الأربعاء, فبراير 5

قبل أشهر من موعد تنظيم الانتخابات التركية كان يُنظر إلى أصوات القوميين والأكراد في البلاد بـ”وضعية استثنائية”، ومع بدء العد التنازلي للحظة “التاريخية”، وفق ما يصفها مراقبون، تطلق تساؤلات عن الدور الذي ستلعبه هاتان الفئتان بشأن النتائج، ولاسيما أن المعادلة التي تربطهما “متضادة”.

وفي تركيا هناك عدة أحزاب ذات جذور قومية وكذلك الأمر بالنسبة للأحزاب الكردية، وبينما تنقسم الأولى بين التحالفات القائمة والمتنافسة تعيش الفئة الثانية ذات الحالة، مع وجود اختلاف يتعلق بدرجة الانخراط، ما بين تحالف الحزب الحاكم والتحالف المعارض له.

ويخوض الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” انتخابات الرئاسة والبرلمان، في 14 مايو، ضمن “تحالف الجمهور”، والذي يضم من الأحزاب القومية: “حزب الحركة القومية” و”حزب الوحدة الكبرى”.

أما الأحزاب الكردية، التي تدعم الحزب الحاكم وتحالفه ومرشحه، رجب طيب إردوغان، فتنحصر بـ”حزب هدى بار” أو “حزب الدعوة”، وهو كردي ذو توجه إسلامي.

في المقابل ينخرط في “تحالف الأمة” المعارض، ومرشحه كمال كليتشدار أوغلو، “حزب الجيد” القومي المنشق عن “الحركة القومية”، في وقت يحظى هذا المرشح الرئاسي بدعم من “حزب الشعوب الديمقراطي”، الموالي للأكراد، وهو ثالث أكبر أحزاب البرلمان.

وفي مقابل ذلك هناك أحزاب قومية كانت قد قررت المضي بصورة منفردا، سواء للخوض في انتخابات الرئاسة أو البرلمان، وتتمثل بـ”حزب النصر” الذي يتزعمه أوميت أوزداغ، وتحالف المسمى بـ”الأجداد”، ومرشحه الرئاسي سنان أوغان.
“معادلة متضادة”

ويشرح الباحث السياسي المختص بالشأن التركي، الدكتور سعيد الحاج، أن “الأصوات القومية في تركيا منقسمة حاليا بشكل عمودي نوعا ما، وبالتالي فإن تأثيرها الكبير على الانتخابات سيكون محدودا”.

وفي المقابل “يعتبر الصوت الكردي والقاعدة التصويتية لحزب الشعوب الديمقراطي مهما ضمن المعادلة الانتخابية”، بحسب الحاج.

ويقول لموقع “الحرة”: “رغم أن حزب الشعوب ليس ضمن التحالفين الرئيسين (الحاكم والمعارض)، إلا أنه وضمن مسار المنافسة على كرسي الرئاسة كان قد أعلن دعم كليتشدار أوغلو”.

ولطالما وجه الزعيم السابق للحزب الذي يقبع في السجن، صلاح الدين ديمرتاش رسائل لقاعدته التصويتة من أجل دعم كليتشدار أوغلو، في وقت كان “الشعوب الديمقراطي” قد قرر خوض البرلمان ضمن قوائم حزب “اليسار الأخضر”، لاعتبارات تتعلق بقضية الإغلاق التي يواجهها، منذ زمن.

ويضيف الحاج أن “الكتلة التصويتية لهذا الحزب تقترب وتدور في محيط 10 بالمئة، وبالتالي سيكون تأثيره في العملية الانتخابية مهما جدا”.

علاوة على ذلك يحظى “حزب الشعوب الديمقراطي” بثقل في البرلمان التركي، باعتبار أنهم سينضمون للمعارضة الحالية بغض النظر عن مدى فوز الأخيرة أو خسارتها في السباق الخاص بالبرلمان.

ولذلك يوضح الحاج أن “الأصوات الكردية محددة في نتيجة الانتخابات، لكن الأصوات القومية لانقسامها مع وجود مرشح قومي، هو سنان أوغان، سيكون تأثيرها بسيطا، وليس كبيرا في المشهد الانتخابي”.

ويُعتبر حزب “الحركة القومية” المرجع الأساسي للقوميين في تركيا، ويتحالف مع “العدالة والتنمية” ويدعم المرشح الرئاسي، إردوغان، لكن “أصواته في تراجع”، بحسب ما يوضح الباحث السياسي، هشام جوناي.

ويقول جوناي لموقع “الحرة”: “بسبب تحالف الحزب مع إردوغان هناك الكثير من المعارضين القوميين انفصلوا عن الحركة القومية، سواء سياسيين أو ناخبين”.

وبعدما انفصلوا أصبحت لهم ميول نحو “حزب الجيد”، الذي انشق أيضا عن “الحركة القومية”، وله ميول قومية ويؤيد المعارضة ومرشحها كليتشدار أوغلو.

علاوة على الانقسام المذكور، كان “حزب النصر” القومي ومرشحه عن تحالف “الأجداد”، سنان أوغان، قد انشق عن “حزب الجيد”.

ولذلك “تعارض هذه الفئة القومية إردوغان وكليتشدار أوغلو معا، في وقت لم تلق دعواتهم لدى تحالف المعارضة لترشيح عمدة أنقرة، منصور يافاش، كمرشح رئاسي بدلا من زعيم حزب الشعب الجمهوري”.

ويشير جوناي إلى أن “هذه الفئة يقال إن نسبتها تتراوح بين 2 إلى 3 بالمئة”.

أما نسبة “حزب الوحدة الكبرى” الذي يخوض المنافسة ضمن تحالف الحزب الحاكم لا تتجاوز فئته الناخبة 1 بالمئة، كون قاعدته تنحصر في سيواس، وله نهج قومي ممتزج بالإسلامي.

ويرى الباحث جوناي أن “تأييد القوميين، وبطبيعة الحال، لأي تحالف سيرجح الكفة لصالحه”، ومع ذلك يحظى “حزب الجيد” برئاسة ميرال أكشينار بشعبية أكبر مقارنة ببقية الأحزاب القومية، إذ تتجاوز نسبته وفقا لبعض استطلاعات الرأي 10 بالمئة.

أما حزب “الحركة القومية” تقول بعض الاستطلاعات إن نسبته تتجاوز 7 بالمئة، بينما تشير أخرى إلى أنه “سيكون خارج التشكيلة البرلمانية، لأنه لن يتجاوز العتبة الانتخابية”، وفق جوناي.
حزب “الحركة القومية” المرجع الأساسي للقوميين في تركيا، ويتحالف مع “العدالة والتنمية” ويدعم المرشح الرئاسي إردوغان، لكن “أصواته في تراجع”
حزب “الحركة القومية” المرجع الأساسي للقوميين في تركيا، ويتحالف مع “العدالة والتنمية” ويدعم المرشح الرئاسي إردوغان، لكن “أصواته في تراجع”

ماذا عن الأصوات الكردية؟

ولطالما تحدث سياسيون وتقارير وسائل إعلام تركية عن الدور الذي سيلعبه “الصوت الكردي” في انتخابات تركيا في 14 مايو الحالي.

وفي أول انتخابات خاضها، في يونيو 2015، كان “الشعوب الديمقراطي” حصل على 13.1 بالمئة من الأصوات و80 مقعدا في البرلمان المكوّن من 550 مقعدا. وفي انتخابات 2018، حصل على نسبة 11.7 بالمئة من الأصوات و67 مقعدا في البرلمان (من أصل 600 مقعد بعد التعديل الدستوري) ليكون ثالث أكبر حزب في “مجلس الأمة الكبير” (البرلمان) بعد “العدالة والتنمية” و”الشعب الجمهوري”.

أما في عام 2019، فقد أسفر الدعم الذي قدمه في الجولة الثانية من انتخابات البلدية إلى رجحان كفة المعارضة وبالتحديد “حزب الشعب الجمهوري” في الفوز برئاسة بلدتي أنقرة وإسطنبول.

وفي الانتخابات الحالية كان الدعم الذي أبداه “الشعوب الديمقراطي” للمرشح الرئاسية المعارض، كليتشدار أوغلو، مبكرا، على خلاف ما أقدم عليه في انتخابات البلدية، قبل أربع سنوات.

ويوضح الباحث الحاج أن “موضوع حزب الشعوب حساس جدا، كون ينظر إليه على نطاق واسع وخصوصا من وجهة نظر الحكومة على أنه ذراع سياسي لحزب العمال الكردستاني”، المصنف على قوائم الإرهاب الدولية.

وبالتالي فإن “التنسيق والتعاون معه ينظر إليه بحساسية كبيرة جدا”، وفق الحاج.

ومع ذلك يقول الباحث إن “بعض المؤشرات التي أبداها حتى حزب العدالة والتنمية في انتخابات البلدايات 2019 كانت من ضمن أسباب خسارة بن علي يلدرم في بلدية إسطنبول الكبرى”.

