كثفت روسيا من تحركاتها للضغط من أجل تفادي القيود المالية الجديدة الخاصة بمكافحة غسيل الأموال، بسبب الهجوم على أوكرانيا، وهي إجراءات قد تغرق اقتصادها في عزلة أكبر، ووجهت موسكو تحذيراً لدول بالشرق الأوسط من أنَّ فرض مثل هذه القيود سيؤدي إلى الإضرار بالتجارة.
وكالة Bloomberg الأمريكية قالت الأربعاء 14 يونيو/حزيران 2023، إن موسكو تواصلت مع أكثر من ست دول بينها السعودية، وتركيا، والمكسيك، والإمارات خلال الأسابيع الماضية، وأوضحت لتلك الدول التداعيات السلبية التي ستؤثر على الروابط التجارية، في حال فرض “مجموعة العمل المالي” مزيداً من القيود خلال الشهر الجاري.
كما حذّرت روسيا من تضرر أنشطة الاستثمار والتعاون في مشروعات الدفاع والطاقة، بحسب الوثائق التي اطلعت عليها وكالة Bloomberg الأمريكية، وروايات مسؤولين مطلعين على الأمر في دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
“مجموعة العمل المالي” هي منظمة حكومية دولية تُعنى بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أنها تقيم مدى التزام الدول بهذه المعايير، ويقع مقر المجموعة في باريس وتأسست في العام 1989، وتضم 37 عضواً.
كانت “مجموعة العمل المالي” قد اتخذت خطوةً غير مسبوقة بتعليق عضوية روسيا في فبراير/شباط 2023 بسبب هجومها على أوكرانيا، وتسعى حكومة كييف الآن إلى إضافة اسم روسيا إلى “القائمة السوداء” أو “القائمة الرمادية”، وذلك خلال لقاء المجموعة بين يومي 19 و23 يونيو/حزيران.
تشديد الإجراءات على روسيا
في حال تم تصنيف روسيا في القائمة الأولى، سيتم وضع اسمها بجوار كوريا الشمالية، وإيران، وميانمار، مما سيُلزم الدول الأعضاء في “مجموعة العمل المالي”، والمصارف، وشركات الاستثمار، وشركات معالجة المدفوعات، باتخاذ إجراءات أفضل، كما ستضطر تلك الجهات في أكثر الحالات خطورة إلى اتخاذ التدابير المضادة من أجل حماية النظام المالي العالمي.
توجد 23 دولة في “القائمة الرمادية” منها جنوب إفريقيا، والإمارات، والأردن، ووجد تقرير أعده صندوق النقد الدولي في 2021، أن هذه العقوبة، التي تتضمن اشتراطات رقابة أكثر صرامة، تُؤدي إلى “انخفاض كبير وملحوظٍ إحصائياً في تدفقات رأس المال”.
الكرملين حذر الدول الأخرى من أن إدراج روسيا على قوائم المجموعة سيزيد صعوبة وتكلفة استمرارهم في التعامل معها تجارياً، ووفقاً للحسابات الواردة في الوثائق الخاصة بمسؤولي تركيا والإمارات، تشير التقديرات إلى أن كلا البلدين سيعاني من تراجعٍ قدره 1% تقريباً في الناتج المحلي الإجمالي نتيجة فقدان الاستثمارات والتجارة.
تحذير من آثار سلبية
في حالة الإمارات، حذّرت موسكو من أن تصنيف مجموعة “العمل المالي” لروسيا سيؤثر على بعض مكاسب التجارة الثنائية بينهما، إذ بلغت التجارة الثنائية مستويات تاريخية في العام الماضي مدفوعةً بصناعة الطاقة، والاستثمارات المرتبطة، والتجارة في السلع الأخرى.
مسؤول إماراتي قال: “تُدرك الإمارات وتحترم أهمية استقلال مجموعة العمل المالي، بالتزامن مع سعيها للوفاء بمقتضيات تكليفها الأساسي”. وأضاف أن بلاده “تتعامل بجديةٍ شديدةٍ مع دورها في حماية سلامة النظام المالي”.
كذلك قالت روسيا إن تركيا ستخسر إيراداتها من السياح الروس، لأن الصعوبات المحتملة في معالجة المدفوعات ستعطل الزوار، بينما قد تُسفر الاضطرابات التعاقدية الخاصة بالمشروعات الضخمة عن خسائر بالمليارات، ومنها محطة أكويو للطاقة النووية وخط أنابيب ترك ستريم.
تُشير وثيقة اطلعت عليها الوكالة الأمريكية، إلى أن تركيا تستورد العديد من السلع الرئيسية من روسيا مثل الفحم، والمعادن، والمنتجات البترولية، والغاز الطبيعي، والقمح.
