الجمعة التاسعة من احتجاجات السويداء: صمود رغم قمع النظام
احتجاجات السويداء في جمعتها التاسعة(العربي الجديد)شاشة كاملة
تستمر الانتفاضة في مدينة السويداء جنوبي سورية بقوة في شهرها الثالث، حيث يجتمع الأهالي في التظاهرات بشكل دوري في ساحة الكرامة. هذا يأتي رغم محاولات النظام للقمع وإسكات الصوت بحجج تصدر الأحداث في قطاع غزة.
اليوم الجمعة، احتشد مئات من أهالي المحافظة وريفها في تظاهرة مركزية في ساحة الكرامة، حيث أكدوا موقفهم الثابت ورفضهم العدوان على مناطق إدلب والشمال السوري. كما أبدوا استياءهم من الصمت العالمي تجاه ما يحدث في فلسطين المحتلة وقطاع غزة. يوم أمس الخميس، ظهر تكتل سياسي جديد في المحافظة، ومن المتوقع أن يكون له دور قيادي في الحركة والتوجيه.
المتظاهرون حملوا اليوم لافتات تدين الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وطالبوا المجتمع الدولي بالتدخل لوقف مجزرة الشعب الفلسطيني المستمرة وتقديم المساعدات إلى القطاع.
وفي الأيام الماضية، استغل النظام في سورية انشغال الإعلام المحلي والعالمي بالأحداث المأساوية في غزة، ليمرر ما يضرب الانتفاضة الشعبية في السويداء من بوابة الموقف الشعبي المتعاطف مع القضية الفلسطينية، والدفع نحو التعبير عن مواقف التضامن والتنديد بما يخص غزة، في الوقت الذي يسود على مؤسسات النظام صمت في اتخاذ موقف واضح وجريء تجاه ما يجري في غزة.
ويشير نشطاء من السويداء إلى أن النظام استغل هذا السياق لقمع انتفاضة السويداء، إذ جند النظام أعضاء حزب البعث وموظفي النقابات المهنية والمؤسسات العامة وتلاميذ المدارس بهدف خلق حشد موازٍ وساحات احتجاج، وبدأوا بذريعة الاحتجاج على الجرائم في غزة، ولكن سرعان ما تطورت هذه الوقفات إلى صدام بين المجموعتين أو حتى احتلال للساحات المعارضة. هذا منح الفرصة للأجهزة الأمنية والعسكرية بالتدخل لمنع التصعيد العنيف وبالتالي إخماد الانتفاضة.
وعلم “العربي الجديد”، أن النظام أصدر توجيهات للنقابات ومنظمة طلائع البعث بتنظيم وقفات احتجاجية بشكل منتظم منذ أيام. وأن هذه الوقفات تمثل نواة للشارع الموالي للنظام في المحافظة.
في المقابل، نبّه الحراك الشعبي من هذه المحاولات واستنكر استخدام تلاميذ المدارس واشتراكهم في قضايا لا يفهمونها. ووجه عدة تحذيرات للأهالي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن خطورة ما تقوم به السلطات، وأكدوا ضرورة تنفيذ القوانين السورية التي تمنع حزب البعث والمنظمات التابعة له من السيطرة على مصير أطفال المدارس.
في السياق ذاته، بدأت تظهر تجمعات سياسية واجتماعية في السويداء تهدف إلى دعم وتعزيز الحراك السلمي. في الخميس الماضي، عُقد اجتماع واسع في بلدة المجدل بريف السويداء، حضره عدد من أبناء المحافظة وشمل ممثلين عن القوى السياسية والمدنية وشخصيات مستقلة وفاعلة. كان محور الاجتماع هو دعم انتفاضة السويداء وتعزيزها على الصعيدين المحلي والوطني.
تيار وطني” عابر للأحزاب
أحد المشاركين في اللقاء، الذي فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أفاد لـ”العربي الجديد” بأن المجتمعين قدموا ورقة عمل تشجع على استمرار الحراك السلمي وتدعو إلى تشكيل لجان للتنظيم والإعلام ولجنة قانونية ومتابعة وتواصل وتعاون مجتمعي. وفي الوقت نفسه، أشار إلى اقتراح تشكيل “تيار وطني” يكون عابرًا للأحزاب السياسية والتكتلات، ويضم جميع التوجهات التي تدعم الحراك الشعبي من أجل تحقيق مطالب الشعب السوري بأكمله.
