أعلن المرصد “الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” في بيان أصدره اليوم الأحد، عن وجود مؤشرات تظهر أن خفر السواحل اليوناني ربما يكون متورطا في حادثة غرق قارب يقل مئات المهاجرين قبالة السواحل اليونانية فجر الأربعاء الماضي.
المرصد وهو منظمة حقوقية مستقلة ومقرها الرئيسي في جنيف، ولها مكاتب إقليمية وممثلين في أوروبا والشرق الأوسط أوضح في بيانه :”ثمّة شواهد قوية تدفع للاعتقاد بأن القارب الذي كان يحمل على متنه نحو 750 مهاجرا وطالب لجوء تعرض للغرق بعد اعتراضه من زورق تابع لخفر السواحل اليوناني، وقَطْرِه وإبعاده عن السواحل اليونانية”.
وأشار إلى أنه أطلع على إفادات لناجين من الحادثة، الذي قالوا فيها إن زورقا تابعا لخفر السواحل اليوناني اقترب من القارب وربطه بحبل لسحبه ومنعه من الإبحار نحو وجهته، ما تسبب بانقلابه وغرقه.
وبحسب إفادات الناجين، فقد ابتعدت زوارق خفر السواحل اليوناني عن قارب المهاجرين عقب غرقه، ومكث الغرقى في المياه ساعتين على الأقل قبل الحصول على المساعدة وبدء عمليات الإنقاذ.
المرصد الحقوقي أكد أيضا أن”القارب المنكوب كان مرصودا ومتابعا من خفر السواحل اليوناني والطيران المسيّر التابع للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) قبل غرقه بساعات”.
وتابع:”هذا يعني أن خفر السواحل كان على الأرجح على دراية كبيرة بالأوضاع داخل القارب، وكان بإمكانه الاستجابة على نحو أسرع وأكثر فاعلية لدى غرق القارب، بما يساهم في إنقاذ مئات الأرواح”.
المرصد: رواية السلطات اليونانية اغفلت رواية الناجين
يقول المرصد تعليقا على تصريح المتحدث باسم الحكومة اليونانية زعم فيه أن ربط قارب المهاجرين بأحد زوارق خفر السواحل كان بهدف الاقتراب من القارب وعرض المساعدة على ركابه، لكن رواية المتحدث الحكومي أغفلت على ما يبدو ما كشفته إفادات الناجين أن القارب تعرض للغرق بعد قطره من خفر السواحل.
ولفت إلى أن خفر السواحل اليوناني أصدر تصريحات وتحديثات متعددة حول الحادثة، لكنه لم يذكر أن زورقا تابعا له ثبّت حبلا على قارب المهاجرين وبدأ بقطره، ما يعزز الشكوك حول الأهداف الحقيقية وراء إخفاء معلومة مهمة في هذا السياق.
ونبّه المرصد إلى أن “طلب اليونان من وكالة إنفاذ القانون الأوروبية (يوروبول) دعم تحقيقاتها بشأن عصابة المهربين المتورطة في تسيير القارب قاصر ولا يسهم في تحقيق العدالة على نحو كامل، إذ إن التحقيق في ظروف ومسببات غرق القارب- بما في ذلك الدور المحتمل لخفر السواحل اليوناني- لا يقل أهمية عن تتبع وتفكيك عصابات تهريب البشر، بل قد يمثّل أولوية في الوقت الحالي”.
كما انتقد البيان الصادر عن المرصد احتجاز السلطات اليونانية عددا كبيرا من الناجين من الحادثة في مركز احتجاز “مالاكاسا” شمال شرق العاصمة أثينا، وفرض قيود شديدة على حركتهم وتواصلهم مع الأشخاص خارج المركز.
وشدد على ضرورة معاملتهم على نحو لائق يتناسب مع الصدمة التي تعرضوا لها، والإسراع في تقديم الدعم النفسي لهم للحفاظ على صحّتهم العقلية.
في هذا السياق يقول رامي عبده مدير المرصد:”إذا ما صحت ادعاءات الناجين بتورط خفر السواحل اليوناني في حادثة غرق المركب على هذا النحو، فنحن أمام جريمة متكاملة الأركان”.
وتابع:” إن هذه الجريمة في حال تم تأكيدها تستدعي تحركا أمميا حازما لتحديد الجناة ومحاسبتهم ومنع إفلاتهم من العقاب، وإحداث تغيير جذري في تعامل الدول الأوروبية مع ملف الهجرة”.
وأردف بالقول:”نظرا للسجل الطويل من الانتهاكات العنيفة التي تورط بها خفر السواحل اليوناني أثناء عمليات صد وإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء على الحدود البحرية والبرية، فإننا لا نستبعد على الإطلاق أن غرق المركب كان نتاجا للتصرفات المتهورة وغير المنضبطة لخفر السواحل اليوناني”، على حد قوله.
وضع مأساوي للمهاجرين قبل الرحلة وأثنائها
ويقول المرصد إنه بحسب المعلومات التي جمعها فريقه، فقد تحرك القارب المنكوب من سواحل مدينة طبرق شرقي ليبيا الأسبوع الماضي نحو السواحل الإيطالية، مؤكدا أن المهاجرين كانوا يعيشون قبل الصعود إلى القارب وأثناء الرحلة أوضاعا إنسانية غاية في السوء، مضيفا أن “المهربين كانوا يقدمون لهم رغيف خبز وكمية قليلة من الماء كل يومين تقريبا، وكانوا يعتدون عليهم بالعصي والهراوات بشكل مستمر”.
وينحدر الضحايا من جنسيات متعددة، بمن في ذلك أكثر من 130 إلى 150 سورياً إضافة لعشرات الفلسطينيين والمصريين، إضافة إلى مهاجرين من باكستان وأفغانستان ودول أسيوية و أفريقية أخرى، وكان من بينهم عدد كبير من النساء والأطفال.
إلى ذلك، تشير البيانات الرسمية اليونانية إلى أنه تم العثور على جثث 78 مهاجرا في حين تم إنقاذ 104 من المهاجرين وطالبي اللجوء عقب حادثة غرق القارب وهو رقم لم يتغير منذ اليوم الأول للكارثة.
لكن أكثر من 560 آخرين ما يزالون حتى الآن في عداد المفقودين، في ظل عدم نجاح عمليات البحث في العثور على مزيد من الناجين أو حتى جثث الضحايا.
في هذا الصدد، دعا المرصد السلطات اليونانية والاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى فتح تحقيق شفاف ومستقل في حادثة غرق وفقدان مئات المهاجرين وطالبي اللجوء قبالة السواحل اليونانية، بما يضمن الوقوف على جميع ملابسات الحادثة، وتحديد ومحاسبة جميع المتورطين المحتملين بها.
كما حث المرصد خفر السواحل اليوناني ووكالة “فرونتكس” على الإفراج عن جميع البيانات والمواد المرئية الخاصة بالحادثة، ولا سيما التصوير الجوي للقارب المنكوب، والالتزام بالشفافية في التعامل مع مجريات القضية، بهدف كشف الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا.