بيدرسون كان يتحدث اليوم الأربعاء أمام جلسة مجلس الأمن الدولي حول سوريا حيث تمحورت إحاطته حول اللجنة الدستورية، والوضع في الميدان، والبحث عن عملية أوسع نحو حل سياسي ينفذ القرار 2254 بشأن عملية السلام في سوريا.
وكانت الدورة الرابعة للهيئة المصغرة للجنة الدستورية السورية قد انعقدت في جنيف في الفترة من 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 4 كانون الأول/ديسمبر. وخلال هذه الجلسة، واصل أعضاء اللجنة حوارهم حول جدول الأعمال – والذي تمشى مع الولاية والاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية، وناقشوا الأسس والمبادئ الوطنية.
وذكر المبعوث الخاص أن الوفد الحكومي قدم ثمانية مبادئ تتعلق بمكافحة الإرهاب وإدانة الإيديولوجيات الإرهابية ودعم الإرهابيين، وإدانة الإجراءات القسرية الأحادية، وإدانة احتلال الأراضي السورية، ورفض المشاريع الانفصالية، ودعم الجيش العربي السوري، وتعزيز الهوية الوطنية. بالإضافة إلى حماية التنوع الثقافي وتشجيع وضمان عودة اللاجئين ومعالجة القضايا الإنسانية. وقد تم تقديمها على أنها أسس ومبادئ وطنية، لم يتم ربطها صراحة بنص دستوري مقبل.
من جهته قدم الوفد الذي رشحته هيئة المفاوضات السورية 23 نقطة تناولت مجموعة من المبادئ بما في ذلك سيادة سوريا وسلامة أراضيها والعلاقات الدولية والالتزام بالقانون الدولي والهوية الوطنية والتنوع الثقافي والديمقراطية والتعددية السياسية وسيادة القانون وفصل السلطات، والفساد والإرهاب والمواطنة وعودة اللاجئين والحقوق والحريات والمبادئ الاجتماعية والاقتصادية.
وقد صاغ الوفد هذه النقاط على أنها مبنية على المبادئ الأساسية الـ 12 الحية داخل سوريا التي تم تأكيدها في سوتشي وفي تفويض اللجنة – وقدمها الوفد كنقاط للتطوير لتشكل جزءا من المبادئ الأساسية في دستور جديد.
اختلافات صارخة ..متوقعة
غير بيدرسون لفت الانتباه إلى وجود بعض الاختلافات الكبيرة بين وجهات نظر الوفدين خلال اجتماع الدورة الرابعة للجنة الدستورية في جنيف، وأوضح قائلا: “كانت هناك العديد من الاختلافات الصارخة بين المواقف والسرديات التي عرضت أمام اللجنة. وكانت هناك لحظات من التوتر. لم أتفاجأ بهذا. لكن من الإيجابي طرح بعض المواقف بشكل ملموس”.
وقال المبعوث الأممي إنه من المشجع إلى حد ما أن نرى الأعضاء يستمعون لسرديات بعضهم البعض باهتمام واحترام، دون أن يقاطعوا بعضهم بشكل متكرر كما كان يحدث في السابق، ومع بعض المحاولات الحقيقية لمناقشة مواقف بعضهم البعض.
تمشيا مع الحزمة المتفق عليها بين الرئيسين المشتركين، اتفقا هم وأعضاء اللجنة على أن تنعقد الدورة الخامسة للهيئة المصغرة في جنيف بين 25 و 29 كانون الثاني/يناير 2021 – إذا سمحت ظروف كوفيد -19 دون أي شروط مسبقة وكما هو متفق عليه. وسيركز جدول الأعمال، بما يتماشى مع الولاية والاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية، على المبادئ الدستورية أو المبادئ الأساسية للدستور.
إلى ذلك أشار بيدرسون إلى حاجة اللجنة إلى “تحسين أساليب عملها”. وقال “أود أن أرى الرئيسين المتشاركين يتوصلان إلى توافق في الآراء بشأن أساليب العمل التي يمكن أن تعزز حسن سير عمل اللجنة وتنظيمها وهيكلها، مما يمكنها من النظر في بنود دستورية محددة ومشاريع أحكام”.
بالإضافة إلى طريقة واضحة للدورة الخامسة، قال بيدرسون إنهم سيحتاجون أيضا إلى خطة عمل أبعد من ذلك، “حتى تعمل اللجنة بسرعة وباستمرار لتحقيق نتائج وتقدم مستمر، دون تدخل خارجي أو جداول زمنية مفروضة من الخارج”.
أهمية دور المرأة في العملية السياسية
أثر الصراع على حياة المرأة السورية، وقد أثيرت أهمية دورها في الحياة السياسية وضمان المساواة بين الرجل والمرأة في مناسبات عديدة خلال الدورة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية- من قبل أعضاء الوفدين المتشاركين وأيضا من قبل أعضاء المجتمع المدني.
