقال الصباغ “إن الجمهورية العربية السورية وهي تحيي ذكرى عيدها الوطني السادس والسبعين فإنها أكثر تمسكا بسيادتها واستقلالها ووحدتها أرضا وشعبا، وأشد عزما على إعادة الأمن والاستقرار وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وأكثر حرصا على توفير الحياة الكريمة لشعبها.”
وجدد التزام بلاده بالحل السياسي القائم على الحوار الوطني السوري – السوري، والعملية السياسية بقيادة وملكية سورية، “ومن دون أي تدخل خارجي، وبما يحقق آمال الشعب.”
وأوضح مندوب سوريا أن الحكومة السورية ستواصل جهودها لتحقيق المصالحة الوطنية، بما في ذلك، “من خلال الاستمرار في التسويات المحلية التي تشهد إقبالا كبيرا في العديد من المدن والمناطق السورية تنفيذا لمراسيم العفو التي أصدرها السيد رئيس الجمهورية، والتي مكنت آلاف السوريين – داخل سورية وخارجها – من العودة إلى حياتهم الطبيعية.”
“تدابير الإرهاب الاقتصادي”
وأوضح المندوب السوري الدائم أنه وعلى الرغم من تناول هذه الإحاطات الدورية للأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها السوريون في مختلف أنحاء البلاد، إلا أن “بعض الدول الغربية تواصل صم آذانها عن الآثار الكارثية للتدابير القسرية الانفرادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على الشعب السوري.” ومضى قائلا:
“لقد أدت تدابير الإرهاب الاقتصادي تلك إلى تراجع المؤشرات الاقتصادية والتنموية، وتقلص الاستثمارات والتبادلات التجارية، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة السورية، وزيادة الفجوة التمويلية اللازمة لتوفير الخدمات الأساسية.”