الإثنين, ديسمبر 23

تتعدد مؤشرات التمكين للمرأة حسب الجانب الذي سوف يتم دراسته سواء التمكين السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي، وفي الإطار الاجتماعي يمكن الحديث عن الجانب القانوني والتعليمي، وإذا كانت هناك مؤشرات واضحة للحديث عن التمكين السياسي تاريخيا حيث يحفل التاريخ السياسي السوري بالعديد من الأسماء النسوية البارزة منذ ما قبل الاستقلال مثل” لبيبة هاشم، ماري عجمي، عادلة بيهم الجزائرية، ثريا الحافظ”، وبعد الاستقلال” جيهان موصللي ووداد أزهري”.

حضورها في أحزاب السلطة

تقدم الباحثة الدكتورة مية الرحبي في كتابها “النسوية” الصادر في العام 2014، بدمشق نسبة واضحة عن مشاركة المرأة في السلطة السياسية، وتقدم أرقاما عن عدد المنتسبين إلى حزب البعث الحاكم إذ تقول:” الذكور: 1437439، الإناث: 613866، في قيادات الفرق الحزبية: الذكور: 15213، الإناث: 1737، وفي قيادات الشعب الحزبية: الذكور: 743، الإناث: 120، في قيادات الفروع الحزبية: الذكور: 120، الإناث: 20، في اللجنة المركزية للحزب: الذكور: 75، الإناث: 15، في حين لا توجد ولا امرأة في القيادتين القومية والقطرية”.

وتذكر نسبة الإناث في الحزب الشيوعي السوري في المواقع القيادية:

*جناح وصال فرحة بكداش” عدد الذكور في قيادات اللجنة المنطقية 39، عدد الإناث في قيادات اللجان المنطقية 6، عدد الذكور في اللجنة المركزية للحزب 80، عدد الإناث في اللجنة المركزية 5″.

أما في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي صفوان قدسي فقد عينت السيدة بارعة القدسي وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل لمجرد كونها قرينة أمينه العام. ولم تجد في حزب الوحدويين الاشتراكيين وجود للنساء في مواقع قيادية.

وحركة الاشتراكيين العرب الموجودة في الجبهة الوطنية التقدمية، والتي انقسمت بعد وفاة عبد الغني قنوت إلى قسمين الأول غسان عبد العزيز عثمان، والثاني أحمد الأحمد، وحزب العثمان الذي أطلق عليه حزب العهد الوطني فيه النسب التالية” 5% في الشعب، 10% في الفروع، 6% في اللجنة المركزية، في الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي لا توجد معطيات عن تواجد النساء به، وكذلك حزب الاتحاد العربي الديمقراطي، إما الحزب السوري القومي الاجتماعي، فنسبه تواجد النساء فيه(30 بالمئة) من المجموع العام، ونسبة القياديات في قطاع الحزب أكثر من القياديين الرجال، وفي قيادات الوحدات الحزبية في المدن هي الربع، وتوجد امرأة واحدة من أصل 13 في مجلس العمد هي السيدة ( منى فارس زوجة مروان فارس عضو المجلس الأعلى)، وامرأة واحدة من اصل 17عضو في المجلس الأعلى (اليسار ابنة أنطوان سعادة).

حضورها في السلطات التشريعية والتنفيذية

تشارك المرأة في مؤسسات السلطة ومنها السلطة التشريعية”مجلس الشعب” بغض النظر إذا كان يقوم بهذا الدور أو لا، فأنه في أخر دورة تقدمها الدكتورة مية الرحبي في الدور التشريعي الثامن في العام 2003،” عدد الأعضاء 250، عدد النساء 30، النسبة 12%”، وتؤكد أن هناك ارتفاع في نسبة مشاركة النساء في كل دور تشريعي، وفي الدور التشريعي الجديد في العام الجاري توصلت السيدة” هدية عباس” لرئاسة مجلس الشعب السوري في الجلسة الأولى له التي عقدت بتاريخ 6/6/2016. في حين نجد تواجد النساء في السلطة التنفيذية في الحكومة السورية حيث عينت السيدة نجاح العطار أول وزيرة في تاريخ سوريا، واستلمت حقيبة وزارة الثقافة منذ العام 1976 حتى العام 2000، لتحل محلها في الوزارة السيدة مها قنوت، ثم السيدة نجوى قصاب حسن، وأول سيدة استلمت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بارعة قدسي، وبعدها السيدة غادة الجابي، ومن ثم السيدة سهام دلو، والسيدة ديالا الحاج عارف، والسيدة بثينة شعبان في وزارة المغتربين، والسيدة صالحة سنقر في حقيبة التعليم العالي في التسعينات.

