المنتدى الأدبي
المنتدى الأدبي، منتدى ثقافي عربي أنشأ في إسطنبول سنة 1909، يعود له الفضل بالترويج للقومية العربية بين الطلاب العرب قبيل الحرب العالمية الأولى. تحوّل المنتدى إلى منصة للعمل ضد الدولة العثمانية، ما أدى إلى مواجهة مع السلطات العثمانية كانت نهايتها صدور قرار سنة 1915 بحظر نشاطات المنتدى وإعدام عدد من أعضائه، وفي مقدمتهم رئيسه المحامي اللبناني عبد الكريم خليل ونائبه الشاعر السوري رفيق سلّوم.
البداية
ولد المنتدى الأدبي في ظلّ أجواء انفتاح سياسي شهدتها الدولة العثمانية بعد انقلاب جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد الثاني في تموز 1908. سمح قادة الاتحاد والترقي بإنشاء عدد من الأندية والجمعيات بهدف تعزيز الولاء للدولة العثمانية، كان من أبرزها المنتدى الأدبي الذي جاء في ميثاق تأسيسه أنه يهدف إلى “توثيق عرى الإخاء بين العرب على اختلاف أجناسهم وأديانهم وعناصرهم وطوائفهم وحتى لا يذكر الواحد منهم في السياسة والوطنية غير عروبته الشريفة.”
افتتح المنتدى في منزل قديم في إسطنبول، وكانت فيه مكتبة كبيرة وقاعة مخصصة للقراءة وأخرى للمحاضرات الأدبية. الدخول إلى المبنى كان مجاناً للطلاب العرب المقيمين في إسطنبول والزائرين من الأقطار العربية. وقد شملت قائمة الآباء المؤسسين للمندى الأدبي كل من شكري القوتلي وأحمد قدري وسيف الدين الخطيب من دمشق، وعبد الكريم خليل وسامي الصلح وأسعد داغر من لبنان، وأحمد عزة الأعظمي وتوفيق سويدي من العراق وعارف العارف والشيخ نسيب البيطار من فلسطين. وقد حصلوا على دعم كبير من النواب العرب في مجلس المبعوثان، أمثال رضا الصلح ورشدي الشمعة وشكري العسلي.
رئيس المنتدى الأدبي عبد الكريم خليل.
تأثر أعضاء المنتدى ببيت شعر لصفي الدين الحلي، ومنه وضعوا علم القومية العربية الذي أصبح بعد سنوات علماً رسمياً للثورة العربية الكبرى عند إطلاقها سنة 1915. كما أنهم أطلقوا جريدة تحمل اسم المنتدى، كانوا يكتبون فيها مقالات منوعة عن العرب وتاريخهم. وفي حفلات المنتدى وأُمسياته الشعرية، كان الطلاب العرب ينشدون الأناشيد القومية ويتحدثون عن مآثر العرب ولغتهم وماضيهم، مع إبراز دائم لولائهم للدولة العثمانية، لعدم استفزاز السلطات وإعطاء المتشددين ذريعة للإغلاق المنتدى.
النهاية
في سنة 1915، وبعد عام على اندلاع الحرب العالمية الأولى شنّ جمال باشا، قائد الجيش العثماني الرابع، حملة اعتقالات في بيروت ودمشق، شملت عدد من قادة المنتدى الأدبي، وفي مقدمتهم الرئيس عبد الكريم خليل ونائبه الشاعر رفيق سلّوم. اتخذ قرار بحظر نشاط المنتدى وإغلاق مكاتبه وفروعه في سورية ولبنان، بعد اتهام بعض الأعضاء بميول انفصالية والتواصل مع دول أجنبية بهدف قلب نظام الحكم العثماني في البلدان العربية. نفذ قرار الإعدام بعبد الكريم خليل أولاً في بيروت يوم 21 آب 1915، وفي 6 أيار 1916 أعدم رفيق سلّوم بدمشق وكل من محمد جلال البخاري وسيف الدين الخطيب في بيروت.
بعد إغلاق الاتحاديين لجمعية الإخاء العربي – العثماني، تحول النشاط القومي العربي في الآستانة إلى مرحلة أكثر تقدماً وبالعلن أيضاً، إذا أسسواً نادياً عربياً لهم في الآستانة سنة 1909، سموه المنتدى الأدبي، وكان مكاناً لتجمع معظم الشباب العربي، وكانوا كثيرين، وخاصة الطلاب.
كان مؤسسوه من أولئك الرجال الذين عملوا في المجالات القومية الأخرى، كـ عبد الكريم الخليل، وسيف الدين الخطيب، ويوسف حيدر.
وكان عبد الكريم الخليل أكثرهم نشاطاً، وعين رئيساً له، فيما كان رفيق رزق سلوم نائباً للرئيس.
أصدر المنتدى مجلة تحمل اسمه، كتب فيها هؤلاء الشباب عن العروبة وتاريخ العرب، وحقوقهم ولغتهم وأمانيهم، ونشرت القصائد التي تشيد بأمجاد العرب، وكان الشباب العرب يرددونها يتغنون بها. وحاول هؤلاء الشباب الانتفاع إلى أقصى حد من الحرية التي أعطاها الدستور لتحقيق أهداف العرب القومية، ضمن الدولة العثمانية.
ودعم بعض النواب العربي هذا المنتدى كـ عبد الحميد الزهراوي من حمص، وشكري العسلي الدمشقي، واضفوا عليه قوة ونشاطاً وحيوية.
وكان نشاط هذا المنتدى ينتقل إلى المدن العربية عن طريق الطلاب العرب العائدين، خلال دراستهم في الآستانة إلى مناطقهم العربية.
وأنشئت لهذا المنتدى فروع في سورية والعراق، وكان على اتصال وثيق برجال الحركة القومية العربية.
وظل مزدهراً يقوم بنشاطه على مستوى عال لبث الفكرة والحركة القومية حتى سنة 1915، حيث أغلقه الاتحاديون، وأعدموا الكثير من رجاله[1].
[1] محمد عزة دروزة، حول الحركة العربية الحديثة، تاريخ ومذكرات وتعليقات، صيدا، 1950، صـ 22.