والتي شهدت تصاعدًا مخيفاً في التوترات بين بعض الفئات من المجتمع التركي واللاجئين السوريين سقط على إثرها أحد الشباب السوريين شهيداً للتحريض العنصري المقيت.في الأثناء برزت قصص إنسانية مؤثرة أظهره الوجه الأخر الرحيم والروح الطيبة والتضامن بين البشر.
من بين هذه القصص، قصة صاحب مطعم في أضنة الذي قرر تقديم الطعام لعشرات الأطفال السوريين دون أي مقابل، تعكس حقيقة تركيا الإنسانية والمتعايشة السلمية بين الثقافات المختلفة
تفاصيل القصة
بعد أن هاجم مخربون عنصريون السوريين في قيصرية، أدت هذه الأحداث إلى تعقيد الأوضاع وزيادة التوترات بين الطرفين. وفي هذا السياق، قام هارون أوزان جيلان، من حركة “اللطف معدي”، بدوره في نقل 35 يتيمًا سوريًا إلى مطعم بول كبجه في أضنة، حيث تم توفير الطعام لهم بلا حدود أو شروط. وعندما حان وقت دفع الحساب، تفاجأ جيلان بلفتة إنسانية مؤثرة من صاحب المطعم، محمد داغ أوغلو، الذي رفض قبول أي دفعات وأكد أن كل ما تناوله الأطفال هو على نفقته الخاصة.
الموقف الإنساني لمحمد داغ أوغلو
تحدث محمد داغ أوغلو، صاحب المطعم الذي قدم هذه البادرة الطيبة، لصحيفة “يني شفق”، حيث أوضح أن هذه الخطوة جزء من واجبه الإنساني. يقول داغ أوغلو: “كل من يحمل قلبًا رحيمًا سيفكر هكذا. لدي ثلاثة فروع لمطاعمي في أضنة، وكلها مفتوحة أمام الذين هم في حاجة. في المناطق التي توجد فيها مطاعمي، يأتي المحتاجون لتناول الطعام. لدينا مخبز يوفر حوالي 120 رغيفًا يوميًا للمحتاجين. نحن نقدم قدر الإمكان، والله يكافئنا بأكثر من ذلك. نحاول جاهدين أن نجعل الناس راضين، وهم بدورهم يظهرون لنا الاحترام والمحبة، وهذا يكفي بالنسبة لنا“.
موقفه من العنصرية المتزايدة
بخصوص التصاعد العنصري، أبدى داغ أوغلو استياءه العميق من هذه الظاهرة المؤسفة، مشيرًا إلى أن السوريين والأتراك جميعهم بشرٌ، ولا ينبغي أن تكون الدين أو العرق أو اللغة عائقًا بينهم. يقول: “السوريون خرجوا من الحرب وأجبروا على مغادرة بلادهم. كنت مترددًا في البداية عندما جاءوا، لكن بعد التحدث معهم، فهمت الوضع. أحدهم قال لي: ‘أنا أجلس في بيتي وأخشى من قنابل داعش أو PKK أو الأسد أو الروس. لا أدري من يقاتلني، ولو علمت ربما قلت في أي اتجاه أنظر’. عندما سمعت هذا، فهمت موقفهم. لا يمكنهم معرفة من يعادون. أعتقد أن السوريين يتعرضون لظلم كبير“.
علاقته بالموظفين السوريين
يبرز داغ أوغلو أيضًا علاقته الطيبة مع الموظفين السوريين الذين يعملون معه في مطعمه، ويؤكد أنه يدفع لهم نفس الأجور التي يدفعها للموظفين الأتراك، دون أن يستغل حاجتهم في تقديم أجور زهيدة كما يفعل البعض. يقول: “تصدقوا أن هؤلاء الناس يخصصون معظم ما يكسبونه لمساعدة الآخرين المحتاجين. لديّ نادلون سوريون يعملون معي، وأدفع لهم نفس الرواتب التي أدفعها للموظفين الأتراك. للأسف، هناك أرباب عمل يستغلون حاجة السوريين ويدفعون لهم أجورًا زهيدة. ضميرنا لا يقبل هذا. نفعل ما في وسعنا، ونحمد الله، نقدم من جهة وتعود إلينا الخيرات من جهة أخرى“.
رغبة في زيادة الوعي
يعبر هارون أوزان جيلان، عضو حركة “اللطف معدي”، الذي نظم هذه المبادرة الإنسانية، عن رغبته في رفع الوعي بشأن هذه القضية. يقول جيلان: “في الأيام الأخيرة، شهدنا هجمات عنصرية ضد إخوتنا السوريين. أردنا أن نُظهر لهم أن هناك من يهتم بهم ويقف بجانبهم، ولذلك قمنا بمشاركتهم هذه المرة في العمل الخيري. نحن نعمل منذ أربع سنوات على مساعدة الأتراك والتركستانيين الشرقيين والسوريين. هاجم العنصريون إخوتنا السوريين بحجة الدفاع عن طفلة، لكنهم الآن تركوا مئات بل آلاف الأطفال بدون أسر. أردنا أن نرفع الوعي بهذه القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمبادرات الإنسانية
جهود مشتركة لإحلال الهدوء والتضامن الإنساني في تركيا
في ظل التوترات المتصاعدة في تركيا بين بعض فئات المجتمع التركي واللاجئين السوريين، تجلت جهود نشطاء ومنظمات سورية وتركية في تقديم نموذج للتعاون والتضامن الإنساني. على رأس هذه الجهود، يبرز دور “البيت السوري” في أضنة، بقيادة الدكتور مازن خديجة، رئيس المكتب القانوني في التجمع الوطني الديمقراطي السوري، والأستاذ أيسي شحادة وفريق المركز الشبابي في أضنة.
