لم تكن مشاركة المرأة السورية في الثورة مشاركة لاحقة، بل أخذت دوراً أساسياً وفعالاً منذ انطلاقتها في ربيع 2011.
انخرطت النساء السوريات في مختلف تفاصيل الثورة وبكافة أشكالها، في التظاهر السلمي والنشاط الإغاثى والطبي والإعلامي والسياسي، ودفعت الأثمان فكانت المُلاحقة والمعتقلة والشهيدة والأرملة.
ونظراً لأهمية دورها في مؤسسات الثورة وضمان مشاركتها الفاعلة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تبرز إلى السطح التساؤلات التالية:
ماذا حققت المرأة السورية على صعيد مطالبها العامة ودورها السياسي؟
وهل كان تمثيل المرأة السورية كافياً لتحقيق هذا الدور؟
وهل تمتلك الخبرة السياسية والمقدرة التي تمكنها من القيام بواجبها الوطني والمجتمعي؟
هذا ما بدأنا به حديثنا مع الكاتب والباحث، كريم عنكير، الذي يرى أن حضور المرأة كان قوياً في الثورة السورية في مختلف مراحلها، كناشطة ومتظاهرة ومعتقلة، مؤكداً أن: “دور المرأة السورية ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرحلة السلمية من الثورة على وجه الخصوص، ولكنه تضاءل في المرحلة المسلحة وأتخذ أشكالاً مختلفة كالقيام بالأعمال الطبية والإسعافية”.
أما عندما غلب الطابع الإسلامي على الثورة، يقول عنكير: “تحول هذا الدور إلى الجانب التربوي والتعليمي وكذلك العمل الإغاثي”.
ويلفت الباحث إلى أن دور المرأة السورية “ارتبط بقوة الثورة وتألقها والعكس بالعكس تماماً “.
المرأة والتمكين السياسي
بينما يرى، الشاعر والكاتب الصحفي ياسر الأطرش، أن مشاركة المرأة السورية في الحياة السياسية الثورية مشاركة “شكلية تجميلية”.
يعزو الأطرش أسباب ذلك إلى نظرة المجتمع والعقلية الشرقية المسيطرة، التي تحرص على حضور المرأة الشكلي “الخالي من التأثير”. ضارباً مثالاً بالائتلاف الوطني السوري المعارض “حضرت المرأة كنائب للرئيس ولكن بلا دور فعلي”، ونفس الأمر في تشكيلات الحكومة المؤقتة والمؤسسات السياسية المعارضة بشكل عام.
ويستدرك الأطرش قوله: وعلى النقيض من ذلك، استطاعت المرأة تحقيق حضور هام وفاعل في الحراك الثوري وكان لها دور بارز في عملية التعليم وقطاع الصحة والدفاع المدني.
وتتفق الناشطة سحر اليوسف مع ضعف دور المرأة سياسياً، وبروزه في مجالات أخرى على الرغم من محاولاتها وتحملها أعباء لا تتنقص من جدارتها.
عن الأسباب ضعف التمكين السياسي للمرأة السورية تعود، بحسب الناشطة، إلى سبيين هما “نظرة المجتمع ونقص الخبرة”.
وتقول اليوسف: لا يرى المجتمع المحلي أن يكون للمرأة دور سياسي، وإنما يحصر دورها ومشاركتها في قطاع التعليم والتمكين والمجال الطبي والإرشادي والتوعوي، بينما ينظر المجتمع الدولي إليها كأداة ليحقق شيئاً من أفكاره التي يحملها، ولا يعدو كونه “بريستيجاً” فقط.
أما بالنسبة للسبب الثاني، تضيف الناشطة: يجب أن نعترف بأننا لسنا مؤهلات بالشكل الكافي لنكون فاعلات، نحن أبدينا قدرتنا ورغبتنا في العطاء اللانهائي والصبر والثبات وحملنا أنفسنا فوق طاقاتنا بمئات المرات لكي نقدم شيء بحسن النية إخلاصاً للقضايا الإنسانية.
وتتابع اليوسف: ولكن كان هناك رغبةِ من بعض النساء السوريات لامتطاء المناصب السياسية بغض النظر عن أهليتهن لها، مشيرة إلى السيدات اللاتي تقلدن مناصب في منصات سياسية مختلفة برغبة من المجتمع الدولي “للتشويش”، واصفةً بعض “سيدات المنصات” بـ “الساذجات”.
وترى الناشطة، لا بد من الحنكة السياسية إذا كانت المرأة السورية تود أن تمثل شعبها سياسياً وتشاطر الرجل السوري، وهو ليس بحال أفضل منها، لا بد أن تعمل وتجتهد وتتدرب على الخطاب والحجة مستغلة كل الإمكانيات، “تماماً كما يتدرب مسدد الأهداف على تسديد الكرة في المرمى، أما اللعب هكذا من دون تدريب ودراسة الخصم ولاعبيه فلا طائل منه”.
معوقات تمكين المرأة سياسياً
في ظل التعقيدات الكبيرة التي يشهدها الشأن السوري بشكل عام، تواجه المرأة معوقات تقف حائلاً أمام وصولها إلى المشاركة السياسية الفعالة في بناء مجتمع، تضحي من أجل ان يكون عادلاً.
الدكتورة سميرة المبيض، أجملت هذه المعوقات في ثلاث نقاط في حديث خاص لـ ……:أولاً:
المرأة لم تكن موجودة بشكل حقيقي وفاعل قبل الثورة، فكما هو معروف سوريا كانت تفتقد للحياة السياسية بشكل كامل لجميع الفئات نساءً ورجالاً، و لكن مع انطلاق الثورة حدث تغير كبير في هذا التوجه و أصبحت هناك إمكانية لكي تأخذ المرأة دورها.
ولكن للأسف لم نجد دوراَ فاعلاَ في ظل محاصصات مقيتة سيطرت على الحراك السياسي المعارض و من ثم تلتها محاولات لتأطير العمل السياسي للمرأة أي تحويله إلى وجود صوري.
ثانياً:
انشغال النساء السوريات بشكل كبير في العمل المدني، ورغم أهميته، كان يجب أن لا يقتصر دور المرأة على الحراك المدني أو الإغاثي وإنما أن يترافق بعمل سياسي يتيح المجال لوجود فاعل للمرأة السورية في المستقبل من جهة، ولترسيخ خطابها و مطالبها من جهة أخرى.
ثالثاً:
وجود حالة من النأي بالنفس عند النساء السوريات عن العمل في الشأن العام، وهذا الأمر نتاج موروث ثقافي سائد في المجتمع العربي عموماً، يقصي النساء عن العمل العام.
فعقبة الإقصاء يجب تجاوزها عن طريق تشجيع النساء للعمل في هذا المجال وتوضيح ضرورته ليس فقط كعمل في هذا الشأن و لكن كضرورة للوصول بالمجتمع إلى حالة التوازن السياسي المهني الكامل.
مع مضي ست سنوات من عمر الثورة خاض فيها السوريون، رجالاً ونساء، اخفاقات سياسية واجتماعية مختلفة، تبدو الحاجة ملحة للعمل على تصحيح كثير من المسارات، واعطاء المرأة دورها وتمكينها عبر إزالة المعوقات التي تحول دون مشاركتها في بناء مجتمع عادل متقدم.
هل فشلت المرأة السورية سياسياً ولماذا؟ – وضحى العثمان – الغربال