يخشى العاملون في القطاع الصحي في شمال غرب سورية، من تفشي الأمراض السارية والمعدية بين الأهالي في المنطقة، خصوصاً في مراكز الإيواء والمخيمات المكتظة في الوقت الحالي، التي تفتقر إلى البنى التحتية الأساسية من شبكات لمياه الشرب وأخرى للصرف الصحي.
ويتحدّث المنسق في شبكة الإنذار المبكر، الطبيب ياسر فروح، لـ “العربي الجديد”، عن المؤشرات وآليات رصد تفشي الأمراض شمال غرب سورية، قائلاً إن “هذه المناطق في حالة حرب منذ 12 عاماً. وهذه بيئة خصبة لظهور الأمراض الوبائية، خصوصاً بعد انهيار النظام الصحي، وغياب شبكات الصرف الصحي، وعدم توفر الشروط الملائمة لممارسة العادات الصحية السليمة، وعدم توفر المياه الآمنة للشرب وغيرها. كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى عودة ظهور أمراض وبائية بالأساس كانت قد اختفت لسنوات طويلة، منها شلل الأطفال بين عامي 2013 و2017، على الرغم من إعلان القضاء عليه عام 1999”.
يتابع: “شكّل الزلزال المزدوج الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوية في السادس من فبراير/شباط الماضي، بيئة خصبة لظهور أمراض وبائية، خصوصاً تلك المنقولة بالمياه، لأن أنظمة الصرف الصحي تعطلت. يعيش الناجون في ظروف سيئة، وهذه عوامل إضافية لظهور الأمراض الوبائية”. ويوضح: “في الأساس، هناك نظام لرصد الأمراض الوبائية، وهو نظام الإنذار المبكر الذي تشرف عليه منظمة الصحة العالمية، وينشأ في حالات الطوارئ للكشف عن الأمراض الوبائية التي تحدث خلال الكوارث الطبيعية أو الحروب. وجمعت منطقة شمال غرب سورية بين الحرب والزلزال. في مناطق شمال غرب البلاد كان هناك تفش للكوليرا (عدوى معوية حادة تنشأ بسبب تناول طعام أو ماء ملوثين ببكتيريا الضمة الكوليرية، وتنتقل عن طريق المياه أو الطعام الملوث) وكورونا والحصبة (مرض يتسبّب فيه فيروس من فصيلة الفيروسات المخاطانية، وغالباً ما ينتقل عن طريق الاتصال المباشر أو من خلال الهواء. ويصيب الفيروس الجهاز التنفسي وينتقل بعد ذلك إلى باقي أجزاء الجسم) وأمراض تنفسية قبل الزلزال، وكنا نخطط لحملة تلقيح ضد الحصبة والكوليرا وكوفيد-19”.
وزاد الزلزال الوضع سوءاً، بحسب فروح. ويقول إن “الأرقام والمؤشرات التي تردنا في الوقت الحالي تؤكد تزايد حالات الإصابة بالكوليرا والحصبة والأمراض التنفسية، منها كورونا والإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي (RSV). وكانت هذه الأمراض موجودة قبل الزلزال لكنها ارتفعت من بعده. هناك 86 ألف حالة اشتباه بالكوليرا، وهي في تزايد، إذ أن عدد الحالات المسجلة أسبوعياً يتراوح ما بين 700 و800. ومؤخراً، سجلت وفاة طفلة في كفريحمول (تتبع ناحية معرة مصرين في منطقة مركز إدلب في محافظة إدلب) من جراء إصابتها بالحصبة، كما توفي 23 آخرون نتيجة إصابتهم بالكوليرا”. ويوضح أن “المؤشرات هي معدل حدوث حالات الإصابة بالأمراض. في الوقت الحالي، زادت نسبة الإصابات بالحصبة، فيما زادت الإصابة بالكوليرا، ما يدل على صعوبة الواقع الصحي. ونتوقع زيادة أعداد الإصابات والوفيات مع زيادة حركة السكان من وإلى مراكز الإيواء والمنازل والخيام”.
كان الكوليرا متفشياً في الشمال السوري قبل وقوع الزلزال (رامي السيد/ Getty)
كما يشير فروح إلى عامل مهم في انتشار الأمراض، وهو الفرق الإنسانية أو العاملون في الاستجابة الإنسانية الوافدون من خارج سورية، الذين يزورون المنطقة، موضحاً أن هذا “عامل خطير لنقل أمراض جديدة لم تكن موجودة في المنطقة. كما أن دور عمال الإغاثة الإنسانية يؤدي إلى انتشار الأمراض. وهناك تجارب سابقة. ففي هايتي، حدث أنّ عاملاً في مجال الاستجابة الإنسانية من إحدى دول شرق آسيا نقل الكوليرا إلى المنطقة، ما أدى إلى تفشيها. من هنا، نخشى تفشي مرض السل (من باكستان وأفغانستان) وشلل الأطفال (من أفريقيا). في هذا الإطار، نركز على زيادة العمل والكشف المبكر عن أي من الأمراض التي يرصدها الفريق”.