يُذكر أن حجم تجارة روسيا مع الإمارات وتركيا قد ارتفع بعد الهجوم على أوكرانيا في فبراير/شباط عام 2022، ولعبت أنقرة كذلك دوراً محورياً في تسهيل عقد صفقة بين موسكو، وكييف، والأمم المتحدة من أجل السماح بعبور صادرات الحبوب في البحر الأسود، وساعدت تلك الخطوة في تخفيف ارتفاع أسعار الغذاء على مستوى العالم.
بالنسبة للسعودية، حذّرت روسيا المملكة العربية السعودية من أن مشروع بناء شركة Rosatom الحكومية لمحطة طاقة نووية في البلاد قد يُصبح عرضةً للخطر، وينطبق الأمر ذاته على استثمارات شركة المملكة القابضة، المملوكة للملياردير الأمير الوليد بن طلال، في شركات الطاقة الروسية Gazprom وLukoil وRosneft.
أيضاً ذكّرت روسيا السلطات الماليزية في وثيقةٍ أخرى، بأنهم يستوردون من روسيا كميات كبيرة من المنتجات النفطية والألومنيوم، وربما تصبح مشروعات أخرى مرتبطة بتوريد المروحيات والأسمدة إلى كوالالمبور عرضةً للخطر أيضاً.
كما ينطبق ذلك على المشروعات التي تنفذها الشركات الماليزية داخل روسيا في مجالات الزيوت، والمطاط الصناعي، ومركبات المطاط، والألواح الليفية، بحسب الوثيقة.
في السياق ذاته، حذّرت وكالة حكومية روسية نظيرتها المكسيكية من “الصعوبات الخطيرة” التي ستواجه مشروعات التنمية المشتركة المرتبطة بشركة Lukoil، وكذلك نشر نظام الدفع ببطاقة Mir الروسية، في حال عدم تفادي إجراءات مجموعة العمل المالي.
ذكرت الوثيقة أن العلاقات التجارية ستتضرر في مجالات تشمل الإمدادات الروسية من الأسمدة، ومنتجات الصلب، والألومنيوم، والمطاط الصناعي إلى المكسيك.
فضلاً عن ذلك بعثت موسكو بمناشدات عامةٍ إضافية إلى عدد من الحكومات الأخرى بحسب الوثائق، وخلال مراسلاتها مع الدول المستهدفة، حثت روسيا تلك الدول على معارضة محاولات أوكرانيا وغيرها إدراج اسم روسيا على القائمتين، كما أعربت عن خيبة أملها، لأن تلك الدول لم تعارض قرار تعليق عضوية موسكو في مجموعة العمل المالي.
حشد الدعم
كانت وكالة Bloomberg قد ذكرت في وقت سابق، أن روسيا حثّت الهند على معارضة إدراج اسمها في أي من القائمتين خلال الاجتماع، وفي الوقت ذاته، تحاول هيئة الرقابة المالية الفيدرالية في روسيا عقد اجتماع افتراضي خلال الأسبوع الجاري، مع نظرائها من البرازيل، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا في تجمُّع “بريكس”.
بحسب الوكالة الأمريكية، فمن المرجح أن تكون مناقشة هذه المسألة جزءاً من جدول أعمال الاجتماع، مضيفةً أن “حدة جهود الكرملين تسلط الضوء على المخاطر التي تواجه حكومة الرئيس فلاديمير بوتين في حال اتخاذ أي من الإجراءين، فضلاً عن أنها تمنحنا نظرةً على طريقة روسيا في إجراء المعاملات مع بعض شركائها التجاريين”.
كانت أمريكا وحلفاؤها قد فرضوا عقوبات غير مسبوقة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن الكرملين نجح في تخفيف بعض آثار الضربة الاقتصادية حتى الآن، وقد حقق ذلك من خلال تعزيز علاقاته مع دول مثل الصين، والهند، والدول الخليجية، وغيرها من دول جنوب الكرة الأرضية التي وقفت على الحياد في الأغلب.
سعت موسكو كذلك لتجنب بعض القيود المفروضة على استيراد التقنيات المحظورة من خلال اللجوء لدول ثالثة، لكن تلك العمليات قد تصبح أكثر صعوبة في حال فرض تلك الدول تدابير العناية الواجبة استجابةً لقرارات “مجموعة العمل المالي”.
الوكالة الأمريكية نقلت عن مصدر مطلع، قوله إنه “ربما يكون من الصعب فرض أقسى العقوبات بحق روسيا، لكن هناك خطوات أخرى يمكن للمجموعة اتخاذها من أجل فرض مراجعات مكثفة، وذلك في حال عدم فرض الإجراء المقترح”.
يُذكر أنه في 24 فبراير/شباط 2022، أطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، وتشترط موسكو لإنهائها تخلي كييف عن خطط الانضمام إلى كيانات عسكرية، وهو ما تعده الأخيرة “تدخلاً” في سيادتها.