تدرس حكومة النظام السوري عدة سيناريوهات تتعلق بـ«بالمواد المدعومة»، بينها سيناريو يتضمن «إلغاء الدعم بشكل كامل» عن كل المواد، في مقابل زيادة الرواتب، على الرغم من الوضع المعيشي الكارثي الذي تعانيه غالبية المواطنين.
ومما سيزيد من الوضع المعيشي المزري، تزامن الإجراءات الجديدة التي تنوي الحكومة اتخاذها، مع إعلان برنامج الأغذية العالمي، الأسبوع الماضي، إيقاف مساعداته الغذائية لـ45 في المائة من السوريين المحتاجين، وذلك، بسبب أزمة تمويل غير مسبوقة في سوريا.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة تناقش حالياً دراسة «عدة سيناريوهات»، أحدها رفع الدعم بشكل جزئي عن المواد الغذائية الأساسية التي يتم تسليمها للأسر عبر البطاقة الذكية (الخبز، والسكر، والأرز، والزيت النباتي)، وبشكل كامل عن المحروقات (البنزين والمازوت والغاز) والكهرباء.
وذكرت أن من بين تلك السيناريوهات أيضاً: «رفع الدعم بشكل كامل عن كل المواد»، موضحة أن ذلك يعني أن تباع ربطة الخبز (7 أرغفة)، بالسعر «الحر» البالغ 1200 ليرة سورية، في حين تباع حالياً بالسعر المدعوم عبر «البطاقة الذكية» بـ200 ليرة، وليتر البنزين سيباع بسعر 7600 ليرة، علماً بأن سعر المدعوم منه عبر البطاقة الذكية 3 آلاف ليرة، وهذا سينطبق على كافة المواد المدعومة.
وذكرت أنه عند الانتهاء من مناقشة الدراسة، سوف تتبنى الحكومة أحد السيناريوهات وتصدر قراراً بذلك، يترافق مع قرار آخر بزيادة الرواتب الشهرية للموظفين.
ورأى خبير اقتصادي لـ«الشرق الأوسط»، أنه في ظل تعمق الأزمة الاقتصادية في البلاد، بسبب الحرب طويلة الأمد، والعقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية، وشح العملة الأجنبية وصعوبة تأمينها، أرهقت الحكومة مسألة تأمين تكاليف دعم المواد الغذائية الرئيسية والمحروقات، وهي تحاول منذ فترة بعيدة التخلي عنه؛ لأن معظم ما تحتاجه من تلك المواد يتم استيراده من الخارج بالعملة الأجنبية؛ مشيراً إلى تصريحات رئيس الحكومة حسين عرنوس عن حجم الدعم المقدر بأكثر من 25 ألف مليار ليرة سورية، بزيادة تصل إلى 66 في المائة من قيمة الموازنة العامة لعام 2023.
وأوضح أن الحكومة منذ سنوات تمهد لرفع الدعم عن تلك المواد، عبر زيادة أسعارها بشكل متواصل، لتصل تقريباً إلى السعر العالمي، كما هي الحال بالنسبة للبنزين والمازوت.
ورأى أن أحد أسباب رفع الدعم مرتبط أيضاً بالانفتاح الخارجي على سوريا، والاستقرار الاقتصادي، وإمكانية دخول مستثمرين خارجيين لإقامة مشروعات استثمارية في البلاد، بحيث لا تكون هناك عدة أسعار للمادة الواحدة «مدعوم وغير مدعوم»، وقال: «الحكومة تريد أن تكون الأسعار موحدة في البلاد، بحيث لا يستفيد المستثمرون الأجانب من أسعار المواد المدعومة».
واعتبر الخبير أنه أياً كان شكل السيناريو الذي ستعتمده الحكومة، فسيكون «كارثياً» بالنسبة للأسر؛ لأنه مهما كانت قيمة الزيادة على الراتب الشهري، وحتى لو وصلت إلى 5 أضعاف، فلن يستفيد منها المواطن ما لم تتم السيطرة على سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي. وهو ما فشل فيه مصرف سوريا المركزي حتى الآن، إذ شهد سعر الصرف تدهوراً كبيراً خلال سنوات الحرب، ووصل حالياً إلى نحو 9 آلاف ليرة، بعدما كان في عام 2010 ما بين 45 و50 ليرة. على حين لا يتجاوز الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى 150 ألف ليرة، بينما باتت العائلة المؤلفة من 5 أفراد تحتاج إلى 4 ملايين ليرة في الشهر.
تأتي الإجراءات التي تنوي الحكومة القيام بها، مع إعلان برنامج الأغذية العالمي منتصف الأسبوع الماضي، أن أزمة التمويل غير المسبوقة، أجبرته على تخفيض مساعداته لتصل إلى نحو 2.5 مليون شخص، بعد أن كان يقدمها لنحو 5.5 مليون يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الوكالة لسد احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
ورجحت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن تطول عملية الشطب من المساعدات الغذائية، الشريحة الرابعة التي تحصل على سلة غذائية كل 3 أشهر، وجزءاً من الشريحة الثالثة التي تحصل على سلة كل شهرين. وقالت: «من المستبعد شطب نازحين في مخيمات شمال سوريا وإدلب؛ لأن هؤلاء ليس لديهم ما يستهلكونه سوى السلة الغذائية».
ويبدي كثير من سكان دمشق تخوفاً كبيراً من التسريبات عن نية الحكومة رفع الدعم؛ لأن ذلك سيزيد حتماً من صعوبة الوضع المعيشي للناس «الميتة أصلاً»، وسيفاقم من حالة الجوع في عموم البلاد.