و”يعتبر حصول كليتشدار أوغلو على دعم الشعوب الديمقراطي مهما من الناحية الحسابية”، إذ يقترب ثقل الحزب الكردي، ويتفوق على 10 بالمئة، و”هذا الرقم ليس بسيطا في المعادلة الانتخابية”.

لكن من جانب آخر، يضيف الحاج أن “الانتخابات عوَّدتنا على أنها ليست حسابية، بل عملية اجتماعية وسياسية وديمغرافية متشعبة ومعقدة جدا، بالتالي من الناحية السياسية والاجتماع السياسي فإن الحصول على دعم طرف قد يزعج أطرافا أخرى ويقلل من مشاركتها”.

وذكر أن “دعم الشعوب لكليتشدار قد يؤدي إلى عزوف بعض أصوات القوميين، وتحديدا أنصار حزب الجيد وحتى بعض المحافظين، ولكن بشكل أساسي القوميين”.

ويتابع الباحث من فكرة أخرى بأن “ناخب الشعوب الديمقراطي دائما ما يرغب بمرشح خاص به (أي مرشح كردي) وإذا لم يجده فإن رغبته في التصويت وزخم مشاركته قد تتأثر”.

ولذلك فإن “وجود كليتشدار أوغلو يعني أنه لن يحصل على كل كتلة حزب الشعوب الديمقراطي. إذ أن بعضها سيعزف عن التصويت وآخر سيصوت لإردوغان، لأنها ليست متجانسة وهي تصوت على أساس عرقي وكردي”.

وتقول المعادلة، وفق الحاج، إن “الحصول على دعم سبعة أحزاب، من بينها الشعوب الديمقراطي لا يعني بالضرورة أن كليتشدار أوغلو سيحصل على كامل الكتلة التصويتية لهذه الأحزاب”.

ويؤكد الباحث أن “الأمر ليس عملية حسابية (بسيطة) بل مركبة ومعقدة”، كما يعتقد أن “حصول كيتشدار أوغلو على الدعم العلني والرسمي من الشعوب الديمقراطي هو مغامرة سياسية سنرى نتائجها في انتخابات الرئاسة المقبلة”.
“نصيب الأسد”

في غضون ذلك لا يرى الباحث جوناي أن هناك انقساما كبيرا بين الأصوات الكردية، كما هو الحال بفئة القوميين.

ويمثل “الصوت الكردي” أحزابا معدودة، هي “الشعوب الديمقراطي” الذي له نصيب الأسد من هذا التمثيل، وحزب “هدى بار” أو “الدعوة”.

ويوضح جوناي أن “حزب الدعوة له نهج إسلامي ويرتكز على أصول حزب الله التركي، الديني المتشدد، ولكنه أيضا يتمتع بشعبية بين الأكراد لاسيما في مدينة باطمان وديار بكر”.

ولا يتمتع “هدى بار” بقاعدة تصويتية كبيرة، كون كتلته ترتكز في المدينتين المذكورتين.

أما “الشعوب الديمقراطي” يعتبر جوناي أنه “سيكون مفتاح الانتخابات”، وأنه “سيرجح الكفة لتحالف الأمة، لأنه أعلن أنه سيدعم كليتشدار أوغلو”.

ويرى جوناي أن “الحزب المذكور يسيطر على ناخبيه وواضح جدا بأنه له كتلة مؤيدة تتجاوز نسبتها 10 بالمئة”.

علاوة على ذلك “يتحرك الناخب الخاص بالشعوب الديمقراطي، وفقا لما يمليه رئيس الحزب حتى لو كان مسجونا وهو صلاح الدين ديمرتاش”.

ويضيف الباحث “القوميون متشرذمون ومنقسمون على كافة الأطياف والتحالفات الثلاث المت التي ستخوض الانتخابات، لكن بالنسبة للأكراد أعتقد أنهم أكثر اتحادا وصلابة وربما المقارنة بينهما لن تكون منصفة”.

ومع ذلك اعتبر أنه وبالمقارنة بين التيارين “فإن الأكراد سيحددون نتيجة الانتخابات بلا شك”.

المصدر موقع قناة الحرة

شاركها.

كاتب وباحث في العلاقات الدولية . عضو الرابطة الألمانية للصحفيين .مساهمات في الإذاعة والتلفزيون .مدافع عن حقوق الإنسان ومؤسس ورئيس المركز العربي الأوربي للدراسات (AECS). عمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان . مؤلف ومشارك في العديد من التقارير والتحقيقات ومساهم فيها . سياسي سوري معتقل عدة مرات

اترك تعليقاً