وعن حضور المرأة في مجالس الإدارة المحلية تقدم أخر دورة موجودة في الكتاب في العام 2003، الدورة الثامنة” عدد الأعضاء 8552، عدد النساء 294، بنسبة 3%”، وتلحظ الباحثة إن نسبة مشاركة المرأة في مجالس القرى والبلدات قد تراجعت في دورة العام 2003، إلى نسبة 2%، ومن الملاحظ انه لا توجد حتى العام 2003 امرأة كرئيسة لمجلس مدينة، بينما يوجد عدد قليل من النساء اللاتي شغلن مناصب رئيسات بلدات وقرى، رئيسات بلدات 4 بنسبة( 0،6بالمئة) من مجموع رؤساء القرى، في حين تشغل النساء مناصب عضوات مكتب تنفيذي للمحافظات بنسبة 12% في دورة العام 2003، بنسبة لا تتناسب أبدا مع نسبة وجودهن الكلي في المجالس والتي لا تتجاوز 3%؟!.

أما حضور المرأة في النقابات غياب شبه كامل إلا في الاتحاد العام النسائي في حين يسجل حضورها في السلك الدبلوماسي حوالي 11%.

عن مشاركة المرأة في الحياة السياسية سألنا خديجة التي قالت: “إذا ما بحثنا في علاقة المرأة السوريّة بالسياسة منذُ عقودٍ وحتّى اللّحظة، فسنلاحظ ضعف هذه العلاقة التي تبرز من خلالها مشاركاتٍ خجولةٍ من هنا وهناك، ومردُّ ذلك هو الابتعاد عن السياسة كحالةٍ عامّةٍ سائدةٍ في سوريا منذ وصول حزب البعث لسدّة الحكم، حيثُ بدأت مع وصوله سلسلةٌ من القمع والاعتقالات ومصادرة الحرّيّات مافتئت مستمرّةً حتّى اللّحظة، هذا أوّلاً، أمّا ثانيّاً فإنّ واقع المرأة السوريّة كضلعٍ قاصرٍ ومواطنةٍ منقوصة المواطنة (بالمقارنة مع مواطنة الرجل السوري)، مُنْتَهَكَة الحقوق والواجبات في بلادٍ يقومُ دستورها وقانونها على نصوصٍ أكلَ ُ عليها الدهر وشرب، كبّلَ المرأة وقيّدها بمجموعةٍ من القوانين إضافةً إلى العادات والتقاليد التي لا ضرورةً في وجود المرأة ضمنَ الحقل السّياسي.
لكنّني أعتقد أنّنا نستطيع استثناء المرأة الكرديّة في وقتنا الحاضر، حيثُ أنّها تشارك بشكلٍ فاعلٍ في الحياة السياسية ضمن مناطق الإدارة الذاتية للأكراد في سوريا، فالمجتمع الكردي مجتمعٌ ذو قضيّةٍ وجوديّةٍ تحملها المرأة والرجل على حدٍّ سواء.

ورغم َ ذلك كلّهُ تعلو بعض الأصوات النّسويّة من هيئة التنسيق الوطنيّة لقوى التغيير الديمقراطي في سوريا والتي لا تزال مشاركة المرأة فيها ضعيفةً جدّاً ويظهر ذلك جليّاً في المواقع القياديّة ولجنة المفاوضات، ومن بعض الأحزاب سواءً كانت موالية أو معارضة (بالأخص اليساريّة منها) لتذكّر بأنّ المرأة السوريّة لا تزال تناضل رغم كل هذا البؤس لتثبت وجودها في الساحة السّياسيّة التي لم تزل تلفظ المرأة مراراً وتكراراً.

