منذ أن بدأت رحلته في اللجوء بداية من سوريا وصولا إلى بلجيكا مرورا بتركيا فاليونان، داوم الشاب السوري “كرم” على مساعدة الآخرين، سواء داخل بلده سوريا، أو من خلال إنقاذ المهاجرين وسط البحر المتوسط عبر تطوعه للعمل في سفينة إنقاذ إنسانية.
اللاجئ الذي يعيش في العاصمة البلجيكية بروكسل منذ عام 2015، يعتني اليوم بالمهاجرين الذين تنقذهم سفينة “جيو بارنتس”، السفينة الإنسانية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود.
يرحب”كرم” بالمهاجرين بعد إنقاذهم بجملة “مرحبا يا صديقي، أنت آمن الآن”، بينما كان يقوم بإخراجهم واحدا تلو الآخر من قاربهم الصغير بواسطة فريق الإنقاذ الخاص بـ”جيو بارنتس”، في عملية الإنقاذ جرت مؤخرا على بعد أكثر من 50 كيلومترا من الساحل الليبي، في البحر المفتوح، ليلا.
وبمجرد أن تطأ أقدامهم السفينة الإنسانية، يبدأ دور “كرم” لإرشادهم، إذ أنه منذ أبريل/نيسان الماضي، يعمل الشاب البالغ من العمر 31 عاما، كأحد الوسطاء الثقافيين على السفينة، وتتركز مهامه في خلق الروابط بين المهاجرين وبقية أفراد الطاقم.
كذلك، فإن هذا الشاب ومنذ لحظة الإنقاذ حتى إنزال المهاجرين في ميناء آمن، يقضي أيامه في رعاية المهاجرين الموجودين على متن السفينة.
ينقل موقع “مهاجر نيوز” عن اللاجئ السوري قوله:”سطح السفينة (المساحة المخصصة للمنفيين على متن القارب)، هو المكان الذي أشعر فيه أنني في حالة جيدة، إذ اكون مفيدا للغاية”.
وأضاف “لو كنت مكان الناجين، لوددت أن يقدم لي أحد المساعدة، ويعتني بي، ويتواصل معي، بصرف النظر عن اللغة. لأنه عندما تكون على طريق الهجرة، تشعر أحيانا بالوحدة الشديدة”.
نزوح داخل الوطن
وُلد كرم في دمشق لأب فلسطيني وأم سورية، وغادر سوريا في سن الـ20، إذ فر أولا من العاصمة دمشق إلى إدلب في شمال سوريا عام 2012، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة.
يوضح في هذا السياق بالقول:”إن الاعتقالات (من قبل النظام السوري ) المرتبطة بالثورة السورية طالته، والسجن الذي قضى فيه عدة أيام صعبا، لذا ترك عائلته واتجه شمالا”.
وقال إنه أنشا مع صديقه مقهى ثقافي في إدلب شمال …كانت هناك مكتبة، وعرضنا أفلاما، وكانت مكانا للاجتماعات. حتى كبار السن قدموا. وأتحنا لهم لحظة من السلام والهدوء. وأنا فخور جدا بذلك”.
رحلة لجوء طويلة و صعبة
لكن في ضوء الخطر في دمشق، والتهديد في إدلب، عبر الشاب الحدود التركية واستقر في أنقرة. وعمل هناك بضعة أشهر مع منظمة إنقاذ الطفولة غير الحكومية.
ثم انتقل إلى إسطنبول للانضمام إلى أصدقائه. إذ عمل هناك في عدة مطاعم، بالتوازي مع مشاركته في تطوير مركز ثقافي كان يعطي دروسا في اللغة التركية والعربية والإسبانية واليابانية وورش خياطة، وجلسات رياضية ومجموعات نقاش للأطفال اللاجئين مع طبيب نفسي.
لكن وفقا لما يؤكده الشاب فإن تصاعد العنصرية في تركيا والخوف من إعادته إلى سوريا، دفعاه إلى طريق الهجرة الذي سلكه ملايين المهاجرين في ذلك العام، وهو طريق البلقان.
غادر تركيا في نهاية عام 2015، إلى أوروبا، وكانت بلجيكا نصب عينيه. بلد حيث القانون “الأكثر ملاءمة للاجئين”، حسب قوله.
اختار مع صديق عبور الحدود البرية اليونانية في منطقة “إيفروس”، وتمكن الشابان من عبور النهر الذي يفصل بين البلدين، ووصلا إلى اليونان.
