تحملت السوريات أعباء الصراع الدائر في سورية كما الرجال والأطفال، واستحققن لقب الشريك في الألم والحزن والنزوح والموت. دفعن ثمناً باهظاً في مناطق النزاع على يد معظم الأطراف، من الاستغلال إلى التحرش وصولاً إلى الخطف والاغتصاب والاعتقال والقتل.
إحصاءات غير رسمية تشير إلى أن أعداد الضحايا والمعتقلين والمغيبين والنازحين والمهاجرين من الرجال تتجاوز أعداد النساء بعد مرور 12 سنة على بدء الثورة السورية. ومع ذلك، تظهر هذه الإحصاءات أيضاً أن النساء في مختلف مناطق البلاد يعانين من الفقر والنزوح والتشرد.
حذرت المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين من أن العديد من النساء السوريات يعيشن في عزلة وقلق، يكافحن من أجل البقاء في ظل ظروف قاتلة. التقارير الحقوقية أكدت معاناة السوريات دون إغفال آلام الفقد خلال الحرب، خاصة الأمهات.
في إطار هذا السياق، وجدت السورية مها أبو رسلان فرصة للتعبير عن غياب فرصة أخي في انتفاضة السويداء. تحمل مها ذكرى شقيقها شادي الذي اعتقلته أجهزة النظام وتعرض لتعذيب شديد، ما دفع العائلة للابتعاد عن القرية.
عادت مها بعد عشر سنوات إلى القرية للمشاركة في الانتفاضة الشعبية، حاملة صور شادي بفخر. تعبر مها عن تحسينها بأن روح شادي ارتاحت أخيراً في العالم الآخر.
لم تنقطع مها عن حضور التظاهرات في ساحة الكرامة بوسط مدينة السويداء، حيث التقت نساء فقدن أحباءهن خلال السنوات الماضية. يحملن صور ضحاياهن ويتهمن النظام بالمسؤولية عن قتلهم، وجميعهن يروين قصصاً مؤلمة عن الظلم والموت.
إحدى المشاركات في الانتفاضة تشير إلى فقدان أخيها بعد كشفه عن فساد في إحدى مؤسسات الدولة. تعبر عن استعدادها للوقوف مع المئات من النساء للمطالبة بإسقاط النظام.
تعبر إحدى المشاركات في انتفاضة السويداء لـ”العربي الجديد” عن فقدان أخياً، الذي رحل بعد فصله من العمل ومنعه من السفر بأشهر قليلة. عمل لمدة 18 عاماً ليحصل على شهادة الهندسة، لكنه لم يكن يدرك أن عمله في إحدى مؤسسات الدولة يتضمن التورط في التغاضي عن السرقات والمشاركة في الفساد، ما أدى إلى صمته تجاه تعطيل التجهيزات الخدمية وبيع مخصصات المؤسسة من الوقود. عندما تحدث عن ما يحدث، تعرض لتعذيب من قبل الأجهزة الأمنية، وأصيب بأمراض صحية ونفسية أدت إلى وفاته. اليوم، تجد المشاركة فرصتها للوقوف مع مئات النساء للمطالبة بإسقاط النظام الذي قتل السوريين في منازلهم وأماكن عملهم وفي المعتقلات.
وتروي والدة آخر قالبها الحزن والفقد في معتقلات النظام قصتها لـ”العربي الجديد”. في بداية اعتقال ابنها عام 2013، كانت لا تعلم شيئاً عن السياسة وكانت تصدق كل ما تشاهده على شاشة التلفزيون الحكومي، كمعظم الأمهات اللواتي قضين حياتهن في رعاية العائلة. ولكن عندما فهمت أسباب اعتقال ابنها، صدمت بجهل المجتمع وتجاهله لمعاناتها. على مر السنوات، تحملت التجاوزات واللوم، لكنها لم تفقد أملها في إطلاق ابنها، ورغم وفاته بسبب جلطة قلبية بعد سبع سنوات، ما زالت تنتظره بأمل أن يعود.
الأم السورية الحزينة، التي لم ترَ جثمان ابنها ولم تتسنى لها فرصة الوداع قبل الدفن، تعيش في دوامة الحزن والألم، مع الإيمان الراسخ بأنه قد يكون لا يزال حياً.