وأوضح: “كان هذا الاجتماع نوعياًً ومميزاً، ويمثل خطوة مهمة نحو توحيد الجهود المبذولة لدعم واستمرارية الحراك”.
وصدر عن اللقاء بيان أكد التوافق بين الحضور على الالتزام بالنهج السلمي للحراك ودعم استمراره، وتنسيق الجهود والعمل على تجاوز جميع الصعوبات التي قد تواجه الحراك، مؤكدًا على نجاحاته من خلال تنظيم أفضل وتعزيز التعاون بهدف تحقيق هدف وطني عام. وأكد على استمرار هذه الاجتماعات بشكل دوري لمناقشة التطورات المستقبلية.
غير أن الناشط المدني، أيمن نوفل، لا يرى أن “هناك أي اختلاف كبير في هذا الاجتماع مقارنة بالاجتماعات السابقة”، ويعتبره محاولة من جانب وجهاء شعبيين وسياسيين للانضمام إلى حراك الشارع. وفي حديثه لـ”العربي الجديد”، أشار نوفل إلى أن “الشارع قد سبق الجميع في المبادرة والتنظيم، ولم تعد القوى السياسية التقليدية قادرة على توجيهه”. ويرى أن أي “محاولة للدعم والقيادة يجب أن تقدم شيئاً جديداً، وحتى الآن لم يظهر سوى تنافس وتجاذب بين الأطراف المختلفة تجاه الحراك”.
وأشار نوفل إلى أن “هذا الوضع هو نتيجة طبيعية للمجتمع الذي لم يشهد أي هامش ديمقراطي أو تعددية سياسية لعقود طويلة”. ويعتبر أن “الحراك الشعبي ينتج مبادرات وورش عمل وحالات تنافس، وهذا في المجمل يعتبر حالة صحية تشجع الحراك نحو التقدم”.
في الوقت نفسه، دشنت دعوات جديدة من قبل فعاليات اجتماعية واختصاصية تدعو إلى المشاركة في الحراك الشعبي والمشاركة في التظاهر. وكان آخر هذه الدعوات دعوة من “تجمع مهندسي السويداء” تدعو جميع المهندسين بمختلف التخصصات وأماكن العمل للانضمام إلى ساحة الكرامة والمشاركة في وقفات الاحتجاج من أجل الحرية والكرامة.
يشارك عدد من المهندسين والمهندسات في الوقفات الاحتجاجية، خاصة يوم الجمعة، كما يوضح المهندس عماد أبو رافع لـ”العربي الجديد”. وأشار أبو رافع إلى أن “دعوة تجمع مهندسي السويداء للانضمام إلى الوقفات الاحتجاجية تأتي كرد على طلب السلطات لنقابة المهندسين بالتظاهر والاعتصام احتجاجاً على الأحداث في غزة”. واعتبر أبو رافع أن “السلطة تستغل مأساة الشعب الفلسطيني لإنشاء شارع معارض بهدف إخماد انتفاضة السويداء”.
وأضاف أبو رافع أن “من المؤسف أن النظام السوري يتلاعب بحياة الشعوب ويسيء استخدام الدم العربي والمآسي من أجل الحفاظ على سلطته وقمع شعبه”. وانتقد أبو رافع النظام “حيث يدعي الممانعة والمقاومة، ولكنه لا يستخدم سلطته وقوته إلا لقمع الشعب”. ويرى أن “المجتمع الدولي يتغاضى عن جرائمه بشكل كبير”.
أبو رافع أكد أن “القضية السورية وقضية فلسطين المحتلة مترابطتان في مواجهة الظلم والقهر والاضطهاد”. ويشدد على أن أي “حراك شعبي وانتفاضة في أي مكان يمكن أن تسهم في مكافحة الاستبداد وتحقيق التحرر”.
منذ حوالي ثلاثة أشهر، اندلعت احتجاجات سلمية في السويداء بسبب تدهور الوضع المعيشي والأمني. قد حملت هذه التظاهرات شعارات تطالب بإسقاط الرئيس بشار الأسد وخروج إيران من البلاد باعتبارها محتلة وتنفيذ المقررات الأممية لحل الأزمة في سورية، وبالأخص القرار رقم 2254.