يقول”كنا نغير ملابسنا في شارع صغير عندما أوقفتنا الشرطة”. بعد يومين من الاحتجاز في غرفة ضيقة، أعادت السلطات كرم وصديقه إلى الجانب الآخر من نهر “إيفروس”، على متن قارب صغير.
يعلق كرم مازحا “ظن اليونانيون أنهم كانوا في عملية كوماندوز”، قبل أن يستدرك “لقد مررت بتجربة سيئة، التعرض لعملية الصد (الإعادة القسرية غير القانونية) يجعلك تفقد كرامتك”.
وشدد بالقول: “كان علي أن أعتاد على فكرة أن الأمر سيكون على هذا النحو، مؤلما ومهينا”، لكن لعدم الرغبة في “تجربة ذلك مرة أخرى”، اختار الصديقان طريقا يمر عبر بحر إيجه. وفي صباح أحد الأيام، استقلا قاربا صغيرا قابلا للنفخ مع 49 شخصا آخرين، وانطلقوا من شاطئ جنوب إزمير.
يروي كرم “كنت أرتدي سترة نجاة، وكان أصدقائي يتابعونني عبر تطبيق الواتساب. جاء حرس السواحل التركي بعد فترة وتسببوا بأمواج كبيرة حول قاربنا، الذي كان يتأرجح كثيرا، صرختُ باللغة التركية قائلا إن هناك نساء وأطفال معنا. انتهى الأمر بأن سمحوا لنا بمتابعة رحلتنا”.
بعد أكثر من ساعة في البحر، وصل القارب إلى جزيرة ليسبوس اليونانية، وكانت الجمعيات تنتظر المهاجرين.
يتابع “كان الوضع فوضويا بعض الشيء عندما وصلنا إلى الشاطئ. كان الناس ضائعين، وكان الوضع متوترا. بدأت أترجم للركاب ما كانت تقوله لنا المنظمات غير الحكومية. هدأ التوتر فجأة وشعرنا بتحسن”.
يكمل قصته بالقول”مشيت، وركبت الحافلات والقوارب” ومن جزيرة ليسبوس، استقل العبّارة إلى البر الرئيسي لليونان. ثم عبر مقدونيا الشمالية، وصربيا، وكرواتيا، والمجر، والنمسا.
ولدى وصوله إلى ألمانيا، استقل القطار الأخير المتجه إلى بروكسل، حيث حصل على صفة اللاجئ بعد شهرين من وصوله إلى بلجيكا.
سعيد بعمله في السفينة الإنسانية
يؤكد الشاب أنه عندما يكون على متن السفينة “جيو بارنتس”، يستمتع بالهدوء وراحة البال، ويقوم بتنظيم ركن الحلاقة الموجود على متن السفينة، ويحلق شعر المهاجرين ويقص لحاهم.
وأضاف:”نقوم بذلك في اليوم السابق لنزولهم في الميناء، فهو يعيد لهم كرامتهم ويمنحهم الثقة بالنفس قبل بدء حياتهم الجديدة”.
يقول الشاب إن رحلته “لا شيء” مقارنة بـ”رحلة الأشخاص الذين نراهم هنا”، لاسيما وأن معظمهم “عانوا من التعذيب والعبودية في ليبيا”.
كما يصف حياته في بروكسل بالقول:”سعيد كلاجئ، أعيش بشكل جيد. أنا أحب هذه المدينة، إنها مليئة بالناس من كل الأصول، ويحبون الاحتفال”.
ومضى بالقول: “أواجه أحيانا مشكلة صغيرة مع كل ذلك عندما أعود إلى المنزل بعد عمليات الإنقاذ”، مشيرا أنه بعد شهرين على متن السفينة الإنسانية يحصل كل فرد من أفراد الطاقم على شهرين من الراحة.
يضيف:”في كل مرة، أحتاج إلى أسبوعين من الفترة الانتقالية. كل هذه القصص التي أستمع إليها، آخذها معي، وفي المساء، ترافقني إلى سريري”.
كما قال إنه تأثر بشكل خاص بأحد الناجين المصريين الذي جاء مع والده البالغ 65 عاما إلى ليبيا، موضخا بالقول “حدثت مشكلة عندما صعدوا على متن القارب في ليبيا، وانفصلا. كان الأمر حزينا للغاية، لقد حطم قلبي”.
لكن على متن سفينة “جيو بارنتس”، غالبا ما تخفف لحظات الاستراحات المليئة بالموسيقى والنكات، من ضغط عمليات الإنقاذ المعقدة والقصص الصادمة، يقول اللاجئ السوري الذي أكد بأنه لا يتخيل نفسه في أي مكان آخر.