أزمة صحية
أما الطبيب بشار القادري، المقيم في أعزاز بريف حلب الشمالي، فيقول لـ “العربي الجديد” إن “هناك خشية من أزمة صحية كبيرة قد تتجاوز أضرارها خسائر الزلزال”، مضيفاً أن أمراضاً عدة قد تظهر بعد الزلزال. وهناك أمراض معدية ترتبط بالمياه الملوثة، إذ يتعذر الوصول إلى المياه الصالحة للشرب”. ويوضح: “من الأمراض التي قد تتفشى بعد الكوارث الطبيعية، الكوليرا والسالمونيلا (مرض بكتيري منتشر يصيب السبيل المعوي)، والتهاب الكبد “إيه” (A) و”إي” (E)، اللذين ينتقلان عن طريق البراز، ويرتبطان بعدم القدرة على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب وغياب شبكات الصرف الصحي. وهناك داء البريميات وهو مرض بكتيري حيواني المنشأ تسببه جراثيم من جنس البريمية، ينتقل عن طريق الاتصال المباشر بالمياه الملوثة، إذ تفرز القوارض كميات كبيرة من البريميات في بولها، ويحدث انتقالها من خلال ملامسة الجلد والأغشية المخاطية بالماء أو التربة الرطبة أو الغطاء النباتي أو الطين الملوث ببول القوارض. كما ترتبط بعض الأمراض بالازدحام السكاني في مخيمات النازحين. ومن هذه الأمراض الحصبة، خصوصاً لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً”.
ويلفت القادري إلى أن “أمراض الجهاز التنفسي الحادة تعتبر سبباً رئيسياً للمرض والوفاة بين النازحين، ولا سيما بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات”، موضحاً أن “الاستجابة السريعة تكون بالوقاية بمضادات الميكروبات، التي يمكن أن تساعد بشكل كبير في وقف انتقال العدوى. وقد شاركت عدة فرق تطوعية طبية ميدانية في جنديرس وعفرين وأعزاز وأريافها في الاستجابة السريعة للمصابين في منازلهم وأماكن نزوحهم”.
أمراض الجهاز التنفسي
وفي الوقت الحالي، يعد تفشي أمراض الجهاز التنفسي وغيرها التهديد الأبرز لسكان المخيمات ومراكز الإيواء، لأنها تنتقل عبر الهواء، بالإضافة إلى الكوليرا، على الرغم من الجهود المبذولة للحد من انتشارها. ويقول الطبيب عبد الرحمن حاج بكر، الذي يعمل في الريف الغربي لمحافظة حلب، لـ “العربي الجديد”: “الأمراض التي تتفشى أثناء الزلزال أو الكوارث الطبيعية تنقسم إلى نوعين: الأول ناتج عن تدمير البنية الصحية واختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب، ما يؤدي إلى تفشي الكوليرا والإسهال بشكل عام. والثاني هو الأمراض التي تنتشر بسبب الكثافة السكانية الكبيرة في المناطق غير المجهزة، مثل المخيمات ومراكز الإيواء. ويكون انتشار الفيروسات فيها سهلاً، خصوصاً الفيروسات التي تنتقل في الهواء مثل الإنفلونزا والسلّ”.
كما يتحدث حاج بكر عن “احتمال انتشار الجرب والقمل، في ظل انعدام البيئة الصحية الآمنة. كما يمكن أن تنتشر اللشمانيا بشكل كبير مع تشكل مستنقعات مائية إلى جانب الخيام والمخيمات. وتسعى الجهود المبذولة في الوقت الحالي إلى الحد من انتشار الأوبئة. لذلك، نعمل مع فرق الرصد الوبائي والتحذير من الأمراض، ليتم التدخل بشكل مباشر من قبل شبكة الإنذار المبكر أو منظمة الصحة العالمية، ويكون كل شيء متكاملاً من أصغر وحدة طبية وحتى أكبر المراكز في المنطقة. ونرجو ألا تتفشى أي أمراض”.
بدوره، يتحدث الطبيب محمد حوالة، الذي يعمل في منطقة جسر الشغور في ريف إدلب، لـ “العربي الجديد”، عن انتشار الأمراض الجلدية، منها مرض الصدفية (مرض جلدي يسبب طفحاً جلدياً وبقعاً قشرية تظهر غالباً على الركبتين والمرفقين وجذع الجسم وفروة الرأس وتكون مثيرة للحكة)، بالإضافة إلى أمراض تتعلق بضعف المناعة، وهي تحدث بسبب الكوارث. ويوضح أن “هذه الأمراض غالباً ما تكون ناجمة عن الخوف. سجلنا الكثير من الإصابات بالصدفية والتهابات البلعوم وضعف المناعة. كما ارتفعت نسبة الاضطرابات النفسية من جراء الزلزال”.