جهود نشطة لإحلال الهدوء
منذ اندلاع الأعمال العدائية ضد اللاجئين السوريين وممتلكاتهم، قام هؤلاء النشطاء ببذل جهود حثيثة للتواصل مع كافة الجهات المعنية. تواصلوا مع مخاتير الأحياء والمنظمات التركية بهدف تهدئة الأوضاع وامتصاص الغضب المتصاعد. تمثل دورهم في تقديم الدعم المباشر للأسر المتضررة من خلال توصيل السلع الغذائية والتموينية والاحتياجات الضرورية، خاصة للأسر التي لم تتمكن من الخروج من منازلها خوفًا من الاحتقان في الشارع.
التضامن الإنساني والتعاون الثقافي
تعكس هذه الجهود التضامن الإنساني العميق والتعاون بين الثقافات المختلفة في المجتمع التركي. من خلال هذه الأعمال، يسعى النشطاء إلى تعزيز السلام والتعايش المشترك، مما يسهم في تقوية الروابط الاجتماعية وتخفيف التوترات. إن تقديم المساعدة والدعم في أوقات الأزمات يبرز القيم الإنسانية التي تجمع بين الناس بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو العرقية.
تحقيق السلام والتعايش المشترك
تشكل هذه المبادرات الإنسانية نموذجًا يحتذى به في تعزيز التفاهم والتعاون بين المجتمعات المختلفة. تعكس الجهود المبذولة من قبل “البيت السوري” ومنظمات المجتمع المدني الأخرى في أضنة قوة الروح الإنسانية في مواجهة التحديات والأزمات. من خلال التعاون والتضامن، يمكن تحقيق السلام والتعايش المشترك في تركيا، مما يعزز من استقرار المجتمع ويعكس القيم النبيلة التي تجمع البشر.
مبادراتٌ تُجسّدُ روحَ التضامنِ بينَ الأتراكِ والسوريينَ في رحلةِ العيشِ المشتركِ
في ضوء السياق السابق والحديث عن المبادرات، يجب أن نشير إلى العديد من المبادرات المختلفة التي ساهمت في مساعدة السوريين وأسرهم.
وتشملُ بعضَ هذه المبادراتِ:
- مبادراتٌ تطوعيةٌ شبابيةٌ:
- توزيعُ المساعداتِ الأساسيةِ من طعامٍ وملابسٍ وأدواتٍ منزليةٍ على الأسرِ المُحتاجةِ.
- تنظيمُ فعالياتٍ ترفيهيةٍ وثقافيةٍ للأطفالِ والشبابِ، تُساهمُ في دمجِهم في المجتمعِ وتُخفّفُ من وطأةِ الأزمةِ النفسيةِ.
- دعمُ اللاجئينَ في الحصولِ على فرصِ عملٍ مناسبةٍ، وتقديمِ المساعدةِ لهم في تأسيسِ مشاريعَ اقتصاديةٍ صغيرةٍ.
- مبادراتٌ لتعليمِ اللغةِ التركيةِ لِلسوريينَ، ممّا يُساعدُهم على الاندماجِ في المجتمعِ والتواصلِ بشكلٍ أفضلَ.
- برامجُ الجمعياتِ الأهليةِ:
- تقديمُ خدماتٍ تعليميةٍ من خلالَ مدارسَ ودروسَ تعليميةٍ مُتخصصةٍ، لِضمانِ حصولِ الأطفالِ السوريينَ على تعليمٍ جيّدٍ يُتيحُ لهم فرصًا مُستقبليةً أفضلَ.
- توفيرُ خدماتٍ صحيةٍ شاملةٍ، تشملُ العلاجاتِ الأساسيةَ والرعايةَ الطبيةَ المُتخصصةَ، ودعمَ الصحةِ النفسيةِ لِلاجئينَ.
- تقديمُ المساعدةِ القانونيةِ لِلاجئينَ، وتوعيتهم بحقوقِهم وواجباتِهم في إطارِ القانونِ التركيّ.
- دعمُ المُرأةِ السوريةِ اللاجئةِ من خلالَ برامجَ تُعنى بِتمكينِها اقتصاديًا واجتماعيًا، وتُساهمُ في حمايتها من العنفِ.
- مبادراتٌ دينيةٌ ومجتمعيةٌ:
- تقديمُ المساعداتِ الدينيةِ والاجتماعيةِ لِلاجئينَ، وتنظيمُ فعالياتٍ تُعزّزُ الحوارَ والتواصلَ بينَ الثقافاتِ.
- المساهمةُ في بناءِ جسورِ التفاهمِ بينَ المجتمعينِ التركيّ والسوريّ، ونبذِ خطابِ الكراهيةِ والتمييزِ.
- دعمُ المبادراتِ الهادفةِ إلى تعزيزِ التسامحِ والاحترامِ المتبادلِ بينَ مختلفِ الفئاتِ.
وتولي الحكومة التركية اهتمامًا كبيرًا بدعم اللاجئين السوريين من خلال برامج تعنى بالتعليم والصحة والإسكان وفرص العمل. كما تؤكد الجهات الرسمية على أهمية التعاون الدولي لضمان حياة كريمة للاجئين السوريين في تركيا