حضورها في أحزاب المعارضة

على المستوى الرسمي القانوني لا نستطيع القول إن هناك أحزاب معارضة مرخصة، لكن هناك تشكيل سياسي معارض تاريخياً هو التجمع الوطني الديمقراطي، والذي تشكل من خمسة أحزاب معارضة هي:

1-الاتحاد الاشتراكي العربي: الذي لم توضح الدكتورة مية الرحبي كم نسبة المرأة فيه.

2-الحزب الشيوعي السوري، المكتب السياسي: نسبة النساء فيه لا تتجاوز 15%، وكانت من بين النساء اللواتي تعرضن للاعتقال السيدة أسماء الفيصل زوجة السيد رياض الترك الأمين العام.

إما حزب البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي، وحركة الاشتراكيين العرب، وحزب العمال الثوري، فلا ذكر لأي أسماء فيهم.

بينما تم اعتقال الكثير من نساء جماعة الأخوان المسلمين من النسوة في الثمانينيات.

وتذكر الباحثة الرحبي إن تشكيلات سياسية سورية معارضة من بينها حزب الوحدة الديمقراطي الكردي” يكتي”، وحزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، وحزب البعث الموالي للعراق وحزب العمل الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري.

وشكلت نسبة النساء في الثمانينات حوالي (20%) من كوادر حزب العمل الشيوعي وهي نسبة عالية نسبيا، وإذا أخذنا بعين الاعتبار كونه حزبا سريا ملاحقا، وأول حملة اعتقالات طالت منهن حوالي 30 امرأة، أطلق سراح نصفهن بعد فترة اعتقال قصيرة، وسجن منهن (14) امرأة، لمدة عامين، وتجددت بعد ذلك حملات الاعتقال في صفوف الحزب التي طالت النسوة أيضا في السنوات اللاحقة، أطلق سراح العديد منهن في فترات التحقيق، وبقيت حوالي خمسين منهن في السجون بين (4-5) سنوات.

عن تمكين المرأة سياسيا حدثتنا مرح العرنجي قائلة :” تحاول الكثير من الجهات والأيديولوجيات العمل على تمكين المرأة سياسيا ظناً أن هذا التشجيع ممكن أن يبذر، وهذا بالفعل يحتاج لوعي عام اجتماعي داعم، إلا أن التغيير لن يتم إلا بدافع نسوي محض، لأن الهم نسوي محض، ومن هنا تجدر الملاحظة بأن دور المرأة بسيط جدا لا يقارن بدور الرجل سياسيا، وبالتالي فإن العمل النسوي بهذا الخصوص ليس بالمستوى المطلوب، وهذا طبيعي، فالمرأة العربية وإذا خصصنا السورية” الباحثة” يبقى نضالها الحالي حول وجودها الاجتماعي ضد وجود ذكوري اجتماعي وقانوني، ويدعم ذلك ظهور العديد من الاستثناءات النسائية التي تصدرت مناصب ومسئوليات سياسية، إلا أنها للأسف كانت نتاج ذكوري محض، ونتيجة دعم ذكوري وبيئي محدد، ولولا هذا الدعم لما ظهرت أغلب هذه الاستثناءات. تحاول المرأة التحرر على الصعيد الاجتماعي، واستطاعت فئة لا بأس بها المضي بذلك، إلا أن السؤال السياسي بقي بعيدا بعض الشيء عن هذه الفئة.

هناك محاولات فردية نادرة تحاول العمل إلا أنها تتعرض لضغوط مضاعفة اجتماعيا” بيئة، جنس آخر”، وهي تقف خلف دعم ذكوري كبير، وحاليا يتسلح بوجودها أمام المجتمع الدولي. ولكن فعليا لا توجد أي حركة سياسية نسوية من شأنها التغيير بوضع المرأة أو حتى التأثير بالوضع العام السياسي، وهذا من شأن المرأة ذاتها.