وفي هذا السياق أكد بيدرسون أنه سيستمر في إشراك النساء السوريات والتشاور معهن. وكان قد التقى افتراضيا بالمجلس الاستشاري النسائي مرتين خلال جلسة اللجنة الدستورية. وقال إنه معجب “بالتزامهن بدعم العملية السياسية والتوصل إلى مقترحات وحلول شاملة لصالح جميع السوريين، رجالًا ونساءً”.
كما أن مشاركتهن الأخيرة مع المجموعات النسائية في مناطق مختلفة من سوريا والمنطقة لاختبار بعض أفكارهن حول الدستور والاستماع إلى أولويات ومخاوف المرأة السورية، كانت مشجعة.
هذا ويواصل المبعوث الأممي إلى سوريا أيضا إشراك المجتمع المدني من خلال غرفة دعم المجتمع المدني. وبالأمس فقط، استأنف المشاورات مع مجموعة متنوعة من الخبراء في مجالات تخصصهم. وقال إنه استمع إلى مخاوف قوية بشأن ما يشعر الكثيرون أنه “نقص في التقدم السياسي الملموس، بما في ذلك داخل اللجنة الدستورية”.
وطالبوا بإحراز تقدم في ملف المعتقلين وضمانات الحماية للاجئين وأراضيهم وممتلكاتهم، ودعوا إلى مزيد من الفضاء المدني وحماية المجتمع المدني.
الصراع والإرهاب حقيقة قائمة
فقد سامي ساقيه في انفجار في سوريا، إلا أنه يتنقل في أرجاء مخيم الزعتري بواسطة كرسي متحرك.
بحسب إحاطة المبعوث الخاص أمام مجلس الأمن الدولي صباح اليوم الأربعاء، لا يزال الصراع العنيف والإرهاب يشكلان حقيقة واقعة بالنسبة للسوريين.
بفضل الترتيبات القائمة، بما في ذلك تلك التي تشارك فيها روسيا وتركيا والولايات المتحدة، يستمر “الهدوء الهش” وفقا لبيدرسون الذي أشار إلى الجهود المتواصلة للتصدي للجماعات الإرهابية المدرجة في قائمة الأمم المتحدة، بما في ذلك داعش وهيئة تحرير الشام. غير أنه أضاف أن “هذا لا يزال أقل بكثير من وقف إطلاق النار المتصور في القرار 2254”.
الأسر التي تكون فيها المرأة المعيل الأساسي هي أسوأ حالاً – فهي تكسب 30 في المائة أقل، في المتوسط، من حيث الدخل مقارنة بالعائلات النازحة الأخرى– مارك لوكوك
وقال بيدرسون إن القصف والضربات الجوية وهجمات العبوات الناسفة تستمر في قتل وإصابة المدنيين، مضيفا أن “مخاطر تجدد الصراع موجودة دائما – في الشمال الغربي والجنوب الغربي وحتى في الشمال الشرقي، حيث ظهرت علامات مقلقة على التوترات هذا الشهر”.
وأكد أن هناك الكثير مما يمكن وينبغي القيام به للتصدي للجماعات الإرهابية بطريقة تتفق مع القانون الإنساني الدولي وتضمن حماية المدنيين.
انعدام الأمن الغذائي وارتفاع التقزم
أما على الصعيد الإنساني، فأوضح بيدرسون للهيئة الأممية المؤلفة من خمسة عشر عضوا أن وضع ملايين السوريين لا يزال محفوفا بالمخاطر بل وهو كارثي بالنسبة للبعض.
مشيرا إلى أهمية القيام بالكثير لضمان وصول العاملين في المجال الإنساني والموارد اللازمة لتلبية الاحتياجات، معربا عن قلق خاص حيال انعدام الأمن الغذائي.
وقال لوكوك إن أسعار السلع ارتفعت حتى الضروريات المدعومة مثل الخبز الذي تضاعف سعره فيما ارتفع سعر وقود الديزل المدعوم بأكثر من الضعف منذ أيلول/سبتمبر.
وتقول أكثر من 80 في المائة من العائلات النازحة في جميع أنحاء البلاد الآن إن دخلها لا يغطي احتياجاتها. “والأسر التي تكون فيها المرأة المعيل الأساسي هي أسوأ حالاً – فهي تكسب 30 في المائة أقل، في المتوسط، من حيث الدخل مقارنة بالعائلات النازحة الأخرى”.
ويظهر تأثير كل هذا جليا على الفئات الأكثر ضعفا بحسب البيانات. وأوضح وكيل الأمين العام أن نسبة التقزم بين الأطفال في الشمال الغربي ارتفعت بنسبة خمسة في المائة هذا العام. وبحسب التقديرات، هناك 34 في المائة من جميع الأطفال، أي أكثر من واحد من بين كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة في شمال غرب سوريا، يعانون من التقزم.
