فتحت زيارة وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، مع وفد اقتصادي إلى طهران، باب التساؤلات عن جدوى مسار تطبيع بدأته عواصم عربية مع هذا النظام، في مايو/أيار الماضي، جوهره الحد من النفوذ الإيراني في سورية، والذي تنامى بشكل كبير ولم يعد محصوراً في الجانب العسكري.
وفي مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في طهران عقب جلسة مباحثات جمعتهما في طهران أمس الأول الاثنين، قال المقداد إن لنظامه “اتصالات مع جميع الدول العربية تقريباً، بعيداً عن التدخل الأميركي والدور المشبوه له وللغرب في المنطقة العربية”. واعتبر أن الغرب “أصيب بالهستيريا بعد أن انضمت سورية إلى الجهد العربي خلال قمة جدة (القمة العربية التي عقدت في مايو الماضي)”.
تراجع “الزخم” العربي تجاه النظام السوري
لكن الوقائع السياسية تدل على تراجع “الزخم” العربي تجاه النظام، والذي كان بدأ عقب الزلزال الذي ضرب شمال سورية في فبراير/شباط الماضي، وتكلل بإعادة النظام إلى الجامعة العربية.
ولم تفتتح السعودية سفارة أو قنصلية في العاصمة السورية كما كان مقرراً، وهو ما يؤشر بحسب البعض إلى أن الرياض لم تلمس أي تجاوب من النظام للبدء في مسار حل عربي للقضية السورية يقوم على منهجية “خطوة مقابل خطوة”، يهدف إلى تطبيق القرار الدولي 2254، وإنهاء النفوذ الإيراني في سورية.
محمد سالم: النظام يمارس نوعاً من الضغط لإظهار وجود بديل لديه عن الأموال العربية
ويريد العرب من رئيس النظام بشار الأسد إجراء عملية مصالحة سياسية، تشمل تأمين عودة اللاجئين السوريين، خاصة في دول الجوار إلى بلادهم، إلا أن النظام لم يستجب حتى اللحظة للمطالب العربية.
ويبدو أن النظام كان يعوّل على دعم عربي لانتشال اقتصاده من الحضيض، من دون تقديم تنازلات سياسية، أو البدء في تحجيم الدور الإيراني في سورية، وإيقاف عمليات تهريب المخدرات عبر الأردن ومنها إلى دول عربية أخرى.
بل العكس تماماً هو ما حصل، إذ وقّع الأسد مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في مايو الماضي، العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التي تكرّس النفوذ الإيراني في سورية، والذي لم يعد محصوراً في الجانب العسكري، بل طاول العديد من القطاعات الاقتصادية المهمة في البلاد. وعقد في طهران، الاثنين الماضي، اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين إيران والنظام السوري لمتابعة تنفيذ هذه الاتفاقيات.
تعاون اقتصادي سوري إيراني
ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أمس الثلاثاء، عن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام محمد سامر الخليل، قوله إنه “تم اتخاذ خطوات كثيرة في مجال التعاون المصرفي والسياحة والنقل والتجارة الحرة، ونأمل في تنمية قوية للعلاقات الثنائية، وتم إنشاء خطوط ترانزيت برية وبحرية”. من جهته، أعلن وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني مهرداد بذرباش أنه تم الاتفاق مع سورية على إلغاء التعرفة الجمركية بشأن الصادرات والواردات بين البلدين.
ووفق الصحيفة، بحث الجانبان “سبل تطوير التعاون المشترك في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وإقامة أسواق لشركات التكنولوجيا الإيرانية في سورية”.
وقدمت إيران شتى أنواع الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للنظام السوري، للحيلولة دون سقوطه. لكن الأزمة الاقتصادية الخانقة للنظام السوري، وتهاوي الليرة أمام العملات الأجنبية، ربما تدفع النظام إلى تسليم الجانب الإيراني العديد من مفاصل القرار، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع المبادرة العربية تجاهه، ما يعني عملياً تلاشي المسار العربي للحل في سورية، لينضم بذلك إلى المسار الأممي الذي يراوح مكانه، في ظل رفض النظام التجاوب معه لتنفيذ مضامين القرار 2254.
وحالياً تضع إيران يدها بشكل معلن على العديد من المناطق في دمشق وريفها، وفي حلب وريفها الشمالي، وتدمر في قلب البادية السورية، وفي دير الزور أقصى شرقي البلاد.
برود في مسار التطبيع العربي
وتعليقاً على زيارة المقداد لطهران، رأى مدير وحدة الدراسات في مركز “أبعاد” للدراسات محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الزيارة تؤكد “أن هناك بروداً واضحاً في مسار التطبيع العربي مع النظام، بسبب الشروط الكثيرة التي يحاول فرضها على الدول العربية”. وبرأيه، فإن ذلك “لا يعني نهاية هذا المسار”، مضيفاً: النظام يمارس نوعا من الشد والجذب والضغط، لإظهار وجود بديل لديه عن الأموال العربية.
وأعرب سالم عن اعتقاده أن “لا روسيا ولا إيران قادرتان على إنقاذ النظام من وضعه الاقتصادي، فهما ترزحان بدورهما تحت عقوبات كبيرة واقتصادهما يعاني”. وقال إن النظام آخر ما يهتم به هو المُنتج والصناعي والمستهلك السوري، ولو أدت الأزمة الاقتصادية إلى معاناة شعبية وانهيار مؤسسات الدولة المدنية، فهو غير مهتم كثيراً ويحاول تصدير نتائج هذه الانهيارات إلى دول الجوار لمزيد من الابتزاز.
رشيد حوراني: النظام ذاهب إلى النهاية في النهج الإيراني سورياً
وفي السياق، رأى الباحث في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن زيارة فيصل المقداد إلى طهران “تحمل عدة رسائل يمكن الوقوف عليها، سواء لجهة من رافقه في الزيارة من مسؤولي النظام أو من خلال تصريحاته، مع نظيره الإيراني”.
وأضاف: رافق المقداد وزير الاتصالات (إياد الخطيب) في ظل حديث عن قرب انطلاق المشغل الخليوي الثالث في سورية برعاية إيرانية، ولهذا الأمر جانب اقتصادي وأمني، يتعلق بسيطرة إيران على الاتصالات بهدف التجسس.
الاقتصاد استحوذ على جانب كبير من الزيارة
وأشار إلى أن طبيعة الوفد المرافق للمقداد “تؤكد أن الجانب الاقتصادي استحوذ على قدر كبير من الزيارة، في ظل إحجام الدول العربية عن تقديم الدعم المالي للنظام، لعدم تجاوبه مع الخطة التي طُرحت عليه لحل الأزمة السورية، خلال اجتماعات عقدت، سواء في العاصمة الأردنية عمّان أو في مدينة جدة السعودية”.
وأعرب حوراني عن اعتقاده أن زيارة المقداد تؤكد أيضاً أن “النظام ذاهب إلى النهاية في النهج الإيراني فيما يتعلق بالوضع السوري”.
وأضاف أن تهديد المقداد للقوات الأميركية والتحالف الدولي في شرقي سورية، وطلبه انسحابها قبل أن تُجبر على ذلك، يعني التماهي الكامل مع الجانب الإيراني، ومؤشر على استمرار التحرش بالقوات الأميركية بالأذرع الإيرانية المليشياوية في دير الزور، وهو أيضاً ضرب للمبادرة العربية التي اشترطت تحجيم نفوذ إيران في سورية.