حضورها في المعارضة ما بعد 2011:

أن التحولات العميقة التي حدثت للمعارضة السورية منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011، إذ تحول التجمع الوطني الديمقراطي” إلى هيئة التنسيق الوطنية للتغير الديمقراطي، وتوجد في هذا الإطار على المستوى المكتب التنفيذي ثلاث نساء من أصل 22. وفي المجلس المركزي حوالي (10) نساء من اصل 70، وفي قيادة فرع دمشق”5″ من أصل (14)، وفي الأطر السياسية الأخرى مثل الهيئة العليا للمفاوضات حوالي “5”، وفي الائتلاف لا تتجاوز هذا الحضور.

عن فعل تمكين المرأة قالت لجين: “إن تمكين المرأة سياسيا كان من أهم ما بدأت به النساء هنا في سوريا منذ بداية الثورة حيث كانت التجمعات تهدف إلى هذه النتيجة إما بشكل مباشر أو مبطن، لكن النتيجة كانت مغايرة لذلك تماما، حيث أن ما يصلنا حاليا، إما من التجارب السابقة أو الأسماء الحالية، فهي تجربة فاشلة، بأكثر من مقياس، بداية لم تشكل أي جماعة واضحة مؤثرة، إنما تفتتن أو تشتتن، كل منهن تسعى للوصول إلى الأضواء على حساب الأخرى. كنت أجلس في بقعة عمياء ضمن بعض الاجتماعات استمع وأرى النهج المتبع كان كل منهن تكمل الأخرى، لكن واحدة منهن لم تعترف بذلك.

وحاليا نسمع بأسماء معينة رنانة استطاعت أن ترسم خطا واحدا بكفاءاتها وجهدها، لكن الأكثرية لم يفعلن.

تفتقد النساء عامة في بلادنا إلى الكثير من المهارات بسبب الوضع الاجتماعي والعادات والتقاليد. ومن استطاعت منهن تحدي ما سبق ووصلت إلى مراحل متقدمة أصبح ما ينقصها، ودعونا نقول هنا الأغلبية منهن، تنقصهن الحنكة والرؤية المستقبلية والأفق الأوسع للأمور، لذا انقسمن، فمنهن من نأت بنفسها عن هذا الوضع، وكما ذكرنا سابقا أخذت طريقا خاصا بها.

الخلاصة:

كل المعطيات السابقة توضح ضرورة تمكين المرأة سياسياً حتى تصبح قادرة على لعب دور جيد في الحياة السياسية في المجتمع السوري.

لكن القضية ليست بالنوايا، وإنما بالفعل للوصول إلى هذه الغاية، لذلك تحتاج قوى المعارضة إلى تسهيل عملية تمكين المرأة، والعمل حتى تصل إلى كل المراحل المطلوبة من أجل تثبيت حضورها بالحد الأدنى الذي شرعته الكوتا النسائية في محافل الشرعية الدولية والأممية التي تضع الحد الأدنى ب30%، وهذا نادرا ما يحصل في صفوف المعارضة السياسية للنظام السوري، بالإضافة إلى الاتهامات الجاهزة بدون دليل قانوني، والتي تلعب دورا كبيرا في عدم تقدم المرأة لتأخذ مكانها في المؤسسات السياسية التشريعية والتنفيذية لدى القوى السياسية وفي مؤسسات الدولة السورية، فهل تستطيع مؤسسات المعارضة السورية وتنظيماتها التقدم لتضع المرأة السورية في مكانها الطبيعي في السياسة السورية؟

خاص “شبكة المرأة السورية”
بسام خضر

شاركها.

كاتب وباحث في العلاقات الدولية . عضو الرابطة الألمانية للصحفيين .مساهمات في الإذاعة والتلفزيون .مدافع عن حقوق الإنسان ومؤسس ورئيس المركز العربي الأوربي للدراسات (AECS). عمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان . مؤلف ومشارك في العديد من التقارير والتحقيقات ومساهم فيها . سياسي سوري معتقل عدة مرات

اترك تعليقاً