الوصول الآمن إلى المحتاجين
ودعا مارك لوكوك إلى حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، مشيرا إلى أن محطة علوك للمياه توقفت مرة أخرى عن ضخ المياه في 3 كانون الأول/ديسمبر نتيجة انقطاع التيار الكهربائي للمحطة.
كما يستمر الإبلاغ عن نقص المياه في مدينة الباب والمناطق المحيطة بها، مما يؤثر على 185,000 شخص.
وطالب منسق الإغاثة الطارئة بضمان وصول الوكالات الإنسانية الآمن إلى المحتاجين قائلا:
“يحتم القانون الإنساني الدولي أن تسمح جميع الأطراف بمرور الإغاثة الإنسانية السريع بدون إعاقات، وأن تسهله للمدنيين المحتاجين”.
وأشار لوكوك إلى ازدياد حرائق الخيام عادة في فصل الشتاء، حيث تحاول العائلات الحفاظ على الدفء بأي وسيلة متاحة لها، مشيرا بأسف إلى مصرع ثلاثة أطفال في مخيم الهول، نتيجة حريق في المخيم الأسبوع الماضي، قيل إن سببه جهاز طهو يعمل على الكيروسين.
“يسلط هذا الحادث المأساوي الضوء مرة أخرى على الظروف الصعبة في مخيم الهول. إنه ببساطة ليس مكانا يمكن أن يكبر فيه عشرات الآلاف من الأطفال”.
تقييم عام 2020 وآفاق 2021
ومع اقتراب عام آخر من نهايته، تظل العائلات في سوريا تعاني بلا هواده بعد ما يقرب من عقد من الصراع.
حتى مع انحسار الصراع النشط في بعض المناطق، يؤدي التدهور الاقتصادي والأثر المركب لكوفيد-19 إلى تدهور حياة الناس. ومن المتوقع أن يرتفع انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بشكل كبير، وكذلك العدد الإجمالي للأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية.
وقال لوكوك إن أحد الشواغل المباشرة هو تقديم المساعدة الشتوية للعائلات حيث تنخفض درجات الحرارة الآن.
من الواضح أننا لا نستطيع القيام بذلك بمفردنا. نحن بحاجة إلى دعم قوي وموحد من هذا المجلس لرسم مثل هذا المسار نحو تنفيذ القرار 2254– غير بيدرسون
وأشار إلى أن توزيع المساعدات الإنسانية جار مع وجود خطط للوصول إلى أكثر من 3 ملايين شخص تم تحديدهم على أنهم الأكثر احتياجا. ومع ذلك، فإن “التمويل الحالي سيسمح لنا فقط بالوصول إلى 2.3 مليون من هؤلاء الثلاثة ملايين”، بحسب لوكوك الذي شكر المانحين الذين يدعمون هذا الجهد، قائلا “ولكن هناك حاجة إلى المزيد”.
أما مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، فدعا، بينما ننظر إلى عام 2020، إلى البناء على عنصرين:
هدوء نسبي بدون تحول في الخطوط الأمامية منذ آذار/مارس 2020؛ ولجنة دستورية.
وبينما نتطلع إلى عام 2021، قال بيدرسون إن هناك حاجة إلى عملية أعمق وأوسع، بما في ذلك “وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وصياغة دستورية جوهرية وجهود أوسع لمعالجة النطاق الكامل للقضايا، مع إجراءات لبناء الثقة والحركة، خطوة بخطوة”.
وقال المبعوث الخاص إن “هذا يحتاج إلى شكل جديد من التعاون الدولي بشأن سوريا، مع وجود لاعبين رئيسيين وقضايا رئيسية على الطاولة”.
بالنظر إلى الانقسامات العميقة في سوريا، وفي المنطقة وعلى الصعيد الدولي، قال بيدرسون إن ذلك يجعل “التوصل إلى إجماع حول كيفية تحقيق خطوات متبادلة وقائمة على مبدأ المعاملة بالمثل، ودبلوماسية سورية بناءة أمرا صعبا للغاية. لكنني مقتنع بأن ذلك ممكن، وأن هناك مصالح مشتركة تجعله كذلك”.
وأكد أنه سيستمر كما بدأ في الأسابيع الأخيرة – في تقييم الوضع، وإشراك الأطراف السورية وأصحاب المصلحة الدوليين الرئيسيين، والسعي إلى تحديد طرق جديدة وإضافية لدفع العملية إلى الأمام. غير أنه قال:
“من الواضح أننا لا نستطيع القيام بذلك بمفردنا. نحن بحاجة إلى دعم قوي وموحد من هذا المجلس لرسم مثل هذا المسار نحو تنفيذ القرار 2254”.